المراجعة الدستورية 2020 ترسخ الحكم السلطوي العسكري وتعصف بآمال الحراك
في 30 ديسمبر 2020،[1] بعد شهرين من العلاج الطبي في ألمانيا، دشّن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مراجعة دستورية جديدة، بدأت إرهاصاتها في يناير 2020 والترويج لها باعتبارها «ركن من أركان بناء الجمهورية الجديدة»، وتلبيةً لمطالب الحراك الشعبي. وفي سياق جائحة كوفيد-19 وقمع المجال العام، وبعد الانتخابات الرئاسية المُتنازع حولها في ديسمبر 2019، تقدمت السلطات الجزائرية- بإيعاز حصري منها- بمراجعة دستورية غير ديمقراطية، تفتقر للدعم من المجتمع المدني الجزائري والحراك الاحتجاجي الشعبي.
الدستور المنقح، كما نُشر في 16 سبتمبر 2020،[2] طُرح للاستفتاء في 1 نوفمبر في العام نفسه، ووافق عليه رسمياً 66.8% من المصوتين، في عملية تبدو مفتقرة للمصداقية، بالإشارة لانخفاض تاريخي في نسبة التصويت بلغت 23.7% فقط. ويشير بعض المراقبون إلى أن النسبة الحقيقية للحضور لم تتجاوز 10% فضلاً عن احتمالية تصويت عناصر الجيش ضد الدستور المعدل، على نحو يُظهر رفض المؤسسة العسكرية للتعديلات، رغم مطلبها المكرر بتعديل الدستور.
كما تناقلت التقارير عثور بعض المواطنون على محاضر مزورة لنتائج التصويت بعد هجمات متفرقة لمعارضين الاستفتاء على بعض مراكز الاقتراع قبيل التصويت. وطبقاً للجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، تم القبض على 50 شخصًا على الأقل في الأيام السابقة للتصويت، بالإضافة إلى توقيف الكثيرين ممن على صلة بمسيرات واحتجاجات معارضة للاستفتاء.
يستعرض التقرير التالي سياق الحملة القمعية على المجال العام بالتزامن مع مرحلة التعديلات الدستورية، والمثالب الكبرى التي اعترت عملية تعديل الدستور وأدت لانتقادات من المجتمع المدني الجزائري والدولي، مثل الافتقار للمشاركة الشعبية الحقيقة الواسعة، وغياب الشفافية وسيادة الشعب.
كما تستعرض الورقة أبرز جوانب التعديل الدستوري فيما يخص قضايا حقوق الإنسان، والقيود الخطيرة المفروضة على الحقوق والحريات، ودور الجيش السياسي، وتعميق هيمنة السلطة التنفيذية على كافة أفرع السلطة.
1- حملة قمعية تعرقل الحوار السياسي الآمن حول التعديلات
تشير تطورات العام الأخير إلى استغلال السلطات الجزائرية لجائحة كوفيد-19 في تجريم الحريات الأساسية، ومنع أي حوار سياسي آمن حول التعديلات الدستورية أو أي شأن عام آخر، الأمر الذي يتجلى في حبس ثلاثة صحفيين في أبريل، بسبب تغطياتهم لتداعيات الجائحة، والحبس التعسفي لنحو 500 متظاهرًا سلميًا في 19 يونية 2020.
⊛ تصاعد وتيرة تجريم حرية التعبير والتجمع السلمي
على مدار العام الماضي، وفيما علق نشطاء الحراك طوعًا مظاهراتهم الأسبوعية في مارس 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، باشرت السلطات الجزائرية الملاحقات القضائية المتعسفة والمضايقات بحق المجتمع المدني والصحفيين، بناء على منشورات رقمية أو ورقية أو على أساس انتمائهم المزعوم للحراك، إلى جانب تقويض الحريات العامة، وتعريض صحة الأفراد المحتجزين للخطر؛ نظراً لتزايد مخاطر الإصابة بكوفيد-19 في السجون.
