بالتزامن مع سقوط نظام بشار الأسد، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، خصص مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لقاءه الشهري في إطار صالون بن رشد، أمس 11 ديسمبر، لمناقشة «تحديات الانتقال في سوريا لبديل للنظام الفاشي». مستضيفًا الدكتور ساري حنفي؛ أستاذ علم الاجتماع، ورئيس برنامج الدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت. والدكتور حازم نهار المفكر والباحث السوري ورئيس تحرير مجلة (رواق ميسلون) للدراسات الثقافية. وأدار النقاش الحقوقي التونسي مسعود رمضاني.
في البداية وبينما أقر الضيفان بدور بعض الجماعات المسلحة (هيئة تحرير الشام) في إسقاط نظام الأسد، أبدى الدكتور حازم نهار تخوفه من مدى امتثال الجماعات العقائدية بشكل عام (وليس فقط الإسلامية) لمفهوم الدولة الوطنية الديموقراطية بالمعنى الحديث، وإدراك أنها كيان حيادي إزاء الطبقات والطوائف والأيديولوجيات والأحزاب والأجناس والأعراف.. الخ. فعلى الأغلب ستحاول هذه الجماعات صبغ الدولة بصبغتها العقائدية أيا كانت. إلا أن الدكتور ساري حنفي وجد في خطاب قيادات هيئة تحرير الشام، مؤشرات إيجابية نوعًا ما، فثمة تغيير ملحوظ في طبيعة خطابها مقارنة بجبهة النصرة، خاصة فيما بتعلق بالتعامل مع الأقليات الإثنية والطائفية، وكذا الخطاب المتعلق بالنساء. آملاً أن تكون قد استوعبت الدروس المستفادة من موجات الربيع العربي في دول المنطقة، وأن هذا الخطاب يتم ترجمته لأفعال ملموسة.
ولكن الخلفية الجهادية لهيئة تحرير الشام ليست التحدي الوحيد الآن أمام مستقبل سوريا. فبحسب نهار ثمة مجموعة أخرى من التحديات أولها غياب المؤسسات. إذ أن سوريا ليست كغيرها من الدول التي شهدت ثورات أطاحت برؤوس النظام ثم تفرغت لتطهير مؤسساتها وإعادة هيكلتها. وإنما في سوريا لا توجد مؤسسات من الأساس. لا جيش وطني يدافع عن حدودها، ولا مؤسسة أمنية تحمي مواطنيها، ولا مؤسسة قضائية تضمن العدالة والمحاسبة، ولا حتى مؤسسات تعليمية أو صحية أو اجتماعية تستوعب كم الخراب الذي طال كل القطاعات وخلّف ملايين الضحايا. والأخطر، حسب نهار، هو إعادة بناء مفهوم «الشعب السوري»، هذه المجموعات المتفرقة التي عاشت في جزر منعزلة في مساحة جغرافية اسمها «سوريا» تعاني منفردة وتواجه القمع، والآن أصبح يفترض أن تتشارك وتجتمع تحت مظلة وطنية واحدة. هذا بالإضافة إلى تحديات السياسية الخارجية. فعلى مدى سنوات كانت السياسية الخارجية لسوريا قائمة فقط على خدمة مصالح الأسد، والآن صار لزامًا على سوريا أن تخط ملامح سياستها الخارجية بناء على المصلحة الوطنية، وخاصة مع دول مثل تركيا وإيران. ومن منطلق كل هذه التحديات، فالمهام المطلوبة من الحكومة الانتقالية أكبر بكثير من قدرات ومشكلات هيئة تحرير الشام. لذا فتشكيل حكومة انتقالية تعبر عن هيئة تحرير الشام فقط هو «خطأ استراتيجي» حتى ولو كانت مؤقتة. مضيفًا: «يجب أن تتشارك هيئة تحرير الشام مع جميع السوريين بوصفهم أندادًا وليسوا طوائف وأقليات بحاجة للحماية والتطمينات فحسب».
وفي هذا السياق حذر حنفي من كارثة تشكيل نظام الحكم في سوريا بطريقة طائفية، مؤكدًا أن نجاح قوى المعارضة السورية مرهون بفرض شروط بناء الدولة الوطنية، وهي دولة؛ غير الطائفية، قائمة على المواطنة، ديمقراطية، حيادية، وطنية أي أن مصالحها مرهونة بما هو لخير شعبها فقط. أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فبحسب حنفي، أنه باستثناء إسرائيل، فالعلاقات مع جميع الدول (تركيا، إيران، أمريكا والاتحاد الأوروبي) ضرورية ومهمة خاصة في مرحلة البناء وإعادة التعمير، دون أن يفرض أي طرف إقليمي أو دولي شروطه ومصالحه. وهو ما شدد عليه نهار أيضًا قائلا: «ليس من مصلحة سوريا الدخول في حالة عداء مع أي دولة الآن، وباستثناء إسرائيل، ثمة احتياج لتوازن في العلاقات الإقليمية والدولية، من دون أن تكون سوريا ببيدق أحد المعسكرات على حساب الأخر». وأضاف: «علينا أن نبني قواعد جديدة لسياسة خارجية قائمة على المصلحة الوطنية» والمشكلة ليست في وجود دور لتركيا أو لغيرها، وإنما في طبيعة وحدود هذا الدور، ومنفعته في الإعمار والبناء لا في الخراب والتدمير، وقدرتنا على استثماره لمصلحة سوريا.
أما عن إسرائيل، فتوقع حنفي أن يكون للحكومة الانتقالية موقف واضح من توسعاتها، محذرًا من المساعي الاستيطانية والتوسعية لإسرائيل، واستغلالها حالة عدم الاستقرار الحالية. بينما فسر نهار تحركات إسرائيل لما بعد المنطقة العازلة بمحاولة لاستكشاف قواعد وحدود الاشتباك مع النظام الجديد، بعدما كانت هناك وقواعد وحدود واضحة وثابتة للاشتباك مع نظام الأسد على مدى سنوات، ضمنت له استقرار حكمه. لذا شدد نهار على أهمية التمسك بقرارات مجلس الأمن في هذا الصدد والعمل على توسيع دائرة الإدانة الدولية والأممية لتوسعات إسرائيل وجرائمها سواء في غزة أو لبنان أو سوريا.
في الختام، حذر نهار من خطورة أن نعطي هذا النصر لهيئة تحرير الشام، قائلا: «هذا النصر لكل الشعب السوري والجميع دفع ثمنه، فلا فضل ولا أجر ومكافأة لأحد وإنما هو للجميع». مشيرًا إلى أن سوريا الآن بحاجة إلى تشكيل قوى سياسية وطنية تستمد مشروعيتها من المصلحة الوطنية لسوريا، بعيدًا عن الأيديولوجيات والانتماءات الطائفية أو الدينية أو السياسية. ومجتمع مدني فاعل وحقيقي، يساهم بكل طاقته في إعادة الإعمار وبناء الكوادر. ولجنة سورية مستقلة للعدالة والمحاسبة، تساعد في جمع الأدلة وتوثيق الجرائم وتقديم الجناة للعدالة. إن تحقيق العدالة فيه استشفاء لملايين الضحايا السوريين حتى يتمكنوا من الانخراط مرة أخرة في بناء سوريا، وضمانة ألا تتكرر مثل هذه الجرائم مع أي نظام قادم.
شاهدوا التسجيل الكامل للندوة هنا:
Share this Post