الرئيس إيمانويل ماكرون،
في ضوء المشاركة المتوقعة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة الاتفاق على تمويل عالمي جديد، والمنعقدة في باريس في 22 و23 يونيو الجاري؛ نكتب إليكم طالبين مخاطبته علنًا وفي أي مناقشات أو اجتماعات ثنائية، من أجل اتخاذ تدابير فورية وفعالة لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر وفتح المجال العام وتمكين المجتمع المدني، وإطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا لمجرد ممارسة حقوقهم المشروعة في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.
على مدى سنوات، بات موثقًا تورط الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة المنقولة لمصر من الدول الأوروبية –بما في ذلك من فرنسا– في أزمة حقوق الإنسان المتواصلة، التي تم توثيقها واستنكارها لسنوات. ومن ثم، نجدد، نحن الموقعون على هذا الخطاب، دعوتنا فرنسا لمراجعة نهج العلاقات مع مصر ومراعاة كامل مسئوليتها في هذا الصدد؛ معربين عن قلقنا المتنامي من القيود غير القانونية التي تفرضها السلطات المصرية على الحق في حرية الصحافة، وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي، والقيود الصارمة المفروضة على المجتمع المدني، فضلًا عن قمعها للمعارضة السلمية، وإساءة توظيف تشريعات مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضين. فلا يزال آلاف الأشخاص قيد الحبس، احتياطيًا أو تنفيذًا لأحكام قضائية، بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية، بمن في ذلك عاملين في منظمات مصرية مستقلة، ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق الأقليات، فضلً عن محامين وصحفيين وأكاديميين وصانعات محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وفنانين. كما تواصل السلطات المصرية إنكار حقوق مجتمع الميم عين واستهدافهم بسبب ميولهم الجنسية الحقيقية أو المتصورة أو هويتهم الجنسية، من خلال الاحتجاز التعسفي والملاحقة القضائية والعنف وسوء المعاملة في أماكن الاحتجاز. ويتواصل ارتكاب التعذيب والانتهاكات المنهجية واسعة النطاق في أماكن الاحتجاز، بما في ذلك بحق النساء، في ظل ظروف احتجاز مزرية. وتستمر مصر في إصدار مئات أحكام الإعدام سنويًا.
وبينما تتنامى هذه الانتهاكات؛ تواصل السلطات المصرية نشر وتقديم ادعاءات مخالفة للواقع. فعلى سبيل المثال، تزامنت دعوة السيسي للحوار الوطني في عام 2022 مع تدهور مقلق في الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ الأمر الذي وصفه المحللون بأنه محاولة لتحميل المسئولية عن الضائقة التي تمر بها البلاد لدائرة أوسع، واسترضاء الحلفاء الغربيين والمانحين بوهم الانفتاح السياسي.
وفي وقت لاحق، تقدمت الحركة المدنية الديمقراطية –وهي ائتلاف من حركات وأحزاب معارضة ديمقراطية– بمطالب لخلق بيئة تفضي لانفتاح سياسي هادف، وعلى رأس هذه المطالب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين السلميين. ومنذ ذلك الحين، تسلط السلطات المصرية الضوء على خبر إطلاق سراح قرابة 1100 شخص، بينهم شخصيات معارضة بارزة، بينما في المقابل، ومنذ أبريل 2022، تم اعتقال أكثر من 3600 آخرين خلال الفترة نفسها، وفقًا للجبهة المصرية لحقوق الإنسان. ولا يزال نشطاء المعارضة السلمية يتعرضون للإخفاء القسري والمحاكمات السياسية والاعتقال التعسفي حتى مع استمرار «الحوار الوطني» –ومن بينهم أعضاء في أحزاب الدستور والكرامة والناصري والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي المشاركة في الحوار.
في هذا السياق، تزداد المخاوف واسعة النطاق من احتمالية تخلف مصر عن سداد مستحقات الاقتراض المفرط على مدى سنوات، والذي كان غرضه تعزيز القوة، وتركيز السياسة الاقتصادية على المشاريع العملاقة، المشكوك في جدواها والتي تفتقر لدراسات الجدوى، وتنطوي على عطاءات وصفقات مبهمة. فنموذج الحكم غير المستدام القائم في مصر عزز من سيطرة أجزاء من الدولة، لا سيما الجهاز العسكري، على قطاعات كبيرة من الاقتصاد وعلى توزيع رأس المال، وذلك على حساب القطاع الخاص الذي تقلص خلال السنوات القليلة الماضية، وعجز عن توفير الوظائف التي يحتاجها المصريون. وفي ظل غياب أي ضوابط أو توازنات مؤسسية حقيقية، أو قنوات للمواطنين للتعبير عن أنفسهم أو لمحاسبة الحكومة، رغم أنهم يتحملون عبء التضخم السريع، تواصل السلطات المضي في هذا المسار الخطير.
