مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد المحمود عبد الحليم يكشف خبايا وأسرار اللحظات العصيبة لمخاض القرار (1706)

August 2007 · 9 minute read

موضوع دخول القوات الدولية اقليم دارفور شغل حيزا كبيرا فى الساحة السياسية، وشغل الرأي العام السوداني والدولي لما يقارب العام بأكمله، وما صاحبه من شدّ وجذب بين التأييد والرفض، ومن ثم موافقة الحكومة، بل وترحيبها بالقرار (1769) الذي نص على دخول (26) الف جندي منهم (؟؟؟) الف شرطى لبسط الأمن والاستقرار فى اقليم دارفور. وقد استبق صدور القرار حراك سياسى ودبلوماسى كبير لعبت فيه بعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة دورا مميزاً بقيادة السفير عبد المحمود عبد الحليم الذى تحدث لـ(السوداني) حول ملابسات اصدار القرار.

*المبادرة الرئاسية قادت للحراك الدبلوماسي بين أديس والخرطوم

*استخدامات الفصل السابع لم تمنح شيكاً على بياض وصياغته واضحة لا تحمل التأويل!

هذا هو الفرق بين القرار (1769) والقرار (1706)!

السلام لا ثمن له وبه نهزم كيد الأعداء

 

 

 

حوار: سعاد عبد الله

ما هي أهم خلفيات الحراك الدبلوماسي الذي سبق اعتماد القرار (1769)؟

ـ كانت مبادرة السيد رئيس الجمهورية التي أطلقها خلال اجتماعات قمة مجلس الأمن والسلم الأفريقي بنيويورك في سبتمبر 2006 والمسماة AMIS PLUS أو (الاتحاد الأفريقي + (زائداً))، هي أساس كافة التحركات اللاحقة والتي أفضت إلى تفاهمات أديس أبابا في 16 نوفمبر 2006، بل والحراك الدبلوماسي الذي بلغ ذروته في القرار (1769). وقد هدفت تلك المبادرة الرئاسية إلى الاحتفاظ بالطابع الأفريقي للعملية مع تعزيز ذلك لوجستياً وإدارياً وفنياً، وهو ما خلصت إليه اجتماعات أديس أبابا المشار إليها من خلال تبنيها للخطة الممرحلة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي من خلال مرحلة الدعم الخفيف فالدعم الثقيل ثم تنفيذ عملية هجين، وأكدت على ذلك اجتماعات قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي التي عقدت بأبوجا في 30 نوفمبر 2006 والتي أكدت أيضاً على تعيين قائد أفريقي تعزيزاً للصفة الأفريقية للعملية، ثم مبعوث مشترك أفريقي أيضاً للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وتم اعتماد تلك التفاهمات في بيان رئاسي من مجلس الأمن الدولي في 19 ديسمبر 2006 مؤمناً على ما سلفت الإشارة إليه بشأن القوام الأفريقي للبعثة وقائدها الأفريقي ودور الأمم المتحدة في العمليات الإسنادية وتوفير نظم وهياكل القيادة والتحكم.

ولعل من إيجابيات قرار مجلس الأمن الأخير (1769) أنه أكد على هذه المرجعيات وخاصة الطبيعة الأفريقية للعملية، ودور الأمم المتحدة في توفير الهياكل الإسنادية للقيادة فالتمويل، كما أكد الأولوية التي يتوجب منحها للعملية السلمية. إذن فالسودان كانت لديه في الأساس بصمات وإسهامات واضحة بشأن خارطة الطريقة تلك وما يتوجب عمله، وقد أدرنا معركة المشاورات التي أفضت إلى إعتماد القرار (1769) استناداً على تلك المرجعيات والإسهامات.

* ما هو الفرق بين القرار (1706) والقرار (1769)؟

ـ الفرق واضح بين القرارين (1706) و(1769)، ليس فقط في أن الأول لم يمنح السودان حتى فرصة التشاور بشأنه، وأنه اتخذ بمعزل عن مرئيات السودان وانشغالاته، وتم فيه أيضاً تهميش الاتحاد الأفريقى نفسه، بل إن هنالك فروقاً جوهرية؛ فعملية حفظ السلام المتوخاة بموجبه كانت عملية حفظ سلام تقليدية أممية كالتي تقوم بها الأمم المتحدة في مناطق أخرى من العالم، بكل ما حمله ذلك القرار المعيب أيضاً من سلبيات تنتقص من السيادة الوطنية انتقدت في حينها..

