نشر المقال في جريدة التحرير
كتبه: بهى الدين حسن
مرسى دخل التاريخ باعتباره أول رئيس لحزب إسلامى يصبح رئيسا لمصر.. لكنه قد يكون الأخير
دخل الرئيس محمد مرسى التاريخ باعتباره أول رئيس لحزب إسلامى ينتخب رئيسا لمصر، ولكنه قد يكون الأخير أيضا!
فاز مرسى بالمقعد الرئاسى بأغلبية 51%، بفضل مساندة قطاع عريض من العلمانيين، فى مواجهة منافسه المحسوب على معسكر الرئيس السابق حسنى مبارك، لذا كان من المتوقع أن يبذل الرئيس مرسى كل جهده لتوسيع قاعدته الشعبية المحدودة، ولكن مرسى لم يضع فرصة واحدة لكى يبدد كل يوم جزءا من رصيده المحدود، حتى لدى بعض حلفائه من الإسلاميين.
بدأ مرسى العد التنازلى لحكمه مبكرا منذ أسبوعه الأول فى القصر الرئاسى، حين شن أولى ضرباته الهدامة ضد استقلال القضاء، ثم كشف عن تبرمه من الحرية النسبية التى تتمتع بها وسائل الإعلام بعد الثورة، وقال مهددا بأن «صبره ينفد»! احتاج مبارك أكثر كثيرا من 7 سنوات لكى يبدأ فى التبرم علنا من الإعلام، لكن مرسى لم يستطع أن ينتظر أكثر من 7 أيام. منذ ذلك التاريخ المبكر توالت الضربات الرسمية وغير الرسمية بواسطة أنصار الرئيس ضد القضاء والإعلام، لقد كانت مؤشرات مبكرة على سجل قياسى غير مسبوق من منظور حقوق الإنسان، ولكن مؤشرات خطيرة أخرى بدأت تتوالى.
لعدة عقود كافح المصريون من أجل منع إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وانضم الإخوان المسلمون إليهم، لأنهم كانوا ضحية هذه المحاكمات فى العهد السابق، ولأن الدستور لم يكن يشرع لهذا العسف، كانت هناك دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا تطالب بإلغاء ما خوَّله القانون للقضاء العسكرى من سلطة تحديد ما إذا كانت جريمة ما تقع فى اختصاصه أم لا، لأن تلك السلطات كانت الوسيلة التى مكنت القضاء العسكرى من محاكمة من يشاء من المدنيين قبل وبعد الثورة. لكن فى ظل وجود مجلس الشعب الذى سيطر عليه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، جرى تعديل جزئى للقانون، وذلك بإلغاء فقط المادة المطعون عليها دستوريا مع الإبقاء على المواد الأخرى التى تسمح بإحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى، نتيجة لذلك سقطت الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا، ولكن القضاء العسكرى واصل محاكمة المدنيين. بعد 5 شهور فقط من حكم مرسى صار الأمر أكثر سوءا، فقد أصدرت الجمعية التأسيسية للدستور -التى سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على تشكيلها وأعمالها- أول دستور فى تاريخ مصر يشرع لمحاكمة المدنيين عسكريا.
ناضلت الحركة العمالية والنقابية المصرية لنحو 6 عقود، من أجل التمتع بالحق فى التعددية النقابية للمهنة الواحدة والمصنع الواحد، فى مواجهة التنظيم النقابى الوحدانى المهيمن الذى تسيطر عليه الحكومة والأجهزة الأمنية، وتأسست أولى النقابات المستقلة قبل الثورة، ولكن دستور مرسى سيدخل التاريخ بوصفه أيضا أول دستور مصرى يحرم العمال من هذا الحق.
