عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أمس الخميس 14 نوفمبر، لقاءً حواريًا ضمن فعاليات صالون بن رشد تحت عنوان “الإعلام والدستور المعدل: مسئوليات متبادلة”، وذلك لمناقشة مسئولية الإعلام في مرحلة النقاش المجتمعي والاستفتاء حول الدستور من جهة، وكذا مسئوليات الدستور وما يقره من مواد إزاء الإعلام بما يضمن استقلاليته ومهنيته من جهة أخرى.
استضاف اللقاء الكاتب الصحفي رجائي الميرغني، المنسق العام للائتلاف الوطني لحرية الإعلام، والإعلامي حافظ الميرازي، مدير مركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية والإلكترونية بالجامعة الأمريكية، وأدار اللقاء منى نادر، مدير وحدة الإعلام والحملات بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
بدأ الميرغني كلمته بشرح السياق العام لعملية صياغة الدستور الحالي، مشددًا على أن إقرار الدستور يحتاج توافق مجتمعي لم نصل إليه حتى الآن، لاسيما بعد تجزر حالة الانقسام وتداخل المصالح بين مراكز القوى بعد 30 يونيو.
وأشار الميرغني أنه من غير المتوقع أن يعبر الدستور القادم عن مطالب الثورة وأهدافها بقدر ما يعكس توازنات القوى في اللحظة الراهنة، وهو ما دعمه الميرازي قائلاً “لا يمكن أن نكتب دستور وهناك قطاع من الشعب خايف يشارك، مش بس لأنه مسجون ومطارد بس، لكن قد يكون خايف يعترض فيتقال عليه طابور خامس”.
من جانبهم اتفق الحضور جميعًا على استسلام الإعلام لحالة الاستقطاب الحاد التي فرضتها اللحظة السياسية الراهنة، وهو ما دفع الميرغني لاعتبار الإعلام مُقصِّر في دوره في شرح مواد الدستور وإدارة نقاش مجتمعي جاد ومهني حولها، لاسيما مناقشة مدى توافق هذه المواد مع أهداف الثورة وأحلام الثوار، مضيفًا أن المهمة الأساسية للإعلام في أوقات الاستفتاء هي التعريف بجوانب الخلاف وأسبابه دون اختزال للمسألة في ( نعم أو لا).
على الجانب الأخر أكد الميرازي أن الإعلام يدفع المصريين إلى مبايعة الدستور، وليس التصويت عليه، فرغم أن النسخة الأولى من الدستور لم تطرح بعد، وأن الإعلاميين ممنوعون من حضور الجلسات، بل أن الأعضاء الاحتياطيين يشكون إقصائهم عن عمل اللجنة، بدأت وسائل الإعلام الحشد لقبول الدستور على اعتباره الأفضل!
اتفق الميرغني مع الميرازي في رفض الحملات الإعلانية المؤيدة للتصويت بنعم على دستور لم تتم صياغته بعد، مشددًا على أهمية عدم المبالغة في التوقعات الخاصة بهذا الدستور، وكذا عدم توظيفه في إطار التربح السياسي أو الرهان على قوى بعينها لمجرد أنها أخذت على عاتقها إنجاز هذا الدستور. وفي هذا الإطار شدد الميرازي على أن الدستور القادم سيكون دستورًا مؤقتًا، وأن اللحظة غير مواتية لكتابة دستور دائم، يدفع بالتحول الديمقراطي ويحقق مطالب الثورة مضيفًا: “الناس بتحط الدستور عشان يضمن حقوقها وهي أقلية مش عشان لما يكونوا الطرف الأقوى يأخذوا صلاحيات أقوى لمصادرة حقوق الأقلية، فالطرف القوي لا يحتاج دستور يحميه ويحصنه”.
حرص الميرغني على عقد مقارنة مفصلة بين مواد الإعلام في دستور 2012 وبين المقترحات الخاصة بمواد الإعلام الصادرة مؤخرًا عن لجنة الخمسين، واعتبر الميرغني أن ثمة تطور جيد ناله الإعلام بعد التعديل، وإن كان أقل من المطلوب ولكنه يناسب الفترة الاستثنائية الراهنة، لاسيما فيما يخص التأكيد على ملكية المعلومات للشعب، ومن ثم فالحصول عليها حق، مُشيدًا بإلغاء لجنة الخمسين الاستثناءات التي سبق وأقرها دستور 2012 (بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الآخرين ولا يتعارض مع الأمن القومي، المادة 47 دستور 2012)، كما أثنى الميرغني على إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 81 لدستور 2012 والتي رهنت تمتع المواطنين بكافة الحقوق الدستورية بأن ( لا تتعارض مع المقومات الواردة في بابي الدولة والمجتمع).
بينما انتقد الميرغني اكتفاء الصياغات المقترحة بالتأكيد على مبادئ عامة دون توضيح آلية التنفيذ، لاسيما فيما يتعلق بعملية إتاحة النشر والمعلومات، كما انتقد إخضاع الإعلام الرقمي لأنظمة التراخيص، وكذا غموض مصطلح “التعبئة العامة للحرب” كاستثناء يبيح الرقابة على الصحف معلقًا “لا يوجد حرب يتم الإعلان عنها، ونعلن بدء حملة الحشد والتعبئة العامة لها”.
من جانبه اعتبر الميرازي أن مواد الإعلام في الدستور جاءت منقوصة وعليها مآخذ عديدة، حيث رفض الميرازي بشكل قاطع الإبقاء على جريمة الحبس في قضايا النشر في الحالات الاستثنائية التي أقرتها المادة المقترحة، قائلاً “أي حاجة فيها سب وقذف مفيهاش سجن، ولا حصانة للشخصيات العامة، والتحريض على العنف تعبير فضفاض لا يمكن إثباته، أما التمييز فهو مصطلح واسع غير منضبط، قد يكون إيجابي أو سلبي”.
كذلك اعتبر الميرازي أن الانترنت هو الملاذ الأخير للمصريين، وفرض أي رقابة عليه أو إخضاعه لبيروقراطية التنظيم الحكومي والتصاريح سوف يفرغه من سماته الأساسية، مطالبًا بالنص صراحةً على أن جميع وسائل الإعلام هي ملك الشعب كما المعلومات، إذ كيف يملك الشعب المعلومة ولا يملك الوسيلة التي تقدمها؟
اختتم الميرازي كلمته بأن فلسفة العقوبة لابد أن تُعزز من مهنية الإعلام وليس العكس، مطالبًا بإلغاء جريمة الحبس بشكل نهائي والاكتفاء بالغرامة، مشددًا على أهمية ألا تكون الغرامة تعجيزية، مبالغًا فيها بحيث تؤدي للحبس لتعذر الدفع. كما طالب الميرازي بتحصين الإعلاميين في الشوارع أثناء تغطية الفعاليات وتقوية دور النقابة في حماية الصحفيين وتمثيلهم قبل معاقبتهم.
من جانبه اختتم الميرغني كلمته بأن حقوق الإعلاميين مازالت تحتاج جهدًا إضافيًا، لاسيما من قِبل النقابة، وأن مواد الإعلام في الدستور المعدل وإن كانت لا تلبي كل مطالب الإعلاميين ولكنها تشكل تطورًا جيدًا لا يزال بحاجة لمزيد من العمل، لاسيما فيما يتعلق بمجال إتاحة المعلومات وتحصينها من البيروقراطية الحكومية، ومسألة التنظيم الذاتي للإعلام، مشددًا على أهمية عدم التسرع في الحكم على مواد الإعلام قبل صياغة المادة الخاصة بعمل المجلس الوطني للتنظيم الإعلام.
Share this Post