أما العملية المتوخاة بموجب القرار (1769) فإن لها مرجعياتها الخاصة التى كان السودان مشاركاً أصيلاً فى التفاوض حولها وفى صياغاتها، كما أنها عملية لها شروطها الخاصة وغير المسبوقة.. فهى تحافظ على اتصال الطبيعة الأفريقية والدور الأفريقي خاصة أن الاتحاد الأفريقي كان راعياً وله دور رائد ومحدد في المسائل الأمنية والسياسية بنص اتفاقية أبوجا لسلام دارفور بخلاف الأمم المتحدة التي لم تمنحها اتفاقية أبوجا ذلك الدور..

وإذا كان موقفنا ورهاننا دوماً هو اتصال الدور والطبيعة الأفريقية فإن قرار مجلس الأمن (1769) قد أكد على ذلك الشرط، كما كان القرار واضحاً كذلك في إشارته لمسألة السيادة والمسؤوليات الوطنية، ويأتي دور الأمم المتحدة عبر القرار معززاً لذلك الجهد وفق مرجعيات هي إعطاء الأولوية لضم غير الموقعين وإنعاش العملية السلمية، بالإضافة لما تضمنه القرار من عنصر آخر مهم يتعين أن يلعب المجتمع الدولي دوراً كبيراً فيه وهو مسألة التنمية وإعادة التعمير بالصورة التي وردت في القرار، وهى العملية الوحيدة التى نص قرار قيامها على إستراتيجية خروج واضحة.

* كيف تفسر الترحيب السريع للحكومة بالقرار؟

ـ القرار لبى العديد من الشواغل السودانية، والموافقة السريعة التي أعطتها الحكومة للقرار جاءت دليلاً يقدم للمجتمع الدولي حول جديتها للمضي قدما وإسكات أصوات بعض القوى الدولية التي كانت تراهن وترغب في سماع رفض الخرطوم.

* لقد بذلتم جهداً كبيراً في المشاورات والمفاوضات التي سبقت ولادة القرار، كيف كان ذلك؟

ـ نعم.. كانت المشاورات والمفاوضات مضنية وصعبة، وكانت أيضاً غير مسبوقة لجهة استمرارها لمدة أربعين يوماً على محاور ومستويات متعددة سواء في نيويورك أو في العواصم المختلفة المعنية.. في الواقع لم نفاجأ بالمسودة الأولى للمشروع التي كانت سيئة، وذلك من واقع تجاربنا السابقة بشأن سعي بعض الأطراف الدولية للالتفاف حول المرجعيات وإعادة إنتاج المسائل الخلافية. وقد كان ذلك واضحاً في المسودة الأولى التي استدعت مجدداً العديد من المسائل الخلافية علاوة على تجاوز عناصر متعددة في المسودة للمرجعيات.

وإذا كانت الفقرات التمهيدية أو الديباجية لمشروعات القرارات، حسب العرف الدبلوماسي، تضع عادة الأساس الفكري والبنائى للقرارات، فقد لاحظنا أن المسودة الأولى قد استعادت في ديباجتها القرار (1706) والقرار (1593) الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية والقرار (1591) الخاص بالسلاح في دارفور، كما استذكرت الديباجة حق التدخل الإنساني في حالات الإبادة الجماعية المذكور في الوثيقة الختامية للقمة العالمية عام 2005، وكذلك تقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان الأخير بكل أطروحاتها السلبية المعروفة التي قاومها السودان.. وعلاوة على ذلك فقد كانت لهجة ونبرة المسودة عدائية، وحفلت بإدانات مباشرة للحكومة، وما أسماه المشروع مليشيات الجنجويد، وما جاء في التقرير المرحلي والخلافي لفريق الخبراء المُشكل بموجب القرار (1591)، وكانت هنالك إشارة في المفتتح تشير إلى أن الوضع في السودان بكامله ودارفور بصفة خاصة يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، كما جاءت فقرة حول ما سمي بالإفلات من العقاب مربوطة، كما هو واضح، بالفقرة التمهيدية التى تستذكر القرار (1593)، وجاءت الإشارة لاتفاقية سلام دارفور بصورة مخففة كما أقتصرت إستراتيجية الخروج على خفض القوات وليس إنهاء العملية.

