في يوليو 2022، تبنى مجلس حقوق الإنسان القرار 50/23 الخاص بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا لفترة إضافية نهائية مدتها 9 أشهر، غير قابلة للتمديد، وذلك لتقديم توصياتها الختامية خلال الجلسة الـ 52 لمجلس حقوق الإنسان. ومن ثم، نحن، منظمات المجتمع المدني الموقعة أدناه، نكتب إليكم بشأن الحاجة الماسة إلى تشكيل آلية أممية جديدة، للمتابعة والتحقيق وضمان المساءلة، تواصل التوثيق والإبلاغ عن أزمة حقوق الإنسان والإفلات من العقاب في ليبيا، وترصد تنفيذ توصيات بعثة تقصي الحقائق المنتهية ولايتها في مارس الجاري.
باشرت بعثة تقصي الحقائق، طوال فترة ولايتها، رصد انتهاكات وتجاوزات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان في ليبيا، وتوثيق جرائم ارتكبتها جميع الأطراف منذ عام 2016، بما في ذلك؛ القتل، والتعذيب، والسجن، والاغتصاب، والإخفاء القسري، وغيرها من الانتهاكات التي حد الجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. كما رصدت البعثة الانتهاكات المنهجية واسعة النطاق لحقوق الإنسان المرتكبة بحق المهاجرين، وخلصت إلى أن “ثمة أسباب معقولة للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحق المهاجرين في ليبيا”. هذا بالإضافة على رصد وتوثيق الهجمات المباشرة على المدنيين والتي تصل حد جرائم الحرب. وفي تقريرها الشامل الأخير المقدم خلا الجلسة الـ50 لمجلس حقوق الإنسان في يوليو 2022، أكدت بعثة تقصي الحقائق أن ثقافة الإفلات من العقاب لا تزال سائدة” في ليبيا، وتشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق المصالحة الوطنية.
أن الأوضاع في ليبيا اليوم لا تزال متفاقمة، وخاصة في ظل تفشي الانتهاكات المنهجية التي ترتكبها الميليشيات والجماعات المسلحة والسلطات، وإفلات الجناة من العقاب. كما لا تزال الألغام الأرضية المحظورة دوليًا وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، التي تم التخلي عنها منذ نزاع 2011، تتسبب في أضرار جسيمة للمدنيين. ولم يتم حتى الآن، مساءلة أي قادة أو مقاتلين ليبيين أو أجانب بشأن تورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي، مثل عمليات القتل خارج نطاق القانون والقتل غير المشروع، والهجمات العشوائية، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، واستخدام الألغام، بما في ذلك أثناء نزاع طرابلس المسلح 2019-2020.
وفي السياق نفسه، تتواصل الانقسامات السياسية العميقة في بلد مفتّت للغاية، فضلاً عن تأجيل الانتخابات الوطنية، التي كانت مقررة في ديسمبر 2021، إلى أجل غير مسمى. ورغم الوعود المستمرة من سلطات الدولة بإعطاء الأولوية للمساءلة، إلا أن المؤسسات الوطنية، بما في ذلك القضاء، لا تزال معطلة، وربما غير قادرة أو غير راغبة، عن محاسبة المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة، بينما لا يوجد احتمال لإنهاء المأزق السياسي الحالي وسط استمرار جرائم حقوق الإنسان.
ورغم الدعوات المتكررة من المجتمع المدني ومن بعثة تقصي الحقائق ومن خبراء الأمم المتحدة بضرورة رفع القيود الشاملة المفروضة على المنظمات المدنية المحلية والدولية في البلاد، لا تزال هذه القيود سارية، بما في ذلك القيود الخاصة بالحصول على التأشيرات أو الوصول إلى مرافق الاحتجاز والمجتمعات المحتاجة، بالإضافة إلى تكميم أفواه المجموعات المستقلة رغم دورها الحيوي في مجال حقوق الإنسان والعمل الإنساني.
وبحسب توصيات التقرير الأخير لبعثة تقصي الحقائق، والتي تظل ذات صلة ويجب تنفيذها في سبيل بناء مستقبل، فإن ليبيا لن تسترد استقرارها إلا بالعدالة والمصالحة الوطنية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. ولمجلس حقوق الإنسان دورًا حيويًا في ذلك، من خلال ضمان المراقبة الدولية المستمرة والمستقلة وتقديم التقارير، ودعم التقدم نحو المساءلة.
وفي هذا السياق، على مجلس حقوق الإنسان اتخاذ إجراءات موثوقة في هذه الجلسة لضمان تشكيل آلية مستقلة لمتابعة حالة حقوق الإنسان في ليبيا مع تفويض وموارد كافية من أجل:
- رصد وتقييم ودعم تنفيذ توصيات بعثة تقصي الحقائق – لا سيما فيما يتعلق بالمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وخاصة تلك التي تصل حد الجرائم بموجب القانون الدولي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتقديم توصياتها في هذا الصدد.
- الاستناد إلى المعلومات التي جمعتها بعثة تقصي الحقائق واستعمالها، بما في ذلك متابعة أي خط استفسار أبرزته بعثة تقصي الحقائق باعتباره يتطلب متابعة، والاستمرار في التحقيق والإبلاغ العلني عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا، بما في ذلك أي أبعاد جنسانية للانتهاكات والتجاوزات من قبل جميع الأطراف.
- مع الاحترام الواجب لمبدأ الموافقة المستنيرة، تبادل المعلومات والأدلة التي تم جمعها والتحليلات المستنتجة من قبل بعثة تقصي الحقائق، وتقديمها للمحاكم الوطنية والإقليمية والدولية ذات الاختصاص القضائي ذي الصلة، بهدف دعم الإجراءات القانونية الجارية والمستقبلية، بما في ذلك الإجراءات الجنائية، وضمان توفير مسار قضائي لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
- تقديم تحديثات منتظمة وتقارير عامة إلى مجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة الأخرى بشأن حالة حقوق الإنسان في ليبيا.
أن عمل هذه الآلية القائم على متابعة المساءلة يختلف عن المراقبة اليومية والإبلاغ الذي يتولاه قسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ويجب أن يظل منفصلاً عنه، حتى لا ينتقص من الموارد المطلوبة لعمل القسم، ويعرض أعضاء بعثة الدعم للخطر. فضلاً عن أهمية الفصل بين الدورين من أجل حماية الاستقلال التام لأعمال المتابعة والمساءلة. إذ ان دور بعثة تقصي الحقائق هو دور مكمل وليس مكرر لدور قسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
نحث حكوماتكم على:
- ضمان عدم الصمت عن العمل الهام والنتائج القيمة التي توصلت لها بعثة تقصي الحقائق المنقضية ولايتها خلال الجلسة الحالية لمجلس حقوق الإنسان،
- دعم التشكيل العاجل لآلية متابعة المساءلة بالوظائف الموضحة أعلاه.
إن التراخي في الوفاء بهذه المطالب يبعث برسالة خطيرة للجناة مفادها أنهم يستطيعون مواصلة ارتكاب جرائمهم دون عقاب.
ونحن على أتم استعداد للمساعدة في هذه الجهود بأي طريقة ممكنة.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
المنظمات الموقعة:
- منظمة العفو الدولية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب
- مركز مدافع لحقوق الإنسان
- هيومان رايتس واتش
- اللجنة الدولية للحقوقيين
- محامون من أجل العدالة ليبيا
- رابطة النساء الدولية للسلام والحرية
- المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب
Share this Post