الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: لن أشارك شخصيا في أي حكومة إذا لم أكن منتخبا من الشعب

June 2007 · 8 minute read

قال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة ورئيس وزراء السودان السابق، إن أي عقوبات من دولة واحدة ستكون نتائجها عكسية خاصة اذا كانت من الولايات المتحدة الأميركية. وقال المهدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر الوطني الحاكم في السودان هو السبب المباشر في اندلاع الحرب في دارفور لانه لم يهتم بإدارة الإقليم بقدر ما انشغل بتغيير هوية الاقليم لإبعاد حزب الأمة وتحطيمه. وكشف المهدي انهم في حزب الأمة كانوا قادرين على احتواء الأزمة من بدايتها ولكن الحكومة هي التي حالت دون ان يكون لحزب الامة دور في ذلك. وذكر ان مجذوب الخليفة زاره قبل التوقيع على اتفاق أبوجا طالباً منه المساعدة.
وقال المهدي إن حدوث اتفاق بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أمر مستحيل، مشيرا الى ان حزبه اقرب للمؤتمر الوطني من الحركة، كما انهم اقرب الى الحركة من المؤتمر الوطني، مؤكدا ان ما يتم من اتفاقات بينهما هي مسكنات لا تدوم.
ووصف المهدي عملية تغيير العملة قبل الاستفتاء لتحديد مستقبل الوحدة بين الشمال والجنوب عملية عبثية وقرارا فوقيا بنفس الطريقة التي تم بها من قبل تغيير الجنيه الى الدينار.
وأكد أنه شخصياً لن يشارك في أي حكومة اذا لم يكن منتخباً من الشعب، ولكنه قال ان الحزب يمكنه المشاركة في هذه الحكومة اذا حدث تحول ديمقراطي حقيقي.
وفي ما يلي نص الحوار:
* سبق ان قلت رأيك واضحاً في مسألة القوات الدولية ولكنك لم توضح رأيك بشكل كامل حول العقوبات الاميركية على السودان؟
ـ في رأيي ان العقوبات التي تأتي من دولة واحدة ستكون نتائجها عكسية، خاصة اذا كانت من الولايات المتحدة الأميركية، وأي عقوبات لا بد ان تكون دولية حتى تحقق اهدافها، ولذلك نحن والاسرة الدولية مطالبون بالوقوف مع الشعب السوداني لإحداث تغيير حقيقي للموقف في السودان. لان مشكلة السودان عولجت في اطار محدود بين الانقلابيين والمسلحين وإن ما تم ليس كافياً لبناء السلام.
* كيف ترى الحل حتى يعم السلام على الجميع؟
ـ المطلوب من أجل سلام شامل تطوير اتفاقيات السلام الثنائية الى جامعة حيث يجلس الجميع من خلال عمل مشترك يناقش كل الاسباب والحلول لارساء السلام والديمقراطية لان ذلك هو جوهر القضية الوطنية.
* ولكن، بالرغم من ان مناطق دارفور هي مناطق نفوذ لحزبك إلا أن البعض يرى انكم فشلتم كحزب في الإسهام في حل المشكلة؟
ـ علينا ان نتحدث بوضوح، أولاً ان الذي فجر مشكلة دارفور هو المؤتمر الوطني لمحاولته اجراء تغيير سياسي واجتماعي في دارفور ليس لمصلحة الاقليم ولكن لمصلحة تنظيمهم، حيث لم يهتموا بادارة الاقليم بقدر ما انشغلوا بتغيير هويته في محاولة لإبعادنا وتحطيم حزبنا في دارفور، وهذا تم عبر وسائل عديدة، منها تقسيم الاقليم الى ثلاث مناطق لتكثيف الظل الاداري من حيث الولاة والمحافظون حتى يكون هؤلاء كادرا سياسيا كاملا لتوظيف الادارة لصالح الحزب الحاكم، ثانياً: طبقوا قانون جعل الحواكير وملكية الاراضي للدولة بدلاً من القبائل كما كان، حتى يتمكنوا من توزيع المنافع من الاراضي للافراد الذين يقبلون الانتماء الى حزبهم، وهذا اول إشكال خلق التناقض في غرب ووسط دارفور بين قبائل المساليت والفور، وكذلك أعطى امتيازات لقبائل وافدة لا تملك شيئا في المنطقة لأغراض سياسية، ثالثاً: الضغط على زعماء العشائر ليصبحوا موظفين في الدولة فجردوهم من دورهم القبلي.
وكل هذه الوسائل استهدف بها النظام حزب الأمة لتحويل ولاء المواطنين لصالح المؤتمر الوطني، مما أدى الى تمزيق النسيج الاجتماعي ودفع في اتجاه الازمة الحالية.