وتعد قضية «وليد كشيدة» قضية دالة في هذا الصدد. فكشيدة هو مؤسس صفحة «حراك ميمز» الساخرة على موقع فيس بوك، تم حبسه في 27 أبريل 2020 بتهمة «الإهانة ضد أية هيئة نظامية أو عمومية»، و«الإساءة إلى رئيس الجمهورية» و«الاستهزاء بالمعلوم من الدين»، وحُكم عليه في 4 يناير 2021 بالسجن ثلاث سنوات بعد أكثر من ثمانية أشهر من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية. كما تعرض كشيدة لحملة حض على الكراهية ودعوات صريحة بالقتل على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أية ملاحقة للمحرضين.
وحتى الخامس من يناير 2021، ثمة 86 سجينًا على الأقل من سجناء الرأي رهن الاحتجاز طبقاً للجنة الوطنية لتحرير المعتقلين. إذ تضاعف عدد سجناء الرأي خلال النصف الثاني من 2020. وطبقاً للمحامي عبد الرحمن صلاح، عضو تجمع المحامين من أجل سجناء الرأي، هناك نحو ألف قضية ضد أفراد بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير أو التجمع السلمي، من ضمنها 63 قضية بتهمة الإساءة للرئيس، خلال العام الماضي فقط. وبحسب صلاح، تم استخدام تهمة الإساءة للرئيس فيما سبق 3 أو 4 مرات فقط في عهد بوتفليقة.
في 16 سبتمبر 2020، دعت آليات الأمم المتحدة الخاصة الجزائر إلى «وقف الاعتقالات والتوقيف للنشطاء السياسيين والمحامين والصحفيين والمدافعين عن الحقوق، فضلاً عن أي أشخاص يعبرون عن المعارضة أو الانتقاد للحكومة».
⊛ صياغة غير دقيقة لقانون العقوبات تتوسع في التجريم (تعديلات أبريل 2020)
تسمح الصياغة غير الدقيقة لقانون العقوبات بتجريم الحريات الأساسية، وذلك بالمخالفة لمبدأ الشرعية) لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). ويتولى تطبيق هذا القانون قضاء خاضع هيكليًا للسلطة التنفيذية، كما يتضح من الأمر الصادر بحق مسئول الادعاء محمد بلهادي واستدعاء القاضي سعد الدين مرزوق.
يتعرض النشطاء السلميون والصحفيون لأحكام قاسية بناء على اتهامات مبهمة مثل «إضعاف الروح المعنوية للجيش/ مادة 75» و«التحريض على التجمهر غير المسلح/مادة 100» و«المساس بسلامة وحدة الوطن/ مادة 79» و«الإهانة ضد أية هيئة نظامية أو عمومية/مادة 144، 144 مكرر و146» و«الاستهزاء بالمعلوم من الدين/ مادة 144 مكرر 2»، وجميعها أمور تتعلق بممارسة حرية التعبير والتجمع السلمي.
في هذا السياق، في 28 أبريل 2020، أصدر البرلمان نصوص فضفاضة ومبهمة لقانون العقوبات (قانون عدد 20-06)، تسمح باتهام الأفراد بـجريمة «نشر أنباء كاذبة قد تقوض الأمن والنظام العام»، لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير. وتتراوح العقوبة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات في المرة الأولى (مادة 196 مكرر) وفي حالة التكرار تتضاعف العقوبة من سنتين إلى ست سنوات. وطبقاً لوكالة أنباء الجزائرية الحكومية، تهدف هذه التعديلات إلى تجريم «أشكال جديدة من وسائل وسبل التعبير » وسد ثغرة قانونية في إدارة أزمة مثل كوفيد-19.
وبموجب المادة 144، قد يعاقب الأفراد بالحبس حتى ثلاث سنوات بتهمة «المساس بالشرف أو الاعتبار أو الاحترام للمسئولين العموميين، بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم أو بالكتابة أو الرسم غير العلنيين»، كما تنص المادة 95 مكرر على الحبس من خمس لسبع سنوات حال استقبال أي تمويل أو هبة «للقيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها وسيرها العادي أو بالوحدة الوطنية أو السلامة الترابية أو بالمصالح الأساسية للجزائر أو بالأمن والنظام العموميين أو يحرض على ذلك »وتُضاعف العقوبة إذا كان التمويل أو الهبة أو الامتيازات قد استقبلتها جمعية. كما أن ثمة عقوبة بالحبس من 5 إلى 10 سنوات إضافية إذا تم ارتكاب هذه الأعمال ضمن «خطة مدبرة».
