لساعة كانت تقترب من التاسعة مساء الأحد الماضي بنحو 7 دقائق حينما وصلنا إلى منزل الوزير ذائع الصيت احمد هارون، بدا كل شئ عاديا جدا، وعلى شاكلة بيوت الدستوريين بحي المطار لا وجود لتأمين زائد حول منزل الرجل رغم ما يعتريه من تهديدات من الناحية الظاهرية على الأقل.
ولجنا الى المنزل بصحبة واحد من حراسه «الاثنين» كان في انتظارنا فيما يبدو، قادنا الى صالونه المتواضع كصاحبه، جلسنا لنتناول شاي وصفه هارون فيما بعد ’’بالظريف’’ بعد أن دخل علينا تسبقه ابتسامته التي احتفظ بها طوال تقليبنا معه لعدد من الملفات الشائكة، كما احتفظ بقدر عال من الدقة والدبلوماسية كادت تصيب الحوار بشئ من الفشل رغم مفاجأة الأسئلة وصراحتها الجارحة أحيانا.
* إلى جانب موقف الحكومة الرافض للاهاى هل تعتقد بان هناك جهات أخرى يمكن أن تحميك كالتنظيم مثلا.. إلى أية جهة تستند؟
– والله انا استند بشكل أساسي على انى إطلاقا غير مستشعر خطراً ولا مستشعراً ان هناك قضية جادة تثير المخاوف لدي، فبالتالي فرضية السؤال نفسها غير موجودة هذا ببساطة.. لأني متصالح مع نفسي ومع ضميري ولم ارتكب ما احس أنه يشكل جناية وظلماً في حق آخرين.
* مع شعورك بأنك لم ترتكب ما تحس بأنه يشكل جناية، لكن في المقابل ما هي الإجراءات التي تستخدمها لمقابلة الإجراءات التي يقوم عليها اوكامبو؟
– لا حيلة لاوكامبو ولا قضية، وتجربة المحكمة الجنائية الدولية اصلا تجربة غير مجمع او متفق عليها دوليا وهي لا تعبر عن قيم عدلية دولية بقدر ما تعبر عن سطوة آخرين يريدون ان يستغلوا شعار العدالة الجميل لتصفية مشاكل سياسية او يحموا بها مصالح لهم.
* ألمح البعض داخل الإدارة الأمريكية الى إمكانية المساعدة في القبض عليك وكوشيب ألا تخشى من تكرار سيناريو اختطاف رئيس بنما السابق من قبل ؟
– طبعا امريكا هي واحدة من الدول غير الموقعة على إتفاقية المحكمة الجنائية الدولية وقالت في المحكمة ما لم يقله مالك في الخمر، والأغرب أن القرار «1553» الذي احال الوضع في دارفور لمحكمة الجنايات الدولية أضافت اليه العديد من الفقرات التي تستثني رعاياها من مجرد خطر تعرضهم للمحكمة الجنائية الدولية، والحديث المنشور عن مساعدة امريكية منسوب لمستشار قانوني في وزارة الخارجية الأمريكية فهو تعبير
عن رأي شخصي أكثر مما هو تعبير عن المؤسسة والإدارة الأمريكية.
* يبدو انك تتابع بدقة لتفصيلات قضيتك؟
– لا، هذا ما نشرته الصحف السودانية وانا مداوم على الإطلاع عليها.
* هناك قوى سياسية معارضة تطالب بمحاكمتك في الخارج، هل لك أصدقاء داخل تلك القوى على المستوى الشخصي؟
طبعاً واحدة من العلامات البارزة في المشهد السياسي السوداني تقاطع العلاقات السياسية مع العلاقات الاجتماعية بشكل محير ومربك للآخرين، فأي مأتم أو فرح تجد فيه كل الطيف السياسي فالعملية الاجتماعية في السودان أقوى من العملية السياسية.
* هل تجد مفارقة بين مطالبتهم بأن تحاكم في الخارج وبين نظرتهم لك كصديق تتبادل معهم الأحاديث الجميلة في المناسبات؟
بالضبط، لذلك فأنا استطيع تفسير موقفهم بأنه يأتي في إطار المماحكة السياسية أكثر من كونه موقفاً مبدئياً.
* يتحدث الناس عن انك رجل منكفئ على تنظيمك وعلاقاتك محدودة جدا في خارجه؟
أبدا، توجد لدىّ صداقات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
* هل تبحث عن أصدقاء خارج مظلة المؤتمر الوطني؟
ضحك ثم قال: أنا ما مأزّم نفسي انو عندي مشكلة.. اوكامبو قد يكون «مأزماً» نفسه، لكن أنا أصلا الموضوع دا ما متذكره.
* طيب ممكن نقول ان مشكلتك انك ما عندك مشكلة؟
ما حاسي انو عندي مشكلة.
* لكن عدم إحساسك بالمشكلة لاينفي وجودها بالضرورة؟
– صمت برهة –
فليجتهد اوكامبو فيما يراه صائبا، لكن أنا ما قادر إلا ان اتذكر بيت الشعر للمتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرّاءها ويختصم
* قصدك تنام ملء جفونك عن شوارد الجنائية ويسهر اوكامبو…؟
ضحك.
