حبس أقاربها وصحفي وباحث في إجراء يبدو عقابيًا
حسب “هيومن رايتس ووتش” و”مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و”الأورومتوسطية للحقوق” في بيان مشترك اليوم ؛ تحتجز السلطات الجزائرية أربعة أشخاص على الأقل بينهم صحفي منذ أكثر من أربعة أشهر بزعم مساعدة الناشطة أميرة بوراوي، على مغادرة البلاد عبر الحدود التونسية في فبراير/شباط 2023، بعدما أدينت بسبب نشاطها السياسي السلمي ومُنعت من السفر منذ 2021. وكان التحقيق في مغادرة بوراوي قد أسفر عن اعتقال خمسة أشخاص اعتبارا من 8 فبراير/شباط، بينهم الصحفي مصطفى بن جامع. وفي مرحلة ثانية، اعتقلت السلطات أربعة أشخاص آخرين وبدأت محاكمات إضافية ذات دوافع سياسية ضد بن جامع واثنين آخرين على الأقل، منهم الباحث الجزائري-الكندي رؤوف فراح، في تحقيق ثان.
ينبغي على السلطات الجزائرية إسقاط جميع التهم الموجهة إلى بوراوي وإطلاق سراح أي شخص جاء احتجازه بشكل مباشر أو غير مباشر بناء على الاتهامات الجائرة المتعلقة بمغادرتها.
يقول إريك غولدستين، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “السلطات الجزائرية لا تعاقب فقط أي شخص تشتبه في مساعدته أميرة بوراوي على مغادرة البلاد هربًا من الاضطهاد السياسي، وإنما تستخدم هذه القضية لتوسيع نطاق قمعها.”
أميرة بوراوي طبيبة نساء وناشطة سياسية منذ عام 2011، شاركت في أنشطة سياسية منها الحراك، الذي يطالب سلميًا منذ العام 2019 بإصلاحات ديمقراطية بعيدة المدى. وفي عام 2021، حُكم عليها بالسجن أربع سنوات في قضيتين؛ الأولى بتهمة “الإساءة لشخص رئيس الجمهورية” والثانية “المساس بالمعلوم من الدين”، ولم ينفذ هذان الحكمان.
وصلت بوراوي، التي تحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، إلى فرنسا في 8 فبراير/شباط، بعدما غادرت الجزائر عبر حدودها البرية الشرقية، ونجت بصعوبة من الترحيل من تونس. وقد أثارت مغادرتها أزمة دبلوماسية بين الجزائر وباريس. وفي غضون أيام، اعتقلت السلطات الجزائرية ما لا يقل عن خمسة أشخاص على صلة برحيلها، بينهم اثنان من أقاربها والصحفي بن جامع، والذي صرح محاميه لوسائل الإعلام أن الشرطة صادرت هاتف موكله بعد اعتقاله، واستندت جزئيًا في التحقيق الثاني معه إلى محادثات خاصة عثر عليها على هاتفه. وفي الأيام اللاحقة، اعتقلت السلطات أربعة أشخاص آخرين، بينهم الباحث رؤوف فراح ووالده من مدينة عنابة بشرق البلاد، والتي مرت بها بوراوي في طريقها من الجزائر العاصمة إلى تونس.
تقول آمنة القلالي، مديرة الأبحاث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “هذا الهوس الانتقامي للسلطات الجزائرية بعد مغادرة بوراوي يعكس مدى عزمها على إبقاء النشطاء في قبضتها المشددة وتعطيل حياتهم.”
وبحسب المنظمات، لا يزال أربعة أشخاص محتجزين حتى الآن في القضية الأولى المتعلقة مباشرة بمغادرة بوراوي، ومنهم بن جامع. بينما صدر قرار آخر بحبسه واثنين آخرين في القضية الثانية. وقد خضع تسعة أشخاص على الأقل للتحقيق في كلتا القضيتين.
ومن بين المقبوض عليهم بسبب مشاركتهم المزعومة في مغادرة بوراوي؛ والدتها خديجة بوراوي (71 عاما) وابن عمها ياسين بن طيب، وجمال مياسي سائق سيارة الأجرة الذي نقلها من عنابة إلى تونس العاصمة، والصحفي مصطفى بن جامع، وضابط شرطة على الحدود لم يتم الكشف عن اسمه.
وقد أفرجت السلطات عن خديجة بوراوي ووضعتها تحت الإشراف القضائي في 20 فبراير/شباط. بينما لا يزال بن جامع، وبن طيب، ومياسي رهن الاعتقال في سجن بوصوف بقسنطينة. إذ قُبض على بن طيب في 10 فبراير/شباط وحُبس احتياطيا في 19 فبراير/شباط، وفقًا لـ “اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين”.