وعلى التوازي، مرر البرلمان الجزائري النص الخاص بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، بعد 7 أيام فقط من طرح وزارة العدل الجزائرية له. ويشمل القانون موادًا تعاقب على خطاب الكراهية بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات (مادة 32)، ويعاقب كل من يشيد أو يشجع أو يموّل الأنشطة أو الجماعات التي تدعو إلى التمييز والكراهية بالسجن من عامين إلى خمسة أعوام (مادة 33)، ويعاقب كل من ينشئ أو يدير أو يشرف على موقع إلكتروني أو حساب إلكتروني يخصص لنشر معلومات للترويج لأي برنامج أو أفكار أو أخبار أو رسوم أو صور من شأنــهــا إثــارة الــتــمــيــيــز والــكــراهــيــة في المجتمع، بالسجن من 5 إلى 10 سنوات (مادة 34). وطبقاً للمادة 4 من هذا القانون، فإن حرية التعبير والرأي لا يمكن التذرع بها لتبرير التمييز وخطاب الكراهية.
جدير بالذكر أنه تم الرجوع للمادة 34 من هذا القانون في محاكمة الشاب الأمازيغي الناشط بالحراك ياسين مباركي في أكتوبر 2020، والتي انتهت بالحكم بحبسه 10سنوات في المحكمة الابتدائية، في تفسير مسيئ للغاية لمبدأ تجريم التحريض على الكراهية والتمييز، وتوظيفه في قمع الحريات الأساسية، على النقيض من مقتضيات القانون الدولي.
⊛ التوسع في قمع حرية الصحافة والإعلام الرقمي
على مدار 2020، تم حجب عشر مواقع إعلامية على الأقل عن الشبكات المعلوماتية الجزائرية. هذا بالإضافة لقضية الصحفي الجزائري خالد درارني، مراسل تي في 5 موند ومراسلون بلا حدود ومدير قصبة تريبيون، التي أشعلت موجة انتقادات دولية واسعة، بعد صدور الحكم في 15 سبتمبر 2020 بحبسه عامين بتهم « المساس بسلامة وحدة الوطن »و«التحريض على التجمهر غير المسلح» وبالمثل، صدر الحكم بحق المراسل عبد الكريم زغيلاش المحتجز منذ 23 يونية بالحبس ستة أشهر في مرحلة الاستئناف في 8 نوفمبر، بتهمة الإساءة إلى الرئيس والمساس بسلامة وحدة الوطن، كما يواجه الملاحقة في قضتين أخريين. أما الصحفي مصطفى بن جامع فيتعرض حاليًا للمحاكمة في 3 قضايا على الأقل، وحُرم من مجرد الاطلاع على ملفات القضايا. كما ستواجه الصحفية والناشطة الحقوقية جميلة لعقيل عقوبة السجن لمدة ستة أشهر في 18 يناير، وكذا الصحفي سعيد بدور المحكوم عليه 24 نوفمبر الماضي بالسجن عامًا.
جدير بالذكر أنه في 22 نوفمبر 2020، صدر قرار بإعداد إطار قانوني جديد للإعلام الإلكتروني. يفرض القرار رقابة مشددة من السلطة التنفيذية على الإعلام الرقمي تصل حد نظام الرقابة والتصريح المسبق بالمحتوى.
2- تعديل غير ديمقراطي من أعلى لأسفل
⊛ تعديلات تهيمن عليها الرئاسة
طبقًا لدراسة مقارنة صادرة عن «تغطية الديمقراطية على المستوى الدولي» أنه من بين احتمالات وسيناريوهات إجراء التعديلات الدستورية الممكنة، فالعملية الأقل شمولاً للأطراف المختلفة هي العملية التي يهيمن عليها الخبراء، وفيها يتم تعيين خبراء من قبل ممثلين منتخبين، دون مشاركة مباشرة من المواطنين أو المجتمع المدني. وأنه إذا لم تحظ هذه الطريقة بأي شكل للمشاركة الشعبية، فهي تؤدي إلى مخاطر الإغلاق الكامل. وتوصي الدراسة بأن يشكل الممثلون المنتخبون بأنفسهم لجنة لصياغة التعديلات أو أن يتم انتخاب مجلس دستوري من الشعب مباشرة.
