يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء القرارات التي اتخذتها عدة عواصم عربية بإعادة الفلسطينيين قسريًا إلى سوريا، معتبرًا أن هذه السياسة الجديدة لن تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة تمزقت أوصالها؛ بسبب تكرر النزاعات المسلحة ذات الطابع الداخلي والدولي.
فمنذ الانتفاضة التي بدأت في سوريا عام 2011 –والتي تحولت إلى حرب أهلية– اتخذت عدة دول عربية من بينها مصر ولبنان والأردن وتونس إجراءات تعسفية لمنع دخول الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى أراضيها، رغم أنهم من أكثر الفئات الضعيفة المستهدفة في الصراع الدائر في سوريا، كما أنهم الأكثر تأثرًا بالاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط.
كانت وزارة الداخلية اللبنانية قد أصدرت في شهر مايو من العام الحالي مجموعة جديدة من المعايير المنظمة لتدفق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، وذلك في أعقاب إلقاء القبض على تسعة وأربعين لاجئًا فلسطينيًا وسوريًا في مطار بيروت الدولي، وترحيل أربعين منهم –يُعتقَد أنهم جميعاً من الفلسطينيين– إلى سوريا، يوم 4 مايو 2014، بزعم حملهم لجوازات سفر مزورة.
إن قرار منع اللاجئين الفلسطينيين السوريين من دخول لبنان يشكل انتهاكًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر ترحيل أو إعادة الأشخاص إلى بلد يواجهون فيها خطر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ورغم أن هذا المبدأ ورد في الاتفاقية الخاصة باللاجئين الصادرة في عام 1951، ولا تعد لبنان طرفًا فيها، إلا أنه ورد أيضًا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والأعراف الدولية، اللذان لا محيص للبنان من الالتزام بهما. إذ يظل الإخلال بمبدأ عدم الإعادة القسرية انتهاكًا جسيمًا لهذه الالتزامات.
تُشكّل القواعد الجديدة التي أقرتها لبنان حالة من التمييز الصارخ ضد فئة مستضعفة –الفلسطينيين القادمين من سوريا على وجه التحديد– تتعرض بالفعل للتهميش داخل سوريا نفسها، إذ لم يلتفت لبنان –بإصداره مثل هذه اللوائح– للمخاطر الملموسة التي سوف يواجهها هؤلاء اللاجئون عند إجبارهم على العودة إلى سوريا.
في 3 مايو الماضي أصدر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت بيانًا يفيد بمنع جميع شركات الطيران من نقل اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، وتضمن البيان مجموعة من القواعد الضابطة للدخول –الصادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية– ومنها وجوب حمل اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا تصريح دخول موافق عليه من قبل مديرية الأمن العام اللبنانية، أو إقامة لمدة سنة إلى ثلاث سنوات، أو تصريح خروج ودخول لبناني. كما يجوز، حسب البيان، منح الفلسطينيين السوريين الراغبين في السفر من مطار بيروت الدولي تصريحًا بالمرور صالحًا لمدة يوم واحد فقط، ويمكنهم السفر شريطة إبراز وثائق السفر والتصاريح اللازمة.
الأمر الذي يعني أن الدولة اللبنانية لم تحتفظ فقط بالحق في منع السوريين الفلسطينيين من دخول لبنان، وإنما وضعت قاعدة جديدة تنص على أن الفلسطينيين الذين لديهم تصاريح إقامة لمدة تسعة أشهر يمكنهم تمديد إقامتهم لثلاثة أشهر لجعلها سارية لمدة عام كامل، إلا أن تصاريح الإقامة تلك باهظة التكلفة، حيث تتطلب دفع 300.000 ليرة لبنانية (أي حوالي 200 دولار أمريكي).
جدير بالذكر أن الحكومة اللبنانية قد صرحت أن هذه المجموعة الجديدة من القواعد ستُطبَّق بصفة مؤقتة، ولكنها لم تعلن عن إطار زمني محدد لسريانها.
من جانبها أعربت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) عن قلقها إزاء القيود المتزايدة التي فرضتها لبنان في الآونة الأخيرة، وهي لا زالت تراقب عن كثب نقطة المصنع الحدودية، وتحث الحكومة اللبنانية على وقف العمل بهذه القيود واللوائح في الأيام القليلة المقبلة.
إن لبنان ليس البلد الوحيد الذي تُنتهك فيه حقوق الفلسطينيين القادمين من سوريا؛ فقد أُلقي القبض على فلسطينيين قادمين من سوريا واحتجازهم هم وترحيلهم إلى سوريا على يد السلطات المصرية. كما تُعدّ التعليمات الخاصة بضرورة الحصول على تأشيرة وتصريح أمني قبل دخول مصر، وكذا ممارسات مثل اعتقال اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين لأنهم “يحملون تصاريح إقامة غير صالحة” انتهاكًا لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والتي انضمت إليها مصر عام 1981، فضلًا عن أنها منافية لالتزامات مصر في مجال حقوق الإنسان.
الأردن أيضًا قام بترحيل أكثر من مئة فلسطيني سوري اعتبارًا من مارس 2014، واتبع سياسات جعلت وجود اللاجئين الفلسطينيين السوريين المتواجدين بالفعل في البلاد غير قانوني. كما وُجهَت لتونس انتقادات في الآونة الأخيرة بسبب احتجاز ثلاثين لاجئًا فلسطينيًا من سوريا، من بينهم 3 أطفال، في مطار قرطاج وترحيل خمسة عشر فلسطينيًا إلى لبنان لمواجهة خطر الإعادة القسرية إلى سوريا. هذه الممارسات لا تمثل فقط انتهاكًا للقانون الدولي الخاص باللاجئين، ولكنها أيضًا انتهاك للدستور التونسي الجديد الذي يمنح حق اللجوء.
أخيرًا يؤكد مركز القاهرة وعيه الكامل بالعبء المُلقى على عاتق لبنان وغيره من البلدان المجاورة لضمان أمن وسلامة اللاجئين القادمين من سوريا، ولكن لا يوجد أي عذر مشروع يمكن أن يبرر تعريض مئات النساء والرجال والأطفال لمغبة قرارات تعسفية قد تحول دون حقهم في الحياة والحق في سلامة الجسد. وينبغي للبلدان المانحة أن تضمن أيضًا توفير القدرات المطلوبة لاستيعاب احتياجات طالبي اللجوء ومعاملتهم معاملة كريمة، سواء في لبنان أو غيره من البلدان المجاورة، إذ سيؤدي الإحجام عن اتخاذ مثل هذه التدابير إلى تعقيد الصراع في سوريا بشكل أكبر، وانتشار تداعياته لتطال المنطقة بأسرها.
Share this Post