يمر اليوم عامٌ كامل منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، إثر هجوم حماس الوحشي على جنوب إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص، أكثرهم من المدنيين. ومنذ ذلك الحين، قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 41495 شخصًا وأصابت 96844 آخرين، وشردت 90% من سكان غزة. وفيما لا يزال أكثر من 100 رهينة إسرائيلي أسير في غزة، تواصل إسرائيل احتجاز 6800 فلسطيني تعسفيًا، معظمهم رهن الاعتقال الإداري لفترات غير محددة، فضلًا عن تعرض كثيرين منهم للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
لقد أدى فشل المجتمع الدولي في تأمين وقف إطلاق النار ومحاسبة المسئولين الإسرائيليين على جرائمهم المتزايدة، إلى تمكين إسرائيل من مواصلة هجماتها العسكرية الوحشية غير المسبوقة، والزج بالمنطقة كلها إلى آتون من نار العنف والدمار. إذ لم تعد الحرب مقتصرة على غزة، بعدما شنت إسرائيل موجة من الهجمات الجوية العنيفة على لبنان، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1000 شخص، وإصابة 6352 شخص في أقل من أسبوعين، فضلًا عن قصف مناطق متفرقة في سوريا. الأمر الذي أدى لمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. وفي ظل احتمال تأجج الحرب وتوسع الأعمال العدائية على نطاق أوسع، بما في ذلك مع إيران، فإن ثمة حاجة ماسة إلى التدخل الدولي وفرض السلام الدائم، أكثر من أي وقت مضى.
تقول آمنة قلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أنه «بعد عام من الهجمات الوحشية على المدنيين في غزة، لم تعد هناك كلمات تصف حجم الرعب الذي لا يمكن تصوره. فشلت كل المناشدات المتكررة لوقف إراقة الدماء، وأكدت إسرائيل أنها فوق القانون، بعدما غض معظم المجتمع الدولي الطرف عن انتهاكاتها، مما عزز قدرتها على ارتكاب المزيد من الفظائع دون عقاب».
في يونيو 2024، خلص تقرير لمركز القاهرة إلى وجود أدلة مباشرة وظرفية واسعة النطاق بأن الهجمات الإسرائيلية قد استهدفت تدمير الفلسطينيين بشكل فعلي، بما يتماشى مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية. وفيما كان عدد النازحين وقت صدور التقرير، أي قبل 4 أشهر فقط، يُقدر بنحو 75% من الفلسطينيين في غزة؛ تجاوز العدد اليوم 90 %. ولا يزال 86 % من سكان غزة يعانون أوامر إخلاء إسرائيلية غير قانونية وغير إنسانية. وحتى 2 أكتوبر 2024، قُتل أكثر من 11355 طفلًا في غزة، ناهيك عن الآلاف تحت الأنقاض. ونزح داخليًا 9 من كل 10 أشخاص على الأقل في جميع أنحاء القطاع، هؤلاء نزح بعضهم لأكثر من مرة، ومنهم من اضطر للنزوح أكثر من 10 مرات. هذا بالإضافة إلى 19 مستشفى من أصل 36 مستشفى أضحت خارج الخدمة، مما يعرقل وصول مليون شخص للرعاية الصحية الضرورية. ومن المتوقع أن يواجه أكثر من 95% من سكان غزة مستويات حرجة أو متفاقمة من انعدام الأمن الغذائي، إذ يواجه الآن أكثر من 495 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي بسبب هجمات إسرائيل على البنية التحتية المدنية والأراضي الزراعية، فضلًا عن عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية وإغلاق المعابر الحدودية.
ورغم أن محكمة العدل الدولية أمرت إسرائيل مرارًا وتكرارًا خلال العام الماضي، بضمان وصول المساعدات دون عوائق، تواصل إسرائيل منع وعرقلة البعثات الإنسانية، بما في ذلك 101 مهمة إنسانية بين مارس وأغسطس 2024. كما انخفض عدد الشاحنات الداخلة إلى غزة بشكل كبير، بمتوسط 94 شاحنة يوميًا خلال العام الماضي، مقارنة بـ 500 شاحنة يوميًا قبل أكتوبر 2023.
أما المحكمة الجنائية الدولية فقد واجهت تهديدات وترهيب، لا سيما من جانب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وإسرائيل، لمجرد طلب المدعي العام للمحكمة محاسبة المسئولين عن الجرائم الدولية المرتكبة منذ السابع من أكتوبر. إذ تقدم في مايو 2024، بطلب لقضاة المحكمة بإصدار أوامر اعتقال ضد مسئولين إسرائيليين وثلاثة من قادة حماس؛ بتهمة ارتكاب هذه الجرائم، لكن أوامر الاعتقال لم تصدر بعد، بينما قتلت إسرائيل اثنان من قيادات حماس الثلاثة في عمليات اغتيال موجهة.