كما ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد صادقت عليه الجزائر، على الالتزامات الدنيا للمشاركة في الشأن العام، بما في ذلك التعديلات الدستورية. إذ يجب منح المواطنين فرصة متساوية للمشاركة، سواء بشكل مباشر أو من خلال ممثليهم. وبحسب توجيه إرشادي صدر في 2009 عن الأمانة العامة للأمم المتحدة يطالب أيضًا بضرورة وجود عملية شاملة وتشاركية وشفافة وسيادية لتعديل الدستور.
تبنى الجزائر عدة دساتير منذ الاستقلال في 1962. الدستور الحالي اعتُمد في 1996 وخضع لثلاثة تعديلات في 2002 و2008 و2016، تحتفظ جميعها بتمثيل غير متوازن للسلطات، لصالح رئيس الجمهورية. وقد تم الإعلان عن المراجعة الأخيرة لعام 2016 من قبل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في البداية، إبان «الربيع العربي» في 2011، وسمح خلالها بقدر قليل من النقاش، سواء بين الجمهور أو حتى بين صفوف البرلمانيين أنفسهم.
التعديلات الدستورية التي بدأها الرئيس عبد المجيد تبون في يناير 2020 افتقرت إلى مشاركة الأطراف المختلفة، سواء في صياغتها أو في اعتمادها. إذ اتبعت التعديلات نهج العمل من أعلى لأسفل، فهيمن عليها الرئيس ولجنة خبراء من تعيينه، فبرزت تساؤلات حول شرعية الرئيس في ظل الرفض الشعبي الظاهر له في الانتخابات الرئاسية ديسمبر 2019، وتزايد تجريم حرية التعبير والتجمع التي شابت الحملة الانتخابية الرئاسية، وضعف مستوى الاقتراع.
بدأت الرئاسة مشاوراتها مع عدد من الشخصيات السياسية والدينية، معظمهم من أصحاب المناصب في عهد بوتفليقة أو الرؤساء السابقين، وظلت المشاورات غير ملزمة ونتائجها غير معروفة للجمهور. أما عملية تعديل الدستور التي انتقدتها العفو الدولية بسبب الافتقار للشفافية وللمشاركة شعبية، فطرحت مسودتها في 7 مايو لعدد مختار من الأشخاص، ولم يتم الكشف عنها على الملأ. وتشكلت لجنة على مستوى الرئاسة تم تكليفها بمراجعة المقترحات والوصول إلى «دستور محل إجماع» وفي مقابلة إذاعية في 3 يونية، أعلن مسئول في الرئاسة أنه «ستكون هناك تعديلات بسيطة فقط» وأن اللجنة «ستأخذ جميع المقترحات في الحسبان، شريطة ألا تمس بهوية وطبيعة النظام» وقد تم نشر هذه المقترحات فيما بعد عبر الإنترنت.
تم اعتماد المسودة النهائية للتعديلات الدستورية دون نقاش في 10 سبتمبر 2020 من قبل المجلس الوطني الشعبي، الذي شابت انتخاباته في 2017 مشكلات عدة، تم عرضها في 12 سبتمبر 2020 على مجلس الأمة، وثلثه من تعيين الرئيس.
جدير بالذكر، أنه في 7 أبريل أعلن فاتساه أوغورغوز، نائب الرئيس السابق للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وأحد قضاتها الأوائل، عن استقالته من لجنة الخبراء المكلفة بمراجعة التعديلات الدستورية، معلنًا أن عملية التعديل تمثل «استمرارية للدستور الحالي »وانتقد «النهج المحافظ» في التعامل مع أسئلة تتعلق بـ «إعادة تشكيل الجمهورية» وأوضح القاضي أنه لم يتفق مع بقية الأعضاء حول معنى «توازن السلطات» ودرجة تفهمهم لهذا الأمر. وأنه بسبب غياب الشفافية ومنع المواطنين من المشاركة في المشاورات بما يندرج ضمن مسار تقويض الحق في المعلومات، فإن عقد مجلس دستوري يعد البديل الوحيد المقبول بالنسبة له.
⊛ تعديلات مرفوضة من المجتمع المدني المستقل
إجمالاً، قوبل التعديل الدستوري بانتقاد موسع من أعضاء المجتمع المدني المستقل والمعارضة السياسية. وانتقده سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ووصفه بأنه (استفتاء تحصيل حاصل).
