يمثل سقوط نظام الأسد لحظة محورية سيذكرها التاريخ، لحظة تفكك واحدة من أعتى الديكتاتوريات وأكثرها قمعًا. دمر طغيان نظام الأسد، الذي تم تمكينه وتقوية قبضته بتواطؤ الحلفاء الإقليميين والدوليين، أمة كاملة، وتكلف بقائه مئات الآلاف من أرواح الأبرياء، ولم ينل أي عقاب أو محاسبة. إن سقوط نظام الأسد اليوم هو نتيجة لإرادة الشعب السوري ومساعيه الدائمة لاستعادة حريته.
منذ عام 2011، حاول نظام الأسد ردع المعارضة ووأد الانتفاضة السلمية من خلال حملات ترهيب واسعة. استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وحّول مدن بأكملها إلى أطلال، واعتمد بشكل أساسي على التعذيب. وفي خضم حرب أهلية أعقبت ذلك، نمت الجماعات المتطرفة مثل داعش، فتضاعفت معاناة المدنيين.
إن مشاهد تحرير آلاف السجناء من زنازين الموت ومعاقل التعذيب تقشعر لها الأبدان، وهي شهادة على وحشية نظام الأسد (الأب والأبن). ألاف من أسر المحتجزين، بعد معاناة لا يمكن تصورها لعقود طويلة، التقت أخيرًا بذويها. وآخرون ما زالوا يبحثون عن إجابات حول مصير ذويهم المفقودين.
يقول زياد عبد التواب نائب مدير مركز القاهرة: «لقد عاش الشعب السوري معاناة لا يمكن تصورها، وسقوط نظام الأسد ليس مجرد انتصار لسوريا، بل هو تذكير للعالم بأن الاستبداد هش، وسينهار حتمًا أمام إرادة الشعب الثابتة. والآن ينبغي أن تكون الوحدة والسلام غاية أي حوار سياسي، وعلى الحكومة الانتقالية دمج مقترحات المنظمات الحقوقية السورية في خطة وطنية شاملة للعدالة الانتقالية، تضمن استقرار البلاد».
لا شك أن إصلاح الدمار الذي خلفه هذا الصراع سيستغرق وقتًا طويلًا. وبالمثل إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي مزقه النظام السوري وعصفت به سنوات من الحرب الأهلية. لذا، على الفصائل السورية المتحاربة أن تعمل الآن معًا، من أجل إصلاح مؤسسات الدولة المنهارة، واتخاذ خطوات ملموسة لإعادة بناء الثقة وإرساء أسس السلام والاستقرار على المدى الطويل. وفي هذه المهمة، يمكن أن يعتمد الشعب السوري على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والإنسانية، هؤلاء خاطروا بحياتهم لتوثيق الحقيقة، وربما هم حجر الزاوية في تعافي سوريا.
إن الفظائع المرتكبة بحق المدنيين في سوريا تستوجب معالجة شاملة خلال الفترة الانتقالية المقبلة. كما يجب أن تنطلق فورًا المفاوضات حول الدستور الجديد لسوريا، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، ضمن عملية تشاورية تأخذ في الاعتبار احتياجات جميع السوريين دون تمييز. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تكون قوانين حقوق الإنسان ومواثيقها الدولية، بمثابة الإطار التأسيسي لأي تشريعات جديدة تعتمدها السلطة الانتقالية.
بينما لبعض الفصائل المسلحة دورًا محوريًا في تحرير سوريا من قمع نظام الأسد، إلا أن ماضيها المشكوك فيه وتورطها في الفظائع خلال الحرب الأهلية يلقي بظلال الخوف على مستقبل سوريا. لذا على هذه الجماعات أن تفي بوعود القطيعة مع إرث الطائفية الذي ندب الأمة لعقود، وتمتثل لالتزاماتها المعلنة مؤخرًا بحماية الأقليات، كخطوات أولى نحو المصالحة. وينبغي أن يتم ذلك عبر إجراءات ملموسة، مثل سن قوانين وأنظمة لحماية حقوق جميع السوريين بغض النظر عن الدين أو العرق أو الانتماء السياسي، ووقف كافة الأعمال العدائية وأعمال العنف، وتسريح الميليشيات المسلحة، وفتح الباب أمام الحوار السياسي، كضرورة لتحقيق السلام الدائم.
كما حان الأوان لتنحي القوى الأجنبية الغربية والإقليمية جانبًا، والسماح للسوريين برسم مستقبلهم. فقد كان للتدخل العسكري لهذه القوى بالغ الضرر، وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح وإطالة أمد المعاناة، نتيجة إشعال التوترات الطائفية من أجل مصالح خاصة. كما يجب على القوى الأجنبية التي تحتل الأراضي السورية بشكل غير قانوني الانسحاب فورًا، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
يجب على السلطات الانتقالية في سوريا السماح بوصول المدنيين دون عوائق إلى المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان السورية والدولية. وضمان وصول هذه المنظمات إلى جميع الأراضي السورية، وزيارة أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. كما يجب على الحكومة الانتقالية وجميع الميليشيات التعاون فورًا وبشكل كامل مع كل من؛ لجنة التحقيق الأممية المعنية بسوريا، والآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسئولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا، والمؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سوريا، وذلك بهدف المساعدة في عملية المساءلة اللازمة.
منذ بداية النزاع، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من منازلهم، لا يزال 6.6 مليون منهم بين لاجئ وطالب لجوء في الخارج. هؤلاء اللاجئون عانوا صعوبات هائلة؛ من انعدام المأوى إلى انعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية والإنسانية. وفيما نقر بحق اللاجئين السوريين بالعودة طواعية إلى وطنهم، نُذّكر بأن إجبارهم على العودة إلى وطن ما زال غير مستقر، ينتهك القانون الدولي.
ويضيف عبد التواب: «سقوط نظام الأسد ليس نهاية النضال السوري، بل هو بداية فصل جديد، فصل لا يمكن أن ينجح إلا إذا كانت الأطراف المتحاربة مستعدة حقًا لوقف القتال، وتبني مبادئ حقوق الإنسان كأساس مشترك في جميع المفاوضات، واحترام جميع السوريين بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو التوجه السياسي أو الوضع الاقتصادي. وعلى المجتمع الدولي أن يحترم صمود الشعب السوري ويقدم الدعم المطلوب والثابت للعملية الانتقالية، بعيدًا عن التدخل العسكري المدمر الذي شهدناه في الأعوام الماضية».
Share this Post