دافع وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية أحمد هارون المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور عن نفسه، مؤكداً انه لم يرتكب جرماً، بل كان يؤدى مهماته في حماية المدنيين من هجمات المتمردين، مستبعداً أن تساوم حكومته على قضيته، وقال في حوار مع «الحياة» انه يعيش حياته في شكل طبيعي وليس مهموماً بمطالب المحكمة الدولية المتكررة بتسليمه اليها، واعتبر ذلك ضرباً من الحرب النفسية والضغط عليه، مشيراً الى ان القضية سياسية وليست جنائية.
وأضاف هارون أنه يعيش في «الزمن الضائع» لأن معظم رفاقه «استشهدوا» وأنه يتعامل مع الموت أكثر من مرة في الشهر، ورأى ان سلامته الشخصية ليست مرتبطة باستمراره في السلطة أو بقاء الحكومة الحالية.
وهنا نص الحوار:
> بحسب بعض التهم الموجهة إليك من محكمة الجنايات الدولية أنه في عامي 2003 و2004 وبأمر منك وبإشرافك تم ارتكاب أعمال قتل ونهب ممتلكات واغتصاب جماعي وتهجير مواطنين من قراهم، ما ردك على هذه التهم؟
– معروف أن الحرب في دارفور أشعلها المتمردون سواء أكانوا من «حركة تحرير السودان» أم من «حركة العدل والمساواة» أم من تفرع منهما، تحت دعاوى ومطالب سياسية يعتقدون بصحتها، ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن يمثل ذلك مبرراً لاستخدام السلاح ضد الدولة أو ضد المواطنين. الحكومة ذهبت إلى دارفور من أجل احتواء تمرد غير شرعي استهدف المواطنين ومصالحهم، إضافة الى المؤسسات الحكومية، نحن كنا في وضع دفاعي، هذه القرى كانت تحت سيطرة الحكومة وتقوم المؤسسات الحكومية بواجباتها في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين، قام المتمردون في فترات مختلفة بالهجوم عليها، قتلوا المواطنين، وقتلوا أفراد الشرطة وتصدت لهم قواتنا في إطار عمليات الأمن الداخلي… لا توجد حكومة تشعل النار في نفسهــا، ليس لدينا ثأر شخصي أو مؤسسي ضد مواطني دارفور، بالعكس نحن ذهبنا لحماية المواطن هناك وبالتالي هذه الاتهامات مردودة. لو أن مواطناً في أميركا حمل سلاحاً ضد الدولة فسيطلـــق عليـــه اسم إرهابي، دعك من أميركا، في الصومال ولمجرد التفكير بأن هناك من يحتمل أن يهدد الأمن القومي الأميركي ترسل أميركا بوارجها وأساطيلها وجندها لمحاربة ذلك العدو المحتمل بدعوى مكافحة الإرهاب، فما الذي يجعل هؤلاء إرهابيين ويجعل أولئك ثواراً لديهم مشروعية من المجتمع الدولي؟ التفسير بسيط: انهم مدفوعون من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لتقويض النظام القائـــم في السودان. ليس لدينا أي تفسير بخلاف ذلك، لأن أبسط واجبات الدولة هي أن تبسط الأمن، وإحدى وظائف الدولة المتفق عليها بين كل فقهاء القانون أياً كانـــت المدرسة التي ينتمون إليها أن الــدولة هي التي تحتكر العنف المسلح وفرض القانون بالقوة.
