على الدول الأعضاء الدفع بمطلب إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين
قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ورابطة عائلات قيصر، وتحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية - داعش، وعائلات من أجل الحرية، ومبادرة تعافي؛ تقريرًا حقوقيًا مشتركًا إلى الأمم المتحدة حول حالة حقوق الإنسان في سوريا، وذلك في سياق المراجعة الدورية الشاملة للملف الحقوقي للجمهورية العربية السورية أمام الأمم المتحدة.
استعرض التقرير أبرز الانتهاكات المتواصلة بحق المحتجزين، على مدار 10 سنوات من النزاع، من جانب كافة الأطراف، وفي مقدمتهم الحكومة السورية، مؤكدًا على أن تأمين الإفراج عن المعتقلين، وضمان الوصول للحقيقة والعدالة للضحايا وعائلاتهم، يعد أمرًا أساسيًا لمعالجة أحد الأسباب الرئيسية لانتفاضة 2011، فضلًا عن تمهيده الطريق لتحقق تسوية سياسية وسلام دائم في سوريا.
كما شدد التقرير على ضرورة الاهتمام بقضية الكشف عن مصير المفقودين والمختفين. إذ أوضحت المنظمات أنه منذ المراجعة الدورية الأخيرة للملف الحقوقي السوري في 2016، لم يتم طرح خطة عمل بشأن الكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين.
وفي ختام التقرير، قدمت المنظمات عدد من التوصيات، مطالبةً الدول الأعضاء بتبنيها وطرحها خلال عملية المراجعة الدورية الشاملة، ومن بينها دعوة سوريا لتقديم السجلات التي تضم أسماء ومواقع كافة المحتجزين في مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وإعادة رفات الأفراد المتوفين رهن الاحتجاز لعائلاتهم لدفنهم بكرامة، واتخاذ خطوات عاجلة لحماية المقابر الجماعية من قبل ذوي الخبرة في الطب الشرعي، والحفاظ على الأدلة، والسماح بالتعرف على الجثث وتسلميها للأهالي.
تقرير مشترك مقدم للدورة الثالثة من الاستعراض الدولي الشامل للجمهورية العربية السورية
مقدمة
- هذا التقرير مقدّم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ورابطة عائلات قيصر، وتحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية - داعش (مسار)، وعائلات من أجل الحرية، ومبادرة تعافي، ويستهدف معالجة المخاوف الناشئة عن سياسات وممارسات الحكومة السورية المتعلقة بالمحتجزين والمفقودين منذ المراجعة الدورية الأخيرة لسوريا في 2016. كما يسلّط الضوء على كيفية تأثير هذه السياسات والممارسات في الإنكار المستمر لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للسوريين.
الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري
- على مدار العقد الماضي، أخفقت جميع الأطراف المتحاربة في سوريا في احترام حقوق الأشخاص المحتجزين بما يتماشى مع الالتزامات القانونية الدولية، وارتكبت أثناء الاحتجاز جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.[1] ولا تزال ممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري المستمرة من بين التحديات الأكثر إلحاحًا لحقوق الإنسان في سوريا؛ إذ لا يزال عشرات الآلاف محتجزين بشكل تعسفي أو مختفين قسريًا، على يد الحكومة السورية في المقام الأول فضلًا عن الجهات الفاعلة الأخرى داخل سوريا.
- أكثر من 94% من حالات الاختفاء القسري تمت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وتتوزع النسبة المتبقية على المناطق التي تسيطر عليها الأطراف المتحاربة الأخرى، بما في ذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية.[2] ويعتبر الإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير ومكان المختفين قسريًا من الأولويات الملحة للشعب السوري والمجتمع المدني السوري، ولا غنى عنهما لتحقيق العدالة والمحاسبة وجبر الضحايا وعائلاتهم.