* هل انتم كحزب تدارستم حجم المشكلة، وحاولتم من جديد الاسهام لحلها ؟
ـ نحن تابعنا كل التطورات وحاولنا من اول وهلة الاسهام في معالجة الازمة، ولكن تعنت نظام الانقاذ انتقل بالمشكلة من قضية تتعلق بالتنمية الى أربع مشاكل جديدة، هي الاثنية المسيسة، حمل السلاح ضد الحكومة، المأساة الانسانية المتمثلة في مئات الآلاف من النازحين، والتدويل. ومنذ بروز هذه المشكلة في عام 2002 جمعنا كل ابناء وبنات دارفور في دار حزب الامة واكدنا لهم ان الحزب قادر على علاج الازمة عبر اتفاق ووضع اطار لحلها. ولكن المؤتمر الوطني وقتها وقف موقفا مضادا ورفض أي نوع من المشاركة لنا لإيجاد الحلول.
* هل كان المؤتمر الوطني يرى ان مساهمتكم في الحل ستقوي نفوذكم الكبير الموجود أصلاً في الاقليم؟
ـ منذ بداية انقلابهم فكروا في دارفور وعملوا على محاربتنا مما فجر الأزمة، ولكنهم رغم رفضهم تدخلنا للحل عادوا في مرحلة ثانية إلينا طلباً للمساعدة، وذلك عندما زارني الدكتور مجذوب الخليفة عام 2006 قبل التوقيع على اتفاق ابوجا، ونعلم ان مجيئهم كان دليل حيرة ولم نقف موقفاً سلبياً ولم نضن عليهم برأي، وقلت لهم مطلوب منكم شيئان: الاول الحدود والحواكير والمشاركة في الرئاسة واقليم واحد للعودة بالاقليم، كما كان، والثاني يتعلق بالمأساة الانسانية وذلك بتعويض المنكوبين ومساءلة المعتدين والاعتراف بحق دارفور في السلطة والثروة بحجم السكان، ولكنهم ذهبوا للبحث عن اتفاق وفق نيفاشا يضمن لهم السيطرة على كل الشمال، ولذلك نحن عملنا كل ما يمكن عمله، وما فعلوه هم كان مكايدة لنا.
* ولكن في نظر البعض ان ما حدث في دارفور التي تعتبر دوائرها مضمونة لحزبكم وبعض مناطق نفوذكم في النيل الأبيض وغيرها من المدن جعلها غير مضمونة لكم في الانتخابات المقبلة؟
ـ نحن الآن نقوم بطواف على كل أنحاء السودان من وقت الى آخر والإقبال الذي تشهده لقاءاتنا اكبر من أي جماهير لأي حزب آخر وتشارك معنا في هذه اللقاءات كل الأحزاب ما عدا المؤتمر الوطني، ونحن لدينا صلوات في العيدين، الفطر والاضحى المباركين، في مواقع مختلفة في السودان، فهي تشهد اقبالاً كبيراً عكس الآخرين، وكذلك نحن نعقد كل اسبوعين ندوة الاربعاء ويحضرها جمهور كبير لمناقشة قضايا مهمة، كما أننا نتبنى قضايا المظلومين، العمال، وقضية منطقة أمري، وقضايا المزارعين، وغيرها وكل هؤلاء يعقدون اجتماعاتهم في دار حزب الامة.
* هناك كثير من المعارضين للحكومة السودانية يراهنون على الخلاف بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، ولكن اخيرا اعلنا انهاء الخلاف والوصول الى اتفاق بينهما؟
ـ مستحيل ان يحدث تقدم حقيقي، لأن الخلاف بينهما استراتيجي، وكيف وبأي منطق يتم اتفاق ونحن اقرب للمؤتمر الوطني من الحركة، واقرب الى الحركة من المؤتمر الوطني، كما انهما يطرحان رؤيتين متناقضتين لمستقبل الوطن، وكل ما بينهما مصلحة مشتركة هي اتفاقية نيفاشا سيختلفان حول تفسير بنودها، وكل ما يحققونه من هذا الاتفاق كالمسكنات لا يدوم وذلك بسبب الخلاف الاستراتيجي الكامل بين الطرفين.
* نلاحظ اهتمام حزبكم بالحركة الطلابية في هذه المرحلة بشكل مكثف، هل رأيتم ان ذلك سيساهم في المواجهة المقبلة لاكتساح الانتخابات؟
ـ لو وجدت انتخابات ديمقراطية نحن مستعدون لها، وحزب الامة اصلاً يهتم بالشباب بصفة عامة. وهذا ما يؤكده مسار الحزب منذ سنوات طويلة باعطاء الشباب الفرصة كاملة لاثبات وجوده والمشاركة على كل المستويات في ادارة العمل وفي الجامعات داخل وخارج السودان، وهذا جعل لنا وجودا مؤثرا، وما ظهر من قوة ومكانة لابناء الحزب من الطلاب هو دليل على ديمقراطية الحزب ورؤيته المستقبلية لانهاء مشاكل السودان وتقدمه، ونحن استطعنا ان نهزم طلاب المؤتمر الوطني بالتضامن مع حلفائنا آخرها انتخابات جامعة الخرطوم، والمدهش ان اولادنا بعدها رفضوا التحالف مع أي جهة ونزلوا في قائمة لوحدهم في مواجهة قائمتين هما حلفاؤنا السابقون وحدهم ايضاً والمؤتمر الوطني وحده، وفازت قائمة طلاب حزب الامة بفارق كبير وهي الآن اصبحت اكبر رابطة طلابية في الجامعات.
