الافتقار للمسارات القانونية للهجرة، ارتفاع عدد الوفيات في البحر، وغياب إجراءات تحديد هوية جثث الضحايا..
كابوس رحلة اللاجئين المهاجرين إلى الموت
بعد شهر من غرق سفينة قبالة جرجيس في تونس، وخمسة أشهر من مجزرة نقطة العبور بين الناظور ومليلية في المغرب، وبينما يتراكم حطام السفن وتتصاعد معدلات فقدان الأرواح قبالة سواحل البحر الأبيض المتوسط، تبقى البلدان والجهات المسئولة عن هذه المآسي بمعزل عن العقاب على نحو مخزي. وفي هذا السياق، تواصل المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه دق ناقوس الخطر، مستنكرة هذه الفظائع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
2021- 2022.. تصاعد مستمر في عدد الوفيات
وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مشروع المهاجرين المفقودين للمنظمة الدولية للهجرة، فقد 5684 رجلاً وامرأة وطفل أرواحهم على طرق الهجرة إلى أوروبا وفي داخلها منذ بداية عام 2021. بينما تشير الاحصائيات إلى وفاة 29 ألف لاجئ في البحر على الأقل منذ 2014. هذه الأرقام المفزعة للوفيات ربما هي أقل من الأعداد الحقيقية، إذ اخذنا في الحسبان أعداد السفن المفقودة في البحر الأبيض المتوسط وفي المحيط الأطلسي، وما عثر عليه من حطام لبعضها.
هذه ليست مجرد أرقام، وإنما حيوات أشخاص وعائلات، نساء وأطفال؛ يتطلع ذويهم وأصدقائهم وأحبتهم إلى معرفة كيف فقدوا حياتهم، والتعرف على جثامينهم، ودفنهم دفنًا كريمًا، والحداد عليهم.
وفي الأشهر الـ 6 الأولى للعام الجاري 2022، ووفقًا لتقرير كاميناندو فرونتيراس، توفي 978 شخصًا، بينهم 41 قاصر، على طريق الهجرة إلى إسبانيا. وفي الطريق إلى جزر الكناري، فقد 800 شخصًا حياته، بينما اختفى 18 قاربًا، توفي جميع ركابهم. هذا مع العلم أن 90 ٪ من الضحايا يختفون في البحر ولا يتم العثور على جثثهم.
وفي يوليو 2022 وحده، توفي 300 شخصًا أثناء محاولتهم الوصول لجزر الكناري من السنغال. بينما في أول أغسطس اختفى قارب يحمل 14 شخصًا بعد مغادرته تيبازة بالجزائر، وتوفي 18 شخصًا بينهم طفل قبالة طرفاية في المغرب، منتصف الشهر نفسه، بعدما انتظروا فرق الإنقاذ لمدة 8 ساعات. وفي مطلع أكتوبر أنقذت سفينة تجارية رجلاً على متن زورق في المحيط الأطلسي، معه 4 جثث لذكور متوفين، بينما لم يتم العثور على 29 آخرين كانوا معه. وفي 28 أكتوبر، جرفت المياه جثث 34 شخصًا على شاطئ جنوب الداخلة.
هذه الوقائع ليست إلا أمثلة قليلة لضحايا اليأس من المهاجرين عبر البحر.
أسباب قابلة للحل
هذه الوقائع وما تتضمنه من عنف بحق المهاجرين وارتفاع مفزع في أعداد الوفيات بينهم، هي نتيجة مباشرة لنهج السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء فيما يتعلق بملف الهجرة، والذي يركز بشكل أساسي على مزيد من السيطرة وتأمين الحدود البحرية لدول شمال إفريقيا.
أدت هذه السياسات وما أسفر عنها من إجراءات إلى اتخاذ اللاجئون المهاجرون طرق أكثر خطورة، وبالتالي زيادة عدد الوفيات. فعوضًا عن فتح طرق آمنة وقانونية للهجرة، وتعزيز آليات البحث والإنقاذ في البحر، يواصل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء اتباع سياسات أمنية قاتلة حيال ملف اللاجئين.
ولعل موافقة الحكومة الإسبانية على دفع 30 مليون يورو إضافية للمغرب مقابل مراقبة الحدود لهو مثال صارخ على هذه السياسات. فمنذ عام 2019، تلقى المغرب من إسبانيا، على أربع دفعات منفصلة، مبلغ 123 مليون يورو مقابل مراقبة الهجرة، إضافة إلى 346 مليون يورو قدمها الاتحاد الأوروبي للمغرب في الفترة نفسها، على أن يواصل الدفع لـ 500 مليون يورو إضافية حتى عام 2027. أما تونس فتلقت من إيطاليا 19 مليون يورو بين عامي 2020 و2021، مقابل مراقبة الحدود.
