تآزرت الحكومات الاستبدادية من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها في الجلسة الـ 53 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة (19 يونيو – 14 يوليو) للدفع بإصدار قرار بشأن “الكراهية الدينية “، في محاولة لإدخال لغة قمعية للغاية تهدد الحقوق الأساسية لحرية الدين والمعتقد وحرية التعبير على الإطار الدولي لحقوق الإنسان. وبينما يدين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان جميع أشكال التمييز والعنف بحق الأفراد والجماعات على أساس الدين أو المعتقد، فإن هذه اللغة القمعية تهدد الأقليات الدينية الضعيفة بالفعل في كل البلدان حول العالم.
تأتي هذه الخطوة في أعقاب الإفلات الدولي المتزايد من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها العديد من الحكومات. ففي السنوات الأخيرة، قام المجلس بحل لجنتين دوليتين رئيسيتين؛ أحدهما بشأن اليمن و الأخرى بشأن ليبيا، رغم الدعوات القوية بتجديد ولايتهما من خبراء الأمم المتحدة والمجتمع المدني، بما في ذلك خلال ندوة عامة تم تنظيمها على هامش فعاليات هذه الجلسة، لضمان استمرار التحقيقات الدولية في الانتهاكات الجسيمة المستمرة في البلدين. كما أخفقت الدول الأعضاء في متابعة الإعلانات المشتركة الصادرة عن المجلس بشأن أوضاع حقوق الإنسان الحرجة في مصر والمملكة العربية السعودية.
يقول جيريمي سميث، مدير مكتب مركز القاهرة بجنيف: “تقاعس المجتمع الدولي عن ضمان المساءلة عن القمع الوحشي والفظائع المنتشرة على نطاق واسع، شجع الحكومات الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم على مواصلة ارتكابها. هذه الحكومات تبدو الآن مصممة على هدم المعايير العالمية لحقوق الإنسان تحت ستار حماية الدين “.
وكانت منظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم قد حثت الدول الأعضاء قي رسالة على رفض هذا القرار لأنه؛ “يغذي الانقسام والتعصب الديني ويغلق الحوار بين الأديان، ويضفي شرعية على انتهاكات حقوق الإنسان المروعة بحق الأقليات الدينية.” وفي بيانه الشفهي أمام المجلس، سلط مركز القاهرة الضوء على أن أفراد الأقليات الدينية في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتعرضون بانتظام للقمع والتمييز واسع النطاق من جانب الحكومات، وغيرها من الجهات غير الحكومية، وغالبًا ما يتم ارتكاب هذه الانتهاكات عبر توظيف المفاهيم والقوانين المتعلقة بازدراء الأديان أو التجديف.
على الجانب الأخر، استحدثت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال هذه الجلسة، وفي خطوة إيجابية، آلية دولية لتحديد مكان عشرات الآلاف من المفقودين والمختفين في سوريا، استجابة لدعوات الضحايا السوريين والمجتمع المدني. كما اتخذ المجلسقرارًا سنويًا بشأن الأزمات في سوريا. ولكن في ظل الترحيب بعودة الأسد وحكومته لجامعة الدول العربية، فثمة مخاوف متزايدة حول إمكانية تولي المجلس التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. وقد شدد مركز القاهرة في كلمة له أمام المجلس بأن القرار المؤسف المرحب بعودة الحكومة السورية لجامعة الدول العربية؛ “لا يمحو بأي حال من الأحوال الجرائم المروعة المرتكبة، ولا يجب أن يتم توظيفه كذريعة لإضعاف استجابة المجلس أو تجاهل ملايين الضحايا الذين يواصلون المطالبة بالمساءلة.”
في هذه الجلسة أيضًا، صدر بعد تأخر طويل، تحديث قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات المنخرطة في المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، الصادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في 30 يونيو 2023 ورحبتبصدوره العديد من المنظمات حول العالم. قاعدة البيانات هي آلية رائدة لها القدرة على ضمان وصم الشركات العاملة على تسهيل جرائم الحرب في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك بناء المستوطنات وصيانتها. صدرت قاعدة البيانات للمرة الأولى من قبل المجلس عام 2016. ووفقًا للقرار، يجب تحديث قاعدة البيانات على أساس سنوي. ومع ذلك، تم تقديم تحديثين جزئيين فقط خلال السنوات السبع الماضية. ويرجع ذلك إلى جهود الدول المتحالفة مع إسرائيل لقمع قاعدة البيانات من خلال حرمانها من التمويل وممارسة الضغط السياسي على المفوضية السامية.
وفي انتصار كبير لسيادة القانون، اعتمد المجلس قرارًا جديدًا بشأن قاعدة البيانات، يتطرق لـ “العقبات” الفنية والمتعلقة بالميزانية. وقد صوتت ثلاث دول فقط ضد القرار، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجمهورية التشيك. بينما امتنعت دول أوروبية أخرى عن التصويت. تقول ميساء عاشق، مسئولة المناصرة الدولية في مركز القاهرة: “إن فشل الدول الغربية في دعم قاعدة البيانات ومكافحة جرائم الحرب الإسرائيلية يزيد من قوة الأنظمة الاستبدادية، التي تستخدم بسخرية هذه المعايير المزدوجة في محاولة لإنكار وإضعاف معايير حقوق الإنسان.”
وبالتزامن مع هذه الجلسة، نشرت لجنة التحقيق الأممية المستقلة بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة تقريرًا عن الهجمات المتزايدة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات. أخيرًا، وردًا على الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، بما في ذلك الإخلاء والتهجير القسري للعائلات الفلسطينية في القدس الشرقية، حذر خبراء الأمم المتحدة من أن “عمليات الإخلاء القسري للفلسطينيين … هي جزء من آلية الفصل العنصري الإسرائيلي واحتمالية توظيفها لتعزيز الملكية اليهودية على القدس والهيمنة العنصرية على سكان المدينة، “واعتبرت أن هذه الأعمال تصل حد مستوى جرائم الحرب.
وتمتد محاولات الحكومات الاستبدادية لتقويض معايير حقوق الإنسان إلى حقوق النساء والفتيات. ففي أثناء هذه الجلسة، وخلال المفاوضات بشأن القرار الخاص بـ ” زواج الأطفال والزواج المبكر والقسري” وكذلك القرار الخاص بالقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، سعت عدة حكومات من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك مصر والعراق والمملكة العربية السعودية، إلى تقويض وصول النساء إلى الرعاية الصحية الكافية وإعاقة حريتهن في الاختيار تحت دعاوى مراعاة النسبية الثقافية. وقد شمل ذلك جهودًا لحذف الإشارات إلى “الاستقلال الجسدي” و “عنف الشريك الحميم” و “الإجهاض الآمن” والمفهوم العام “للحقوق الجنسية والإنجابية” أو تغييرها بشكل أساسي.
Share this Post