عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الثلاثاء 6 أغسطس 2024، ندوته الشهرية في إطار صالون ابن رشد، تحت عنوان «ما هي آفاق استقرار الحكم في مصر؟» في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية الأخيرة، وتشكيل الحكومة الجديدة، واستمرار مساعي القمع للمعارضة بينما تعد الأجهزة الأمنية ظهير حزبي يدعم السلطة الحالية قبل الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل. استضاف الصالون الدكتور محمد عفان المحاضر في العلوم السياسية بجامعة ابن خلدون ومدير أكاديمية الشرق بإسطنبول، والدكتور عبد الفتاح ماضي أستاذ العلوم السياسية، ومدير وحدة دراسات الدولة بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس تحرير دورية «حكامة» الصادرة عنه. والبرلماني السابق محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية. والكاتب والمحلل السياسي هشام قاسم عضو مجلس أمناء التحالف الحر. وأدار النقاش الحقوقي التونسي مسعود الرمضاني.
بدأت كلمات المتحدثين بالتأكيد على تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر، مستبعدين أن يكون للحكومة الجديدة تأثير واضح إزاء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ففيما اعتبر هشام قاسم أن تغيير الحكومة هو مجرد إجراء روتيني مرتبط بالانتخابات الرئاسية، منح للسلطة الحاكمة فرصة للتخلص من بعض الوزراء الذين ضج منهم المصريين، وفرصة لإعطاء انطباع بأن ثمة تغيير يحدث في مصر. اعتبر الدكتور محمد عفان أنه طالما بقيت آلية اتخاذ القرار في مصر بلا تغيير، فلا طائل من تغيير الحكومات. مشيرًا إلى أن النظام الحالي يسعى فقط لكسب الوقت، إذ لا رغبة ولا قدرة على الاشتباك الحقيقي مع الأزمات، مضيفا أن تغيير وزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة لم ينطوي على أي تغيير في التوجهات والسياسات الاقتصادية، وإنما مزيد من الحلول قصيرة المدى والحلول الجزئية المؤقتة و«المسكنات».
وقد أعزى الدكتور عبد الفتاح ماضي جزء كبير من هذه الأزمة إلى تغلغل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد على نحو يصعب على أي حكومة التعامل معه دون قرار سياسي واضح. مشيرًا إلى أن نظام الحكم الحالي قائم ومستمد بقائه من «إرضاء» المؤسسة العسكرية، وجزء من هذا الإرضاء هو ضمان انخراطها في الاقتصاد وحصولها على الامتيازات الاقتصادية، واصفًا الوضع بأنه أشبه بـ«توظيف المؤسسة العسكرية في مشروع البقاء الفردي للحاكم الحالي»، ودلل الدكتور عفان على ذلك بسلسلة من التعهدات التي تتردد منذ سنوات بشأن تقليص/ترشيد الدور الاقتصادي والسياسي للجيش، لكن هذه الوعود «تتبخر» من حين لأخر بأعذار مختلفة وشعارات جديدة، بداية من شعار «الجيش قاطرة التنمية» الذي منح المؤسسة العسكرية صلاحية التغلغل في المشاريع الاقتصادية والتنموية، مرورًا بـالجيش «صمام أمان سياسي» والذي أعطاه حق التحكم في الحياة السياسية، وفي مفارقة لفظية جديرة بالتأمل أعطى التعديل الدستوري 2019 للجيش مسئولية ضمانة مدنية الدولة، مانحًا له المبرر الدستوري للتدخل السياسي والاقتصادي. أما هشام قاسم فقد أضاف بعدًا أخر للأزمة يكمن في أن الجيش لا ينخرط في «اقتصاد منتج»، وإنما يركز على «الاقتصاد المربح»، لذا تنصب استثماراته على قطاع الفندقة والكافتيريات والمطاعم. كما أن الشركات المملوكة رسميًا للجيش محدودة جدًا، لكن الأزمة –حسب قاسم– في شركات واستثمارات (تابعة للجيش) لكن على الورق هي ملك لأفراد.
ولم يعف الدكتور عبد الفتاح ماضي المعارضة من مسئولية مواجهة هذا الوضع المتردي، مشيرًا إلى أن النظام الحالي لن يقدم تنازلات مجانية، وطالما بقي انقسام المعارضة ستظل هذه السلطة منفردة تتحكم في مصير الشعب. وهو ما أيده بدوره هشام قاسم واصفًا المعارضة الحالية بأنها «بلا تأثير وبلا برامج وبلا تواجد في الشارع»، لكنه في الوقت نفسه أكد على بطش النظام الحالي بأي محاولات ولو ضعيفة لتشكيل جبهة معارضة، ضاربًا أحدث مثل بخطف واعتقال السياسي حسين عبد الهادي، بتهم مكررة لطالما تستخدمها النيابة للزج بأي معارض في السجن، حتى أصبح من غير المجدي مجرد الرد عليها.
هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية تخلق بلا شك حالة غضب واحتقان شعبي شديد، وصفها السياسي أنور السادات، بأنها نتاج لسلسلة من ضغوط المعيشة، ارتفاع أسعار، مرتبات محدودة، تحريك أسعار المحروقات، أزمة الكهرباء. مشيرًا إلى ضرورة التحرك نحو إصلاحات هيكلية اقتصادية تشجع على الاستثمار وتحد من الغضب الشعبي. هذه الإصلاحات –حسب السادات– تنطوي أيضا على إصلاح تشريعي، وقضاء مستقل، ومنافسة عادلة بدون احتكار، وإعادة تقييم للأولويات وخاصة للمشروعات المنتجة ذات المردود والعائد، وحكومة تبدأ بنفسها في ترشيد الاستهلاك والبعد عن البذخ والمغالاة التي تستفز المواطنين وتصرفهم عن ترشيد الاستهلاك.
وفي هذا السياق حذر الدكتور محمد عفان من أن استمرار الضغط على الناس مع عدم وجود أي تحسن على أي مستوى يدفع بالناس إلى انفجار غير محسوب، مشيرًا إلى خطورة التلويح المستمر بملف الاستقرار والأمن لمواجهة حالات الاحتقان والغضب، وكان هذا النظام «يأخذ مصر واستقرارها كرهينة لكي يذهب في أجندته السياسية والاقتصادية لأبعد مدى، هذا ما يسمى الابتزاز بالأمن».
شاهدوا التسجيل الكامل للندوة هنا:
Share this Post