ليبيا: إجراءات جديدة بدعوى «حماية الأخلاق» تفرض هيمنة استبدادية على المجتمع

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

في 6 نوفمبر 2024، أعلن وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا؛ عماد الطرابلسي في مؤتمر صحفي، عن خطط لتأسيس «شرطة الأخلاق»، وفرض الحجاب على النساء في ليبيا. تأتي هذه الإجراءات ضمن نهج أوسع ومستمر للحكومة يهدف لتعزيز القمع بدعوى حماية «الأخلاق والآداب العامة»، وهي ذريعة تُستخدم منذ فترة طويلة لقمع الأنشطة المدنية والمجتمع المدني في ليبيا. مركز القاهرة يطالب حكومة الوحدة الوطنية بإلغاء هذه التدابير فورًا واحترام حرية واستقلالية الأفراد.

الوزير أشار أيضًا إلى أن شرطة الأخلاق ستسعى لضبط مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، وتصحيح السلوكيات «المنحرفة وغير المقبولة»، بدءً من الملابس وتسريحات الشعر، مرورًا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاختلاط بين الجنسين في المقاهي، وحتى فرض الحجاب.

وفي أعقاب هذا الإعلان، اتخذت حكومة الوحدة الوطنية سلسلة من التدابير لإحكام سيطرتها على الحياة العامة والخاصة ومصادرة الحريات الشخصية؛ إذ تبنت القرار رقم 422 لعام 2024، بتأسيس «الإدارة العامة لحماية الأخلاق العامة» التابعة لوزارة الداخلية، والذي يمنح هذه الإدارة صلاحيات واسعة لمراقبة الأماكن العامة؛ كالمقاهي والمسارح والفنادق والمطاعم، وتنفيذ القوانين المعاقبة على «الجرائم الأخلاقية».

يقول زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: «تبدو حكومة الوحدة الوطنية عازمة على إعادة ليبيا للعصور الحجرية، ومصادرة أي أمل في مجتمع حديث وشامل. فبينما ترفض الحكومة بشكل منهجي سن قوانين تحمي المجتمع المدني والنقابات العمالية وتعزز حرية التعبير؛ تكتفي بفرض تدابير، على غرار طالبان، تهدف لتقويض الحريات الأساسية للنساء».

في يوليو 2024، أسس المجلس الرئاسي الليبي هيئة حماية الأخلاق العامة، بموجب القرار رقم 14، وعَّين اللواء محمد أبو حجر رئيس أكاديمية شرطة طرابلس، لقيادة الهيئة. وتختص هذه الهيئة بمراقبة الممارسات الثقافية والسلوكيات الاجتماعية، وتنظيم أنشطة منظمات المجتمع المدني وبرامج الشباب، والتحقيق في المحتوى «المنحرف» أو «الضار بقيم المجتمع» على وسائل التواصل الاجتماعي. كما تم تمكينها من تشكيل الخطاب العام، من خلال البحوث والدراسات والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية، بما يضمن امتداد نفوذ الدولة إلى جميع جوانب الحياة العامة. كما كان الاعتماد المتزايد على الخطاب الديني واضحًا في إصدار مرسوم الهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية في مايو 2023 لمكافحة ما أسمته «الانحرافات الدينية والفكرية والأخلاقية». وفي 11 نوفمبر، أصدرت وزارة الشباب التعميم رقم 7 لعام 2024، الذي يفرض متطلبات جديدة صارمة على منظمات الشباب. فبحسب نص التعميم، تتطلب أية رحلات خارجية أو أنشطة خارج ليبيا موافقة حكومية مسبقة، ما يستلزم بدوره تقديم تفاصيل البرنامج وأهدافه والجهات الأجنبية المشاركة.

هذه السياسة يتم الترويج لها باعتبارها إجراءً للحفاظ على الهوية الوطنية والمعايير المجتمعية، وحماية الشباب من الأنشطة المخالفة للمعايير الدينية والاجتماعية؛ لكنها تُستخدم على الأرجح كآلية أخرى لتقييد الحريات المدنية وخنق المبادرات المستقلة.

