يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بقرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يواف غالانت، والقائد في حركة حماس (رئيس الجناح العسكري) محمد دياب إبراهيم المصري (المعروف باسم الضيف)، وذلك على خلفية تورطهم في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في فلسطين وإسرائيل اعتبارًا من 7 أكتوبر2023 على الأقل.
ففي ظل مواصلة إسرائيل تحويل غزة عمدًا لأرض غير صالحة للسكن أو الحياة، وقتل المدنيين بشكل عشوائي، واستهداف البنية التحتية الحيوية، يجب أن تكون قرارات المحكمة الدولية بتقديم مسئولين إسرائيليين بارزين للعدالة بمثابة تحذير لإسرائيل وداعمي سياساتها للامتثال بالالتزامات الدولية.
تقول أمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة: «قرار المحكمة الجنائية الدولية يمثل خطوة هامة نحو العدالة، والمحاسبة على الجرائم الوحشية الممتدة لأكثر من عام. لكن فعالية هذه القرارات مرهون بامتثال الدول الأخرى لدورها في تسليم المسئولين المطلوبين، كما يجب على المجتمع الدولي أن يؤدي دوره أخيرًا ويتخذ خطوات لمحاسبة جميع الأطراف على جرائمهم الوحشية».
كما ينبغي على إسرائيل السماح لمكتب المدعي العام للمحكمة بالوصول إلى قطاع غزة والمناطق المتضررة الأخرى، لتوثيق الوقائع وتحديد الأطراف التي ساهمت أو ارتكبت جرائم دولية خطيرة منذ 7 أكتوبر 2023، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية المحتملة.
في21 نوفمبر 2024، أصدرت الدائرة مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاع إسرائيل السابق، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ 8 أكتوبر 2023 وحتى 20 مايو 2024، وهو اليوم الذي قدمت فيه النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية طلبات إصدار المذكرات. ووجدت الدائرة أن نتنياهو وغالانت يتحملان مسئولية جنائية كشريكين في جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وجرائم ضد الإنسانية تتضمن القتل والاضطهاد زغيرها من الأفعال اللاإنسانية في غزة.
كما أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بالإجماع، مذكرات اعتقال بحق رئيس الجناح العسكري لحماس، محمد ضيف (بعدما لم تتمكن من التحقق من مقتله)، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في إسرائيل وفلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 على الأقل. وجدير بالذكر أن المدعي العام للمحكمة كان قد طالب أيضًا في مايو، بإصدار مذكرات اعتقال بحق قيادات حركة حماس؛ يحيى السنوار وإسماعيل هنية، إلا أن كليهما قُتلا على يد إسرائيل.
وجدت الدائرة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت، من خلال إعاقتهما للمساعدات الإنسانية وفشلهما في تسهيل الإغاثة في هذا الإطار الزمني، قد حرموا السكان المدنيين في غزة «عمدًا وعن علم» من الاحتياجات الحيوية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والإمدادات الطبية، فضلا عن الوقود والكهرباء.
في 7 أكتوبر، نفذت حماس عمليات قتل جماعي منسقة في عدة مواقع بإسرائيل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وإصابة 5400 آخرين. كما اختطفت حماس أكثر من 200 شخص من إسرائيل ونقلتهم إلى غزة، بينهم أطفال وشيوخ، ولا يزال حوالي 101 منهم محتجز كرهينة لدى حماس في غزة.
منذ ذلك الحين، وجهت إسرائيل هجمات واسعة النطاق وعشوائية وغير متناسبة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، بما في ذلك المستشفيات ومخيمات النازحين. وبحلول 19 نوفمبر 2024، وصل عدد القتلى الفلسطينيين قرابة 44000 فلسطيني، 30% منهم على الأقل أطفال، وأصيب أكثر من 104000 شخص، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. كما تم تهجير ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص من غزة. وحاليًا تخضع حوالي 79% من مناطق القطاع لأوامر الإخلاء. هذا بالإضافة إلى مواصلة إسرائيل عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والموارد الأساسية، مما أدى لتدهور الظروف المعيشية في غزة ووصولها لمستويات مروعة. إذ يواجه أكثر من 800000 شخص مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 345000 شخص مستويات كارثية. وفي 14 نوفمبر 2024، وجدت اللجنة الخاصة للأمم المتحدة أن أساليب الحرب التي تتبعها إسرائيل في غزة تتوافق مع تعريف الإبادة الجماعية، فضلا عن استخدمها التجويع كسلاح حرب.
يكرر مركز القاهرة دعواته لاعتماد وقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة، وفرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، كما يجدد المطلب بالتوسع الفوري في تقديم المساعدات الإنسانية لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة.
في أعقاب طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال في مايو 2024، أصدرت إسرائيل وحلفاؤها تهديدات بالانتقام من المحكمة الجنائية الدولية. وفي الولايات المتحدة، صدرت تصريحات تحريضية ضد المحكمة ومدعيها، وفي يونيو، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية. هذه الإجراءات الانتقامية والتهديدات تقوض نظام العدالة الدولية وتنتهك معايير القانون الدولي، ويجب على إسرائيل وداعمي سياساتها، وقف أي محاولات لتقييد الدعم للمحكمة أو عرقلة عملها في السعي لتحقيق العدالة والمساءلة، كما يجب تسهيل تنفيذ قرارها بإصدار مذكرات اعتقال بحق المسئولين الإسرائيليين ومسئول حماس.
وتضيف آمنة القلالي «كل يوم يتأخر فيه تحقيق العدالة، يواجه المدنيون في غزة الموت والدمار الذي لا يوصف. يجب على المجتمع الدولي الوقوف بحزم ضد أي محاولات لتقويض المحكمة الجنائية الدولية. فمثل هذه التهديدات الانتقامية التي تصدر عن داعمي سياسات إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، تنتهك المعايير الدولية وتحمل رسالة خطيرة بأن القانون الدولي يمكن تجاوزه والعصف به دون عواقب».
خلفية
في مارس 2021، فتحت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا حول الوضع في فلسطين، وذلك بناء على طلب من فلسطين بالتحقيق في الجرائم السابقة والجارية التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، والمرتكبة في أي جزء من دولة فلسطين. وفي فبراير 2021، قررت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية أنه للمحكمة اختصاص جنائي في حالة دولة فلسطين، وأن النطاق الإقليمي لهذا الاختصاص يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وتشمل هذه الولاية الجرائم التي يرتكبها مواطنو الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية ومواطنو الدول غير الأطراف على أراضي دولة طرف، ومن ثم، الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأرض الفلسطينية.
Share this Post