تدين المنظمات الحقوقية الموقعة قرارات نيابة أمن الدولة العليا مؤخرًا، بإحالة مئات المواطنين المحتجزين منذ فترات طويلة، تجاوز بعضها 6 سنوات، إلى محاكم الإرهاب، عوضًا عن الإفراج الفوري عنهم؛ في محاولة لطمس الانتهاكات الخطيرة التي شابت التحقيقات معهم واحتجازهم التعسفي المطول في قضايا ذات طابع سياسي.
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالة ما لا يقل عن 90 قضية ذات طابع سياسي إلى محاكم الإرهاب، تضم عدد من المعارضين السياسيين، والصحفيين، والمحامين، ومدافعين عن حقوق الإنسان. هذا العدد من القضايا يفوق إجمالي القضايا التي أحالتها النيابة لهذه المحاكم خلال العقد الماضي كله تقريبًا (2013-2023)، على نحو يخالف التعليمات القضائية بشأن عدم إحالة القضايا للمحاكمات ما لم تكن مدعومة بوقائع ثابتة، واتهامات محددة خاصة بكل متهم منفردًا، وغير مبنية فقط على تحريات الأجهزة الأمنية. إذ سبق وأكدت أحكام محكمة النقض على عدم الاعتداد بالتحريات الأمنية كدليل منفرد في الدعاوى القضائية.
هذه القضايا ضمت محامين حقوقيين مثل هدى عبد المنعم، وإبراهيم متولي، ووليد سليم، وأحمد نظير الحلو. كما ضمت المترجمة مروة عرفة، ورجال الأعمال محمد ثابت، وعصام السويركي، والشيخ أنس السلطان. هذا بالإضافة إلى السياسيين المعارضين؛ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد القصاص، وجهاد الحداد، وأنس البلتاجي. وضمت أيضًا أطباء، ومهندسين وموظفين وأساتذة بالمركز القومي للبحوث وآخرون في هيئة الطاقة النووية، وغيرهم.
وإذ تعرب المنظمات عن قلقها البالغ إزاء هذه الإحالات المكثفة، خاصة لبعض المحتجزين الذين تجاوزت مدة حبسهم الاحتياطي 6 سنوات بالمخالفة للقانون، تؤكد المنظمات أن هذه الإحالات تمثل استكمالًا لانتهاكات حقوق المحاكمة العادلة وحقوق المحتجزين، التي لا تكف نيابة أمن الدولة العليا عن ارتكابها. فبعد حبس مطول تخطى 6 سنوات للبعض، في تجاوز فج للحد القانوني المقرر لمدة الحبس الاحتياطي بعامين وفق المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، وبدلًا من إخلاء سبيل المحتجزين وتعويضهم عن فترة الحبس المطول، تقرر النيابة إحالتهم لمحاكم الإرهاب!
هذا بالإضافة إلى طلب النيابة معاقبة المحتجزين عن جرائم تعود بعضها لأكثر من 20 عامًا (في 1992، و2006، و2008، و2013). الأمر الذي يثير تساؤلات حول قانونية هذه الاتهامات المتعلقة بجرائم وقعت قبل إصدار قوانين مكافحة الإرهاب وتشكيل محاكم الإرهاب عام 2014. ناهيك عن قائمة الاتهامات المكررة التي نالت تقريبًا من معظم المحتجزين دون تفرقة، وهي؛ الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وارتكاب جرائم تمويل الإرهاب، وحيازة مطبوعات وتسجيلات تروج لجماعة إرهابية، والاشتراك في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جرائم إرهابية.
وبحسب المنظمات، تعد هذه الإحالات حلقة جديدة في سلسلة المراوغة والتلاعب بمصير المعارضين المحتجزين، واستكمالاً لآلية التدوير المتبعة، والتي تعتمدها نيابة أمن الدولة لتمديد فترات الحبس الاحتياطي، من خلال الزج بالمتهمين على قضايا جديدة، بخلاف القضية الأساسية المحتجزين بسببها، مستخدمًة الاتهامات نفسها، لضمان بقائهم قيد الاحتجاز أطول فترة ممكنة.
فعلى سبيل المثال، أُحيل المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، المحتجز منذ عام 2017، للمحاكمة على ذمة القضيتين 900 لسنة 2017 والقضية 1470 لسنة 2019 بالتهم نفسها. وبالمثل تجدد حبس المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم على ذمة القضية 730 لسنة 2020، رغم الحكم بحبسها 5 سنوات في القضية 800 لسنة 2019 بالتهم نفسها. وبعد إخلاء سبيل هبة مصطفى عبد الحميد (ربة منزل) في القضية رقم 277 لسنة 2019، بعد 5 سنوات حبس احتياطي؛ تمت إحالتها كمتهمة بالتهم ذاتها في القضية رقم 2215 لسنة 2021.
وفي عصف تام بالقانون، ترفض النيابة ضم مدد الحبس التي قضاها المحتجزين، أو احتسابها ضمن الأحكام الصادرة بحقهم. وتتعمد الزج ببعضهم في قضايا جديدة على خلفية اتهامات سبق وأتموا مدد عقوبتهم عليها. وتتضاعف خطورة هذه الانتهاكات المستمرة والمتصاعدة المرتكبة من قبل نيابة أمن الدولة العليا في ظل الإصرار على توسيع اختصاصها، إذ أصبحت مسئولة عن طيف واسع من القضايا السياسية، ويتم توظيفها للانتقام من الخصوم السياسيين والمعارضين.
ومن ثم، تطالب المنظمات الموقعة أدناه بما يلي:
- إطلاق سراح جميع المحتجزين الذين تجازوا مدد الحبس القانونية.
- توقف نيابة أمن الدولة العليا على مباشرة التحقيقات في القضايا ذات الطابع السياسي.
- تفعيل نصوص قانون الإجراءات الجنائية فيما يخص ضم مدد الحبس، ووضع حد لآلية التدوير.
- تعويض ضحايا الحبس الاحتياطي المطول وغير القانوني.
- وفي حالة بدء المحاكمات؛ على السلطات القضائية الالتزام التام بضمانات المحاكمة العادلة لكافة المتهمين، وضمان حقهم في التمثيل القانوني، والدفاع، والاطلاع على الأوراق، والاستماع لشهادات الضحايا في الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة والتحقيق فيها.
فبينما تسعى السلطات المصرية إلى تصدير صورة مزيفة حول إصلاحات في ملف المحتجزين وأماكن الاحتجاز، تؤكد مجددًا قرارات الإحالة الصادرة مؤخرًا على كذب هذه الادعاءات. هذا بالإضافة إلى الآلاف المواطنين الذين يُجدد حبسهم تلقائيًا أمام نيابة أمن الدولة ودوائر الإرهاب دون تحقيق، أو يتم تدويرهم لتمديد فترات حبسهم، ناهيك عن القبض على آخرين والزج بهم في السجون بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو تنظيمهم تجمعات سلمية.
المنظمات الموقعة:
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
- مركز النديم
- ايجيبت وايد لحقوق الإنسان
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- جمعية عنخ
- منصة اللاجئين في مصر
Share this Post