رفضت الخرطوم في شدة مبادرة لإنهاء التوتر مع نجامينا طرحها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ الذي يزور السودان حالياً برفقة مفوض السلم والأمن الافريقي رمضان العمامرة. وفي وقت استمرت حملات دهم في أم درمان أسفرت عن اعتقال 105 مسلح من متمردي «حركة العدل والمساواة» بعد ثمانية أيام من الهجوم على المدينة، تعد السلطات لإنشاء محاكم خاصة بموجب قانون الإرهاب يمثل أمامها أكثر من 600 أسير من المتمردين، بعد استثناء 80 قاصراً.
وأعلنت الحكومة السودانية أمس رفضها أي حديث عن تطبيع علاقاتها مع جارتها الغربية تشاد التي تتهمها بدعم متمردي «العدل والمساواة» في هجومهم على العاصمة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية السفير علي الصادق إن «تشاد انتهكت المواثيق الدولية، ومن غير المعقول الحديث عن وساطة وعودة العلاقات الديبلوماسية فيما لم تجف دماء القتلى»، موضحاً أن حكومته «مدت حبل الصبر طويلاً، ومارست سياسة ضبط النفس مع تشاد خلال السنوات الماضية». وأضاف أن الحكومة اعتبرت «العدل والمساواة» منظمة «إرهابية»، مشيداً بفرض القاهرة قيوداً على حركة قيادات من المتمردين يقيمون فيها، مشيراً إلى أن دولاً أخرى في المنطقة وخارجها «ستسلك مثل هذا المنحى».
وذكرت تقارير في الخرطوم أن مبادرة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي تدعو إلى عقد لقاء بين الرئيس عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبي، لكن بينغ لم يحدد مكان اللقاء في انتظار موافقة البشير الذي سيلتقيه في وقت لاحق. وأفادت أن رئيس المفوضية يسعى حثيثاً إلى جمع الطرفين قبل انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي المقررة في شرم الشيخ نهاية حزيران (يونيو) المقبل.
واستمرت أمس في أم درمان حملات دهم أسفرت عن اعتقال 105 مسلح من متمردي «العدل والمساواة» بعد ثمانية أيام من الهجوم الذي شنوه على المدينة. وشاركت قوة من الجيش والأمن والشرطة في حملة استهدفت مناطق سوق ليبيا وأم بدة وكرري. وأوضح مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق محمد عثمان نور أن الموقوفين سيخضعون إلى استجواب لتصنيفهم. واكد استمرار حملات الدهم والتفتيش في المناطق التي تسلل عبرها المتمردون إلى الخرطوم «لحماية المواطن وضبط المتسللين من المرتزقة المشاركين في هذه المؤامرة».
ويتجه رئيس القضاء جلال محمد عثمان إلى تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة أكثر من 600 أسير من المتمردين بموجب قانون الارهاب الذي يقر عقوبات تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد، بعدما أعلنت السلطات أن 80 قاصراً أُسروا مع المتمردين سيستثنون من المحاكمة. وكان وزير العدل عبدالباسط سبدرات أنشأ نيابة لمكافحة الإرهاب شرعت فى التحقيق مع الأسرى، لكن الخبير القانوني وزير العدل السابق أمين مكي مدني انتقد المحاكم الخاصة. وقال إنها «لا توفر العدالة وفرص الدفاع والضمانات القانونية الكافية».
وفي تطور لافت، اعتقلت السلطات الأمنية القيادي في «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم حسن برقو، على خلفية هجوم المتمردين على الخرطوم الأسبوع الماضي. وقالت زوجته إيمان إن برقو أقتيد من منزله قبل أسبوع، وإن أسرته لا تعلم حتى الآن أسباب اعتقاله أو مكان احتجازه. وأضافت أنها لم تتلق أي اتصالات من الجهات المختصة. وناشدت الجهات الرسمية السماح لأسرته بمقابلته.
وكان برقو، وهو مسؤول دائرة غرب ووسط أفريقيا في «المؤتمر الوطني» ومدير مكتب التوأمة بين الخرطوم ونجامينا ورئيس شبكة منظمات دارفور، اعتقل العام الماضي على خلفية فشل هجوم تعرض له نظام الرئيس التشادي من مسلحين معارضين. ويرتبط برقو الذي يتحدر من قبيلة الزغاوة في دارفور بصلات عائلية مع ديبي وزعيم «العدل والمساواة» الدكتور خليل إبراهيم المطلوب لدى السلطات السودانية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن إبراهيم أمس مناشدته مصر للإفراج عن ثلاثة من مسؤولي حركته اعتقلوا في القاهرة بعد الهجوم على الخرطوم. وقال: «ينبغي لنا أن نضع حداً لمعاناة شعبنا في دارفور خلال هذه السنة، إما بالحرب وإما بالتوصل من خلال التفاوض إلى حل سياسي… وسنفعل ما تقبله الحكومة من هذين الأمرين». وأضاف: «لن يكون هناك سلام في الخرطوم ما دام لا يوجد سلام في الأقاليم المهمشة في دارفور»، محذّراً من أنه سيهاجم العاصمة مرة أخرى اذا اختارت الحكومة الحرب بدل المحادثات.
من جهة أخرى، ينتظر أن يصل إلى منطقة أبيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين شمال البلاد وجنوبها التي تشهد مواجهات عسكرية، فريق عسكري رفيع من الأمم المتحدة وآخر إنساني لمحاولة التوصل الى تهدئة. وزار مستشار حكومة إقليم جنوب السودان الأميركي روجر ونتر الذي كان مسؤولاً عن هيئة المعونة الأميركية، المنطقة برفقة المسؤول السياسي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في المنطقة إدوارد لينو. وباشر فريق تقويم يتبع المنظمة الدولية النظر في الحاجات الفعلية للنازحين من المنطقة، فيما أجلي مئات من قبيلة المسيرية العربية التي تقطن المنطقة إلى مدينة المجلد خوفاً من عمليات انتقام.
وقال لينو في مؤتمر صحافي في جوبا عاصمة الجنوب إن ونتر زار أبيي برفقته لتفقد الأوضاع على الأرض، متهماً القوات الحكومية بقصف المدينة عبر ميليشيا اثوم المتحالفة معها. وأوضح أن «الهجوم استهدف أبناء دارفور من التجار، ونهب وشرد من تبقى منهم تحت حماية الجيش الشعبي في البر الغربي»، مشيراً إلى أن «المنطقة باتت خالية تماماً من السكان ومعرضة لأي هجوم محتمل». وأكد أن 18 قرية متاخمة لأبيي تعرضت للقصف، كما زعم أن جملة المشردين من المنطقة وضواحيها 105 الاف شخص.
ودعا ونتر إلى تشكيل لجنة دولية لأبيي ودارفور. واضاف أن «المواطنين هناك ضحايا، خصوصاً في دارفور لأن معاناتهم أصبحت مضاعفة». واعتبر أن «الحل في يد الحكومة»، طالباً منها «سحب جيشها من أبيي باعتبار أن ذلك هو الحل العاجل».