في ندوة «ازمة دارفور ومعوقات التسوية السياسية» بتنظيم وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

February 2008 · 9 minute read

اعتبر أحمد ادم بخيت نائب رئيس حركة العدل والمساواة ان لمعوقات الحل السياسي لأزمة دارفور عدة أسباب علي راسها عدم جدية الحكومة ومحاولاتها المستمرة لمد الصراع وتوسيع دائرته الى دول الجوار خاصة تشاد وافريقيا الوسطى، مشيرا الي ان ما حدث من محاولات لاسقاط حكومة ادريس ديبى فى الايام الماضية يمثل نموذجا واضحا لذلك !

واتهم بخيت وزير الدفاع السودانى بأنه هو الذى جهز القوة الأخيرة التى قامت بغزو العاصمة انجمينا ، وذلك فى الوقت الذى كان فيه رئيس الجمهورية عمر البشير يتحدث عن الحل السلمى!!

واشار الى ان وزير الدفاع تحدث قبل عدة ايام فى المجلس الوطنى السودانى ووعد النواب بمفاجاة، مشيرا الي ان احداث تشاد هذه كانت هى المفاجاة التى تحدث عنها وزير الدفاع وقد هيأوا الصحافة ووسائل الاعلام لذلك، الا ان هذا الترتيب فشل، مشددا علي ان هذا الاسلوب لن يجدى وقد تمت تجربته فى مرة سابقة وفشل ايضا !

وأكد بخيت في ندوة تحت عنوان (أزمة دارفور ومعوقات التسوية السياسية) نظمها منبر السودان برئاسة الاستاذ هاني رسلان مسئول وحدة السودان ووأدي النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسترتيجية بالقاهرة أمس ان هذا الاسلوب سوف الذي تتبعه الحكومة سيطيل امد الازمة ولن يساعد على الحل .

وشدد بخيت علي ان السبب الرئيسى في تفاقم ازمة دارفور يعود ايضا الى عدم جدية الحكومة فى الاعتراف بالجانب السياسى للازمة، ومراوغتها فى ذلك وقال انه كان من الممكن حل الازمة وتحاشى كل هذه الخسائر فى وقت مبكر منذ ملتقى الفاشر التشاورى، الذى حضره طيف واسع من ابناء دارفور ومن الحكومة ووصل الى مقررات لو انها نفذت لساهمت فى انهاء المشكل الا ان الحكومة وافقت على هذه المقررات وفى نفس الوقت كانت تحرك القوات المسلحة والمتحركات لضرب مقاتلى الحركة الامر الذى اوضح منذ البداية انها لاتنوى الاقدام على حل سياسى، بل تسعى الى الحل العسكرى، الذى لن يستطيع انهاء المقاومة فى دارفور !!

وحول كثرة الفصائل المسلحة في دارفور والتي وصل عددها الي سبعة وعشرين من الفصائل اعترف بخيت بأنها بالفعل تشكّل احدي معوقات الحل السياسى في دارفور الا انه ان عددا كبيرا من هذه الفصائل هو من صنع الحكومة التى تعمل على صنع واجهات لكى تجلس لتفاوضها بعد ذلك وتعقد معها اتفاقات، وأضاف لقد قاطعنا مؤتمر سرت لهذا السبب، لاننا لانقبل هذه الواجهات الحكومية، وان بعض هذه الواجهات ليست حركات مسلحة ولاحركات سياسية بل تنتمى الى منظمات المجتمع المدنى، وهذا مؤشر لعدم الجدية ومحاولة للالتفاف على القضية.

وانتقل احمد ادم بخيت فى سرده الى سبب ثالث عده من معوقات الحل السياسى فى دارفور

وهو التمسك باسقف اتفاقية نيفاشا، وأكد ان حركة العدل والمساواة ليس لديها مانع او تحفظ على ما حصل عليه الجنوب من حقوق، وقال «ان اهلنا فى الجنوب اخذوا حقوقهم بعد نضال طويل ونحن نقول مبروك عليهم » ولكن اى تعديل فى اتفاقية نيفاشا يجب ان يكون خصما على حصة ال 52 % التى استحوذ عليها حزب المؤتمر الوطنى، و حزب المؤتمر لكى يحتفظ بهيمنته لا يريد ان يمس نيفاشا ويوهم الجميع ان المساس بها سيؤدى الى مشاكل .

