البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري-وكالة سانا
البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري-وكالة سانا

الحوار الوطني السوري: خطوة أولى في طريق ضبابي

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

بالتزامن مع ختام الحوار الوطني السوري، والمنعقد في 25 و26 فبراير/شباط الجاري، يؤكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لا غنى عنها لضمان انتقال ديمقراطي فعال وشفاف وشامل في سوريا. ويعتبر أن انعقاد الحوار الوطني، وسط تهديدات متصاعدة تؤثر على استقرار البلاد، بما في ذلك تهديدات إسرائيل المتكررة للسيادة السورية واحتلال أجزاء من أراضيها، والاحتلال التركي غير القانوني المستمر لشمال سوريا؛ يمثل فرصة نادرة للسوريين للالتقاء ومناقشة مستقبل بلادهم. إلا أن التنظيم المتسرع للحوار، وطبيعة المناقشات ونتائجها، فشلت في تقديم توصيات ذات مغزى وملموسة، أو طرح خارطة طريق واضحة لهذه الفترة الانتقالية.

أن الخطوات القادمة في العملية السياسية وأجندة الإصلاح يجب أن تتسم بالشفافية، وتتضمن التزامات واضحة، ومشروطة بخارطة الطريق التي أوردها القرار رقم 2254 لمجلس الأمن، وتعلي من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات. هذه الخطوات يجب أن يتم تنفيذها بمشاركة حقيقية من جميع السوريين، من مختلف المجموعات العرقية والسياسية والدينية، من كل أنحاء البلاد وفي الشتات. هذا بالإضافة إلى خطوات فورية ضرورية لخلق بيئة مواتية للمجتمع المدني، ورفع القيود التي فرضها النظام السابق على الجمعيات والأحزاب السياسية، والتعاون والتشاور معها، لضمان ضلوعها بدورها الفعال في تشكيل المرحلة الانتقالية.

وفي الوقت نفسه، يجب على المجتمع الدولي التحرك بحسم لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل وتوسعاته في سوريا، والتي تهدد بعرقلة المرحلة الانتقالية وإشعال الصراع من جديد. كما ينبغي على المجتمع الدولي رفع جميع العقوبات التي تعرقل تدفق المساعدات الإنسانية، وتعوق جهود إعادة الإعمار، وتؤثر على التمتع بالحقوق الأساسية للمواطنين، مع الإبقاء على آليات المراقبة الحقوقية الأممية الحالية وإنفاذها، لمساعدة البلاد في الفترة الانتقالية.

تقول آمنة القلالي مديرة البحوث بمركز القاهرة: إن الحوار الوطني الشامل، المراعي لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس ترفًا لسوريا التي مزقتها الحرب، وإنما ضرورة حتمية لإنهاء الحرب. فالشعب السوري يستحق فرصة لبناء مؤسسات ديمقراطية تدعم وتحترم التنوع العرقي والسياسي والديني الذي يميز هذه الأمة، خاصة بعد عقود من المعاناة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية“.

منذ سقوط نظام الأسد، شاب الغموض معظم القرارات المتعلقة بالعملية الانتقالية وطبيعة السلطة الحاكمة. ففي يناير/كانون الثاني 2025، أعلن أحمد الشرع، قائد العملية العسكرية التي أطاحت بنظام الأسد، نفسه رئيسا للفترة الانتقالية، في اجتماع ضم قادة الفصائل العسكرية. الأمر الذي يعني سيطرة هيئة تحرير الشام والقوات شبه العسكرية التابعة لها على مؤسسات الدولة. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الحكومة المؤقتة أنها باقية في منصبها حتى أول مارس/آذار 2025، بينما لا يزال تشكيل الحكومة الجديدة غير واضح حتى الآن.

كانت الحكومة المؤقتة قد وعدت في البداية بأن يُعقد الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني 2025. بينما تأخر الإعلان عن اللجنة المشرفة على تنظيمه حتى 11 فبراير/شباط. ثم جاء تشكيل اللجنة إشكاليًا، إذ ضم في معظمه شخصيات تابعة لهيئة تحرير الشام، بينما كان يفترض أن يضم ممثلين عن كل الشعب السوري. واختصرت السلطات المؤقتة الحوار الوطني في نقاش ليوم واحد فقط، من شأنه أن يقدم توصيات غير ملزمة، مكتفية باستبيان عبر الإنترنت بين السوريين، تم تعبئته من 10000 سوري داخل البلاد وخارجها. أما دعوات حضور الحوار في دمشق فقد تأخرت ولم يتم إرسالها إلا في اليوم السابق للحوار، مما تسبب في استبعاد شخصيات سياسية وفكرية وحقوقية محورية، رغم الإعلان عن دعوة 600 شخص من خلفيات مختلفة من مختلف أنحاء سوريا. وفي ختام الحوار، جاء البيان الختامي متضمنًا 18 نتيجة، يشار إليها بـ “العهد والميثاق الوطني”، شملت التزامات واسعة بحقوق الإنسان والمساءلة والإصلاحات القضائية والوحدة الوطنية، فضلاً عن إدانة قوية للغزو الإسرائيلي لجنوب سوريا، والمطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية الفوري وغير المشروط. كما اقترح البيان اعتماد “إعلان دستوري مؤقت” لمعالجة الفراغ الدستوري، وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، ولجنة دستورية لصياغة دستور دائم يدعم توازن السلطات ويكرس العدالة والحرية والمساواة. ورغم ذلك، تبقى هذه الخطوات التنفيذية التالية للحوار غامضة وغير محددة، تفتقر إلى شروط أو جداول زمنية أو آليات ملموسة للتنفيذ.

