- ليلى مطر
كان عام 2011 هو عام التغيُرات غير المسبوقة أو المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(MENA). حيث لم تكن الأحداث الجارية إلا مجرد اختبار لمدى ملاءمة الآليات الدولية في مجال حقوق الإنسان -مثل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (HRC)- ومدى كفاءتها في إطار الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط.
كانت الانتقادات التي وجهت إلى مجلس حقوق الإنسان ترتكز على عجزه وعدم مرونته عندما يتعلق الأمر بحالات محددة في دول بعينها. والسؤال المطروح الآن هو هل تمت ترجمة الصحوة العربية إلى صحوة في مجلس حقوق الإنسان؟ ففي عام 2011، عندما خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع للمطالبة بحقهم في الكرامة والديمقراطية، في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في مواجهة قمع وحشي من قِبل السلطات، أثبت مجلس حقوق الإنسان قدرته على تقديم استجابة فعالة، وإن كانت استجابته انتقائية.
ففي فبراير/ شباط 2011، عقد مجلس حقوق الإنسان دورته الاستثنائية الأولى من نوعها بشأن دولة من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -باستثناء الدورات التي عُقدت لمناقشة الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل والسودان- وذلك لمناقشة الأوضاع في ليبيا. في هذه الدورة، اعتمد مجلس حقوق الإنسان بالإجماع قرارا ، الذي صب فى دعم قرار الجمعية العامة الخاص بتعليق عضوية ليبيا من مجلس حقوق الانسان.
كما عقد المجلس ثلاث دورات استثنائية حول الأوضاع في سوريا، وتشكلت بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق وتقديم تقرير حول الوضع في البلاد ، الأمر الذي تلاه إرسال لجنة للتحقيق، وإن كان ذلك يدل على خطورة الوضع على أرض الواقع، فهو يشير بالقدر ذاته إلى الإرادة السياسية لبعض الدول لمواجهة سوريا على وجه التحديد. وعلى الرغم من كم الاعتراضات –من جانب بعض الحكومات- التي نالت من قوة هذه الدورات و أضعفت قراراتها -فيما يتعلق بالمساءلة الدولية- إلى حد بعيد ، إلا أن هذه الدورات حققت نجاحًا نسبيًا فيما يختص بفاعلية مجلس حقوق الإنسان.
خلال هذا العام أيضًا عزز مجلس حقوق الإنسان من عمله بشأن القضايا الموضوعية التي تحظى بأهمية خاصة فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث أصدر قرارًا خلال دورته المنعقدة في شهر سبتمبر/ أيلول، بإنشاء مفوضية للإجراءات الخاصة المتعلقة بالعدالة الانتقالية – وهي المقرر الخاص المعني بدعم الحقائق، العدالة، التعويضات وضمانات عدم تكرار الانتهاكات. تأتي أهمية تلك المفوضية من كونها راصدًا للتقدم الذي تم إحرازه في سبيل تحقيق أهداف الثورات في العالم العربي.
وفي مارس/آذار 2011، انتخب مجلس حقوق الإنسان ماينا كياي أول مقرر خاص معني بالحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي؛ تلك الحقوق التي تُعد جوهر الحركات الداعمة للديمقراطية، والتي طالما تضررت بشدة في المنطقة العربية . وتُعزى أهمية هذه المفوضيات الجديدة إلى كونها شديدة التأثير على مجريات الأحداث داخل المنطقة العربية وخارجها، كما أن تشكيلها جاء في الوقت المناسب تمامًا.
وفي ظل تلك المبادرات الناجحة، لم تلقَ الدعوات التي أطلقتها مختلف المنظمات غير الحكومية – الوطنية والإقليمية والدولية من كل بلاد العالم- ، والتي ناشدت مجلس حقوق الإنسان التصدي للحملات الأمنية ضد المحتجين في تونس ومصر والبحرين واليمن، سوى أذانا صماء.
ترجع مسؤولية هذا الفشل -إلى حد بعيد- لافتقار الجهات الفاعلة مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي إلى الإرادة السياسية من جانب، والإعتقاد الراسخ في معادلة “القمع = الاستقرار” من جانب أخر، ذلك فضلاً عن ديناميكيات سياسة الكتلة التي يعاني منها المجلس.
ربما كان أكثر ما خيّب الآمال هو موقف بعض الدول الديمقراطية مثل جنوب أفريقيا والهند والبرازيل، والتي فشلت في تقديم الدعم الكامل للجهود الهادفة إلى المساءلة الدولية عن الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين السلميين. وفي ظل غياب الإجراءات الحاسمة للتعامل مع الأوضاع في مصر، البحرين واليمن، تم عقد حلقة نقاش حول حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية في مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول2011. وبالرغم من أن الحلقة كانت ناجحة بحد ذاتها، إلا أن ألية مناقشة موضوعية عامة لا تُفضِ إلى نتائج ملموسة تكون ردة فعل ضعيفة إزاء عمليات القتل ، والاعتقالات التعسفية والتعذيب المتفشية في هذه البلدان.
هناك العديد من الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن أي إجراءات إيجابية من قبل مجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بليبيا وسوريا قد لا تكون سابقة ايجابية فيما يختص بقدرة المجلس على مواجهة أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات في جميع أنحاء العالم. ففي دورته الأخيرة هذا العام، فشل المجلس –مجددًا- في التصدي بفاعلية لأحداث العنف المستمرة في اليمن، وتبنى -عوضًا عن ذلك- قرار يطالب اليمن بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها هي نفسها ؛ فيما يُعد استجابة ضعيفة للانتهاكات الكاملة لحقوق الإنسان وحالة الطوارئ الإنسانية التي تشهدها البلاد. بالإضافة إلى ذلك، لاذ المجلس بالصمت إزاء إحالة أكثر من 12000 مدني إلى محاكم عسكرية، وكذالك إزاء الهجوم غير المسبوق على المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتي وقعت في مصر تحت الحكم العسكري منذ سقوط مبارك. وعندما اندلعت أعمال العنف مجددًا في نوفمبر/ تشرين الثاني، وأضيفت 41 حالة وفاة جديدة إلى قائمة ضحايا النضال من أجل الديمقراطية في مصر، لم يكن لأحد أن يتوقع، أو يأمل، في إمكانية استعداد المجلس للاستجابة للأحداث.
لقد بلغ الاهتمام الذي أولته الأمم المتحدة للأحداث، والإجراءات التي اتخذتها لدعم وحماية حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة العربية خلال عام 2011 درجة لا مثيل لها في التاريخ. مع ذلك، فقد ساهمت الأحداث التي شهدها هذا العام كذلك في التأكيد على القيود السياسية وازدواجية المعايير التي تواجه الجهود المبذولة لدعم حقوق الإنسان وحمايتها في المنطقة العربية. وظهرت تلك الازدواجية بشكل صارخ من قِبل مختلف دول العالم في مجلس حقوق الإنسان – تتساوى في ذلك الدول الديمقراطية والأوتوقراطية معًا.
لقد حقق مجلس حقوق الإنسان بعض الإنجازات في عام 2011؛ ولكي يتمكن من تعزيز قدرته على الوفاء بالتزاماته في دعم وحماية حقوق الإنسان عام 2012، يتعين عليه أن يضيف الترابط المنطقي وتفادي الممارسات الانتقائية إلى قائمة إنجازاته.
ليلي مطر ممثل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (CIHRS) بالأمم المتحدة
Share this Post