لا يعرف وزير الخارجية السوداني الأسبق المستشار الحالي لرئيس الجمهورية مصطفى عثمان إسماعيل العدد الحقيقي لمن قتل أو نزح عن إقليم دارفور، ونفى أن تكون أي جهة في العالم قادرة على معرفة ذلك على وجه الدقة، وأكد أن ما يشاع عن قتل 200 ألف شخص هناك ليس مبالغة فقط، بل هو رقم «خرافي» لا يمكن تصديقه.
كما أكد المستشار السوداني على أن الحكومة ذاهبة إلى مؤتمر السلام في طرابلس بقلب وعقل منفتحين وأنها لن تضع شروطا مسبقة، وقال إن ما سيتم الاتفاق عليه سوف نضمنه اتفاق أبوجا. وأنحى باللائمة على حزب الأمة لأنه قرر مقاطعة مؤتمر طرابلس وفضل أحد خيارين إما «الوقوف متفرجا ساكتا» أو «معارضا ومنتقدا».
وشدد مصطفى عثمان على أن مؤتمر السلام المقبل سوف يعقد في موعده سواء شاركت في الوفد الحكومي الحركة الشعبية أم لا. كما أبدى ارتياحه لإعلان الكثير من أتباع حركة تحرير السودان من فصيل عبد الواحد نور حضور المؤتمر بقطع النظر عن موقف زعيم الحركة.
جاء ذلك في حوار أجرته الجزيرة نت مع مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل أثناء زيارته التي يقوم بها حاليا للعاصمة القطرية الدوحة.
حتى الآن ورغم كثرة ما يقال عن مأساة إنسان دارفور فإننا لا نستطيع أن نضع أيدينا على أرقام حقيقية ودقيقة وموثوق بها عن حجم تلك المأساة… فهل لديك بحكم اتصالك المباشر بهذا الملف أرقام ولو تقريبية؟
الحقيقة أنه لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد القتلى والجرحى والنازحين، ولا يمكن لأي جهة أن تتوصل إلى مثل هذه الأرقام، لأن دارفور ليست قرية وليست مدينة وإنما هي إقليم كبير تعادل مساحته مساحة العراق وتعداده السكاني يقترب من 6 ملايين ولا يمكن إحصاء الخسائر إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها.
من غير المنطقي أن تستمر أزمة بهذا الحجم تلك الأعوام ولا يوجد حتى ولو رقم تقريبي عن أعداد الضحايا.. فهل هم مثلا بالمئات أم بالآلاف أم بمئات الألوف؟
من الصعب جدا أن تحدد عدد القتلى، ونحن نعتقد أن ما يثار في أجهزة الإعلام بأن الرقم عشرات الآلاف أو ما قيل من قبل بأن القتلى وصل تعدادهم 200 ألف هو رقم غير صحيح بل إنه رقم «خرافي».
لعلمك… سكان دارفور مسجلين في الإحصائيات السودانية الرسمية حيث جرت هناك انتخابات من قبل وقد جارينا جدلا أصحاب هذا الرقم الخرافي وقلنا لهم هاتوا لنا أسماء هذه الوفيات التي بلغت مئتي ألف لكن لم تستطع أي جهة المجيء بالأسماء أو إثبات ذلك.
بل بالعكس فإن الأميركيين قد أرسلوا لجنة للتحقيق في العدد المزعوم البالغ 200 ألف ولم تستطع اللجنة الأميركية بعد تحقيقاتها أن تثبت أن هذا العدد قتل في دارفور.
لذلك لا يوجد أي رقم ولن يوجد إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها وتأتي كل أسرة بأسماء من قتل من أبنائها، وتأتي القوات المسلحة السودانية بقوائم الذين قتلوا من صفوفها، وتأتي قوات التمرد وتعرض قوائم من قتل منها وتأتي كل القبائل بأسماء قتلاها عندئذ تستطيع أن تتعرف حجم القتلى.
ألا تعتقد أنه قد يكون في رأي من يعتقد ارتفاع أعداد القتلى بعض الوجاهة وذلك لما يدعونه من دعم حكومي أو على الأقل غض الطرف عن من يقومون بالقتل؟
لا… هذا غير صحيح… فالقتال الدائر في دارفور قتال غير تقليدي، فهو ليس قتالا بين متمردين وقوات مسلحة وإنما هو قتال بين قبائل في بعض المرات وقتال في الطرقات مرات أخرى وهو على كل حال قتال محدود، فلم نسمع مثلا عن معركة انتهت بمقتل المئات، ولم نسمع حتى في الحرق الذي يحدث في القرى بأن قرية حرقت وأبيد أهلها، فالذي يحدث هو أن الأهالي ينزحون من قرية إلى مخيم ويعيشون في المخيم بنفس العدد الذي كانوا يعيشون به قبل نزوحهم.