- قبل 2011، كان الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي ركيزة أساسية لحملات الحكومة السورية الهادفة لإسكات المعارضين السياسيين، وترهيب العائلات والأصدقاء، وردع المعارضة السياسية والاحتجاجات. وعلى مدار فترة حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، كان الاختفاء القسري يُستخدم بشكل شائع لتخويف المجتمع السوري والسيطرة عليه؛ وتقدر أعداد الأشخاص المختفين قسريًا بـ17.000 شخص منذ الثمانينيات.[3] وفي أعقاب اندلاع الاحتجاجات الواسعة في 2011 والحرب اللاحقة، اتسع استخدام الحكومة لهذه الجريمة ضد الإنسانية بشكل كبير؛ وتشير تقديرات إلى أن ما لا يقل عن 150.000 شخص[4] لا يزالون قيد الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي، غالبيتهم على يد الحكومة السورية في عهد الرئيس بشار الأسد، وكذا الأطراف المتحاربة الأخرى داخل سوريا. واستُهدف العديد منهم لمشاركتهم في احتجاجات سلمية أو التعبير عن آراء سياسية معارضة.
- وحسبما وثقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، ترتكب أطراف النزاع الأخرى «ممارسات مماثلة متصلة بالاحتجاز» من بينها «الاختفاء القسري، والاحتجاز مع المنع من الاتصال، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والعنف الجنسي، والوفاة أثناء الاحتجاز في مرافق الاحتجاز التي تديرها كافة الأطراف في جميع أنحاء البلاد».[5]
- وبالإضافة إلى القتل خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة، حُرم العديد من المحتجزين في سوريا من الحق في الصحة، الأمر الذي أدى لوفاتهم أثناء الاحتجاز في ظروف مروّعة وأماكن مكتظة وغير صحية، وتفتقر للتهوية المناسبة، فضلًا عن الطعام الكافي أو الراحة، وهي بيئة ملائمة لانتقال العدوى والمرض. وتضمنت أسباب الوفاة التهاب المعدة والأمعاء، والأمراض الجلدية، والكرب النفسي الذي يتسبّب في رفض المحتجزين تناول الطعام والشراب، والأمراض المزمنة.[6]
- ونظرًا للظروف المزرية في مرافق الاحتجاز في جميع أنحاء سوريا، فإن المحتجزين معرّضون لتفشي جائحة كوفيد-19. وفي بداية تفشي الجائحة، دعا مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة الحكومات للإفراج عن السجناء السياسيين والمعتقلين تعسفيًا، وكذلك الفئات الضعيفة بما في ذلك الأطفال وكبار السن وذوي الحالات الطبية.[7] وطوال جائحة كوفيد-19، لم تفرج الحكومة السورية سوى عن 60 محتجزًا فقط من مراكز الاحتجاز في جنوب سوريا ودمشق.[8]
- باعتبارها أسبابًا جذرية لانتفاضة 2011، يعد الإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المختفين، وضمان الحقيقة والعدالة للضحايا وعائلاتهم أمرًا أساسيًا لأي تسوية سياسية، وإمكانية تحقيق سلام دائم في سوريا.
تأثير الاحتجاز على الناجين والأسر
- منذ آخر استعراض لها في 2016، لم يتم إحراز أي تقدّم يذكر في ملف المعتقلين والمختفين. وأهملت الحكومة السورية توصيات الاستعراض الدوري الشامل، وواصلت بدلًا من ذلك ممارستها المنهجية والواسعة النطاق المتمثلة في الاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري لأي فرد يُنظر إليه باعتباره مخالف لحكمها الاستبدادي، متسببة في ضرر لا يمكن احتوائه للضحايا وعائلاتهم والمجتمع السوري ككل؛ إذ يعاني المعتقلون السابقون من ضغوط نفسية شديدة وطويلة الأمد، فضلًا عن الإصابات والألم الجسدي الناتج عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والقسوة.[9]
- علاوةً على ذلك، واجه العديد من الناجين المقيمين في سوريا، بعد الإفراج عليهم، صعوبات في تأمين السكن والعمل، وكذلك في الحصول على التعليم لأطفالهم.[10] ويعيشون في خوف دائم من التعرّض للاعتقال مرة أخرى، وغالبًا ما يلتزمون بالمكوث في منازلهم. ويتطلب ممارستهم الأنشطة المدنية والسياسية تصريحًا من الأجهزة الأمنية.[11]