كثيرًا ما ألقى السيسي باللوم فيما يخص المحنة المصرية على عوامل خارجية أو على ثورة 2011؛ إلا أن تقريرًا صدر مؤخرًا عن صندوق النقد الدولي أفاد باستنتاجهم (في الشكل 19) بأن تأثير الثورة على النمو الاقتصادي في مصر كان ضئيلًا. وفي المقابل تخصص مصر في ميزانية 2023-2024، التي تم اعتمادها مؤخرًا من جانب البرلمان، أكثر من 56٪ من قيمتها لخدمة الدين في مقابل مبالغ غير كافية للخدمات الأساسية، علمًا بأنه لم يتم سد العجز في الميزانية حتى الآن.
وحسب تقرير للمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية، فإن قمع مصر للمعارضة «يسهل لها توظيف سياسة الديون كأداة لسياسات القوة. وفي ظل عدم وجود فصل بين السلطات فإن القيادة السياسية لديها مطلق الحرية في الاقتراض والإنفاق. كما أن النقاشات العامة حول سياسة الديون مستحيلة؛ نظرًا لقمع جميع منظمات المجتمع المدني المستقلة، والرقابة الكاملة على الصحافة. ومن ثم، فتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، التي تطالب بها الدول والمؤسسات المانحة، يصعب رصدها بشكل كافٍ من الخارج».
نحن قلقون من اهتمام الرئيس السيسي باتفاق التمويل العالمي الجديد المنبثق عن قمة المناخ 27، الذي قد يكون مبتغاه تأمين مزيد من الدعم الاقتصادي لمصر من مصادر خارجية، وذلك رغم إقرارنا بضرورة استحداث آلية تضمن امتلاك الدول الفقيرة للموارد اللازمة لمواجهة تحديات المناخ. ولكن بناءً على سجلها السابق، فمن المرجح أن تسعى الحكومة المصرية لعرقلة الجهود المبذولة لتضمين الشروط المتعلقة بالشفافية وإجراءات مكافحة الفساد والحوكمة مع توفير هذه الأموال.
وحسبما أوضح المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية، إلى جانب العديد من المحللين في مجموعة الأزمات الدولية والخبراء الاقتصاديين، بمن فيهم الدكتور يزيد صايغ، ينبغي على الحلفاء الغربيين لمصر تغيير نهجهم المعتاد والضغط على السلطات المصرية لتغيير المسار، ليس فقط في المجال الاقتصادي ؛ ولكن أيضًا من خلال وقف السياسات القمعية، ومعالجة أزمة حقوق الإنسان، واتخاذ تدابير لاستعادة سيادة القانون وإعادة فتح المجال العام لتمكين إجراء جوار سياسي حقيقي.
في الوقت الحالي، من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في سياق مغلق تمامًا. فبمجرد أن أعلن السياسي المعارض أحمد طنطاوي (من الخارج) نيته الترشح، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على أكثر من عشرة من أقاربه وأنصاره وأصدقائه. وبينما أوشكت الانتخابات الداخلية في نقابة المهندسين مايو 2023 أن تسفر عن اختيار قيادة مستقلة على رأس النقابة، اقتحم بلطجية، يزعم انتمائهم للكتلة البرلمانية المؤيدة للسيسي «مستقبل وطن»، مقر الانتخابات ودمروا صناديق الاقتراع.
وبالتالي، فمن الضروري إشراك السلطات المصرية في فتح المجال العام، والسماح للمواطنين المصريين بممارسة حقهم في المشاركة في الشئون العامة. إن مصير البلاد يعتمد على إجراء تغييرات في طريقة الحكم، وهو أمر يعجز المصريون عن تحقيقه بشكل سلمي طالما يتم غلق كل منافذ المعارضة وحرية التعبير بقسوة.