ووصف نائب رئيس حركة العدل والمساواة ان اتفاقية أبوجا بـ( هزيلة وميته) وليس بها اى آليات للتنفيذ ولا ضوابط وقال ان الحكومة حاولت ان تنفخ فيها الروح مرات ومرات ولم تنجح وان المؤتمر الوطنى يعمل الان على استقطاب كل القيادات الموجودة حول منى اركوى ثم سوف يتخلص منه بعد ذلك !!

وفيما يتعلق بقضية الاقليم أوضح بخيت ان هناك ثلاثة مستويات فى شمال السودان يجب ان تتحول الى اربعة بمعنى ان اقليم دارفور يجب ان تكون له حكومة ذات سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية وان تكون هذه الحكومة حلقة وصل بين المركز وأهل دارفور وان تكون لها صلاحيات واسعة، مشيرا الي ان الحكومة رفضت هذا المطلب بحجة ان الاستجابة لذلك سوف تؤدى الى نشاة نفس المطالبات لدى الاقاليم الاخرى .

وحول اقتصار دعوة حضور المفاوضات علي الحركات (المصنوعة ) بأيدي الحكومة كما قال أدم اعتبر ان توجيه الدعوة لهذه الفصائل خلق تعقيدات كثيرة واضاف الحل هو ان توجه الدعوة الى الحركتين الرئيسيتين فقط وهما حركة العدل وحركة التحرير، على ان تتاح الفرصة للفصائل الاخرى للانضمام الى هاتين الحركتين، وقال احمد تقد ان حركة العدل قدمت ورقة بهذا المعنى الى الوساطة الدولية وقدمت خريطة طريق لو تم الاخذ بها فان ذلك من الممكن ان يؤدى الى انجاح المفاوضات القادمة.

الا ان هذه النقطة المتعلقة بقصر الدعوات على الحركتين فقط اثارت اعتراضات كثيرة من عدد من الحاضرين فى القاعة كان ابرزهم يوسف عزت مسئول المكتب السياسى والاتصال الخارجى بجبهة القوى الثورية المتحدة الذى قال ان حركته لم تكن جزءا من حركة العدل او حركة التحرير حتى تعود اليهما واسهب فى شرح ان حركته تمثل قطاعا اصيلا فى دارفور وانها موجودة على الساحة منذ قبل توقيع اتفاق ابوجا وان لها تحالفات عدة مع فصائل اخرى مهمة وفاعلة ومنها فصيل (بحر ابو قردة) وفصائل اخرى، وانه ليس من المعقول تجاهل الاخرين او اخراجهم من المعادلة بدعوى ان هذه الفصائل مصنوعة من قبل الحكومة.. وقد اثارت هذه المسالة خلافا حادا ونوعا من التراشق داخل الندوة بعد ان انفعل احمد حسين ادم واتهم من على المنصة (بحر ابوقردة) بأنه متعاون مع اجهزة الامن السودانية وانه التقى مع الفريق صلاح قوش رئيس جهاز الامن السودانى فى منطقة دارالسلام وحدث اتفاق وتفاهم بينهما، وأضاف بالقول(اذا كان ابوقردة حليفكم فانتم على شاكلته)!! وان الحركة الحقيقية هى التى يوجد لها قوات فى الميدان وتصادم حكومة الانقاذ وليس الامر مجرد اصدار بيانات على الانترنت وعند هذه النقطة تدخل مدير الندوة الاساذ هانى رسلان وقال انه لا يريد ان يتحول الامر الى تراشق او حوارات ثنائية الا انه عملا بقواعد المهنية والموضوعية سوف يمنح الاستاذ يوسف عزت الفرصة للرد على هذا الاتهام، وفى رده قال يوسف عزت انه لم يقل انه يمثل القبائل العربية فى دارفور ولن ينصب نفسه مدافعا عن بحر ابوقردة الذى كان قياديا اساسيا ومهما فى حركة العدل، واستشهد يوسف عزت باحمد تقد لسان وقال بانه التقى به مع عناصر عديدة من جبهة القوى الثورية فى الميدان فى دارفور وفى تشاد ، وقال انه فى المعارضة منذ زمن طويل وانه يوجد لهم قوات فى الميدان الان وفى اماكن عديدة من دارفور وذكر اسم العديد من المواقع. وكان احد المتحدثين من التحالف الفيدرالى قد تحدث فى نفس السياق وطالب بالاعتراف بالاخر والتنسيق معه، ورد عليه احمد ادم بخيت بان الميدان واسع ويسع الجميع !!