- لا يزال مكان ومصير آلاف السوريين مجهولًا، وتستمر عائلاتهم في البحث عن إجابات، في الوقت الذي تعاني فيه من الخسائر النفسية والعاطفية للغياب التعسفي لأحبائهم، فضلاً عن الفراغ القانوني الناجم عن عدم وجود شهادة وفاة، مما يعرّض حقوق أفراد الأسرة في السكن والأرض والملكية للخطر. كما تتعرّض الأسر المعيشية التي ترأسها نساء للخطر بشكل خاص؛ إذ غالبًا ما يتم استبعاد أسماء النساء من الوثائق المتعلقة بالسكن والأرض والممتلكات، الأمر الذي يتسبب في مواجهتهن «تحديات إضافية لتأمين أو إثبات حقوق الميراث أو الوضع العائلي».[12]
- في مايو 2018، زوّدت الحكومة السورية مكاتب السجل المدني ببلاغات تتعلق بآلاف الأفراد المتوفين، وتم بعد ذلك تسجيلها واستخدامها لتحديث السجلات العائلية. ووفقًا لتقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية، يُعتقد أن هذه البلاغات تكشف وفيات الأفراد المحتجزين من جانب سلطات الدولة بين عامي 2011و2014، والتي حدثت في مرافق الاحتجاز التي تديرها المخابرات أو الأجهزة العسكرية السورية.[13] وعند فحص هذه البلاغات، وجدت لجنة التحقيق أنه «في كل حالة تقريبًا، أشارت السجلات إلى «النوبة القلبية» أو «السكتة الدماغية» كأسباب للوفاة، وأن «أفرادًا من المنطقة الجغرافية نفسها يتشاركون تواريخ الوفاة، وهو ما يشير ربّما إلى عمليات الإعدام الجماعية».[14]
- وطبقًا للجنة التحقيق الدولية، يتضح أن الدولة السورية، تقر من خلال إصدار بلاغات الوفاة هذه، بحيازتها «معلومات عن مصائر، بما في ذلك التواريخ المزعومة لوفاة أولئك المتوفين» و«معرفة أماكن تواجدهم وقت الوفاة، فضلًا عن مسئوليتها عن الوفاة في حالات الإعدام بأمر من المحكمة، أو عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء».[15] ولم تنشر الحكومة السورية أي معلومات عن مواقع رفات هؤلاء القتلى، كما لم تقم بإعادة أي متعلقات شخصية إلى عائلاتهم.[16]
- لجنة التحقيق الدولية أشارت لـ«احتفاظ القوات الحكومية بدقة بسجلات المعتقلين، كما تنص المعايير الدولية، لكنها لم تقم بإبلاغ الأسر بمصير المحتجزين، كما يقتضي القانون الدولي أيضًا. وتنتظر عشرات الآلاف من العائلات الأخبار بفارغ الصبر لما يقرب من عقد من الزمان».[17] ويُظهر توفر السجلات قدرة الحكومة السورية على تقديم معلومات حول مصير المحتجزين والمختفين لعائلاتهم. إن حجب المعلومات عن مصير المختفين قسرًا، من جانب الحكومة وأيضًا الأطراف الأخرى، هو في الواقع «يطيل أمد معاناة مئات الآلاف من عائلات المختفين قسرًا»، الأمر الذي كان له تأثيرات مدمّرة على العائلات.[18]
- وفي بعض مناطق سوريا التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لا يزال مصير آلاف الأفراد الذين تم اختطافهم أو اعتقالهم مجهولًا، رغم فقدان تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على مناطق في شمال سوريا في 2019. ولم تتمكّن العائلات من تحديد أماكن ذويها؛ نتيجة لغياب أي سلطة مركزية أو شخص يمكنهم الاتصال به بشأن الأشخاص المفقودين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية أو الإدارة الذاتية التي يمثلها الأكراد في الشمال وشرق سوريا.[19]
- أيضًا في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، تم العثور على عدد من المقابر الجماعية، وتقدر السلطات المحلية أنها تحتوي على آلاف الجثث لضحايا داعش وكذلك مقاتلي داعش والمدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية.[20] وفي أحيان عديدة، تتعرض الأدلة الحاسمة لخطر الضياع؛ نظرًا لافتقار السلطات والمنظمات المحلية للتدريب والخبرة المناسبة في مجال الطب الشرعي والجنائي، وهو الأمر الضروري لاستعادة الجثث والأدلة بشكل صحيح من مواقع المقابر الجماعية، الأمر الذي يهدد حقوق العائلات في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة للمفقودين.[21]
دعم متزايد للآلية الدولية للمحتجزين والمختفين
