شهدت فعاليات الجلسة الجارية، الـ 54 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في الثالث من أكتوبر الجاري جلسة الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي لإسرائيل أمام الأمم المتحدة. وفيها عارضت إسرائيل الانتقادات الموجهة لها في مجال حقوق الإنسان سواء من الدول الأعضاء أو من منظمات المجتمع المدني. وأدعت إسرائيل أن العديد من توصيات التقرير الدوري ذات طبيعة سياسية، وأن توصياته لا يمكن الامتثال لها لأسباب سياسية أو قانونية.
في إطار الرد على بيان إسرائيل، استعرض مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في بيان شفهي أمام المجلس أبرز ما خلصت إليه تقارير المنظمات الحقوقية المراقبة للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة؛ مؤكدًا أن نظام التمييز العنصري والهيمنة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني يصل حد جريمة الفصل العنصري. هذا بالإضافة إلى الاضطهاد المنهجي القاسي الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية بشكل متزايد بحق المنظمات والأفراد المعارضين للفصل العنصري، والذي يمثل انتهاكًا للاتفاقية الدولية لمواجهة جريمة الفصل العنصري. وقد طالب المركز بمساءلة إسرائيل عن كل هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وإعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري.
وبالمثل تطرقت مداخلات العديد من المنظمات الحقوقية خلال جلسة الاستعراض؛ بما في ذلك مؤسسة الحق، وهيومان رايتس واتش، وبديل- المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين، إلى أبرز مظاهر جريمة الفصل العنصري الإسرائيلي، وغياب أي إرادة سياسية لوقف هذه الممارسات العنصرية بحق الشعب الفلسطيني.
وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز القاهرة قد أرسلوا تقريرهم للأمم المتحدة في إطار الاستعداد لعملية الاستعراض؛ مفندين فيه بعض النماذج لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في الضفة الغربية، بما في ذلك الإغلاق والحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، والقيود المفروضة على حرية تنقل للفلسطينيين فيه، وتفاصيل الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية في قطاع غزة. كما أدان التقرير بشكل أساسي تقاعس إسرائيل بشكل منهجي عن إجراء تحقيقات جنائية جدية فيما يتعلق بهذه الانتهاكات والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الانتهاكات والجرائم المرتكبة خلال حملة «الجرف الصامد» و«مسيرة العودة الكبرى» و«عملية حراس الجدار» وعملية «بزوغ الفجر». إذ تواصل إسرائيل الحفاظ على نظام تحقيق جنائي لا يلتزم بالمعايير الدولية التي تتطلب تحقيقات شاملة وفعالة ومستقلة ونزيهة مع الجناة، وخاصة مع الأشخاص ذوي المناصب القيادية، والقادة العسكريين والمسئولين الحكوميين.
قبيل الاستعراض، شارك مركز القاهرة في تقرير مشترك أخر يتناول المخاوف الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية بين عامي 2018 و2022، مع التركيز على استخدام إسرائيل للتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وظروف الاحتجاز اللاإنسانية والإهمال الطبي، والحرمان من الحق في المحاكمات العادلة والاحتجاز الإداري. كما سلط التقرير الضوء على نماذج لهذه الانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين موصيًا بضمان ودعم حقوق السجناء الفلسطينيين واحترام مبدأ الحظر المطلق للتعذيب وفقًا للمادة 2(2) من اتفاقية مناهضة التعذيب، وحذف الضرورة كمبرر محتمل للتعذيب، والتحذير علنًا من إخضاع مرتكبي التعذيب للمساءلة والملاحقة الجنائية والعقوبات المناسبة؛ بالإضافة لحظر استخدام الشهادات المنتزعة تحت التعذيب كدليل في أي إجراءات.
ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل رفضت خلال جلسة الاستعراض كل توصيات الدول المتعلقة بوقف هذه الممارسات والجرائم بحق الفلسطينيين، مكتفية بقبول توصيات محدودة جدا تتسم بالعمومية ولا تنطوي على خطوات محددة. كما تجاهلت إسرائيل كافة التوصيات المتعلقة برفع الحصار عن المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الفلسطينية، والتوقف عن الانتقام منها. وكان مركز القاهرة قد قدم في هذا الصدد تقريرًا للأمم المتحدة استعرض نتائج الهجمات المتصاعدة لإسرائيل بحق المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني؛ منذ 2018، مسلطًا الضوء على اضطهاد إسرائيل الممنهج لـ «المنظمات والأشخاص من خلال حرمانهم من حقوقهم الأساسية وحرياتهم، عقابًا على معارضتهم للفصل العنصري؛ في انتهاك (صريح) للفقرة (و) من المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري».
لقد فشلت إسرائيل في تنفيذ معظم التوصيات المقبولة منذ الاستعراض الدوري الشامل لعام 2018، بل وضاعفت من عصفها بالمعايير والقوانين الدولية لحقوق الإنسان خلال هذا الاستعراض لعام 2023 من خلال رفض جميع التوصيات المتعلقة مباشرة بانتهاكاتها الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة التعذيب والقتل خارج نطاق القانون، والتي تصل حد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وطالما ظلت إسرائيل محصنة ضد المساءلة والعقاب، لن يسفر ذلك إلا عن تعزيز نظام الفصل العنصري والجرائم والانتهاكات المتصاعدة، اللازمة للحفاظ عليه وضمان استمراره.
Share this Post