وكانت ثالثة الأثافى استخدمات الفصل السابع التى كانت مفتوحة في المسودة واستخدام القوة فيها متاحاً دون ربطه بمرجعية سياسية وعملياتية. كما كان أمر مصادرة وجمع السلاح داخلاً أيضاً تحت الفصل السابع، وكذلك حق القيام بعمليات استباقية.. كان رد فعلنا هو رفض المسودة، وقد كانت وفود الدول الصديقة بمجلس الأمن تشاطرنا ذات الانشغال بشأن الفقرات السالبة المشار إليها بعاليه.. وقد استمرت المشاورات والمفاوضات مع الدول المتبنية والراعية للمشروع وهى بريطانيا وفرنسا وغانا.. أما غانا فقد انسحبت من قائمة الدول المتبنية مما مهد التعامل معها في إطار تحركنا الجماعى مع الدول الأفريقية الأخرى بمجلس الأمن، وهى الكنغو وجنوب أفريقيا. ومعلوم أن جنوب أفريقيا وصفت تلك المسودة على لسان سفيرها بأنها «غير مقبولة تماماً».. ولعب خبيرنا بمجلس الأمن الأخ حسن حامد دوراً كبيرا وبهمة عالية مع خبراء تلك الدول وكافة خبراء الدول الخمس عشرة بمجلس الأمن، كما اتصلت لقاءاتى مع كافة مندوبى الدول الأعضاء بمجلس الأمن، حيث اتصل العمل ليل نهار خاصة أن تعديلات وملاحظات الدول المتبنية كانت تأتينا فى ساعة متأخرة عبر البريد الإلكترونى لتتلوها فى الصباح اللقاءات المباشرة التى قادتنا لمسودة ثانية، ثم ثالثة، ثم الرابعة والأخيرة التى اعتمدها مجلس الأمن.. والتى كما أسلفت لبّت العديد من شواغلنا، فقد تم حذف الإشارة لقرارات مجلس الأمن الخلافية المشار إليها، وتم تعزيز الفقرة التى تؤكد على التزام المجلس بسيادة السودان واستقلاله وسلامة أراضيه، وحذفت الإشارة لمسألة الوثيقة الختامية لقمة الألفية وحق التدخل الإنسانى، وحذفت كافة الإشارات السالبة ضد حكومة السودان وما يسمى بخروق حظر السلاح، كما حذفت الإشارة لتقرير مجلس حقوق الإنسان، وكذلك إزالة الإشارة للوضع فى السودان كمهدد للأمن والسلم الدوليين، مع إبقاء دارفور، وتم حذف الإشارة الى مسألة الإفلات من العقاب، بل أكد المجلس على دور حكومة السودان الوطني فى جلب مرتكبى الجرائم للعدالة.

وقد حوى القرار الأخير فقرة منفصلة وجديدة تؤكد على الصفة الأفريقية للعملية، علاوة على تضمين فقرة حول التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية فى صيانة الأمن والسلم الدوليين، وخصصت فقرة تشيد بموافقة الحكومة على نشر العملية الهجين، وأخرى تثمن إتفاقها مع الأمم المتحدة فى المجال الإنسانى، كما خصصت فقرة للتأكيد على الحاجة العاجلة لتقديم الدعم المالى واللوجستى لبعثة الاتحاد الأفريقى قبل الانتقال للعملية الهجين، وتمت الإشارة الى اتفاقية سلام دارفور بأنها الأساس لسلام مستدام فى السودان، وتم تعديل الفقرة التى تتعلق بالعملية السياسية بحيث تضمنت رسالة تحث غير الموقعين على إكمال تحضيراتهم والدخول فى المفاوضات، وحملت الفقرة إشادة بالتزام الحكومة بالحل السلمى، وتم تضمين فقرة مهمة تشير للحاجة الى قيام مبادرات إغاثية فى مجالات إعادة التعمير والتنمية والتعويض، وفقرة خاصة تعالج إستراتيجية الخروج تشمل تخفيض البعثة بتحسن الوضع وصولا الى إنهائها.

أما أهم الفقرات، التى بقيت من المتحفَّظ عليه من القرار، فهى المتصلة بالقصف الجوي، حيث أصرت الولايات المتحدة على إبقائها خاصة وأن اتهامات الحكومة بالقصف الجوى ظلت إحدى أجندة إعلامها وبيانات مسؤوليها، ولأن إبقاء الفقرة أيضاً من شأنه إعطاء مصداقية للاستثمار الداخلى الذى قامت به فى هذا الموضوع، والكل يعرف أن تقرير لجنة الخبراء بشأن تلك الادعاءات وطلاء الطائرات قد تم تسريبه من مجلس الأمن لصحيفة الـ(نيـويورك تايمز)، وهو أمر تلقينا على أثره اعتذاراً مكتوبــاً من مجلـس الأمن. وكما هو معلوم أيضاً فقد تم إسقاط التهديد بعقوبات.. إذن كانت معركتنا هى إعادة القرار الى الجادة ما أمكن ذلك وإخراج كل الفقرات التى تمثل أهدافاً إستراتيجية للدوائر المعادية للنيل من السودان وتكبيله بالعقوبات وألوان الجزاء حتى بعد أن أوفى بالتزاماته كافة.