وكان بخيت قد بدأ كلمته بالاشارة الى ان ازمة دارفور لم تبدا فى عام 2003 بل هى قديمة منذ استقلال السودان واشار الى جبهة نهضة دارفور واللهيب الاحمر والتحركات الاخرى باعتبارها تعبيرا عن غياب العدالة التى هى جوهر مشكلة دارفور، وان التحرك المسلح هو الذى يمكن الاشارة الى انطلاقه بدءا من 2003 . وان حركة العدل والمساواةاعلنت المانفستو الخاص بها منذ نوفمبر 2001 ، وكان النظام يتلمس اين هم الذين اصدروا هذا البيان، وشدد على ان قضية غياب العدل فى السودان هى قضية قومية وان حركة العدل والمساواة قومية التوجه والطرح، واشار الى ان المجتمع الدولى هو الذى اصر على حصر التفاوض على اقليم دارفور ن ولذلك تعذر الحل حتى الان !!

وتأتي هذه الندوة المهمة فى اطار سلسلة الندوات والانشطة وفعاليات برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والتي عقدت بالقاعة الرئيسية بمبنى الاصدارات بالاهرام وحضرها عدد كبير من الناشطين والمهتمين من مصر والسودان كان على رأسهم السيد مبارك الفاضل المهدى الذي قال ان التفاوض لو استمر بالطريقة الحالية ولو لمدة عشر سنوات فانه لن ينجح لانه يدور حول اقتسام المقاعد وحزب المؤتمر الوطني لن يتنازل كما ان الحل الثنائي بين الحركات المسلحة والمؤتمر الوطني لن يكون مجديا ، مشددا علي انه لابد ان يكون الحل في اطار قومي يشمل كل القوي السياسية الأخري .

واشار الي ان الحل المفروض من الخارج لن يكتب له النجاح فالخارج يمكنه ان يقدم ضمانات او تسهيلات او يلعب دورا في تقريب وجهات النظر غير ان الحل يجب ان يكون سودانيا ونابعا من أهل السودان .

. وقد ادار الندوة الاستاذ هانى رسلان رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات ومقرر منبر السودان بالاهرام.

وفى كلمته الافتتاحية ، قال الاستاذ هانى رسلان انه منذ اندلاع أزمة دارفور فى النصف الاول من عام2003 وهى تنتقل من طور الى اخر اكثر تعقيدا، حتى وصلت بعد اكثر من اربع سنوات من القتال والكوارث الانسانية، الى المرحلة الحالية التى بدأت فيها طلائع القوات الدولية الهجين فى الوصول الى الاقليم اعتبارا من يناير 2008، دون ان يكون هناك اتفاق سلام تسهم هذه القوات فى المساعدة على تطبيقة او حمايته، بما يجعل دور هذه القوات وهيبتها فى مهب الريح .. حيث من الممكن ان تتحول بالتدريج الى جزء من المشاكل العالقة فى الاقليم بدلا من كونها اداة ووسيلة للمساعدة على الحل ومحاولة الخروج من الدائرة الجهنمية للأزمة، الأمر الذى أصبحت معه قضية دارفور تبدو وكأنها تحولت الى مسألة مستعصية على الحل ، لاسيما بعد فشل الجولة الاولى من مؤتمر سرت فى ليبيا ، الذى انعقد فى 27 اكتوبر 2007 فى ظل وساطة دولية شاركت فيها الامم المتحدة والاتحاد الافريقى.

