في 29 نوفمبر انضم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى منظمة هيومن رايتس ووتش ومبادرة الحرية في رسالة مفتوحة إلى أعضاء المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بشأن القروض الممنوحة لمصر. كان صندوق النقد الدولي قد وافق في سبتمبر 2020 على اتفاق استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار لمصر، على أن يتم سداده على ثلاث دفعات خلال 12 شهرًا. وقد جاء هذا القرض بعد قرض طارئ بقيمة 2.77 مليار دولار تمت الموافقة عليه في مايو الماضي، وبعد انتهاء برنامج أخر مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار تمت الموافقة عليه في 2016. ورغم أن الأهداف المعلنة للقروض كانت “تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرئيسية لتعزيز الشفافية، والحوكمة، والمنافسة”، إلا أن الرسالة أشارت لتراخي وتهاون واضح في تنفيذ هذه الشروط والالتزامات.
بحسب الرسالة، يشير مركز القاهرة وشركاؤه إلى دور المجتمع المدني المستقل الحاسم في ضمان إنفاق أموال صندوق النقد الدولي بشكل مسئول، ضمانًا للشفافية وكوسيلة لاستئصال الفساد. كما أكدت الرسالة على ضمان قدرة المستفيدون من قروض صندوق النقد الدولي على التواصل مع حكومتهم حول كيفية استخدام هذه الأموال، وأهمية وجود آليات لمحاسبة المسئولين عن المخالفات. وهي أمور لم تتحقق في مصر حسب نص الرسالة.
وعليه، دعت المنظمات الحقوقية الثلاثة إلى مزيد من الشفافية ومكافحة الفساد، مطالبًة صندوق النقد الدولي بحث الحكومة المصرية على إنهاء حملة القمع ضد حركة حقوق الإنسان ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام المستقلة.
أن الحملة الصارمة المستمرة على المجتمع المدني المستقل في مصر تجعل المراقبة المستقلة لقروض صندوق النقد الدولي من داخل البلاد مستحيلة عمليًا. ففي ضوء الاعتقالات الأخيرة لنشطاء المجتمع المدني، من الصعب تخيل بقاء مجموعات مستقلة في مصر قادرة على التعامل بآمان مع موظفي صندوق النقد الدولي.
رسالة إلى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي
حول شفافية الشركات العسكرية المصرية
حضرات السادة أعضاء المجلس التنفيذي لـ “صندوق النقد الدولي” المحترمين،
تحية طيّبة وبعد،
نكتب إليكم بشأن المراجعة الأولى لاتفاق الاستعداد الائتماني مع مصر، والذي توصّل إليه فريق “صندوق النقد الدولي” في 19 نوفمبر 2020.[1] فبموجب شروط البرنامج، يتعيّن على الحكومة المصرية “البناء على” تقرير حول الشركات المملوكة للدولة التي بدأت في إطار “تسهيل الصندوق الممدد”، والذي تمت الموافقة عليه في 2016، و”نشر تقرير محدّث عن الشركات المملوكة للدولة مع الإفصاح الكامل عن معلومات مالية مفصّلة بشأن السنة المالية 2018/2019 لجميع هذه الشركات.”[2]
وفي هذا الإطار، نُعرب عن قلقنا لأنّ الحكومة نشرت تقريرًا عن الشركات المملوكة للدولة لا يتضمن أي شركة مملوكة للجيش، ووافق عليه موظفو الصندوق.[3]
هذا الإغفال يقوّض هدفًا رئيسيًا معلنًا للبرنامج، وهو “تعزيز الشفافية والمساءلة، وزيادة المنافسة، وتحسين الحوكمة، وبالتالي تقليص نطاق الفساد.”[4] لذلك، نحثّ مجلس إدارة الصندوق على الإصرار على أن تُدرج السلطات المصرية الشركات المملوكة للجيش في جميع متطلبات الشفافية التي تنطبق على الشركات المملوكة للدولة.
سبق أن أثرنا مخاوف بشأن عدم اهتمام اتفاق الاستعداد الائتماني بمكافحة الفساد بشكل كافٍ، بما في ذلك غياب الإصلاحات التي تهدف إلى استعادة استقلالية “الجهاز المركزي للمحاسبات.”[5] مع ذلك، كنا نأمل أن تكون المطالب المدرجة في البرنامج، بما فيها شفافية الشركات المملوكة للدولة، خطوة في الاتجاه الصحيح لتطبيق الإصلاحات الحوكمة على الحكومة المصرية، بما في ذلك الأنشطة الاقتصادية الغامضة والمتوسعة للجيش.