> هل تعتقد أن حل قضية محكمة الجنايات الدولية مع السودان سيكون سياسياً وليس قضائياً؟
– لا يوجد نزاع مسلح انتهى في ساحات المحاكم أو على منصات المحاكم، انها قضية سياسية في المقام الأول وحلها حل سياسي وأي محاولة لتوظيف أدوات القانون ستعيد القضية إلى المربع الأول، وستضيف المزيد من التعقيدات الى هذه القضية الحساسة. لدينا تجربة سابقة هي تجربة السلام الشامل في السودان المبنية على الخبرة الدولية في حل النزاعات، وهي تبدأ بخطوات متدرجة في شكل متسق مع بعضها بعضاً، أولاً الوصول إلى وقف إطلاق نار فاعل مع ترتيبات أمنية فعالة، ثانياً الوصول إلى حل سياسي يمهد لعملية سلام شامل ومستدام، ثالثاً إجراء مصالحات اجتماعية، رابعاً المحاسبة إن كان ثمة ما يقتضي ذلك، في هذه العملية تم البدء بالمقلوب، لذلك لا يتوقع لها أن تستمر طويلاً. فالعودة إلى المسار الطبيعي هي المدخل المناسب للحل.
> إذا حصل انفراج بين السودان والمجتمع الدولي في مسألة دارفور، هل تعتقد ان قضية محكمة الجنايات الدولية ستجمد؟
– ما دامت العملية سياسية فهي مرتبطة بجملة من المعطيات وبجملة من الظروف المختلفة، لكن موقف الحكومة واضح أن لا دخل لمحكمة الجنايات الدولية بهذا الأمر البتة.
> لماذا أحمد هارون؟ هناك وزير للدفاع وهناك وزير للداخلية وأنت كنت فقط وزير دولة للشؤون الداخلية؟
– هم في وضع أفضل للإجابة عن ذلك، لا آخذ هذه القضية من الناحية الشخصية. أحمد هارون يعامل بصفته جزءاً من رمزية الحكومة القائمة الآن في السودان أكثر من كونه أحمد هارون الشخص. هم لا يستهدفون أحمد هارون في شخصه ولكن يستهدفون السودان في شخص أحمد هارون.
> هل هذا يعني أن التهم الموجهة إليك لا أساس لها من الصحة؟
– لا أجد لها أساساً. هل يعقل أن أحمد هارون أشعل تلك الحرب في دارفور وكانت له المقدرة على أن تستمر تلك الحرب طوال تلك السنوات، أعتقد بأن المنطق لا يقبل ذلك.
> إحدى التهم تقول إن أحمد هارون شوهد شخصياً في طائرة مروحية وهو يوزع أسلحة على أفراد الميليشيات الموالية للحكومة وكذلك يدفع رواتب لهذه الميليشيات؟
– حقيقة، هذه هي محاولة الغرب المستمرة لتصوير مجتمعاتنا على شكل مجتمعات بدائية متوحشة متخلفة، نحن لدينا نظام دولة مستقر وثابت لا يمكن أن يؤدي الوزير فيه دور المخزنجي أو دور الصراف، مع كامل التقدير لمن يقومون بتلك الأدوار، لدينا شرطة عمرها مئة عام احتفلت عام 2003 بعيدها الماسي، ولدينا قوات مسلحة عريقة. لا يمكن أن يقوم الوزير بمثل هذه الأدوار، ولكنّ ذلك جزء من مخطط استخدام الميديا لتصوير أن هناك وضعاً في غاية البدائية والوحشية يقوم فيه الوزير بدور مسؤول المخزن ودور الصراف، ولا توجد فيه ضوابط وفواصل لمستوى المسؤوليات والمهمات. انها محاولة تتسق والخط الإعلامي الرامي الى تصوير هذا النزاع مرة على أنه عرب ضد أفارقة ومرة أخرى على أنه ليس هناك دولة يحتفى بها وهكذا…
> أنت الآن وزير الدولة للشؤون الإنسانية مع انك متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، هناك من يرى أنها عملية تجميل صورة. كيف تفسر ذلك؟
– أفسره بالآتي: عندما كنت وزيراً للدولة للداخلية كنت أؤدي مهمة إنسانية هي الحفاظ على أرواح مواطنينا هناك، انتهت فترة العمليات العسكرية هناك وأصبحت مهمتي الإنسانية الآن توفير الحاجات الإنسانية لأهل دارفور، وفي الواجبين أؤدي عملاً إنسانياً مقصده النهائي الحفاظ على الأنفس وتلبية الحاجات.