واشار رسلان الى ان مؤتمر سرت لم ينعقد سوى لجلسة افتتاحية واحدة اقتصرت على المراسم البروتوكولية والكلمات الافتتاحية، بعد ان غابت عنه اثنتين من الفصائل الرئيسية، حيث فوجئ المجتمع الدولى بكمية التعقيدات غير المسبوقة فى اوضاع الحركات المسلحة فى دارفور وعجزها عن تبنى محاور مشتركة، نتيجة تنافسها وبنيتها المتحركة وتعرضها لانشقاقات متوالية، والخلافات الدامية بين الفصائل على من له أحقية التمثيل فى المفاوضات القادمة، وكذلك الاوزان النسبية للمشاركين، مما ادى الى تراجع القضية السياسية الاساسية المتعلقة بمطالب الاقليم، وكيفية بلورتها وتحقيق حد أدنى من الوفاق الدارفورى من حولها، واعادة النازحين الى اماكنهم وحياتهم الطبيعية ، الامر الذى ترتب عليه تأجيل الحل التفاوضى الى اجل غير مسمي!!

و بعد ان استعرض التطورات والمحطات الرئيسية للازمة خلص رسلان الى ان الازمة شهدت تغيرا فى الفاعلين المؤثرين ، ففى البداية كانت هناك حركتين مسلحتين فى دارفور وذلك حتى توقيع اتفاق انجامينا فى ابريل 2004 ، ولكن بعد ذلك وقع انشقاق فى حركة التحرير السودان التى يقودها عبدالواحد نور ، واصبحت الحركة تتكون من فصيلين احدهما يقودة منى اركو مناوى، والثانى يقوده عبدالواحد، ومن ثم دخلت الحركات المسلحة الى مفاوضات ابوجا بثلاثة وفود تفاوضية، ولم يوقع على اتفاق ابوجا سوى فصيل واحد هو فصيل منى اركو مناوى. وفى مرحلة ما بعد ابوجا بدأت الانشقاقات تتزايد داخل الحركات المسلحة ، فارتفع العدد الى 12 فصيلا، ثم الى 17 فصيلا، الى ان وصل العدد عشية انعقاد الجولة الاولى من مؤتمر سرت الى عدد غير معلوم ، وصل فى بعض التقارير الى سبعة وعشرين فصيلا.

وواصل قائلا : على مستوى اخر تعقدت الازمة نتيجة دخول فاعلين اقليميين مثل تشاد وليبيا واريتريا ، وفاعلين دوليين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبى، بل ان الازمة اجتذبت عددا من الفاعلين الجدد فى النظام الدولى من الذين يطلق عليهم non state actor) ) أى الكيانات التى لا تمثل دولا ذات سيادة مثل منظمات المجتمع المدنى ومنظمات الاغاثة والاعلام الدولى وجماعات الضغظ والمصالح.

وقد ادى ذلك فى الوقت الحالى الى وجود نوع من المراوغة فى جهود الحل السياسى التى اتسمت من بعد مؤتمر سرت بقدر من الفتور وفقدان قوة الدفع ، فى الوقت الذى بدا فيه نوع من التململ فى موقف المجتمع الدولى تجاه مواقف الحركات المسلحة فى الاقليم بعد تزايد الخلافات والانشقاقات فى صفوفها، كما ظهر نوع من البطء فى استكمال ونشر القوات المشتركة فى الاقليم ، وتحولت الازمة الى مصدر مزمن من مصادر عدم الاستقرار ليس داخل السودان فحسب بل ايضا لدى دول الجوار الاقليمى ، واتسمت بقدر كبير من المراوغة حيث تتغير بنية الازمة ومن ثم الحلول المطلوبة لحلها من مرحلة الى اخرى.