ومن المؤسف، أن تجاهل المجتمع الدولي للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، قد أدى لتوسيع نطاق جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الدولية والقوانين الإنسانية وصولًا إلى الضفة الغربية. حيث تصاعدت حدة الاحتلال الإسرائيلي العنيف ودعمه لعنف المستوطنين بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر. فقتل المستوطنون والقوات الإسرائيلية 441 فلسطينيًا بالذخيرة الحية، وقتلت الغارات الجوية الإسرائيلية ما لا يقل عن 104 فلسطينيين حتى الآن. وفي 27 أغسطس، شنت إسرائيل عملية عسكرية استمرت 10 أيام في الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل 36 فلسطينيًا، بينهم ثمانية أطفال.
وبحلول 23 سبتمبر، اتخذت الحرب منعطفًا إقليميًا، بعدما أطلقت إسرائيل ما أسمته «عملية السهام الشمالية»، مستهدفًة بشكل متزامن معاقل حزب الله في جنوب وشرق لبنان، وفي الضواحي الجنوبية لمدينة بيروت. وفي هذا اليوم وحده، قتلت الضربات الإسرائيلية حوالي 600 شخصًا، بينهم 50 طفلًا و94 امرأة، بينما أُصيب أكثر من 1800 شخص، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية. وفي الأيام التالية، ارتفع عدد القتلى، فبلغ أكثر من ألف قتيل وما يزيد عن 2300 جريح. كما نفذت إسرائيل هجمات أخرى، بما في ذلك في اليمن حيث وردت أنباء عن مقتل أربعة مدنيين، فضلًا عن الهجمات في سوريا.
ورغم أن محكمة العدل الدولية كانت قد قضت، في 19 يوليو الماضي، بضرورة امتناع الدول عن مباشرة أي علاقات اقتصادية أو تجارية أو دبلوماسية مع إسرائيل؛ من شأنها أن تعزز وجودها غير القانوني في الأرض المحتلة، مطالبًة الدول باتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تساعد في الحفاظ على الاحتلال. ورغم انتقاد بعض الدول لعمليات إسرائيل في غزة والضفة الغربية، إلا أن العديد من هذه الدول ما زالت تباشر علاقاتها التجارية والعسكرية الثنائية مع إسرائيل. وفيما دعت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، إسرائيل علنًا وبشكل متكرر إلى اتخاذ تدابير للحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين وضمان توصيل المساعدات الإنسانية في غزة؛ لكنها استمرت في تمويل هذه الانتهاكات من خلال دعم إسرائيل بالمساعدات العسكرية والأسلحة، في تناقض فج مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. وفي أغسطس 2024، ورد أن الولايات المتحدة وافقت على صفقة إضافية بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل، تتمثل في طائرات مقاتلة ومعدات عسكرية أخرى.
هذا النفاق يمتد أيضًا إلى الدول العربية، التي لا تزال تنسق الأنشطة العسكرية مع إسرائيل. ففي يونيو 2024، انعقد اجتماع رفيع المستوى في البحرين شارك فيه رؤساء أركان الدفاع في خمس دول؛ إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين، إلى جانب القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم). وتركزت المناقشات حول التعاون الأمني الإقليمي، بينما كانت إسرائيل تقصف وتقتل في غزة!
ومن ثم، فنحن ندعو المجتمع الدولي، والدول العربية، وحلفاء إسرائيل على وجه الخصوص، إلى:
- اتخاذ خطوات لفرض وقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة ووضع حد للصراع المسلح الإقليمي الأوسع.
- تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بإنهاء احتلال إسرائيل غير الشرعي للأرض الفلسطينية، وتفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ووقف جميع عمليات الضم في الضفة الغربية.
- إدانة الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في غزة والضفة الغربية، فضلًا عن إدانة الهجمات العشوائية وغير المتناسبة بحق السكان المدنيين في لبنان.
- وقف أي دعم لإسرائيل من شأنه أن يساهم في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين، أو يعزز من وجودها غير القانوني في الأرض المحتلة. ويشمل هذا تبني عقوبات فعّالة ضد إسرائيل مثل تعليق المعاملات التجارية التي تساهم في ارتكاب إسرائيل لمثل هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسئولين عن الجرائم الدولية في غزة والضفة الغربية.
- الدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن المدنيين الإسرائيليين وكذلك المدنيين الفلسطينيين المعتقلين تعسفيًا في إسرائيل.
Share this Post