كثر الهمس عن تغيرات جذرية في طاقم الحكومة السودانية، وتحديدا وسط قيادات حول الرئيس عمر البشير، وظل الهمس متواصلا منذ شهور حتى خرج إلى العلن، كاشفاً عن تداعيات صراع بين أجنحة متنفذة في حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) بقيادة البشير.
ويدور الهمس حول رؤية استراتيجية للرئيس السوداني تجاه قيادات حزبه، قد تدفع برموز بارزة ظلت تتولى مفاصل الحكم لسنوات، ومع تأكيدات مصادر مقربة بزهد البشير في أية فترات حكم مقبلة، وإعلانه جهرا ذلك القول، إلا أن مصادر أخرى ترى في استراتيجية الرئيس الجديدة، إن صح الهمس استعداداً لمرحلة مقبلة تشهد انتخابات وتغيرات مهمة على جميع الصعد السياسية الداخلية والخارجية.
وتلمح مصادر مأذونة فضلت حجب أسمائها إلى إن الصراع الخفي الذي نشب منذ صدور أول قرار دولي بسبب إقليم دارفور منذ نحو عامين، عاد هذه المرة أكثر وضوحا وربما أدى إلى إنزال قيادات مهمة من طاقم الحكم. وتؤكد المصادر نفسها ان التغيير المفصلي ليس نتيجة خلافات داخلية فحسب، بل هو استجابة لمطالب خارجية داخل سياج صارم بقبول القوات الدولية وتغيير قيادات بعينها داخل النظام.
وتؤكد المصادر نفسها ان الشهرين الماضيين شهدا اجتماعات ماراثونية وتقارير مفصلة عن الوضع الراهن والفترة المقبلة، وقدمت نصائح مثل ضرورة الانفتاح نحو المعارضة وتقديم تنازلات في قبضة الحكم، وإفساح المجال لتحويل الهيمنة الأمنية إلى جسم معلومات مساعد وترشيح رجل المخابرات القوي إلى منصب وزير الداخلية وإدماج ديناميكية وقوة جهاز الأمن في الوزارة تحسبا للفترة المقبلة، التي في مقدمة أولوياتها الانتخابات.
وترى المصادر في موقف الرئيس عمر البشير من التعامل مع الغرب والمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية أساسا لارتفاع وتيرة الخلافات حيث ترى القيادات المرشحة للنزول من قطار “الإنقاذ” الانصياع للمطالب الدولية، بينما يرى رجال الرئيس التعامل بحذر يصحب معه نبض قواعد حزب المؤتمر الوطني وقطاعاته.
وترشح المصادر تحولاً مفصلياً يشبه قرارات “4 رمضان” والمفاصلة الشهيرة التي أبعدت الدكتور حسن الترابي، بهدف تفتيت مراكز القوى التي تقودها رموز تاريخية في مسيرة “حكم الإنقاذ”، والتخلص من الضغوط الدولية المستمرة لسنوات ماضية، واستهلال فترة بداية انتهاء أزمة دارفور بتغييرات حقيقية، تسهم في إبعاد شبح نموذج العراق عن السودان بعد دخول القوات الدولية.
ويرى مراقبون ان “حكم الإنقاذ” واجه طوال سنواته الثماني عشرة صعوبات وتحديات، تمكن خلالها من الصمود بفضل عوامل كثيرة ليس من بينها تماسك وتعاضد القائمين على أمره، ويشيرون إلى أن المهدد الوحيد الآن للإنقاذ هو المشروع السياسي الخارجي.. أما المشاريع السياسية الداخلية المعارضة فقد تمكنت “الإنقاذ” من التعاطي معها طوال الفترة السابقة، تحت خطوط حمراء وملاعب وفرتها هي نفسها للمعارضة للتحرك عليها، حسب المراقبين.
ويجزم احد المراقبين “أن لا بديل للرئيس البشير”، ويورد مبررات تشير إلى إن الشخص الوحيد المجمع عليه حتى وسط المعارضين هو الرئيس عمر البشير. ويضيف النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت إلي المستبعدين كبدائل للبشير مثل الصادق المهدي والترابي ونقد، “لأن سنوات الحرب وضعت سلفاكير كخصم للعسكرية وللجيش السوداني.. وليس من المعقول فجأة وقبل أن تلتئم الجراح تماماً أن يصبح قائداً للجيش الذي كان يحاربه”. ويتمسك المراقب نفسه “بأن البديل الوحيد الممكن هو من داخل المؤتمر الوطني الذي اجمع على البشير في ظل زهد نائبه علي عثمان طه”.
ويرى مراقبون في مساومات وتقديم تنازلات في بعض القضايا مثل قضية القوات الدولية والعملية الهجين في اقليم دارفور، لا تقدح في “الإنقاذ” ولا في قسم رئيسها الذي يرى احد الوزراء انه قسم (عاطفي) لا يوجب الكفارة. لكن ذات المراقبين يصرون على أن البشير يواجه الآن تحدي توحيد الصف الوطني، فهو لا يمكن أن يقوده صفاً وطنياً مفككاً إزاء تحدي ضغط مجلس الأمن وأمريكا.
وتظل الخلافات حبيسة الصدور انتظارا لقرارات مفصلية، تميز بين تيار قابض وممسك بمفاصل السلطة الحقيقية، وآخر مهمين على مؤسسات الدولة والحزب تقوده قيادات تاريخية تؤثر مباشرة في التيار الأول، وان لم تكن تملك سطوته وسلطته.