وفي أوساط الجمهور، أكدت عدة حركات مثل دستورنا و(اللجنة الشعبية لتيزي وزو للجمعية الدستورية) على رفض التعديلات الدستورية وانتخابات ديسمبر 2019، وجددت دعواتها لتشكيل جمعية دستورية. كما طرحت المبادرة الجماهيرية «مشمول» في 30 يونية مسودة تعديلات دستورية بديلة، تم التشاور حولها بمعرفة 450 مواطناً، وطبقاً لهم تعد سندًا لجمعية دستورية. أما مبادرة 22-2، وهي ائتلاف موالي للحراك، فقد رفضت العملية برمتها، واعتبرت الاستفتاء «خدعة » وبالمثل رفض تجمع البديل الديمقراطي، وهو ائتلاف موالي للحراك من المجتمع المدني والمجموعات المعارضة السياسية،[3] التعديلات الدستورية، مشدداً على أن العملية «ضد إرادة أغلب الشعب، والحكومة قد قررت فرض خارطة طريق في سياق استثنائي لإقصاء الشعب الجزائري عن اختيار مستقبله مرة أخرى» ورفض أيضًا تجمع الثقافة والديمقراطية نهج إجراء التعديلات وأعلن أن «الحركة الشعبية لا ترضى بتعديلات هيكلية تجميلية». وأعلنت أمينة حزب العمال لويزا حنون أن الشعب الجزائري «لم يشهد أو يشارك في صياغة نص هذا الدستور« وأن الشعب وحده »يمكنه تحديد مستقبل المؤسسات عبر نقاش ديمقراطي عريض يوفر حرية التعبير والصحافة «وأعرب لخضر بن خلاف عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية عن ارتباكه وحيرته إزاء إجراء التعديلات عبر المجلس الوطني الشعبي في حين أن المسئولين ليس لديهم الحق في نقاش محتوى الدستور ولا الحق في اقتراح تعديلات. كما حذرت منظمة «المادة 19» من أن النهج غير التشاركي والأحادي للتعديلات سيؤدي إلى فرض دستور دون مراعاة لأي سند ديمقراطي.
3- تعديلات تخدم الطبيعة السلطوية للنظام وتشرعن لسلطة الجيش السياسية
⊛ التعديلات تمنح الشرعية الدستورية للدور السياسي للجيش
التجديد الرئيسي في تعديلات 2020 الدستورية هو إدخال مادة 30، فقرة 4 ومفادها أن الجيش يدافع عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للدولة طبقا لأحكام الدستور. تمثل هذه المادة الدافع الحقيقي خلف كل التعديلات، لأنها تشرعن للدور السياسي الذي كان يمارسه الجيش الجزائري بدون صفة رسمية. إذ لم ينص أي دستور جزائري سابق صراحة على الدور السياسي للجيش، والذي ظل سابقًا ممثلاً في رئيس الدولة الذي هو رئيس الجيش أيضًا.
الدفاع عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للدولة، عبارة غير واضحة وغير منضبطة، متروكة لتقدير الجيش، الأمر الذي قد يسمح له بموجب أحكام الدستور بالتدخل في الشأن السياسي، أو التدخل ضد مؤسسات أخرى، إذ رأى –طبقًا لتفسيره– تهديدًا للمصالح الحيوية والاستراتيجية. هذه المادة تقوض من الطبيعة المدنية للدولة الجزائرية وتحول دون الرقابة المدنية والديمقراطية الفعالة على الجيش. تخالف هذه المادة أيضًا الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، والذي ينص على أن « تقوم الدول الأطراف بتعزيز وإضفاء الطابع المؤسسي لرقابة السلطات المدنية الدستورية على القوات المسلحة وقوات الأمن تعزيزاً للديمقراطية والنظام الدستوري (مادة 14 ، فقرة 1). هذه المادة الجديدة أيضاً ضد أحد أهم مطالب الحراك الجزائري الشعبي بدولة مدنية لا عسكرية.