إجراءات تحديد الهوية للجثث.. منسيون حتى في الموت
غالبًا ما يستمر العنف بحق ضحايا الهجرة في البحر حتى بعد وفاتهم، إذ لا توجد إجراءات لتحديد هوية الجثث في ليبيا، وتونس، والجزائر والمغرب، رغم استنكار المنظمات الحقوقية المستمر ومناشدتها بتحديد هذه الإجراءات، والتي غالبًا ما تتلخص حاليًا في دفن الجثث التي يتم العثور عليها على الشواطئ، من جانب سلطات بلدان المغرب العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، دون إجراء اختبار الحمض النووي أو أي إجراء موجز لتحديد هوية أصحابها.
ففي مطلع أكتوبر 2022، وباعتباره أحدث مثال على ذلك، تم العثور على جثث 18 شخصًا في جرجيس (بما في ذلك عائلات ونساء وأطفال)، تم دفنهن دون أي شكل من أشكال تحديد الهوية، وقد أثارت الواقعة احتجاجات قوية وغضبًا من العائلات والمجتمع المدني، ومطالبات بالحق في استعادة الجثث ودفنها بكرامة بعد تحديد هوية أصحابها.
الممارسات نفسها تتكرر بحق الجثث التي يتم العثور عليها على طريق المحيط الأطلسي وغرب المتوسط، إذ تم توثيق وقائع دفن دون أية إجراءات على الحدود البرية (مثل الحدود بين الناظور ومليلية) بعد مأساة 24 يونيو 2022، والتي انتهت بوفاة 37 مهاجرًا على الأقل أثناء عبور الحدود، بينما لا يزال 77 شخصًا في عداد المفقودين بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إلا أن العدد الإجمالي لضحايا هذه المأساة لا يزال غير معروف. وبحسب فرع الجمعية المغربية في الناظور؛ أرادت السلطات دفن الجثث دون إجراء التحقيقات اللازمة ودون تحديد هوية أصحابها، ولكن بعد تدخل الجمعية المغربية، اضطرت السلطات وقف عملية الدفن لحين اتخاذ بعض الإجراءات.
ووفقًا لتحقيق لوكالة البي بي سي البريطانية (BBC) تعمدت قوات الشرطة المغربية جر الجثث لمنطقة تحت السيطرة الإسبانية، بينما تنفي وزارة الداخلية الإسبانية بدورها اتهام المغرب لها بسحب الجثث من مليلية للحدود المغربية وإخفاء أدلة حاسمة من كاميرات المراقبة، في إطار التحقيقات الرسمية في الواقعة. وفي نهاية أكتوبر 2022 استنكر خبراء الأمم المتحدة عدم مساءلة إسبانيا والمغرب على هذه الواقعة، مطالبين بتحقيق شامل وتعويضات للضحايا وعائلاتهم، وضمانات بعدم تكرار هذه الممارسات.
أن التسامح مع هذه الأعداد من الوفيات في البحر، والاستهانة بأرواحهم وجثثهم على طول شواطئ البحر الأبيض المتوسط أضحى أمرًا من المستحيل استمراره، لذا توصي المنظمات الموقعة أدناه الاتحاد الأوروبي، ودوله الأعضاء، ودول الساحل الجنوبي بما يلي؛
- توفير مسارات آمنة وقانونية للوصول إلى هذه البلدان وإجراءات قانونية لمسألة اللجوء بها.
- زيادة برامج وآليات إعادة التوطين، كآلية وحيدة للحد من الوفيات والفقدان في البحر.
- دعوة المفوضية الأوروبية لإلغاء شرط تحقيق الأهداف السياسية الأوروبية في مجال الهجرة المتعلق بسياسة تقديم المساعدات التنموية للدول، إذ لا ينبغي ربط هذه الأموال بالتعاون المحتمل مع بلدان أخرى تتقاسم إدارة الحدود وسياسات رد/ إعادة المهاجرين.
- دعوة المفوضية الأوروبية إلى استحداث آليات مساءلة ترهن مساعدات الاتحاد الأوروبي بالتزامات الشركاء في مجال حقوق الإنسان، وتخصيص ميزانيات شفافة لملف الهجرة في الاتحاد الأوروبي والإعلان عن كافة المعلومات المتعلقة بالمؤسسات والمنظمات المعنية بالتنفيذ، وكذا الميزانيات المخصصة لها، ونتائج المشاريع المنفذة من قبلها.
- دعوة المفوضية الأوروبية إلى تشكيل آليات فعالة وشفافة لمراقبة الإجراءات السياسية والقانونية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ووضع نظام عقوبات يضمن محاسبة البلدان الأعضاء على انتهاك التشريعات الأوروبية والدولية. وتعزيز إجراءات المحاسبة لضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يتعارض مع اتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن وضع اللاجئ.
- على الاتحاد الأوروبي التخلي عن المفاوضات بشأن اتفاقيات رد/إعادة المهاجرين، في ضوء الانتهاكات الشائعة لحقوق المهاجرين واللاجئين في المغرب وتونس والجزائر وبلدان المنشأ، وغياب آليات مراقبة ما بعد العودة، على نحو لا يجعل بلدان المنشأ أو بلدان العبور بلدان آمنة للعودة.
