بدأ السودان امس إجراء اول تعداد لسكانه منذ 15 عاما رغم اعتراض حكومة الحكم الذاتي في جنوب البلاد ومقاطعة متمردي اقليم دارفور الواقع غرب السودان.
واعلنت الخرطوم انها اعدت بمساعدة كبيرة من الامم المتحدة لهذا التعداد الاكثر اكتمالا في تاريخ السودان، اكبر بلد افريقي، والذي سيجرى على مدار أسبوعين. وكان الرئيس السوداني عمر حسن البشير أول شخص بدأ به التعداد السكاني في منتصف الليل. وساد الهدوء شوارع العاصمة الخرطوم امس الذي أعلن عطلة قومية بعد أن طلبت الشرطة من الناس البقاء في ديارهم من أجل الاحصاء. وستستخدم نتيجة الاحصاء أيضا في تحديد توزيع السلطة والثروات بما في ذلك عائدات نصف مليون برميل يومي من النفط. ولكن العديد من السودانيين يشككون في أن تكون النتائج صحيحة ويخشون أن تثير نزاعات جديدة في البلاد.
ووضع اتفاق سلام شامل عام 2005 حدا لحرب اهلية مدمرة في الجنوب. واوقعت هذه الحرب في 21 عاما نحو 5،1 مليون قتيل واضعفت كثيرا اقتصاد الشمال العربي المسلم.
وينص اتفاق السلام الشامل على ان يستخدم التعداد السكاني، الذي تاجل اكثر من مرة، في تحديد الدوائر قبل الانتخابات وتاكيد تقاسم السلطة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان او اعادة تحديدها. الا ان الجنوب رفض ربط مصيره بنتائج هذا التعداد الذي بدا امس فيما قرر متمردو اقليم دارفور الذي يشهد حربا اهلية مقاطعته.
ويتهم الجانبان الشمال العربي بالتلاعب بالاحصاء لزيادة سيطرته وتهميش ذوي الاصل الافريقي.
وتم تجنيد نحو 60 الف عنصر لاجراء هذا التعداد تحت اشراف 200 مراقب. ويقدر عدد سكان السودان بنحو 40 مليون نسمة. وقدرت كلفة هذه العملية باكثر من مائة مليون دولار.
وقال عبد الباقي جيلاني رئيس لجنة المراقبة والمتابعة في جهاز الاحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد بدا الامر بصورة جيدة جدا» رغم الامطار غير المعتادة في ابريل (نيسان) وحالات انقطاع الكهرباء في الخرطوم. من جانبه قال ابراهيم عباس رئيس لجنة الاحصاء في الشمال «كل شيء يسير حتى الآن على ما يرام. لا نتوقع اي مشاكل سواء اليوم او في الايام القادمة». الا ان حالة الاستياء لاتزال قوية في الجنوب الذي شهد حربا اهلية دامية، وتدفقا لالاف النازحين الذين يرغبون في ان يشملهم الاحصاء.
ويؤكد الجنوب ان عدد سكانه يزيد كثيرا عما اشارت اليه تقديرات سابقة. واذا كانت هذه هي الحال فستكون له انعكاسات مهمة على الانتخابات العامة المقررة عام 2009 وعلى استفتاء 2011 بشان استقلال جنوب السودان وهما الاستحقاقان اللذان ينص عليهما اتفاق السلام الشامل.
وقال وزير الاعلام في حكومة جنوب السودان غبرييل شانغسون شانغ ان «مستوى الاستعدادات كان منخفضا جدا ورغم ان الاحصاء بدا (اليوم) فانه لن يعطي النتائج المنشودة».
وابدى مراقبون دوليون قلقهم من احتمال استبعاد اجزاء كبرى من دارفور من الاحصاء بسبب معارضة المجموعات المتمردة.
وقال خليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة التي تعد من اكبر حركات التمرد في دارفور «لا احصاء قبل السلام». واضاف «ابناء قومي ليسوا في ديارهم. الكثير منهم عبروا الحدود. انهم في تشاد يتركزون في مخيمات النازحين او تحت الاشجار هنا وهناك او في الجبال والقرى ومن ثم فان ما يفعلونه (التعداد) ليس له اي معنى». واستنادا الى السلطات فان التعداد لن يستبعد سوى 3% فقط من مساحة دارفور. كذلك لن يشمل الاحصاء على الارجح مثلث حلايب المتنازع عليه مع مصر ومناطق نائية في الجنوب رغم ان عيسى كول مدير لجنة الاحصاء في الجنوب صرح بانه تم وضع 55 مركبا تحت تصرف الموظفين المكلفين اجراء الاحصاء لتمكينهم من الوصول الى المناطق التي تغمرها المياه. وردد متظاهرون من سكان دارفور في مخيم كلمة المضطرب «لا لا للاحصاء». وقال زعيم للنازحين داخليا في دارفور لرويترز في حديث هاتفي ان هناك العديد من المظاهرات اليوم في مخيمات النازحين احتجاجا على الاحصاء مضيفا أن النازحين لا يثقون على الاطلاق في حكومة السودان ومن ثم يرفضون تماما الاحصاء.
وتقول الامم المتحدة التي تقدم النصح للحكومة التي تقوم بالاحصاء انه بالرغم من أن 34% من مخيمات دارفور و19% من المواقع سيصعب على الارجح الوصول اليها بسبب مخاوف أمنية أو رفضها المشاركة الا أنه يمكن استنتاج الاعداد باستخدام وسائل فنية. واوضح المكتب المركزي للاحصاء ان النتائج ستعرف في سبتمبر (ايلول) الا ان مسؤولين سودانيين اخرين رجحوا الا تعلن قبل نهاية ديسمبر (كانون الاول) المق