- على الصعيد الوطني، لا توجد قنوات قابلة للتطبيق تمكن السوريين من الإبلاغ عن المفقودين أو الحصول على معلومات عن المفقودين والمختفين؛ لأن أي محاولة للحصول على المعلومات تعرض أفراد الأسرة لخطر الاحتجاز أو غيره من الانتهاكات. علاوةً على ذلك، تتعرض العائلات الساعية للحصول على معلومات حول أحبائها المحتجزين والمختفين للاستغلال والابتزاز المالي من جانب المسئولين أو «الوسطاء» أو السماسرة الذين يتقاضون رسومًا باهظة مقابل المعلومات أو للمساعدة في تأمين الزيارات أو إطلاق سراح الأفراد، وفي كثير من الحالات، لا يتم تقديم المعلومات أو المساعدات الموعودة.[22]
- وفي تقريرها الصادر في مارس 2021، طالبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بــ «تسهيل تشكيل آلية دولية مستقلة لتنسيق وتجميع المطالبات المتعلقة بالأشخاص المفقودين، ومن بينهم الأشخاص الذين تعرّضوا للاختفاء القسري، وتكليف الآلية بتحديد العناصر المطلوبة لتعقب المفقودين والمختفين وتحديد هويتهم بكفاءة وفعالية، والمساعدة على تجميع المطالبات المقدمة إلى مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية و المنظمات الإنسانية، وتنسيق اتصالات بأطراف النزاع لتحديد مواقع المفقودين أو رفاتهم، ومن بينهم الموجودين في المقابر الجماعية، وهي مواقع يجب حمايتها».[23] ولاحقًا، أيدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان،[24] والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية هذه المطالب،[25] كما تبناها البرلمان الأوروبي.[26]
- في فبراير 2021، أعلنت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ورابطة عائلات قيصر، وتحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية - داعش (مسار)، وعائلات من أجل الحرية، ومبادرة تعافي، عن إصدارها ميثاق الحقيقة والعدالة لتقديم رؤيتهم الشاملة ومطالبهم فيما يتعلق بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب.[27] ودعا الميثاق لتشكيل آلية دولية مستقلة لتقصي الحقائق لكشف الظروف والحقائق المحيطة بالانتهاكات.
- وفي تقريرها «بشر لا أرقام: قضية تشكيل آلية دولية لمعالجة أزمة المعتقلين والمختفين في سوريا»،[28] أكدت المنظمات أن «المساءلة يجب أن تأخذ مجراها في نهاية المطاف، لكن الأولوية العاجلة للضحايا هي معرفة مصير أحبائهم» مشيرين لأن «الآلية يجب أن تتبنى نهجًا يركز على الضحية لضمان تعاون قوي مع جمعيات الضحايا السوريين والمجتمع المدني الأوسع».[29] وفي بيان مشترك لمجلس حقوق الإنسان في جلسته الـ46، طالبت منظماتنا الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بـ«النظر في تشكيل آلية دولية مستقلة للتحقيق في المعلومات المتعلقة بالمعتقلين والمختفين؛ بهدف الكشف عن مصير وأماكن وجود أولئك الذين اختفوا قسرًا أو المحتجزين تعسفيًا، وضمان المساءلة والجبر للضحايا وعائلاتهم في الحالات التي ارتكبت فيها انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي».[30]
- لاحقًا، تم تبنّي هذه الدعوة من جانب المفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والأمين العام للأمم المتحدة، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، وكذلك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وتم اعتماد قرار يركز على قضية المفقودين والمختفين قسريًا في سوريا في 13 يوليو 2021خلال الجلسة الـ 47 لمجلس حقوق الإنسان. ويؤكد القرار على «الدور الحيوي للمنظمات السورية للضحايا والناجين والأسر العاملة في قضية الأشخاص المفقودين»، ويدعو «الدول الأعضاء وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لتنسيق الجهود وتركيز الاهتمام بشكل استباقي على قضية المفقودين في الجمهورية العربية السورية، بمن فيهم أولئك الذين تعرضوا للاختفاء القسري [...]». وفي 11 مارس 2021، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يحث الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على تسهيل تشكيل آلية دولية مستقلة بقيادة الضحايا لتحديد مكان المفقودين أو رفاتهم. ويقرّ مشروع القرار بشأن سوريا بأهمية إدراج وجهات نظر الضحايا ومطالبهم بالحقيقة والعدالة في جهود المجتمع الدولي بشأن الجمهورية العربية السورية.
