كشف وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم محمد حسين معلومات جديدة عن هجوم متمردي «حركة العدل والمساواة» بزعامة خليل ابراهيم على أم درمان قبل أسبوع، وقال إن ثلاث جهات تولت التخطيط للهجوم لإطاحة نظام حكم الرئيس عمر البشير. ولم تستبعد الخرطوم أسر إبراهيم في أي لحظة، في وقت رفض زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي في شدة أي محاولة لإطاحة البشير بالقوة، لأن أي نظام بديل عنه سيمضي بالبلاد الى «شمولية جديدة قابضة مثقلة بالفواتير الخارجية».
وقال وزير الدفاع إن الجهات الثلاث التي وقفت خلف الهجوم على أم درمان ثاني مدن العاصمة السودانية الثلاث، هي تشاد التي كانت قاعدة انطلاق وتدريب لمتمردي «حركة العدل والمساواة»، و «قوى إقليمية» موّلت العملية عبر مؤسسات مالية إقليمية، و «قوى دولية» قدمت للمتمردين الدعم الفني برصد القوات الحكومية عبر الأقمار الاصطناعية لتجاوز الاشتباك معها وتمكين المهاجمين من الوصول الى أم درمان. وأكد أن الدعم المقدم للمتمردين يفوق قدرات تشاد المنهكة جراء هجوم المعارضة التشادية على نجامينا في شباط (فبراير) الماضي. وقال إنه جرى رصد 309 سيارات للمتمردين وصلت إلى أطراف الخرطوم منها نحو 220 سيارة، لافتاً إلى أن «حركة العدل والمساواة» كانت «الاداة» لتنفيذ العملية، منتقداً رئيسها خليل ابراهيم وطموحه في أن يحكم السودان «بوهم أنه زعيم المهمشين».
وكشف وزير الدفاع في حديث بثته الإذاعة السودانية الرسمية التي تبث من أم درمان، أن خليل إبراهيم هرب مع أخيه غير الشقيق ومدير استخباراته عبدالعزيز عشر، من مدخل جسر النيل الأبيض بعد فشلهما في العبور الى الخرطوم بعد احتدام المعركة، وذلك طبقاً لإفادات بعض الأسرى الذين شاركوا في معركة الجسر. وبيّن أن الأسرى ذكروا أن خليل أبلغهم أنه ذاهب إلى الإذاعة لتلاوة بيان. وأكد أن هؤلاء اكتشفوا الخدعة سريعاً حين فوجئوا بالحكومة ما زالت تسيطر على الإذاعة وتابعوا إرسالها من دون أن يطل إبراهيم لتلاوة بيانه.
وتساءل وزير الدفاع عن أسباب اتهام القوات الحكومية بالتقصير، منوهاً أن هجوم المتمردين فشل في تحقيق أهدافه كافة وعلى رأسها الاستيلاء على السلطة عبر السيطرة على الإذاعة وقيادة الجيش والقصر الرئاسي. وقال أن القوات الحكومية استولت على 143 سيارة ما بين مدمرة وسليمة، مشيراً إلى أن الطيران ساهم في تدمير الكثير من السيارات قبل وصولها إلى أم درمان. وقال إن أكبر الخسائر في صفوف المدنيين كان في أحد المصانع في غرب أم درمان حيث قتل نحو 22 شخصاً.
وأضاف حسين أن القوات الحكومية ما زالت تلاحق خليل ابراهيم الذي فرّ ومعه نحو 17 إلى 22 سيارة في شمال دارفور وكردفان في مناطق الراهب وبير مرقي، مؤكداً انه حتى ظهر أمس لم ينجح في العبور الى تشاد.
وفي الشأن ذاته، أكد الناطق باسم الجيش العميد محمد عثمان الاغبش أن وحدات من الجيش ما زالت تطارد خليل ابراهيم ومعه نحو 150 من مقاتليه يحتمون في منطقة جبلية في المنطقة. ولم يستبعد أسره في أي لحظة.
كما كشف قائد سلاح المهندسين اللواء حسن صالح عمر أن عملية استجواب أسرى «حركة العدل والمساواة» أوضحت أن كلفة هجوم أم درمان بلغت نحو 50 مليون دولار لشراء 321 سيارة مجهزة بالاسلحة وأجهزة الثريا للاتصال والوقود وتأمين الأموال لتحرك نحو 1926 مقاتلاً شاركوا في العملية، مشيراً إلى أن عدد الأسرى من المتمردين وصل إلى 600.
إلى ذلك، رفض زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي في شدة أي محاولة لاطاحة البشير بالقوة، قائلاً أن اي نظام بديل عنه سيمضي بالبلاد الى «شمولية جديدة قابضة مثقلة بالفواتير الخارجية».
ووصف المهدي في حديث أمام آلاف من انصاره بثته الاذاعة الرسمية على الهواء، في خطوة لافتة، الهجوم الذي تعرضت له أم درمان بأنه غزو من ثلاثة أضلاع هي ضلع سوداني وافد، وآخر كامن، وثالث وافد، تم التعامل مع الأخير فيما لا يزال الأول والثاني خفيين ويحتاجان الى التعامل معهما بحزم وانتباه والاستعداد لا الاسترخاء لأن ما حدث يمثل قدوة يمكن أن يقتدي بها آخرون.
وقال المهدي إن هناك احتقانات يمكن أن تنفجر في أي لحظة ما لم يتم إبطال أثرها، وهي عثرات اتفاق السلام في جنوب البلاد وخصوصاً النزاع على منطقة ابيي، والتحول الديموقراطي وتأزم الحالة الاقتصادية، والتأزم الإقليمي والدولي بين السودان وجيرانه، وأزمة دارفور التي تتطلب عملاً حازماً وفاعلاً لإنهائها.