أشارت قائمة المقترحات المقدمة لعملية التعديلات في مايو 2020 إلى أن هذه الصياغة مرجعها وزارة الدفاع (مقترح عدد 1321)، كما أفادت بأن وزارة الدفاع عارضت منصب نائب الرئيس (مقترح 2870) وكان الرئيس سيختاره ويحل محله في حالة عجز الرئيس عن مباشرة مهامه، ما يحول دون حدوث أزمة مؤسسات مثل تلك التي اندلعت بعد إصابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2013 بأزمة قلبية، ويبدو أن وزارة الدفاع رفضت هذا المنصب بحجة أن نائب الرئيس «سيكون عليه تقرير مصير الدولة لبعض الوقت» بمعزل عن «شرعية صناديق الاقتراع» وفي الوقت نفسه لتضمن أن تلعب المؤسسة العسكرية هذا الدور.
شملت التعديلات الدستورية أيضًا أنه «في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية»، يمكن للجزائر المشاركة في «حفظ السلام» (مادة 31 فقرة 3). هذه المادة الجديدة تنص بوضوح على أن للرئيس حق القرار بإرسال وحدات من الجيش للخارج بعد موافقة ثلثي البرلمان (مادة 91). ويعد هذا تغيرًا راديكاليًا يفرض الطابع المؤسسي على قرار إرسال الجيش الجزائري في صراعات خارجية، الأمر الذي كان حتى الآونة الأخيرة غير مرجح نظراً لتبني الجزائر مبدأ الانعزالية النسبية، بما قد يسهم في الانفتاح على التعاون مع شركاء دوليين، ويشير أن الجزائر أصبح أكثر قابلية لهذا الآن.
⊛ ضمانات ضعيفة وقيود خطيرة على الحريات الأساسية
تقدم التعديلات نصوصًا إيجابية –من الناحية الشكلية– حول ممارسة حرية التجمع وتكوين الجمعيات بموجب الإخطار فقط، كما يبدو أنها تضفي الطابع الدستوري على حرية الصحافة دون المطالبة برقابة مسبقة (مادة 51-55). ولكن التداعيات الملموسة لهذه الصياغات الدستورية الجديدة تبقى غير واضحة لأن هذه الحقوق الدستورية الجديدة مرهونة بتشريعات وطنية وليس بضمانات دستورية تامة الوضوح. إذ إن حرية المعلومات والصحافة يجب أن تُمارس في ظل « احترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية» (مادة 54) ويجب ألا تمس « المصالح المشروعة للمؤسسات، وبمقتضيات الأمن الوطني» (مادة 55). هذه الإشارات تفرغ الضمانات الدستورية من مضمونها. وتضفي عليها طابعًا تقييديًا، فضلاً عن التشريعات الوطنية التي تقوض من حقوق تبدو مضمونة دستورياً، مثل قانون الجمعيات لعام 2012 المبالغ في التضييق، والقانون عدد 91-19 للاجتماعات والمظاهرات،[4] الذي ينص على نظام تصريح مسبق، وقانون المعلومات لعام 2012 والأمر التنفيذي الصادر برقم 20-332 حول الإعلام الرقمي، وقانون العقوبات.
الأهم أن المادة 34 تقدم معايير للقيود التي يمكن فرضها على الحقوق والحريات، وتؤطرها في صياغة مبهمة مثل «النظام العام» و«الأمن» و«الثوابت الوطنية»، ما يفتح الباب أمام التفسير المسيء الذي يمس الحريات الأساسية دون ضمان مبادئ الضرورة والتناسب التي يمليها القانون الدولي.
كما أن تعديلات 2020 تصادر الحق في عدم المساس بحرية المعتقَد الوارد في دستور 2016 (مادة 42) وتحتفظ باللا مساواة بين الأمازيغية والعربية، رغم ضمها إلى «الثوابت الوطنية» (مادة 223).
⊛ تعديلات تحتفظ بسيطرة الرئاسة على كافة المؤسسات بما في ذلك القضائية
الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وله سلطة ترشيح موسعة بما يشمل ترشيح رئيس هيئة «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» وأعضاءها، بما يشمل تعيينات في القضاء.
ينص التعديل على تشكيل مجلس أعلى للقضاء لضمان استقلال القضاء والرقابة على القضاة (مادة 181). في حين أن 15 عضوًا من 27 عضوًا يتم انتخابهم من قبل القضاة انفسهم، فإن نص التعديل يحتفظ بتمثيل مفرط للسلطة التنفيذية ما يهدد استقلالية القضاء، مع السماح للرئيس بترشيح رئيس المجلس واثنين من الأعضاء بشكل مباشر، واثنين آخرين على الأقل بصورة غير مباشرة.