> هناك حديث رائج حول مقابلتك سفراء غربيين في الخرطوم ومساومات تجرى معك في موضوع المحكمة الجنائية؟
– أولاً الواقعة غير صحيحة، ولعدم صحتها ولأنها مسيئة جداً اضطررت الى تدوين اتهامات في النيابة بنفسي، وعلى رغم ذلك أنا غير مشغول باتهامات المحكمة الدولية على الإطلاق، وأنا متصالح مع نفسي لأنني لم ارتكب جرماً، والحمد لله لي خلفيتي القانونية وعملت قاضياً وبالتالي لا تخيفني الألاعيب القانونية التكتيكية مثل هذه، كما انني، خلال تجربتي طوال الثمانية عشر عاماً الاخيرة، ظللت أتعامل مع الموت في الشهر اكثر من مرة وكل زملائي الذين عملت معهم ماتوا وأرجو ان يتقبلهم الله شهداء، فإحساسي انني ألعب في الزمن الضائع.
> هل تشعر بأن الاتهامات موجهة اليك بصورة شخصية أم هي قضية سياسية؟
– بالطبع هي قضية سياسية، واحدة من أدوات الحرب النفسية تجاه البلد، حديث يصدر عن لائحة من 51 شخصاً مسؤولاً في الحكومة متهمين بارتكاب جرائم حرب، ثم لائحة من 15 شخصاً، وتقلصت اللائحة الى عشرة ثم صارت شخصين، ويرددون ان هناك قائمة أخرى، كلها جزء من الضغط النفسي المقصود منه إحداث الإرباك عبر التخويف. ولكن هذه لن تتحقق فينا اطلاقاً. –>
> هل تعتقد بأن وجودك في الحكومة يشكل حماية لك؟
– إطلاقاً، الحماية الحقيقية لي في أننا لم نرتكب جريمة وأن هذه عملية سياسية، بل عملية عبثية، فلهذا «إطلاقاً ما شغال بيها» وفي النهاية المقدر لك لن تفوته، وأنا من خلال تجاربي الكثيرة مع الموت في الدنيا بت مقتنعاً بأن غير المكتوب لك لن تراه.
> هل تعتقد بأن الحكومة يمكن ان تساوم في قضيتك مع المحكمة الدولية؟
– لا… ليس من أخلاقياتها، ولا توجد فرضية 1 في المئة، وأقول لك مشاعري الشخصية، أحياناً أكون في سيارتي أجد عبارات التشجيع والتأييد من الناس، فوضع مثل هذا يجعلك تشعر بالفخار الوطني، ولا يدفعك الى الانكماش.
> اذا خرجت من الحكومة، هل ستعود الى أهلك في اقليم كردفان الذى يمكن ان يشكل لك حماية؟
– بل سأظل في الخرطوم، أنا لست خائفاً ولا يوجد لدي إحساس بأنني مطلوب.
> هل تعيش حياتك الطبيعية؟
– بالطول والعرض، أعيش يوماً في دارفور ويوماً في الشرق ويوماً في الجنوب ويوماً في الشمال.
> يقولون ان الاتهامات الموجهة إليك من المحكمة الجنائية لا تسقط بالتقادم، هل تتوقع ان يُلقى القبض عليك في يوم من الأيام ويذهب بك الى المحكمة الدولية…؟
– أنا غير مشغول بالبحث في مآلات هذه القصة، وأنا اعرف تفاعلات السياسة الدولية، فالمسألة ليست عدالة دولية وانما هي بعيدة كل البعد من هذا.
> هل تستطيع السفر الى خارج السودان؟
– نعم… نعم في شكل طبيعي.
> وما موقف الناس منك وتعاملهم معك عند زيارتك دارفور؟
– مؤازرتهم لي كانت اكثر من مؤازرة الناس لي في اي مكان آخر، والوفود جاءتني من مختلف مناطق دارفور، فهم يعرفون من الذي قتلهم ومن الذي دمر نظام حياتهم الذي كان مستقراً، وهم قادرون على التمييز بين الأوضاع قبل تمرد دارفور عام 2003 وبعده، ولذا استمتع بزياراتي لدارفور في شكل خاص.