ونبه المهدي إلى الشق غير المرئي في أزمة الاقليم وهو «الضلع الكامن بوجود احساس بالاهمال والتهميش لدى أهل دارفور مما يولد الغبائن التي يتطلب ازالتها تحقيق تطلعات أهل الإقليم».
وأضاف المهدي أن حزبه انتقل من معارضة الحكومة بالأساليب الخشنة الى الاساليب الناعمة، مشيراً الى أنه سيوقع اتفاقاً مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم ثنائياً في شكله قومياً في مضامينه.
على صعيد آخر، تجدد القتال العنيف بين «الجيش الشعبي لتحرير السودان» وميليشيا يُعتقد أن الخرطوم تقف وراءها في منطقة أبيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، بعد ساعات من إبرام اتفاق للتهدئة. وارتفع عدد القتلى إلى 120 شخصاً ونزح 50 ألفاً من المنطقة وأحرق نحو 500 متجر ومئات المنازل.
وتواصلت أمس الاشتباكات بين «الجيش الشعبي» وميليشيا «ثوم» المتحالفة مع القوات الحكومية، وحصل قصف متبادل بين الجانبين خلّف ضحايا. وتحولت أبيي إلى مدينة اشباح بعد مغادرة معظم سكانها واحتراق منازلهم واختفاء الأسواق التي صارت اطلالا، وانسحب معظم جنود بعثة حفظ السلام الدولية منها. وقال مسؤول في البعثة لـ «الحياة» إنهم ابقوا على كتيبة زامبية لمراقبة الأوضاع، محذراً من تدهور الأوضاع الانسانية بعد نفاد المواد الغذائية والدواء.
وقال الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة في السودان خالد منصور إن اجتماع اللجنة العسكرية الذى كان مقررا أمس لتهدئة الأوضاع في ابيى أُرجئ الى وقت لاحق وتقرر عقده في الخرطوم. وقال منصور إن اتفاق وقف النار المبرم أول من أمس تعرض إلى خرق وعاد الوضع للتأزم وتواصلت المعارك، وسمع دوي اطلاق النار الكثيف في كل ارجاء المدينة، موضحاً أن بنود وقف النار كانت واضحة وحصدت التزاماً من الجهات كافة. وتابع: «يبدو أن أموراً تجري في الخفاء». ودعا منصور الجانبين إلى الامتثال الفوري للاتفاق والحد من التصعيد.
وأكد رئيس جبهة تحرير أبيي محمد عمر ان «الجيش الشعبي» هاجم منطقة قولي التي تبعد 20 كيلومتراً شمال أبيي، واتهم «الجيش الشعبي» بشن الهجوم لاجبار قبيلة المسيرية العربية على المشاركة في القتال، وتحميلها مسؤولية حرق أبيي، مؤكداً انهم ليسوا طرفاً في الصراع الحالي.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان أشرف قاضي إنه يشعر بقلق شديد ازاء الوضع الأمني في أبيي، ورأى أن هذا التطور من أصعب التحديات التي تواجه تنفيذ اتفاق السلام. وشدد على ضرورة انشاء ادارة موقتة لضمان وصول الخدمات الأساسية إلى مواطني المنطقة والقيام بدور آلية فعالة لحل الخلافات والصراعات المحتملة.
إلى ذلك، استمر في جوبا، عاصمة إقليم جنوب السودان، المؤتمر العام لـ «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الذي يُعقد بعد 14 عاماً من المؤتمر السابق. واعترف الأمين العام للحركة بقان أموم بمواجهة تحديات في توطين الديموقراطية في حركته، بالإضافة إلى صعوبات في الانتقال من مرحلة تعيين القيادات إلى انتخابهم، وأقر بوجود تباين وتنافس قوي في انتخاب المناصب القيادية. ودعا إلى سحب أي ترشيحات إذا كانت ستؤدي إلى انقسام في الحركة، مطالباً من يكسب ثقة المؤتمرين أو من يفشل باحترام الخيار الديموقراطي.
وعلم أن المقترحات بإعادة هيكلة الحركة ساهمت في خلق اجواء التوتر في شكل لافت حيث برز اتجاه قوي من قبل زعيم «الحركة الشعبية» سلفاكير ميارديت، المرشح الأوفر حظاً للاستمرار في رئاسة الحركة، بانتخاب نائب واحد للرئيس، والمرشح الأقوى هو رئيس برلمان الإقليم جميس واني ايقا. كما أن حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق ينافس بقوة على منصب الأمين العام ويحظى بدعم قوي من قطاع الشمال في الحركة الذى يتبنى مقترحات سلفاكير. لكن المقترح يواجه رفضاً شديداً من مجموعات أخرى مثل نائب رئيس الحركة رياك مشار الذي يمكن أن يقصيه المشروع بعيداً عن القيادة.
وشدد أموم في تصريح إلى صحافيين على أهمية تماسك «الحركة الشعبية» مهما كانت نتيجة استفتاء مواطني الإقليم في العام 2011، وأن تعمل الحركة ببرنامج واحد حتى في حالة انفصال الجنوب عن الشمال، لتطبيق مشروع السودان الجديد، واعادة توحيد الدولتين.
وذكر أموم أن الحركة، في حال انفصال الجنوب، تتحمل مسؤولية كبيرة في دولة السودان الشمالي لهزيمة قوى السودان القديم وبناء السودان الجديد، مؤكداً أنه لا يوجد أي مشروع آخر قادر على توحيد السودانيين سوى مشروع السودان الجديد.