قالت بوراوي خلال مقابلة تلفزيونية إنها “عبرت معبر أم الطبول الحدودي دون مساعدة من أي نوع، سواء من بن جامع أو من ضابط شرطة الحدود.” وما زالت بوراوي تعيش في الخارج منذ مغادرتها الجزائر، مثل العديد من النشطاء الذين فروا من البلاد خوفًا من الملاحقة القضائية لدورهم في المطالبة بإصلاحات سياسية كبرى وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان.
بن جامع صحفيٌ يبلغ من العمر 32 سنة، وهو رئيس تحرير جريدة Le Provincialالمستقلة التي تصدر في عنابة. كان قد اعتقل من مقر الجريدة يوم 8 فبراير/شباط ووضع رسميًا رهن الحبس الاحتياطي في 19 فبراير/شباط بتهمتي الانضمام إلى “تنظيم إجرامي لارتكاب جريمة الهجرة غير الشرعية” و”تهريب” المهاجرين في إطار عصابة إجرامية منظمة بموجب المواد 176، و177، و303 مكررا من قانون العقوبات. وقد أشار محاميه عادل المسعودي لـ هيومن رايتس ووتش أن هذه التهم تتعلق بمغادرة بوراوي.
في القضية الثانية، اتُهم بن جامع بـ “تلقي تمويل من مؤسسات أجنبية أو محلية لارتكاب جرائم تتعلق بالنظام العام”، بموجب المادة 95 مكرر من قانون العقوبات، و”نشر معلومات على الشبكات الإلكترونية أو عبر أدوات وسائل الإعلام التكنولوجية جزئيًا أو مصنفة بالكامل على أنها سرية” بموجب المادة 38 من قانون 09-21 لحماية البيانات والوثائق الإدارية الصادر في 2021. وبحسب المسعودي استُجوِب بن جامع مرتين في التحقيق الأول وأربع مرات في التحقيق الثاني.
وواجه بن جامع في الماضي مضايقات الشرطة والعديد من الملاحقات القضائية بسبب عمله الصحفي وانخراطه في الحراك. ومن المقرر عقد محاكمة يوم 9 يوليو/تموز في قضية حُكم عليه فيها غيابيًا بالسجن لمدة عام في يونيو/حزيران 2021. يواجه فيها اتهامات بالتشهير والإضرار بالصالح العام فيما يتعلق بمقال يدين المعايير المزدوجة للسلطات في تطبيق القيود المتعلقة بفيروس كوفيد-19.
أما الباحث رؤوف فراح، الذي يعمل محللاً في “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية” ومقرها في جنيف، وتعاون سابقا مع بن جامع في كتاب جماعي عن الجزائر، فقد قُبض عليه من قبل “قوات الدرك الوطني” في 14 فبراير/شباط أثناء زيارة عائلية لأسرته في عنابة. ويواجه اتهامات بموجب المادة 95 مكرر من قانون العقوبات والمادة 38 من قانون 09-21، بحسب منظمته ومحاميه. كما اعتقلت السلطات والده السبتي فراح (67 عاما)، في 15 فبراير/شباط وأفرجت عنه مؤقتا في 13 أبريل/نيسان. وهو متهم بموجب المادتين 41 و95 مكرر من قانون العقوبات، بحسب منظمة ابنه ومحاميه.
أصبحت المادة 95 مكرر من قانون العقوبات، التي تعرّف الجرائم بعبارات شديدة الغموض وتقضي بالسَّجن حتى سبع سنوات، أداة رئيسية تستخدمها السلطات لإسكات الأصوات المستقلة والناقدة، إلى جانب القانون الجزائري لمكافحة الإرهاب.
وكانت أميرة بوراوي، التي كانت موضوع إجراءات جنائية بسبب نشاطها منذ سنوات، والصحفي بن جامع ممنوعين من السفر. وقد صرح بن جامع على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إنه مُنع من مغادرة البلاد عند الحدود الجزائرية-التونسية ثلاث مرات على الأقل عام 2022. وبالمثل واجه ما لا يقل عن عشرة نشطاء ومعارضين منع سفر رسمي أو غير رسمي لفترات غير محددة، رغم أن المادة 36 مكرر من “قانون الإجراءات الجزائية” تقيد شروط إصدارها ومدتها. وفي 24 فبراير/شباط، حكمت محكمة تونسية على بوراوي غيابيا بالسجن ثلاثة أشهر لدخولها تونس بشكل غير قانوني، بحسب تصريحات محاميها هاشم بدرة لوسائل الإعلام.
يقول وديع الأسمر، رئيس الأورو-متوسطية للحقوق: “صحيح أن قيود السفر على شخص يواجه تهمًا جنائية مشروعة وقد تكون ضرورية ومتناسبة في بعض الأحيان، إلا أنه من غير المشروع للسلطات فرض مثل هذا الحظر كنتيجة مباشرة لتجريم التعبير السياسي السلمي. يجب أن يتم إطلاق سراح كل من تم الزج به في قضية أميرة بوراوي بتهم سياسية.”
Share this Post