* وماذا عن الفصل السابع؟

ـ اقتصر الفصل السابع على فقرة واحدة من المشروع وجاءت محجمة ومشروطة تماماً، بحيث يقتصر استخدام القوة على حماية البعثة لمنسوبيها ومقارها، وهو أمر مألوف ولدينا تجربة معه فى القرار (1590) الخاص بالقـوات فى جنـوب السـودان، ولا خلاف عليه. أما مسألة حماية المدنيين فقد ربطت فى إطار اتفاقية سلام دارفور ودونما مساس بمسؤوليات حكومة السودان خلافـاً للتفويض المفتوح الذى كانت عليه المسـودة الأولى.. وبما أن الحكومة طرف أصيل فى تنفيذ اتفاقية أبوجا فإن دورها قائم ولا يمكن إلغاؤه، ولذلك فإن استخدامات الفصل السابع لم تمنح أي شيك على بياض وصياغته واضحة جداً ولا تحتمل التأويل!.

* ماذا بعد اعتماد القرار (1769)؟

ـ لا شك أننا على أعتاب مرحلة مهمة وحاسمة لمسار معالجات قضية دارفور، الأمر الذى يتوجب معه إحكام ترتيب الأولويات أكثر فأكثر والعمل على إنجاح العملية السياسية المرتقبة كأولوية قصوى. فالعملية الهجين ليست حلاً، بل هى عملية لحفظ السلام. كما لا بد من إحكام التنسيق المؤسسي داخلياً من جهة، ومن جهة أخرى مع الاتحاد الأفريقى والجهات الأخرى ذات الصلة فيما يتصل بالقضايا ذات الصلة ومن بينها توفير المساهمات من الدول الأفريقية حتى لا يحدث التفاف حول مسألة الطبيعة الأفريقية للقوات.

أما على مستوى الأمم المتحدة هنا فإننا على اتصال مستمر مع الأمانة العامة وإدارة عمليات حفظ السلام متابعةً ورصداً للتأكد من أن كل خطوة تتم لا بد أن تكون متسقة مع المرجعيات السابقة التى أكد عليها القرار، خاصة فيما يتصل بالصفة الأفريقية للعملية وقيادتها.

* كلمة أخيرة..

ـ لا بد من كلمة شكر وتقدير لكافة الدول الصديقة بمجلس الأمن على وقفتها الصلبة مع السودان وجهدها معنا لغسل أدران المشروع. وقد أثبتت التجربة أن للسودان أصدقاء بمجلس الأمن نعتز بهم.. ولا بد أيضاً من الإشارة فى خاتمة هذا الحديث الى وجوب اتصال التيقظ إزاء محاولات الالتفاف والمكر السيئ الذى ظل سمة متصلة لسلوك بعض الدوائر المعادية، والتى نعرف أن أهدافها ليس سلام دارفور، ليس هنالك ثمن للسلام، وبه وحده نهزم محاولات الكيد والتربص.

نبذة شخصية: (توضع في صندوق منفصل)

السفير عبد المحمود عبد الحليم:

تخرج فى جامعة الخرطوم علوم سياسية، وحاز على درجة الماجستير والدكتوراة فى الدراسات الأفريقية.

عمل دبلوماسياً فى منتصف الثثمانينات بالبعثة الدبلوماسية بنيويورك والرياض وأديس ابابا، ثم سفيراً للسودان فى الهند وسيريلانكا والنيبال. قاد العديد من لجان العمل المختصة بالأزمات فى المنطقة الأفريقية.

عمل مقررا للجنة العليا لأزمة التعامل مع حادثة اديس ابابا 1995 وما اعقبها من حراك دولى وعقوبات فى مجلس الأمن الدولي ضد السودان.

اكتسب خبرة ثرة وحنكة ومهارة فى ادارة الأزمات الدولية.

زوج وأب لمحمد ودينا ومرافئ ووجدان.