التحليل القانوني
- طوال فترة النزاع في سوريا، استهانت كافة الأطراف المتحاربة بحقوق الأشخاص المحتجزين، بما يتماشى مع القانون الدولي، بما في ذلك الحكومة السورية وأطراف النزاع الأخرى، ومن بينها تركيا[31] وحلفاؤها في المناطق المحتلة شمال سوريا وكذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل داعش، وهيئة تحرير الشام، والجيش السوري الحر، والجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية؛ فجميعهم اعتقلوا الأشخاص تعسفيًا، وارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في هذا السياق.
- وينتهك استخدام الحكومة السورية للاعتقال والإخفاء القسري العديد من الأحكام المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الحياة (المادة 6)، والحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في المعاملة الإنسانية والاحترام (المادتان 7 و10)، والحق في الحرية والأمن (المادة 9)، والحق في الاعتراف بشخصية الفرد القانونية (المادة 16) بالإضافة إلى الحق في الحياة الأسرية (المادة 17). كما تنتهك تصرفات الحكومة السورية اتفاقية مناهضة التعذيب وإعلان الأمم المتحدة بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في مجملها، بالإضافة إلى أحكام محددة تمس حقوق أفراد عائلات الأفراد المحتجزين تعسفيًا والمختفين قسرًا في إطار اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء.[32] وكما بينت لجنة التحقيق، فإن استخدام الحكومة السورية للاحتجاز والإخفاء القسري والممارسات المتصلة على نطاق واسع ومنهجي بحق السكان المدنيين تصل مستوى الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك: القتل، والإبادة، والسجن، والعنف الجنسي، والتعذيب، وغيرها من الأعمال غير الإنسانية، فضلًا عن جرائم الحرب المتمثلة في القتل، والتعذيب، وسوء المعاملة، والاغتصاب والعنف الجنسي، والاعتداء على الكرامة الشخصية، وإصدار أحكام وتنفيذ إعدامات بإجراءات موجزة.[33]
التوصيات
- يُبيّن التحليل الوارد في هذا التقرير فشل سوريا، منذ الاستعراض الدوري الشامل في 2016، في تنفيذ أي من التوصيات المتعلقة بمسألة المحتجزين والمختفين، فضلًا عن مواصلتها الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. كما تقاعست سوريا عن وضع حد لممارستها للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، واستخدامها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وكذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
- خلال الاستعراض الدوري الشامل السابق في 2016، تم تقديم 20 توصية إلى سوريا من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن قضية الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي. قبلت سوريا 9 توصيات بشأن هذه القضية، ولكنها لم تنفذ أي منها حتى الأن.
التوصيات التي تم قبولها في 2016 لكن لم يتم تنفيذها
- فبينما أيدت سوريا توصية أوروغواي بـ«المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري»؛ إلا أنها لم تصادق حتى الآن على الاتفاقية.
- وبينما قبلت سوريا توصية البرازيل بـ«السماح بزيارة العاملين في المجال الإنساني إلى جميع أماكن الاحتجاز»؛ إلا أنها تواصل عرقلة وصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مرافق الاحتجاز.