يجدر بالملاحظة أنه بموجب دستور 2016، كان إجماع أعضاء المجلس الدستوري شرطًا للإقرار بعدم قدرة الرئيس على ممارسة مهامه ومسئولياته، ما أسهم في الأزمة المؤسسية المزمنة إبان إصابة الرئيس بوتفليقة في 2013. هذه الإجراءات الآن –بعد التعديل– تكتفي بدعم ثلاثة أرباع أعضاء المحكمة الدستورية (مادة 94). أما المحكمة الدستورية وكانت فيما سبق المجلس الدستوري، تبقى تحت النفوذ القوي للرئيس الذي يعين رئيسها وثلث أعضائها.
يحتفظ الرئيس بهذه السلطات دون أي إشراف وزاري أو برلماني، ودون الخضوع لأي مساءلة سياسية أو جنائية. في حين يحد الدستور من إمكانية مشاركة الرئيس في التشريع بموجب قرارات رئاسية، إذ يسمح له بالتشريع فقط ممن خلال الاستفتاء أو الاعتراض على القوانين الصادرة عن البرلمان. ويعطي التعديل للرئيس تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمة، والحق في عزل رئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني الشعبي وقتما شاء. كما يحتفظ الرئيس وحده بسلطة بدء عملية تعديل الدستور، بينما يمنح التعديل لمؤسسات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمرصد الوطني للمجتمع المدني دور استشاري فقط.
إن التعديلات الدستورية لعام 2020 قد تم الترويج لها باعتبارها خطوة للأمام على مسار بناء جمهورية جديدة، لكنها في الحقيقة لا تقدم أية تغييرات مؤسسية تذكر. وبعيداً عن إضفاء الطابع الرسمي على دور الجيش السياسي على نحو مغاير لمساع الحراك نحو دولة مدنية لا عسكرية، فهذه التعديلات التي انتقدها المجتمع المدني والحراك ليست أكثر من بادرة هزلية وغير جادة للإصلاح في سياق قمع الحريات العامة، وقد خسرت مصداقيتها نتيجة المشاركة الشعبية المتدنية للغاية في الاستفتاء الأول عليها في نوفمبر 2020 .
في سبتمبر 2020 أعلن الرئيس تبون عن تنظيم الانتخابات التشريعية المبكرة بعد الاستفتاء. وفي 13 ديسمبر في ظهوره الأول منذ دخوله المستشفى نهاية أكتوبر، أعلن أن تعليمات بالإسراع في صياغة قانون انتخابي جديد قد صدرت بحيث يتم تجهيز القانون في ظرف 15 يومًا. ولم يتم إطلاع الجمهور بعد على القانون الجديد ولم يتم اعتماده. وفي هذا السياق ومن أجل السماح بالإصلاحات في المؤسسات، نذّكر بأنه على السلطات ضمان أن تسمح أية عملية انتخابية بحوار سياسي حقيقي عبر مساحة مدنية حرة، تسمح بتمثيل شعبي فعلي دون تقييد للحريات العامة. فمن دون هذه الضمانات الأساسية، لن تكون هناك عملية إصلاح مؤسسي –من تعديل الدستور أو تقديم قانون انتخابات جديد– قادرة على تقديم أي إصلاح ملموس وحقيقي.
[1] الجريدة الرسمية عدد 82.
[2] الجريدة الرسمية عدد 54.
[3] تأسس التجمع في يونية 2019 ويضم الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وجبهة القوة الاشتراكية وتجمع الثقافة والديمقراطية وحزب العمال وحزب العمال الاشتراكي واتحاد التقدم والتغيير وحركة الديمقراطية MDS وحزب العلمانية والديمقراطية.
[4] قانون عدد 91-19 مؤرخ في 2 ديسمبر 1991 معدل ومكمل لقانون عدد 89-28 لعام 1989.
الصورة: متظاهرون يحملون العلم الوطني خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في أعقاب تفشي فيروس كورونا في الجزائر العاصمة ، الجزائر ، 6 مارس 2020. رويترز / رمزي بودينا
Share this Post