* علاقات هارون الاجتماعية مع الآخرين هل ما زالت كما هي بعد اتهامات اوكامبو؟
بل زادت، فهناك أناس كثيرون ما كنت اعرفهم، لكن عرفتهم بعد ان
استفزهم موقف اوكامبو في وطنيتهم وسودانيتهم… باشار الى منزلها البيت دا في تلك الأيام ما كان بندخل.
* وبعدها؟
وحتى بعدها كنت اجد تعبيرات التعاطف والمؤازرة والتشجيع في كل مكان.
* بعض افراد قبيلتك رددوا شعارات ’’كلنا احمد هارون’’ هل يمكن ان تمثل لك القبيلة خندق دفاع أخير إذا تخلت عنك الحكومة؟
البعد القبلي غير حاضر في ذهني اطلاقا ولا يشكل واحدة من اهتماماتي، قد يكون ذلك لطبيعة التنشئة، فأنا نشأت في مدينة الأبيض وهي مدينة مفتوحة تتميز بأنها تعطيك بطاقة إنتماء لها بعد ساعة فقط من دخولك إليها، فناس الأبيض يعرفون أنفسهم أنهم من الأبيض ومن كردفان، فبالتالي البعد القبلي غير حاضر او مترسخ لدينا ولا يشكل واحدة من دوائر الانتماء التي نحس بها.
* نريد أن نتعرف على تأثيرات الاتهامات الموجهة إليك على عملك في وزارة الشؤون الإنسانية خاصة وان اوكامبو وصفك بالثعلب الذي يحرس الدجاج؟
قالها بحزم… ما عندها أي تاثير.
* بالنسبة اليك أم بالنسبة إلى العمل؟
للاثنين معا، لأنه وببساطة القضية غير جادة ولاتقوم على ساقين وينظر الناس اليها في إطارها السياسي وبالتالي هي مأزمة اوكامبو اكثر من ان تكون مأزمتنا نحن، حتى جعلته يخرج عن السياق ويعطي القضية بُعداً
شخصياً مما يشير إلى انه يفتقد المهنية والخبرة الكافية ويعاني من فراغ قاتل جدا جعله لا عمل له سوى احمد هارون.
* مع التسليم ببراءتك هل انت مستعد لان تسلم نفسك للمحكمة اذا كان ذلك مرتبطاً بحل مسألة دارفور؟
انا وضحٌت موقفي من قبل، إبتداءاً أنا لا ارى رابطاً موضوعياً بين موضوع احمد هارون وحل مشكلة دارفور، ومعقولة أحمد هارون وكوشيب كل الحرابة القامت في دارفور من تحت رؤوسهما الاثنين… شمسون الجبار ما عندو قدرة زي دي،- ضحك – وهل من المعقول وأنا وقتها كنت وزير دولة للداخلية شلت عساكري ومشيت وقعت في دارفور طقع؟
* هل مازلت تزور دارفور؟
نعم أزور دارفور بشكل عادي.
* إحساسك بمقابلة الناس لك هناك ونظرتهم إليك هل فيها تقدير وإحترام أم تغيرت نظرتهم إليك؟
بالعكس زاد تقديرهم وزاد احترامهم وكل فرصة يجدونها يعبرون عن تضامنهم بشكل واضح وأقوى.
* ولكن ثمة نظرة اتهام لكم من منسوبي حركة مناوي وهي معكم داخل الجهاز التنفيذي مع التذكير بأنها وصفت يوم وضعكم في قائمة المتهمين بالعيد؟
طبعاً لكل شخص أن يصف الاشياء من منظوره، لكن انا الآن رئيس جانب المؤتمر الوطني في اللجنة السياسية المشتركة مع حركة منى، ويوم الخميس كنت ود. مصطفى عثمان إسماعيل مع منى في بيته لوقت طويل وعلاقتنا معه وقياداته على المستوى الشخصي متميزة فنحن قاتلنا بعضنا بشرف والآن نخوض عملية تنفيذ السلام بشرف.
* إلى أي مدى تتفق مع من يقولون بأنه كلما مضت جهود حلحلة أزمة دارفور إلى الأمام، مضى اوكامبو كذلك في نصب شراكه وتعزيز ضغوطه؟
المنهج الذي نعمل به هو ان نمضي بكل ثقة وبكل قوة لانفاذ العملية الهجين، وانفاذ العملية السياسية من خلال المفاوضات المزمع عقدها مع غير الموقعين، بالعمل على الأرض لتحسين وتعزيز الأوضاع الإنسانية في دارفور. ويظل اوكامبو يصمت او يتحدث لا يعني شيئاً بالنسبة لنا.
* ذكرت في حوار سابق أجراه معك الزميل ضياء الدين بلال بأن لديك إحساساً بأنك تعيش في الزمن الإضافي بعد ان نجوت من طائرة الشهيد
إبراهيم شمس الدين، السؤال هو: هل يمكن أن يكون الزمن الإضافي أطول من الزمن الأصلي؟
– صمت لفترة «والله الأعمار بيد الله» لكن ما تعرضت له من تجارب وما افتقدته في تلك التجارب من إخوان أعزاء يجعل تعاملي مع فلسفة الموت والحياة غاية في الواقعية ويجعلني أرحب بكل النتائج التي من الممكن حدوثها في وقت واحد ولا أخاف فأية نتيجة مرحبا بها