في ظل هذه الظروف الخطيرة، نناشدكم عدم دعم مزيد من عمليات بيع الأسلحة أو المعدات العسكرية لمصر، والتي ارتفعت مشترياتها خلال العقد الماضي لدرجة أنها أصبحت ثالث أكبر مشتر للأسلحة في جميع أنحاء العالم في 2016 – 2020. فالأمر لم يعد يتعلق فقط باستخدام الأسلحة وأنظمة المراقبة بشكل واضح ومتكرر في انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان في مصر، وإنما أصبحت حاليًا هذه الصفقات نفقات لا تستطيع الدولة تحمل تكاليفها، تزيد أعباء ديونها أو استخدام مواردها الشحيحة، التي هي في أمس الحاجة للتنمية. وبالتالي، من المرجح أن تتعارض المبيعات الإضافية مع المعيار 8 من الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي 2008/944 / CFSP.
في هذا السياق، فإننا نطلب منكم حث السلطات المصرية على:
- عدم الاكتفاء بالإفراج المشروط عن عدد محدود من الأشخاص قيد الاحتجاز؛ وإنما إحداث تغيير حقيقي في السياسة ينطلق من الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان وكل الأشخاص المحتجزين تعسفيًا لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ والامتناع عن احتجاز أو إخفاء مواطنين آخرين لممارسة حقوقهم بشكل سلمي؛ والتوقف عن تعقب الأفراد واعتقالهم بشكل تعسفي على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسانية، سواء مباشرة من الشارع أو من عبر التلصص على تطبيقات المواعدة.
- اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة فتح المجال العام، وذلك بإتاحة فرص حقيقية للمجتمع المدني للتواصل بحرية مع صناع القرار بشأن الاقتصاد والمجالات الحيوية الأخرى للسياسة العامة. وعلى وجه التحديد، يجب على السلطات المصرية إدخال تعديلات سريعة وجذرية على بعض التشريعات –بما في ذلك قانون تنظيم العمل الأهلي، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وقانون حماية المرافق العامة، وقانون التجمهر، وقانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية. وضمان حماية مساحة عمل آمنة للمجتمع المدني، بما في ذلك المدافعين المستقلين عن حقوق الإنسان، للتحدث واللقاء والعمل دون خوف من الترهيب أو المضايقة أو الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي أو التعذيب أو الإخفاء القسري أو أي ممارسات انتقامية أخرى، ورفع قرارات حظر السفر وتجميد الأصول المفروضة بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
- اتخاذ تدابير أثناء فعالة قبل الانتخابات المقبلة، تضمن السماح للمواطنين بممارسة حقهم في المشاركة في الشئون العامة، بما في ذلك رفع القيود الصارمة التي يفرضها القانون والممارسة على وسائل الإعلام المستقلة والمنصات الرقمية، ومنها حجب المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام ولمنظمات المجتمع المدني. والإفراج عن جميع العاملين في مجال الإعلام المحتجزين بسبب عملهم؛ والامتناع عن كافة أعمال الترهيب أو المضايقة أو التهديد أو الاعتقال أو المقاضاة غير القانونية أو غيرها من أشكال التدخل لمنع المواطنين من الترشح للمناصب العامة أو دعم الحملات الانتخابية أو المشاركة في المناقشات السياسية.
أخيرًا، في قمة الاتفاق على تمويل عالمي جديد، نحثكم على الضغط من أجل ضمان انعكاس مبادئ الشفافية والمساءلة بوضوح في حوكمة الصناديق المناخية العامة كشرط أساسي للتنفيذ، لضمان عدم اختلاس هذه الأموال من جانب السياسيين في دول مثل مصر.
بصفتكم رئيسًا لفرنسا، لكم دور فريد في إشراك الرئيس المصري في قضايا حقوق الإنسان الحيوية والدفع نحو المساءلة وسيادة القانون لما لهم من تأثير على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حقوق الإنسان في مصر.
نحثكم على ضرورة التطرق لذلك في مناقشاتكم مع الرئيس السيسي في باريس، وعدم إضاعة هذه الفرصة لممارسة دور بنّاء فيما يتعلق بالوضع المتدهور في مصر.
ولكم منا وافر التقدير،
الموقعون:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- مبادرة الحرية
- منظمة عنخ
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- الأورو-متوسطية للحقوق
- الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان
- ACAT-France
- EgyptWide for Human Rights
- Pen America
Share this Post