> اذا ذهبت الحكومة او بقيت، هل لهذا تأثير في القضية؟
– هذه قضية وطنية في المقام الأول، قضية كرامة بلد وسيادة وشرف، هذا من منظور، ومن منظور آخر تقع في إطار التكتيكات اليومية بيننا وبين المجتمع الدولي. فقط هذه المرة هناك شخص اسمه احمد هارون.
> ألا تشعر بأنك مطالب بتبرئة نفسك أمام الرأي العام المحلي والعالمي؟
– أبداً… وإلا سأكون ذهبت في خط الادعاءات، والرأي العام يعرف جيداً من الذي أشعل نيران الحرب في دارفور، وأنا كنت سأشعر بوخز الضمير اذا تقاعست عن القيام بما قمت به، وكنت سأكون حانثاً بقسمي ومهملاً في عملي ولأمانة التكليف التي كانت في عنقي، لأن أوجب واجبات وزارة الداخلية تحقيق أمن الوطن والمواطن، وبالمناسبة حركات التمرد، مارست أبشع أنواع الحروب في دارفور، فهي لم يكن عندها سقوف في حربها، لا قواعد الفروسية ولا قواعد الحرب، إذ أحرقت الجرحى في المستشفيات، فهي كانت تطوي جريحنا في فراشه وتحرقه، ونحن قاتلنا في الجنوب خمسين عاماً ولم نشاهد ما حدث في دارفور. والذين لم يعايشوا او يروا الوضع في دارفور لن يستطيعوا تصوره، فهو خارج التصور لبشاعته ولا إنسانيته، إنها حرب لم يكن لديها سقف.
> ألا تقر بأنكم أيضاً ارتكبتم تجاوزات عبر القوات الحكومية او المليشيات؟
– أقول لك أمراً في غاية الأهمية، لم تكن هناك عملية ممنهجة لارتكاب أخطاء وأجزم بهذا، أما الأخطاء الفردية فموجودة، لكن اي خطأ فردي نما إلى علمنا تعاملنا معه، وحصل ان قصفت طائرات عسكرية من طريق الخطأ بعض القرى، فكنت مع رئيس أركان الجيش الفريق عباس عربي نذهب الى الأهالي في هذه الأحوال ونطيّب خاطرهم ونجبر ضررهم ونشكل مجلس تحقيق يدعو الناس ويعوضهم عن خسائرهم، وهذا حدث لنا في مناطق أم قوزين وأبودومة وهبيلا، وأي ممارسات فردية سواء من أفراد في الجيش او الشرطة أم جرى الإبلاغ عنها كانت التوجيهات ان تحال على المحاكم العسكرية لاتخاذ أقصى العقوبات من واقع ان هذا واجبنا وهو الشيء الطبيعي الذي يجب ان يحدث.
> كيف ترى نهاية هذه القضية؟ وهل ترى أنها ستظل مستمرة ضد السودان؟
– إلى أن يتصالح الخير مع الشر ويستأنس الذئب بالغنم، في ذلك الوقت ممكن أن تنتهي مثل هذه الأفعال المنافية لكل حس عدلي أو حس يستند إلى المنطق. هم يرون هذا العالم من منظور صراع وأن هذه هي نهاية العالم وأنهم هم رسل العناية الإلهية بقيمهم وتصوراتهم للحياة التي ينبغي أن تسود، هم غير متصالحين مع الآخر تماماً، ختموا على هذه البشرية وأعلنوا انتصار حضارتهم. مخططهم هو تفكيك هذه الحكومة لأنهم يعتقدون بأنها تحمل قيماً تتصادم والقيم التي يؤمنون بها ويفترضون أن هذا يشكل خطراً محتملاً عليهم، لذلك سيواصلون هذا المخطط إلى أن يجعلوا من السودان حظيرة خلفية لهم وهذا مستحيل.