- وفي حين قبلت سوريا توصية إسبانيا بـ«وقف الاحتجاز التعسفي والإفراج عن جميع الموقوفين ظلمًا أو عشوائيًا»، والتوصية التي قدمتها لوكسمبورغ بـ«وضع حد للاختفاء القسري في جميع أماكن الحرمان من الحرية، فضلًا عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء»، إلا أنها تواصل احتجاز وإخفاء أكثر من 150.000 سوري، تأكد وفاة 11.000 [34] منهم من خلال الصور المهرّبة المعروفة باسم «صور قيصر».
التوصيات التي تحثّ منظماتنا الدول على رفعها
- تقديم السجلات التي تحتوي على أسماء ومواقع جميع المحتجزين في مرافق الاحتجاز الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- الكشف عن جميع السجون والمعتقلات، العامة منها والسرية، وإنهاء استخدام المعتقلات السرية بشكل كامل.
- إتاحة وصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر لجميع مرافق الاحتجاز.
- إعادة رفات الأشخاص المتوفين خلال احتجازهم؛ لتمكين أهاليهم من التعبير عن الاحترام لهم وتقديم مراسم دفن كريمة بما يتماشى مع تقاليدهم.
- التعاون مع المجتمع الدولي لتشكيل آلية إنسانية دولية مستقلة لتحديد أماكن الأشخاص المختفين قسرًا والمحتجزين من جانب كافة أطراف النزاع.
- الإفراج الفوري عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفيًا.
- وقف الممارسة المنهجية للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري واستخدام التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
- وضع حد لممارسة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإلغاء جميع المحاكم الميدانية والاستثنائية.
- تجريم استخدام التعذيب وجميع أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، في القانون والممارسة.
- إدماج أحكام قانونية محدّدة في التشريعات المحلية السورية تحدد إجراءً للحصول على إعلان الغياب بسبب الاختفاء القسري، من أجل معالجة الوضع القانوني للأشخاص المختفين والوضع القانوني للأقارب في المجالات المتعلقة بالمسائل المالية وقانون الأسرة وحقوق الملكية، والرعاية الاجتماعية.
- اتخاذ خطوات عاجلة لحماية المقابر الجماعية بخبرات الطب الشرعي؛ من أجل الحفاظ على الأدلة، والسماح بتحديد هوية الجثث، ومحاكمة جميع المشتبه بهم بما يتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
هوامش
[1] لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، 11 مارس 2021، ص.2، متاح على:
https://undocs.org/ar/A/HRC/46/55
[2] رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، مختفون قسرًا في مراكز الاحتجاز السورية: بحث حول تفاصيل عملية الاختفاء القسري ومصير الضحايا، ديسمبر 2020، ص.37.
[3] المرجع السابق، ص.12.
[4] الشبكة السورية لحقوق الإنسان، «حصيلة الاعتقالات التعسفية»، 14 يونيو 2021، متاح على:
[5] لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، 11 مارس 2021، ص.21، متاح على:
https://undocs.org/ar/A/HRC/46/55
[6] هيومان رايتس واتش، لو تكلّم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية، 16 ديسمبر 2015، متاح على:
https://www.hrw.org/ar/report/2015/12/16/284486
[7] مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، «المطلوب اتخاذ إجراءات لمنع فيروس كوفيد-19 من «اجتياح أماكن الاحتجاز»»- باشليت، 25 مارس 2020، متاح على:
https://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=25745&LangID=A
[8] هيومن رايتس واتش، «الإفراج عن عشرات السجناء في سوريا»، 6 نوفمبر 2020، متاح على:
https://www.hrw.org/ar/news/2020/11/06/376965
[9] لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، 11 مارس 2021، ص.21، متاح على:
https://undocs.org/ar/A/HRC/46/55
[10] المرجع السابق، ص.21
[11] المرجع السابق، ص.21