لا شكّ في أنّك تعلمون أنّ الجيش المصري جهة اقتصادية فاعلة مهمّة ومتوسعة في قطاعات متنوعة مثل؛ البنية التحتية، والواردات، وتصنيع الكيماويات، وإنتاج المواد الغذائية، والأدوات المنزلية.[6] ومع ذلك، ورغم أن الاقتصاد العسكري يستحوذ على حصة غير متناسبة من الإيرادات العامة، إلا أن تعاملاته المالية محجوبة تمامًا عن الرأي العام، ما يجعلها بيئة خصبة للفساد والاستثمارات المسرفة، وفق تقرير نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط في 2019.[7]
يشير التقرير إلى أن “الجزء الأكبر من القطاع الاقتصادي العسكري الرسمي لا يقع ضمن اختصاص هيئات التدقيق ومكافحة الفساد في مصر، سواء بحكم القانون أم بحكم الأمر الواقع.”[8]
ففي 2017، عدّل الرئيس السيسي القوانين التي تحكم “هيئة الرقابة الإدارية” المكلّفة بمكافحة الفساد في الأجهزة الحكومية، ليقتصر نطاقها رسميًا على الأجهزة المدنية.[9] ومن غير المفاجئ أنّ “الأدلة السردية، والروايات الداخلية، وانكشاف الفضائح .. تشير إلى فساد نمطي وواسع النطاق، على الأقلّ داخل تلك الأجزاء من قطاع الدفاع المعنية بالمشتريات والتموين، وترخيص الأعمال من جميع الأنواع والمقاولات والخدمات العامة..[10]
صاغت المديرة الإدارية كريستالينا غورغيفا رؤية لإعادة بناء اقتصاد أكثر عدلاً يواجه عدم المساواة بما في ذلك عدم التسامح مطلقا مع الفساد.[11]وإدراكا منه للضرورة الاقتصادية لمكافحة الفساد المنهجي، عزز صندوق النقد التزامه بتحسين الحوكمة من خلال اعتماد إطار جديد في 2018.[12] وقد تحوّل التنفيذ الصارم لهذا الإطار لضرورة ملحّة مستجدّة منذ تفشي فيروس كوفيد-19، ونحن ممتنون لتأكيد قيادة صندوق النقد الدولي على أهمية محاربة الفساد للتغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
ومن المهم بصفة خاصة أن يتعامل صندوق النقد بجدية مع التزامه بمكافحة الفساد في مصر. فقبل تفشي الوباء، كان 32 مليون شخصًا يعيشون في الفقر – وهو رقم رسمي قد يكون أدنى من مستويات الفقر الفعلية – يرزحون تحت وطأة الإصلاحات التي يقودها صندوق النقد الدولي، والتي تسبّبت في ارتفاع سريع في تكاليف المعيشة، مما أدّى لزيادة معدلات الفقر، وقوضت قدرة الناس على تحمّل تكاليف الغذاء والضروريات الأخرى.[13]
أظهرت استطلاعات الرأي أن الفساد يعتبر من أهم مسببات القلق بالنسبة للمصريين، حيث خلُصت دراسة في 2017 إلى أن الفساد كان “على الدوام تقريبًا القضية التي يرد ذكرها أكثر من غيرها، والتي تدفع الناس إلى الاحتجاج، وهو أحد المحفزات الرئيسية للثورات العربية.”[14]
يعد تسليط الضوء على الشركات المملوكة للجيش خطوة أساسية في معالجة الفساد وسوء الإدارة الذي يهدر الموارد العامة الثمينة والتي يمكن استثمارها في تأمين حقوق أساسية مثل الرعاية الصحية، والإسكان، والغذاء، والحماية الاجتماعية. كما تُعتبر الرقابة العامة على الأنشطة الاقتصادية للجيش المصري مهمة أيضا لأسباب أخرى، مثل الحفاظ على السيطرة المدنية ومحاسبة المسئولين العسكريين عن الانتهاكات.