* العملة الجديدة في السودان، هل تعد تعبيراً عن الوحدة ويمكنها الصمود أم العملات الأخرى؟
ـ انا اعتبرها اكبر عملية تبديد للأموال قبل تحديد مستقبل وحدة السودان، واذا جاء الاستفتاء المرتقب بنتائج مختلفة سيضطر السودان لدفع 150 مليون دولار أخرى لتغيير العملة الجديدة، ولذلك فهي في مجملها عملية عبثية جاءت لارضاء نزوات بعيداً عن الحكمة أو اولويات القضايا الوطنية. يمكن بعد حسم مصير البلاد ان يصدروا عملة وعلما ونشيدا وطنيا يتلاءم مع المرحلة الجديدة، ولكن دون حسم المسألة يكون ذلك صرفاً دون النظر للأولويات ولذلك فإن قراراتهم منذ البداية لتغيير الجنيه الى الدينار والعودة من جديد لتغيير الدينار الى الجنيه هي قرارات فوقية وخاطئة.
* كل فصيل وقع اتفاقا مع الحكومة احتفظ بسلاحه ومليشياته داخل العاصمة، ما أدى الى عدم استقرار في العاصمة؟ كيف ترى الأمر؟
ـ من أسوأ نتائج اتفاقات السلام الحالية هذا الأمر وكان لا بد ان تصحبها اجراءات تتعلق بنزع السلاح وتسريح القوات ولكن الذي حدث انه منذ التوقيع زادت عمليات التجنيد والتسليح وهذا يرجع لعدم اطمئنان الاطراف الموقعة على ما تم الاتفاق عليه ولذلك حرصت على ان تحرس حقوقها السياسية بسلاحها. وهذا يعني نقل الوجود العسكري من الريف الى المدينة واصبحت هذه القوات والمليشيات المتعددة تسبب انفلاتا امنيا، ما ادى الى تولد الاحساس بالخطر لوجود كل هؤلاء بدون قيادة موحدة .
* اذا طلب منكم الدخول في حكومة الوحدة الوطنية مقابل تنازلات من حزب المؤتمر الوطني.. ما هي التنازلات المطلوبة منهم ؟ ـ انا شخصيا لن اشارك في اي حكومة إلا ان اكون منتخبا من الشعب، ولكن الحزب يمكن ان يشارك في حالة واحدة وهي تحول ديمقراطي حقيقي، وليس في اطار الهامش الصغير من الحريات الذي يتحدثون عنه، وهناك ما زالت القوانين الشمولية المقيدة للحريات قائمة، والمؤتمر الوطني يحمي استمراره بنسبة الـ 52 % حصته في السلطة.
* ماذا تم بشأن عودة مبارك المهدي الى الحزب بجناحه «الاصلاح والتجديد»؟ وهل تتوقع خلافات جديدة خاصة اننا سمعنا عن رفض البعض لعودة مبارك للكيان الكبير ؟
ـ نحن الآن حددنا اعلان مبادئ بشأن هذا الموضوع ونعلم ان هناك مستجدات وطنية توجبت عودتهم الى الكيان الكبير وراينا ان تكون هذه العودة في اطار احترام الديمقراطية والمؤسسية داخل الحزب، ومن خلال هذه المبادئ سننظم ورشة تشارك فيها كل الأطراف التي لها تحفظات واتخذت مواقف في المرحلة الماضية لبحث كيفية لم الشمل بصورة تصبح قدوة للاحزاب الأخرى. واخترنا مجموعة للتحضير وهي ستحدد الزمان والمكان، واعتقد ان هذه الورشة ستقطع الطريق امام أي تكهنات اذا كان سيحدث خلاف او غيره يتردد لأن ما يصدر عن هذه الورشة سيكون بمشاركة الجميع وسيتم الالتزام به.
* السودان وتشاد رغم ما يحدث بينهما دائماً الا أن الأزمة الحالية بينهما خطيرة ومزمنة؟
ـ المشكلة بين السودان وتشاد لا يمكن ان تعالج بسطحية، وما لم تعالج مشكلة دارفور باتفاق بين الحكومة والحركات المسلحة وتشاد ومعارضيها لا يمكن ان تستقيم العلاقة بينهما، وأي معالجة ستكون أمرا مؤقتا وستعود المشكلة من جديد.