- فتح حوار مع الفاعلين الجدد في ملف الهجرة، المسئولين عن إدارة كل جزء من عملية الهجرة، للتأكد من تماشي بروتوكولاتهم مع مبادئ حقوق الإنسان، بما في ذلك الجهات الفاعلة الخاصة وشركات مراقبة الحدود على سبيل المثال.
- دراسة الآثار المترتبة على سياسات العودة الطوعية، وتأثيرها على خيارات الهجرة، بما في ذلك دفع المهاجرون لطرق أكثر خطورة. واستحداث آلية فعالة وشفافة للرصد ما بعد العودة، بالتعاون مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
- وضع تدابير وإجراءات وبروتوكولات تحترم وتحمي حقوق الأشخاص المهاجرين حال عودتهم لبلدانهم.
كما توصي المنظمات الموقعة بما يلي شأن زيادة التنسيق والتعاون في البحث والإنقاذ في البحر:
- دعوة الدول لتشكيل آلية بحث وإنقاذ بحرية فعالة وشفافة لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح في البحر.
- دعوة الدول إلى إعادة توجيه الأموال التي تنفق حاليًا على مراقبة الحدود إلى جهود البحث والإنقاذ.
كما توصي المنظمات فيما يتعلق بسياسات التنسيق والتعاون بشأن آليات تحديد هوية الجثث، بما يلي:
- دعوة الدول إلى تشكيل آلية تنسيق للبحث عن جثث المهاجرين واللاجئين المفقودين في البحر والبر؛
- دعوة الدول إلى زيادة الموارد والإمكانيات لضمان اتخاذ إجراءات فعالة لتحديد هوية الجثث، وتعقب المهاجرين واللاجئين المفقودين.
- تذكير الدول بأن مسئولية تحديد هوية الضحايا تقع على عاتقها.
- دعم مشاريع تراعي إجراءات تحديد هوية الجثث بمجرد العثور عليها، وإجراءات البحث عن المفقودين.
- العمل مع السلطات والجهات الفاعلة ذات الصلة لزيادة التنسيق مع المجتمع المدني وتمكينه من متابعة إجراءات وبروتوكولات تحديد الهوية.
- دعوة الدول المعنية (الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، المغرب العربي، دول المنشأ أو الخارج) إلى الاعتراف بمسئولياتها إزاء المهاجرين بموجب القانون والواقع، لا سيما في مجال تسهيل التعرف على هوية أصحاب الجثث وإعادة رفاتهم لأوطانهم، على نحو يسهل على اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم التعاون عبر الوطني بين سفارات البلدان الأصلية والبلدان التي تم تسجيل الوفاة أو الاختفاء فيها.
- استحداث آليات فعالة ودائمة ذات نهج حقوقي لدعم أسر المختفين والناجين، والتواصل مع المعنيين لتوفير المساعدة النفسية المتناسبة مع احتياجاتهم الخاصة.
- الدعوة إلى تشكيل آليات لحماية الأسر والجهات الفاعلة في المجتمع المدني المنخرطة في جهود تحديد الهوية لتجنب تجريمها.
- دعوة الدول إلى وضع أطر قانونية واضحة وفعالة توضح المراحل المختلفة لإجراءات تحديد الهوية وخطوات تنفيذها وآليات الرقابة عليها، لضمان تحقيق أهداف الأطر القانونية.
المنظمات الموقعة:
- الأورو-متوسطية للحقوق
- الرابطة المغربية لحقوق الإنسان
- المنظمة المغربية لحقوق الإنسان
- جمعية مساعدة المهاجرين النستضعفين
- الشبكة المغربية لصحفيي الهجرة
- الجمعية الجماعية للمجتمعات جنوب الصحراء الكبرى في المغرب
- وجمعية الدراسات القانونية حول الهجرة
- جمعية أطفال القمر-تونس
- جمعية القيادة والتنمية في إفريقيا
- جمعية الطلاب والمتدربين الأفارقة بتونس
- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
- أفريكا إنتليجنس
- الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان
- المركز الوطني للتعاون الإنمائي (CNCD-11.11.11)
- حركة مناهضة العنصرية (لبنان)
- رابطة حقوق الإنسان -فرنسا
- Citizens Assembly of Turkey
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري
- –المنظمة الليبية للمساعدة القانونية
- منظمة عدالة للجميع لحقوق الإنسان
- مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان
- منظمة حقوقيون بلا قيود
- منظمة رصد الجرائم الليبية
- المنظمة الليبية المستقلة لحقوق الإنسان
- شبكة أصوات للإعلام
- المركز الليبي لحرية الصحافة
- مركز ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة
- Milano senza Frontiere
- Borderline Sicilia
- Mem.Med -Mémoire Méditerranée
Share this Post