إذا شككنا في أقوال من يهولون من حجم مأساة دارفور لكونهم يمثلون حكومات أو جماعات لها أجندتها الخاصة فماذا عن المنظمات غير الحكومية؟
دعني أحكي لك قصة تجيب عن سؤالك… مرة منظمة الـ يو أس أيد الأميركية قالت إنه يموت كل شهر 150 ألفا في دارفور… قالت هذا الرقم في تقرير لها أصدرته عام 2003… فإذا سلمنا أن هذا العدد صحيح وقد مر على هذا التقرير الآن أربعة أعوام فإن معنى هذا أن الـ6 ملايين نسمة -وهم كل سكان دارفور- قد ماتوا عن بكرة أبيهم… فهل يعقل هذا؟!
دعنا ننتقل إلى محور جديد متعلق هذه المرة باعتراض بعض فصائل المعارضة في دارفور على الطاقم الحكومي المفاوض ورغبتها في تغييره فضلا عن تغيير بعض قيادات الحكومات المحلية… هل تعتزم الحكومة حلحلة هذه المشكلة قبل ذهابها إلى مؤتمر طرابلس القادم؟
نحن لم نسمع أن هناك فصيلا أصدر بيانا وربط مشاركته بتغيير الطاقم المشارك… لم نسمع بهذا أبدا. ثانيا من جهتنا نحن لم نشترط على الفصائل اختيار أسماء محددة تمثلها… فمن حقها أن تأتي بمن تشاء ليمثلها لكن في المقابل لا نعتقد أن من حق الفصائل أن تفرض على الحكومة من يمثلها. ثالثا أن الوسيط في هذا الحوار هو الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهؤلاء نعتقد أنهم يمثلون مؤسسات دولية تطلق الآن جولة من جولات الحوار… وبدورنا في الحكومة لم نشترط حتى الموضوعات والقضايا التي سيناقشها الحوار القادم في طرابلس… فإذن سنقول لهذه الحركات -إذا وضعت شروطا مسبقة- إن هذا تشدد لا داعي له، لكني لا أتوقع أن تفعل ذلك.
أنتم ذاهبون إلى مؤتمر طرابلس، وواضح من الحشد الدولي لهذا المؤتمر أنه مهم، فما تصور الحكومة السودانية للحل السياسي والأمني الذي ستذهب به إلى ليبيا؟
بالنسبة للحل الأمني فالصورة واضحة حيث تم الاتفاق مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة على إرسال القوات الهجينة وعددها 26 ألف جندي، موجود منها الآن على الأرض 7 آلاف ويجري من الآن العمل لترتيب وصول القوات المتبقية، هذا بالنسبة للحل الأمني.
أما الحل السياسي فلدينا مبادرة أبوجا التي تم التوقيع عليها ونحن على استعداد لأن نمضي إلى طرابلس وأن نستمع إلى القضايا التي تشغل بال الحركات في دارفور وأن نصل إلى حل وأن نضيف هذا الحل إلى اتفاق أبوجا في شكل بروتوكول أو اتفاق يسمى اتفاق طرابلس أو أي اسم يتم الاتفاق عليه.
فالصورة بالنسبة إلينا واضحة حول كيفية إدارة الحوار وماهية القضايا المطروحة من قبل الحركات… نحن على دراية بكل ذلك وتصورنا للحل أيضا واضح.
بعض السياسيين انتقد حكومة الإنقاذ لتوقيعها اتفاقا منفردا مع الحركة الشعبية والآن تكرر الحكومة -كما يقول هؤلاء المنتقدون- الخطأ نفسه بذهابها إلى مؤتمر طرابلس منفردة كذلك، ويقولون متى ستتعلم الحكومة الدرس، فما تعليقكم؟
أولا نحن لسنا وحدنا… بالنسبة للاتحادي الديمقراطي وهو من أكبر الأحزاب السودانية فإنه جزء من الحكومة وبالتالي سيكون جزءا من الوفد المفاوض، أما حزب الأمة فهو حزب معارض لا يريد أصلا أن يشارك، وفي اتصالاتنا السابقة معه فإنه أصر على عدم المشاركة في مثل هذه المؤتمرات، أي أنه يريد أن يقف متفرجا حتى إذا ما أخفقت الحكومة ينتقد وإذا ما نجحت على الأقل يسكت.
وماذا عن مشاركة حليفتكم الحركة الشعبية لتحرير السودان في المؤتمر؟
المفترض بحكم كون الحركة جزءًا من الحكومة أن تشارك في وفد المفاوضات الذاهب إلى طرابلس لكن بسبب تجميد جزء من وزرائها عضويتهم في الحكومة فنحن لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت ستشارك أم لا، لكن على أي حال سواء شاركت أم امتنعت فإن المؤتمر سوف يتم في موعده وفقا لما هو مقرر.
أخيرا ماذا عن غياب حركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد نور؟ هل غياب هذا الرجل سيفرغ مؤتمر طرابلس من مضمونه؟
نحن ما زلنا حتى الآن نبذل جهودا لإثنائه وإقناعه بالمشاركة لكنه بإصراره على عدم المشاركة في الوقت الذي أعلن فيه الكثير من أتباعه حضور المؤتمر فإنه بذلك يكون قد فرض عزلة سياسية على نفسه يتحمل هو نتيجتها.