[12] لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، إخطارات الوفاة في الجمهورية العربية السورية، 27 نوفمبر 2018، صفحة 3و4 متاح على:
[13] المرجع السابق، ص.3
[14] أنظر أيضًا رويترز، «موجة من إخطارات الوفاة السورية تُظهر مصير محتجزي الحكومة»، 31 يوليو 2018، متاح على:
https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-detainees-idUSKBN1KL2PA
[15] المرجع السابق، ص.4
[16] المرجع السابق، ص.4
[17] لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، 11 مارس 2021، متاح على الرابط:
https://undocs.org/ar/A/HRC/46/55
[18] المرجع السابق
[19] هيومن رايتس ووتش، مخطوفو داعش: التقاعس عن كشف مصير المفقودين في سوريا، فبراير 2020، ص.49، متاح على:
https://www.hrw.org/sites/default/files/report_pdf/syria0220ar_web_0.pdf
[20] المرجع السابق، ص.52
[21] المرجع السابق، ص.52
[22] انظر رابطة معتقلي ومفقودي في سجن صيدنايا: مختفون قسرًا في مراكز الاحتجاز السورية: بحث في تفاصيل عملية الاختفاء القسري ومصير الضحايا، ديسمبر 2020، ص.40
وفرانس 24 ««الوسطاء» في سوريا يستفيدون من يأس عائلات الأسرى» 23 يونيو 2021، متاح على الرابط:
https://www.france24.com/en/live-news/20210623-syria-fixers-cash-in-on-despair-of-prisoners-families
[23] تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، الجلسة 46، 11 مارس 2021، ص.26، A/HRC/46/55.
[24] مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، «سوريا: بعد مرور10سنوات على اندلاع النزاع، باشليت تؤكد ضرورة الكشف عن الحقيقة والعدالة اليوم أكثر من أي وقت مضى»، 11 مارس 2021، متاح على:
https://www.ohchr.org/ar/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=26867&LangID=a
[25] خدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، «سوريا: خطاب الممثل السامي/ نائب الرئيس جوزيب بوريل في مناقشة البرلمان الأوروبي حول 10 سنوات من الصراع»، 10 مارس 2021، متاح على:
https://eeas.europa.eu/headquarters/headquarters-Homepage_de/94591/Syria
[26] الاتحاد الأوروبي، البرلمان الأوروبي، قرار البرلمان الأوروبي بتاريخ 11 مارس 2021 بشأن الصراع السوري - 10 سنوات بعد الانتفاضة، متاح على:
[27] مبادرة تعافي، «ميثاق الحقيقة والعدالة: رؤية مشتركة حول قضية الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي في سورية من منظمات الضحايا السوريين وأفراد أسرهم»، فبراير 2021، متاح على:
https://legal-agenda.com/wp-content/uploads/Charter-06-AR-PDF.pdf
[28] جيريمي ساركين، «بشر لا أرقام: قضية تشكيل آلية دولية لمعالجة أزمة المحتجزين والمختفين في سوريا»، مايو 2021، ص. 17-20، متاح على:
https://taafi-sy.org/wp-content/uploads/2021/05/Humans-Not-Numbers-EN-FINAL-20MAY2021.pdf
[29] المرجع السابق، ص.8
[30] مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، «المنظمات تحث مجلس حقوق الإنسان على البحث عن الحقيقة والعدالة للسوريين المحتجزين والمختفين»، فبراير 2021، متاح على:
[31] انظر هيومن رايتس ووتش، «النقل غير القانوني للسوريين إلى تركيا»، 3 فبراير 2021، متاح على:
https://www.hrw.org/ar/news/2021/02/03/377722
[32] لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، 11 مارس 2021، ص.22، متاح على:
https://undocs.org/ar/A/HRC/46/55
[33] المرجع السابق. ص 22-23.
فيما يتعلق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، انظر على وجه التحديد المواد 2 (ب) (ج) (و) و5 (أ) (ب) و15 (1) و16 (1) (د).
فيما يتعلق باتفاقية حقوق الطفل، انظر على وجه التحديد المواد 2 (2)، 6، 7 (1)، 9 (4)، 16
[34] هيومن رايتس ووتش، لو تكلم الموتى، الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية، 16 ديسمبر 2015، متاح على:
التقرير PDF : هنا
Share this Post