اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري يصادف أيضا الذكرى الـ 60 لمذبحة شاربفيل، والتي وقعت خلال فترة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا 1960. في شاربفيل، في مثل هذا اليوم، فتحت الشرطة النار وقتلت 69 شخصًا خلال احتجاج سلمي ضد قوانين اجتياز المارة العنصرية المفروضة على أصحاب البشرة السمراء والهنود وأصحاب البشرة الملونة من جنوب إفريقيا ممن تزيد أعمارهم عن 16 عامًا، والذي كان يفرض عليهم استخراج وثائق تسمح بوجودهم في مناطق محظورة كوسيلة للحد من حريتهم في التنقل. الأمر الذي أثار غضبًا في جميع أنحاء العالم ودفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير فعالة لمحاربة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بعدما انتهك مقاصد ميثاق الأمم المتحدة “لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب” وعصف بضمان “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز”. ومنذ ذلك الحين، تم تصنيف نظام الفصل العنصري والعديد من عناصره كجرائم ضد الإنسانية.
وبينما تمر ذكرى مذبحة شاربفيل مجددة الإشارة للعواقب العنيفة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتهديده للحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، فقد حان الوقت للهزيمة النهائية لهذا النظام الممنهج للقمع، الأمر الذي يدفعنا إلى مواصلة العمل من أجل وضع حد لجميع أشكال التمييز والفصل العنصري في جميع أنحاء العالم. لكن هذا العمل لم ينته بعد، طالما استمر الفصل العنصري في فلسطين.
لعقود متوالية، أسست إسرائيل نظام فصل عنصري ضد الشعب الفلسطيني، حافظت عليه من خلال مجموعة من القوانين والسياسات والممارسات المصمَّمة لفصل الفلسطينيين وتجزئتهم وعزلهم بلا رحمة. إذ تم تقسيم الشعب الفلسطيني عمداً إلى أربعة مجالات منفصلة قانونيًا وسياسيًا وجغرافيًا، بمن في ذلك الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية، والفلسطينيين المقيمين في القدس، والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة الخاضعين للقانون العسكري الإسرائيلي، واللاجئين الفلسطينيين المنفيين في الخارج، على النحو المشار له في تقرير 2017 عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).
وبموجب هذه التجزئة، تضمن إسرائيل عدم قدرة الشعب الفلسطيني على الالتقاء أو التجمع أو العيش المشترك، أو ممارسة أي حقوق جماعية. كما يعزز هذا التفتيت أيضًا الوهم بأن الفلسطينيين ليسوا شعبًا في الأصل، ويدعم بشكل مباشر نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وقد بات من الواضح أن إسرائيل تتبع سياسات العزل والفصل والتجزئة من أجل تقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك السيادة الدائمة على ثرواته وموارده الطبيعية، بينما تحاول هذه السياسات إضفاء الشرعية على ادعاء إسرائيل لنفسها بهذا الحق.
لقد اقترن تشتيت إسرائيل وتجزئتها الشعب الفلسطيني على مر السنين بالحرمان من وسائل العيش التي توفرها الدولة، وكذا الحرمان التدريجي من المنازل والأراضي والموارد الطبيعية والسيادة الغذائية والإنتاج الاقتصادي. وذلك من خلال الانتهاك المنهجي لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم، والحرمان من الإقامة وجمع شمل الأسرة، ومن حرية التنقل والإقامة، والقيود المفروضة على الوصول، وتقسيم المناطق والتخطيط التمييزيين، ضمن أمور أخرى. كما خلقت إسرائيل وأدامت بيئة قسرية تؤدي في النهاية إلى استمرار عمليات النقل والتهجير الفلسطينية. وهذا بدوره يسمح باستعمار فلسطين، وبتغيير جذري في التركيبة الديموغرافية التاريخية بشكل يعطي الأفضلية لليهود الإسرائيليين.
وتحت حماية نظام الإفلات من العقاب، حافظت إسرائيل على نظامها المؤسسي الذي يقهر ويسيطر على حياة الفلسطينيين، وبالتالي يمنع الفلسطينيين بشكل فعال من تحدي الفصل العنصري الإسرائيلي.
وللحفاظ على نظام الفصل العنصري، ارتكبت إسرائيل انتهاكات عديدة مثل العقوبات الجماعية واسعة النطاق، والاعتقال التعسفي الجماعي، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، فضلاً عن الجهود الإسرائيلية المبذولة لإسكات الأصوات المعارضة للفصل العنصري. بالإضافة إلى آلة التضليل الإسرائيلية المعروفة بخطاب الكراهية وتشويه نضال الفلسطينيين من أجل التحرير.
في الماضي، لعب المجتمع الدولي والمجتمع المدني العالمي دورًا فعالًا في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. واليوم، من الضروري أن تعترف دول المنطقة والمجتمع الدولي الأوسع بأن إسرائيل ترسخ هذه الجريمة وتديمها ضد الشعب الفلسطيني رغم حظرها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وقانون المعاهدات، والقواعد القطعية، فكم من المؤسف أن تشترك العديد من الدول الغربية مع إسرائيل في هذه الجريمة، وتكافئ الولايات المتحدة سلوك الفصل العنصري الإسرائيلي بما تسميه إدارة ترامب “خطة السلام” .
لم تكن التناقضات ومخاطرها واضحة أبدًا كما هي اليوم. ومن ثم فقد حان وقت الأمم المتحدة، كل دولها ومجالاتها الحكومية، بما في ذلك البلديات والسلطات المحلية، للاعتراف بواقع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والتصرف وفقا لالتزاماتهم باحترام القانون الدولي والنظام العالمي، وليس الاعتراف بحسب، ولكن اتخاذ تدابير فعالة أيضًا، من شأنها إنهاء هذا الوضع غير القانوني.
وبينما نتذكر مرور 60 عامًا على مذبحة شاربفيل في جنوب إفريقيا، يجب أن نبذل المزيد من الجهود لضمان أن إرث الفصل العنصري، وجميع أشكال التمييز والقمع العرقية الأخرى، قد تم اقتلاعه تمامًا، وبالطريقة نفسها التي سقط بها الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. إذ يجب على أنصار حقوق الإنسان والقانون الدولي والعدالة الاجتماعية والمساواة ممارسة الضغط اليوم لدعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
وعليه، نحث نحن الموقعون أدناه الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها والمجتمع الدولي على تنفيذ القرارات السابقة بالكامل، مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 465 لعام 1980، الذي دعا جميع الدول إلى “عدم تزويد إسرائيل بأي مساعدة لاستخدامها على وجه التحديد فيما يتعلق بالمستوطنات في الأرض المحتلة”. كما ندعو إلى اتخاذ إجراءات فعالة جديدة لإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بما في ذلك إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، وذلك لضمان تنفيذ اتفاقية الفصل العنصري ومن أجل وضع حد للفصل العنصري في القرن الواحد والعشرين.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الحق، القانون في خدمة الإنسان
- بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين
- التحالف الدولي للموئل – شبكة حقوق الأرض والسكن
- مركز الميزان لحقوق الإنسان
- الائتلاف المدني لحقوق الفلسطينيين في القدس
لمزيد من المعلومات:
المنظمات الإقليمية والفلسطينية ترسل تقريرا بشأن الفصل العنصري الإسرائيلي للجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري.
Share this Post