تعتمد فعالية الخطوات المنتظرة في المرحلة المقبلة على مدى التمسك بالقيم الديمقراطية واحترام خارطة الطريق المتفق عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والامتثال بجدية لتوصيات الحوار الوطني. وتحقيقًا لهذه الغاية، يجب أن تحظى اللجان التشريعية والدستورية بسلطة مُلزمة، وأن تتشكل من شخصيات مستقلة، لا عسكرية ولا شبه عسكرية. على أن تلتزم هذه اللجان وعملياتها ومخرجاتها بالمعايير والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما احترام الحريات والفضاء المدني، وتوازن القوى، والحق في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة. هذا بالإضافة إلى أهمية ضمان وجود مساحة مدنية آمنة تمكن منظمات المجتمع المدني المستقلة من العمل بحرية دون تدخل أو عوائق، تسمح بتمثيل ومشاركة فعالة للشعب السوري كله في صياغة المستقبل السياسي لسوريا.

يجب على السلطات السورية تنفيذ هذه التوصيات في أقرب وقت ممكن، بما في ذلك إقرار الدستور الجديد الضروري لاتخاذ قرارات رئيسية بشأن الانتخابات والسيادة الإقليمية وحقوق الإنسان. كما ينبغي على الحكومة المؤقتة إعطاء الأولوية للمساءلة عن جرائم النظام السابق، كخطوة نحو العدالة والتعافي والتعويض والمصالحة للشعب السوري. ويشمل ذلك التعاون مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان لمحاسبة الجناة ضمن عملية قضائية تلتزم بمعايير حقوق الإنسان والإجراءات القانونية الواجبة، وتحافظ على الأدلة، وتقدم المساعدة والحماية للضحايا وعائلاتهم، وتسهل عمل لجنة تقصي الحقائق الأممية بشأن سوريا، والمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين، وآليات التحقيق الرئيسية الأخرى.

ولضمان السلام والاستقرار الدائمين في سوريا، من الضروري أن تتوافق جميع الجماعات المسلحة فورًا على خطط ملموسة لتفكيك ونزع سلاح جميع الميليشيات والجماعات شبه العسكرية. وتخطيط عملية منظمة وشفافة لإدماج الأعضاء المؤهلين منهم في جيش وطني موحد ومحترف، يعمل تحت إشراف مدني ديمقراطي، ويحمي حقوق الإنسان وسيادة القانون. هذه خطوة حاسمة لاستعادة سيادة الدولة وحماية المدنيين وتعزيز المصالحة الوطنية. كما يجب استبعاد جميع الأفراد المتورطين بشكل مباشر في جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب من هذه العملية.

إن أمن سوريا واستقرارها أمران حاسمان لإعادة بناء البلاد وتفعيل هيئاتها القضائية وخدماتها العامة. لذا ينبغي رفع العقوبات بشكل عاجل من أجل استعادة الخدمات الأساسية في سوريا، وخلق فرص استثمارية جديدة لإعادة الأعمار والتخطيط. وفي هذا السياق، وبينما يرحب مركز القاهرة برفع الاتحاد الأوروبي عقوباته المفروضة عن القطاعات الرئيسية في سوريا كخطوة أولى، يؤكد أن القرار لا يزال غير كاف، ويشجع الدول الأخرى على أن تحذو حذوه في رفع العقوبات التي تعيق المساعدات الإنسانية أو تقيد وصول المواطنين لحقوقهم الأساسية. بينما ينبغي أن يكون رفع جميع العقوبات الفردية الأخرى مشروطًا بإصلاحات واضحة وقابلة للقياس، وإحراز تقدم ملموس على أرض الواقع.

يمثل تدخل القوى الإقليمية وغيرها في سوريا تهديدًا واضحًا للسلم والأمن الإقليميين. لذا، يجب أن تحترم جميع الدول السيادة الوطنية لسوريا، وأن يدعمها المجتمع الدولي كله دون أي استثناء لصالح إسرائيل أو غيرها من الدول ذات المطامع في الاستيلاء على أجزاء من الأراضي السورية. إذ أن احتلال تركيا المستمر لشمال سوريا، والغزو الإسرائيلي المتصاعد في الجنوب المهدد للسيادة؛ يعرض استقرار سوريا وأمنها للخطر. كما أن مطلب إسرائيل بـ “تجريد سوريا من السلاح”، بدعوى أنها لن تسمح للقوات المسلحة السورية الجديدة بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق، يشكل انتهاكًا صارخًا لسيادة سوريا.

أن صمت وسلبية المجتمع الدولي إزاء هذه التهديدات، وخاصة الدول التي تدعي دعم استقرار سوريا؛ مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يثير الكثير من القلق، خاصة بالنظر إلى الحكم غير المستقر والجيش الضعيف في سوريا، وتدمير إسرائيل لغالبية المعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة في البلاد بعد سقوط نظام الأسد. لذا نطالب كل الدول بالضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها في سوريا فورًا، وإعطاء الأولوية للحلول الدبلوماسية لتجنب المزيد من إراقة الدماء.

Share this Post