توصّلت أبحاث هيومن رايتس ووتش في دول أخرى إلى أنه “كلما خرجت عائدات الجيش وإنفاقه عن سيطرة الحكومة المدنية، وزادت الأموال التي يجمعها بنفسه، كلما كان من الصعب على السلطات المدنية الانخراط في رقابة مجدية على الجيش.”[15] كذلك، وثّقنا على نطاق واسع الانتهاكات التي ارتكبها الجيش المصري، مثل الإخفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القانون، فضلاً عن جرائم الحرب المحتملة خلال عمليات مكافحة الإرهاب، وعدم استعداد الحكومة لمحاسبة المتورطين.
نرحب بفرصة للحديث معكم بشكل موسع حول عن هذه القضية المهمّة.
لكم فائق الاحترام والتقدير،
- مبادرة الحرية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- هيومن رايتس ووتش
[1] مصر: خبراء الصندوق يتوصلون إلى اتفاق على مستوى الخبراء حول مراجعة الأداء الأولى في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني البالغة مدته 12 شهرا”، بيان صحفي لصندوق النقد الدولي، 19 نوفمبر 2020 https://www.imf.org/ar/ تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[2] https://www.imf.org/
[3] جمهورية مصر العربية، وزارة المالية، “تقرير الأداء المالي للشركات المملوكة للدولة: ختامي عن الفترة من 2015/2016 حتى 2018/2019″، http://www.mof.gov.eg/ تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[4] International Monetary Fund, “Arab Republic of Egypt: Request for a 12-Month Stand-By Arrangement—Press Release; Staff Report; and Statement by the Executive Director for the Arab Republic of Egypt,” August 10, 2020, https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2020/08/10/Arab-Republic-of-Egypt-Request-for-a-12-Month-Stand-By-Arrangement-Press-Release-Staff-49683 تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[5] Human Rights Watch letter to International Monetary Fund, “IMF Engagement on Governance Issues and Corruption in Egypt,” June 23, 2020, https://www.hrw.org/ .
[6] انظر مثلا، يزيد صايغ، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري” (واشنطن، مركز كارنيغي للسلام العالمي 2019)، https://carnegie-mec.org/2019/12/14/ar-pub-80489 ، تم الاطلاع في 25 نوفمبر2020.
[7] السابق، ص. 6، يشير التقرير أيضا إلى التالي: “إن غموض المعلومات المالية أو حجبها بشكل رسمي يمنع الاستنتاجات النهائية حول الجدوى الاقتصادية، لكن الأدلة تشير إلى عدم كفاءة وإلى خسائر خفية، وهي أمور معتادة لدى العديد من المؤسسات التي تملكها الدولة في كل حقبتيْ ما قبل الخصخصة وما بعدها في مصر”.
[8] السابق، ص. 18
[9] السابق، ص. 310
[10] السابق، ص. 314
[11] Kristalina Georgieva, “No Lost Generation: Can Poor Countries Avoid the Covid Trap,” commentary, The Guardian, September 29, 2020, https://www.theguardian.com/business/2020/sep/29/covid-pandemic-imf-kristalina- تمّ الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[12] صندوق النقد الدولي، ” مراجعة المذكرة التوجيهية الصادرة في 1997 بشأن الحوكمة – إطار مقترح لتعزيز مشاركة الصندوق”، 22 أبريل 2018، https://www.imf.org/en/ تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[13] أنظر مثلا:
“Egypt’s Economic Reforms Increased Poverty Rates, Social Solidarity Minister Admits,” Egyptian Streets, October 24, 2019, https://egyptianstreets.com// (تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
أنظر أيضا على:
Sarah Sabry, “How Poverty is Underestimated in Greater Cairo, Egypt,” Environment and Urbanization, vol. 22 (2) (2010), https://www.researchgate.net/ pp. 523-541 تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2020
[14] Adrea Teti et al., “Sinkholes of Insecurity: The Structural Weaknesses in Six Arab Countries,” Arab Transformations Policy Brief, vol. 11, https://www.researchgate.net/ .
[15] Human Rights Watch, Too High a Price: The Human Rights Cost of the Indonesian Military’s Economic Activities (New York: Human Rights Watch, 2006), https://www.hrw.org/report/2006/06/20/too-high-price/human-rights-cost-indonesian-militarys-economic-activities .
الصورة: بائعة مصرية تمر بجوار ملصق للدولار الأمريكي خارج مكتب للصيرفة في القاهرة، مصر، نوفمبر/تشرين الثاني 2016. © 2016 أسوشيتد برس/عمرو نبيل
Share this Post