في وقت أعلنت الخرطوم السيطرة على منطقة مهمة في دارفور وطرد المتمردين منها، رد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان بتحفظ، أمس، على دعوة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي تشاركه الحكم، إلى تعديل اتفاق السلام في جنوب البلاد وخصوصاً ما يتصل باقتسام السلطة بهدف تسهيل تسوية أزمة إقليم دارفور.
وأكد الأمين العام لـ «الحركة الشعبية» باقان أموم استعداد حركته التي تحظى بنسبة 28 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء، إلى تعديل اتفاق السلام الموقع عام 2005 وتحديداً بنوده المتعلقة بنسب تقاسم السلطة والثروة لمصلحة حل أزمة دارفور. ودعت «الحركة الشعبية» شريكها في الحكم «المؤتمر الوطني» الذي يسيطر على 50 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء، إلى تقديم تنازلات من نصيبه في السلطة والثروة بغية إشراك الحركات المسلحة في دارفور.
وقال أموم إن حركته على استعداد تام لتعديل تلك النسب، معتبراً أن تلك التعديلات هي السبيل الوحيد لطي الأزمة في إقليم دارفور.
لكن حزب «المؤتمر الوطني» رد بتحفظ على دعوة «الحركة الشعبية»، وقال قيادي بارز في الحزب لـ «الحياة» إن الحركة «تناور» في موقفها في شأن دارفور وليست جادة وتريد احراج حزب الرئيس عمر البشير، لافتاً إلى أن باقان ربط منح دارفور حظها من السلطة بحسب ثقل الإقليم السكاني، وهو أمر سيحدده الاحصاء المفترض أن يجري في منتصف نيسان (ابريل) المقبل.
عملية واسعة
إلى ذلك، أعلن الجيش السوداني مقتل ثمانية من جنوده ووقوع خمسة عشر جريحاً في معارك مع المتمردين في ولاية غرب دارفور المتاخمة لتشاد، وقال إنه نفّذ عملية تمشيط واسعة في منطقة جبل مون شمال غربي الجنينة، عاصمة الولاية، وتمكن من بسط سيطرته عليها تماماً وألحق خسائر كبيرة بالمتمردين.
وقال الناطق باسم الجيش العميد عثمان محمد الأغبش، في بيان، إن القوات الحكومية قامت بهذا «العمل البطولي بناءً على مجموعة من الحقائق»، مشيراً إلى قيام «حركة العدل والمساواة» المتمردة مدعومة بقوات وآليات تشادية بقطع الطريق بين مدينتي الجنينة وكلبس، ما أدى الى عزل الأخيرة ومعها مدينة الطينة. واوضح أن ذلك حرم المواطنين «من أبسط مقومات الحياة»، ما أضطر الحكومة في معظم الأحيان إلى إيصال المواد الغذائية بالطائرات.
واتهم الاغبش الحركات المتمردة بتلقي دعم تشادي يتمثل في مضادات للطائرات الأمر الذي جعل إمداد المواطنين بالمواد الغذائية عن طريق الطائرات مستحيلاً بعدما أصبح المتمردون يستهدفون حتى الطائرات المدنية، بحسب ما قال. وأشار إلى بيان برنامج الأغذية العالمي في 22 كانون الثاني (يناير) الماضي الذي أكد فيه تصاعد أعمال اللصوصية والسرقات في ولاية غرب دارفور، وقال البرنامج حينها إنه منذ بداية العام 2008 تمت سرقة 23 شاحنة وخطف 19 سائقاً.
وأضاف الأغبش أن القوات الحكومية رأت أن تقوم بتمشيط جبل مون الذي تدعي حركات التمرد أنه «أرض محررة» بهدف دحض إدعاءاتها بوجود أراض محررة، معتبراً ما يسمى بالاراضي المحررة «هدفاً مشروعاً للقوات الحكومية». وأعلن تطهير جبل مون وبسط سيطرة الجيش عليه تماماً.