كانت الدولة البوليسية على رأس أسباب وأهداف انتفاضة المصريين منذ عامين ونصف العام، ولذلك اختاروا يوم العيد السنوى للشرطة فى 25 يناير لإطلاق انتفاضتهم. إذا كان هناك إنجاز واحد فقط حققه المصريون منذ الانتفاضة، فهو كسر حاجز الخوف من الشرطة وتفكيك شبكات حيوية للدولة البوليسية. ولكن مرسى بعد 6 شهور من حكمه أعاد إلى الشرطة صلاحياتها فى قمع الاحتجاج السلمى، وبارك «حزمها» بعد أن قتلت نحو 50 مواطنا خلال عدة ساعات فى يناير الماضى. وفى أول يونيو أعلن عن تقديمه إلى مجلس الشورى (البرلمان) أول قانون للجمعيات الأهلية فى تاريخ مصر يقنن الهيمنة الأمنية على منظمات المجتمع المدنى، خصوصا منظمات حقوق الإنسان. قبل «الثورة» كانت منظمات حقوق الإنسان تعانى من تدخل الأجهزة الأمنية سرا فى أنشطتها بالمخالفة للقانون، ولذا تمكنت هذه المنظمات أحيانا من كسب دعاوى قضائية ضد التدخل الأمنى. ولكن بمقتضى «قانون مرسى»، لم يعد ممكنا تحدى قضائيا أحد أخطر ملامح دولة بوليسية جديدة، فقد صارت الهيمنة الأمنية على النشاط المدنى هى «القانون». إن إصدار إحدى المحاكم -فى ذات وقت إعلان مرسى عن «قانونه»- أول حكم قضائى فى تاريخ مصر، يقضى بعقاب مدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية بالسجن، لأنهم مارسوا واجبهم، هو الوجه الآخر لذات العملة.
عرف المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة توسع ظاهرة التحرش الجنسى، ولكن فى 2005 استأجر بوليس مبارك بلطجية للتحرش الجنسى بالمتظاهرات، لإقصائهن عن المشاركة فى أعمال الاحتجاج السياسى، ولكن نظرا لرد الفعل القوى محليا ودوليا وتقديم شكاوى فى الآليات الدولية، توقف بوليس مبارك عن استعمال هذا «السلاح». فى يناير الماضى أعيد استخدام هذا «السلاح» بعد «تطويره» ليصير اغتصابا فى عهد أول رئيس «إسلامى»! لنفس الأسباب التى أدت إلى وقف التحرش الجنسى كسلاح سياسى فى عهد مبارك، توقف فجأة استخدام الاغتصاب كسلاح سياسى، وذلك بعد افتضاح كونه عملا منظما! من أصدر الأمر بوقف استخدام الاغتصاب كسلاح «سياسى» هو الذى كان قد أباح استخدامه؟
بعد 8 شهور من حكم جماعة الإخوان المسلمين أعرب أبرز كاتب إسلامى فى مصر عن خشيته من أن تؤدى السياسات والممارسات الخاطئة للجماعة إلى أن يعتقد الناس أن المشكلة فى الإسلام وليس فى الجماعة! رغم أن الكاتب من أشد مناصرى الجماعة قبل وبعد الثورة، لكن فى ما يبدو أن المصريين قادرون على إدراك المصدر الحقيقى لمشكلاتهم، فكثير من المظاهرات المعارضة للإخوان المسلمين تنطلق من المساجد، ونسبة كبيرة من النساء المشاركات فى الاحتجاجات ضد حكمهم هن محجبات. منذ أيام نشرت إحدى الصحف تقريرا مصورا عن مقهى، كتب صاحبه بالخط العريض على واجهته «لأننى مسلم، غير مسموح بدخول الإخوان المسلمين»!
على الأرجح، سيتذكر التاريخ الرئيس مرسى، باعتباره الشخص المعادى للعلمانية الذى نجح فى ما فشل فيه العلمانيون لعدة عقود، فقد تمكن خلال وقت قياسى من مساعدة المصريين فى اكتشاف أن الإسلام ليس سوى أحد مكونات الشخصية المصرية، وأنه ليس مكونها الوحيد، وربما ليس الرئيسى أيضا، وأن إسلام المصريين مختلف عن «الإسلامات» الأخرى، بما فى ذلك «إسلام» الإخوان المسلمين.
ربما يكون ذلك الإنجاز هو الأهم الذى سيسجله التاريخ لمرسى، لأنه أيضا يفسر إقبال ملايين المصريين على التوقيع على نداء «تمرد» الذى يدعو مرسى إلى التنحى عن الحكم فى 30 يونيو.
لقد ظل الرئيس مرسى وإخوانه يكافحون عشرات السنين، من أجل إقناع المصريين أن «الإسلام هو الحل»، ولكن عندما وافق أغلبية من المصريين على تجريب هذا الحل، بذل الرئيس مرسى وإخوانه كل جهدهم خلال السنة الأولى من حكمه لإقناع المصريين أن، فى السياسة، الإسلام ليس هو الحل!
Share this Post