تعكس هذه الإجراءات جهدًا منهجيًا من حكومة الوحدة الوطنية لتقليص الحريات وتشديد السيطرة على المجتمع الليبي والشباب والنساء. ويبرز استخدام «الأخلاق» كمبرر لهذه الإجراءات اتجاهًا مقلقًا نحو القمع تحت ستار حماية الهوية الثقافية. كما أن تزامن هذه الإجراءات مع تفاقم الأزمة المالية في ليبيا، ربما يعكس كيف تستخدم الحكومة «حماية الأخلاق» كآلية لتشتيت انتباه المجتمع الليبي عن سوء الإدارة الاقتصادية، وتوظيف الخطاب الشعبوي لتحويل انتباه الجمهور بعيدًا عن العجز المالي وتراجع احتياطيات العملة الأجنبية. لا سيما بعدما كشف خطاب مسرب من البنك المركزي مؤخرًا عن عجز في عائدات النفط وعدم قدرة حكومة الوحدة الوطنية على تغطية رواتب القطاع العام لشهري أكتوبر ونوفمبر.

وثق مركز القاهرة في تقرير صدر مؤخرًا، كيفية توظيف الحجج الدينية والأخلاقية لقمع المعارضة في ليبيا. إذ أظهر التقرير كيف أضحت الأجهزة الأمنية، إلى جانب الفصائل المسلحة المتأثرة بالفكر السلفي المدخلي، تحظى بتواجد كبير في شرق ليبيا وغربها، فضلًا عما لها من نفوذ سياسي على الحكومات المتنافسة بعد 2014، بسبب قوتها العسكرية. هذه المجموعات المسلحة، التي تعمل تحت إشراف جهاز الأمن الداخلي في كل من شرق وغرب ليبيا، تسعى بشكل أساسي لقمع حريات التعبير وتكوين الجمعيات وحقوق النساء، سواءً من خلال توظيف تشريعات القذافي، أو تبرير أفعالها بادعاءات الالتزام بالأخلاق والمبادئ الدينية.

يثير إعلان عودة «شرطة الأخلاق» المزيد من القلق نظرًا للسياق التاريخي لتأسيسها.  ففي عام 1992 في عهد القذافي، كان تأسيس هذه (الوحدة) على غرار مؤسسات الإنفاذ الإسلامي في إيران، وظلت فاعلة ونشطة حتى أواخر التسعينيات. ورغم توقف عملها بعد ثورة 2011، تجددت الفكرة في مارس 2024 مع برنامج «حراس الفضيلة» التابع لوزارة الشئون الدينية، والمدعوم من وزارة الداخلية وجهات حكومية أخرى.

أدى الإعلان عن هذه الإجراءات بالفعل إلى تهديدات ومضايقات بحق الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين انتقدوا تصريحات الوزير. فعلى سبيل المثال، ذكرت الصحفية الليبية زينب ترباح أنها تواجه هجمة شرسة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي بعد ظهورها في بث مباشر تنتقد تصريحات وزير الداخلية. كما أشارت الناشطة والمرشحة السابقة لانتخابات مجلس بلدية طرابلس، أحلام ناصر بن طبون، تلقيها تهديدات صريحة، عبر رسائل موقع فيس بوك، بما في ذلك تهديدات بالقتل.

يحذر عبد التواب من أنه «تحت ستار الخطاب المدعي حماية الأخلاق، تشكل هذه الإجراءات تهديدًا خطيرًا للحريات الأساسية وحقوق النساء، وتعمق الانقسامات المجتمعية، وتحول الانتباه بعيدًا عن الأزمات السياسية والمالية والإدارية المتفاقمة في ليبيا. هذه الإجراءات تمثل محاولة محسوبة لفرض الهيمنة الاستبدادية على المجتمع ككل».

Share this Post