ونقلت وكالة «رويترز» عن شيخ الدين ماهين، منسّق المساعدات الانسانية في «حركة العدل والمساواة»، قوله في اتصال هاتفي من المنطقة إن نحو 15 مدنياً قتلوا في قصف جوي على جبل مون. وأضاف أن الجبل كبير للغاية لذلك لم يتسن بعد جمع كل القتلى والجرحى. ويقدر مسؤولو الاغاثة أن نحو 20 ألفاً من سكان دارفور فروا إلى جبل مون في اعقاب هجوم للجيش على ثلاث مدن قريبة يوم الثامن من شباط (فبراير) الجاري.
وقال متمردون من «حركة العدل والمساواة» و «جيش تحرير السودان» في جبل مون إنهم ما زالوا يسيطرون على المنطقة وصدوا ثلاث هجمات للقوات الحكومية. وقال متمردون إن جبل مون اتسم بالهدوء أمس الأربعاء لكنه ظل مغلقاً أمام عمال الاغاثة وبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وكانت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلنت أول من أمس أنها أُجبرت على سحب فريقها المكلف استقبال اللاجئين على الحدود مع تشاد بعد غارات جوية استهدفت مخيماً للنازحين غرب دارفور.
وبالتزامن مع ذلك دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى إنهاء الحرب في غرب دارفور. وقال بان في بيان رداً على موجة العنف المتجددة: «لا يمكن تنفيذ تسوية للصراع في دارفور من خلال التفاوض في ظل استمرار العنف والنزوح الكبير للمدنيين». ولفت إلى أن معلومات إضافية أظهرت أن الحكومة السودانية والميليشيات المسلحة تحشدان قواتهما في جبل مون في غرب الإقليم مما يشير إلى إمكان تجدد القتال في تلك المنطقة.
وفي سياق آخر، اعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان أشرف قاضي أن الصراع في شأن منطقة أبيي الغنية بالنفط يمثل «أكبر عثرة» بين «الحركة الشعبية» و «المؤتمر الوطني»، مشيراً إلى وجود خلاف مهم يتعلق بما يعرف بتقرير لجنة حدود أبيي في شأن ترسيمها إذ رفضه المؤتمر وقبلته الحركة.
وقال قاضي إن الوضع في منطقة أبيي الفاصلة بين شمال السودان وجنوبه لا يزال مهيّأً للاضطراب بعد ثلاثة أعوام من توقيع اتفاق السلام، موضحاً أن هذه مسألة حاسمة لأن ترسيم الحدود سيؤثر على التعداد العام للسكان والانتخابات وتقاسم عوائد الثروة النفطية وإعادة نشر القوات، لافتاً إلى أن لجنة جديدة للحدود من المتوقع أن تبدأ الترسيم المقترح قريباً، وعليها تقديم توصياتها في الربع الأول من العام الجاري.
من جهة أخرى، قررت الصحف السياسية التي تصدر في الخرطوم مقاطعة اخبار الشرطة ووزارة الداخلية احتجاجاً على حملة اعتقالات طاولت أربعة رؤساء تحرير بعد نشر تقارير تحدثت عن إقالات ومناقلات في صفوف قيادة الشرطة، قبل أن يُفرج عنهم لاحقاً مع ثلاثة محررين.
وحفلت صحيفتا «الوطن» و «الأحداث» المستقلتان الصادرتان أمس بصور لرئيسي تحريريهما سيد أحمد خليفة وعادل الباز وهما في حراسة الشرطة يكنّسان مكان الحراسة ليستطيعا النوم على الأرض.
وكان عشرات الصحافيين تظاهروا أمام مقر مجلس الصحافة والمطبوعات احتجاجاً على الخطوة، ورددوا عبارات مناهضة لما بدر من الشرطة مثل «لا لاعتقال الصحافيين» و «حرية صحافة» و «لا لكسر الأقلام»، بينما اعتبر الاتحاد العام للصحافيين الاجراء مخالفاً لقانون الصحافة في ما يتعلق بجرائم النشر إن كانت هناك جريمة.
وكانت الصحف المعنية نشرت تقارير تحدثت عن إقالة المدير العام للشرطة الفريق محجوب حسن سعد وعدد من مساعديه بقرار من الرئيس عمر البشير، وإحالة قادة إلى التقاعد، الأمر الذي اضطرت معه وزارة الداخلية الى استدعاء ممثلي الصحف وعقد مؤتمر صحافي لتكذيب ما نُشر.