!الإنتربول على الخط:أسئلة قديمة بين وزير العدل وأوكامبو

June 2007 · 4 minute read

شهدت العاصمة اليوغندية كمبالا في الفترة من الثاني إلى الثالث من يونيو الجاري ورشة عمل لتعريف ممثلين للصحافة السودانية بآليات عمل محكمة الجنايات الدولية بالتركيز على القضايا التي تنظرها المحكمة وعلى رأسها قضية دارفور، الورشة نظمتها (مبادرة حقوق اللاجئين الدولية)، واستضافت فيها مجموعة من التنفيذيين التابعين للمحكمة الجنائية الدولية، قدموا للدارسين شرحاً حول آليات عمل المحكمة بالتركيز على قضية دارفور.

المنظمون قالوا إن الورشة لا تستهدف كسب تأييد الصحافيين للمحكمة، بل تستهدف تعريف وسائل الإعلام السودانية بالمحكمة الجنائية الدولية بما يمكنها من التعاطي مع النزاع بين المحكمة والحكومة السودانية عبر معلومات صحيحة وكافية، بما يمكنها من التعامل بمهنية.

قبل أن يتلاشى صدى الكلمات التي قيلت في الورشة تصاعدت المواجهة بين المحقق الدولي لويس مورينو أوكامبو والحكومة السودانية من جديد، المحقق الدولي طلب من الإنتربول إلقاء القبض على أحمد هرون وعلي كشيب، بل وطلب من المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتمكين المحكمة من الرجلين.

تعامل الحكومة السودانية مع تصاعد النزاع هذه المرة جاء مختلفاً، فعلى الرغم من أن اللهجة الحادة والرافضة للتعامل مع المحكمة لم تختلف كثيراً، لكنها جاءت هذه المرة من مستوى أدني ومختص، فبعد أن كان رئيس الجمهورية هو من يتصدى للمحكمة الجنائية الدولية، إكتفت الحكومة بتصريحات وزير العدل محمد علي المرضي، الذي قال إن حكومته ترفض تسليم الرجلين بشكل قاطع، ودافع بعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بحكم أن الحكومة السودانية لم تصادق على قانونها، ووصف في تصريحات نقلها (راديو البي بي سي) الطلب من البوليس الدولي (الإنتربول) التدخل، بأنه يمكن أن يبلغ حد الإختطاف في حال إلقاء القبض على الرجلين خارج البلاد.

وفي الورشة دعا الأستاذ كمال الجزولي المحامي عبر ورقته (السودان والمحكمة الجنائية الدولية) الحكومة للتعاطي الإيجابي مع المحكمة، وقال إن دفوعات الحكومة القانونية التي تستند على عدم التوقيع لا تستطيع الصمود طويلاً، وذكر أن السودان وقع على (نظام روما) في 8/9/2000م، ورغم أنه لم يصادق على التوقيع لكنه لم يسحبه، بما يلزمه وفق (معاهدة فيينا حول الإتفاقيات الدولية) بعدم اتخاذ أية إجراءات أو ترتيبات من شأنها إعاقة إنفاذ ميثاق روما.

وزادت ورقة الجزولي القول أنه على الرغم من الجدل القانوني حول درجة الإلتزام على التوقيع غير المصادق عليه، فإن الإختصاص قد انعقد للمحكمة الجنائية الدولية في حالة دارفور، ليس لأن دولة طرف في الميثاق أحالته إليها، أو أن المدعي الدولي قرر التحقيق من تلقاء نفسه، وهما الحالتان اللتان يمكن للحكومة الإستناد فيهما على عدم المصادقة، بل انعقد لها الإختصاص تحت نص المادة (13/ب) التي تمنح مجلس الأمن الدولي سلطة الإحالة إليها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وزاد الجزولي إن مجلس الأمن وهو يمارس سلطاته وفق الفصل السابع من الميثاق الملزم لكل الدول بما فيها السودان، يملك السلطة التقديرية (منفرداً) لتحديد مدى حدوث تهديد للسلم العالمي أو الإخلال به، واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الأمور إلى نصابها. وأن يطلب من الدول الأعضاء تطبيق التدابير التي يتخذها بما فيها العقوبات الإقتصادية الشاملة، بل وفي حال فشل هذه الإجراءات يمكن للمجلس اتخاذ تدابير يطلب فيها استخدام القوات البرية والجوية والبحرية للدول الأعضاء لتنفيذ تدابيره بالقوة، وخلصت الورقة للقول بأن السودان في حال إصراره على رفض قرار المحكمة سيحكم على نفسه بمواجهة شاملة مع المجتمع الدولي ومجلس الأمن والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وكانت ورشة كمبالا التي عقدت في فندق (أفريكانا)، أثارت جدلاً من قبيل أهلية القضاء السوداني لمحاكمة المشتبه بهم، الذي قال عنه منظمو الورشة إن المحكمة تمارس اختصاصها على الأفراد في أشد الجرائم خطورة في موضع الإهتمام الدولي، ويعرفها وفق المواد (6 ـ 8) من ميثاق روما بأنها جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب.

بعض الصحافيين الدارسين في الورشة جادلوا بأن العدالة الدولية إنتقائية، مستندين على رفض الولايات المتحدة الأمريكية للمحكمة الجنائية الدولية، فجاء الرد بأن المحكمة الجنائية الدولية حلم إنساني لتحقيق العدالة ولسيادة القانون الدولي الإنساني، وإن رفض دولة من دول العالم تخشى على (جنودها) المنتشرين في العالم، لا يبرر لبقية الدول خرق أسس هذا القانون، وأن هنالك (لوبي إنساني) يتكون من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية يعمل داخل الولايات المتحدة لممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية للرضوخ للقانون الدولي الإنساني وهيئات تنفيذه.

قبل إسدال الستار على أعمال الورشة عاد النزاع لحدته القديمة بين الحكومة وأوكومبو، وثار السؤال مجدداً، هل تنتصر إرادة العقل، أم أن على شعب السودان مواجهة المجتمع الدولي ودفع الثمن؟! هذا السؤال لا تثيرة تمنيات منظمات مجتمع مدني، بل له إجابته التي تمثل وجهات نظر متباينة داخل الطاقم الحاكم في السودان، فمن يصمد ومن ينحني للعاصفة لتمر، هذا ما لا تستطيع ورشة عمل الإجابة عليه!