رغم مرور أكثر من 6 أشهر، لا يزال العشرات من موظفي المنظمات الدولية والأممية في اليمن وأعضاء من المجتمع المدني المحلي رهن الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري لدى جماعة أنصار الله الحوثي (الحوثيين)؛ سلطة الأمر الواقع في العاصمة اليمنية صنعاء ومدن شمالية أخرى. كانت هذه الاعتقالات، التي استندت إلى اتهامات ملفقة بـ «التجسس»، قد أثارت صدمة كبيرة لدى المجتمع المدني اليمني وضاعفت من مخاوفه، وقوضت بشكل كبير قدرته على تقديم الدعم الحيوي لليمنيين، رغم أنهم في أمس الحاجة إليه. وفي هذا السياق، يجدد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان دعوته إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني.
منذ 6 يونيو 2024، شن الحوثيون حملة قمعية، تستهدف عشرات من أعضاء المجتمع المدني المقيمين في صنعاء ومدن شمالية أخرى، بينهم 4 نساء، و13 موظفًا بهيئات الأمم المتحدة في اليمن. وحتى الآن، لم يتم تأكيد إلا إطلاق سراح امرأة واحدة الشهر الماضي، من إجمالي المعتقلين.
تقول آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة: «تشكل هذه الحملة القمعية هجومًا مباشرًا على أولئك الساعين بلا كلل إلى تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في اليمن. إذ يستغل الحوثيون ادعاءاتهم البطولية بمقاومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، لصرف الانتباه عن انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان في الداخل. إن قمع وترهيب المجتمع المدني خيانة لمبادئ العدالة والكرامة التي يزعمون التمسك بها».
وبحسب فرد من عائلة أحد المعتقلين الذي يعاني من مرض السكري، قال لمركز القاهرة: «نخشى إرسال أي شخص لسؤال المسئولين عن مكانه خوفًا من الاعتقال». فيما ذكر شقيق لأخر: «نتلقى وعودًا غير رسمية منذ شهور، بلا أي تغيير».
تثير الأوضاع في مراكز الاحتجاز الحوثية الكثير من القلق؛ إذ سبق ووثقت منظمات حقوقية العديد من حالات الوفاة فيها بسبب الإهمال وسوء المعاملة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لقي كل من صبري الحكيمي الخبير التعليمي، وهشام الحكيمي مدير السلامة والأمن بمنظمة إنقاذ الطفولة، حتفهما أثناء الاحتجاز في ظروف مريبة. وفي الآونة الأخيرة، اختفى محمد خماش قسرًا من يونيو وحتى أكتوبر 2024، حين اتصل الحوثيون بعائلته وطلبوا منهم استلام جثته.
ومن الجدير بالذكر، أنه في أكتوبر الماضي تم إحالة ما لا يقل عن 12 شخصًا، يعملون في منظمات أممية وفي سفارة الولايات المتحدة وتم اعتقالهم بين عامي 2021 و2023، إلى النيابة الجنائية المتخصصة بتهم تتعلق بالتجسس. وفي حالة إدانتهم، قد يواجهون عقوبة الإعدام. كان العديد من هؤلاء محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي منذ لحظة اعتقالهم وحتى نبأ محاكمتهم. كما بثت قناة المسيرة التلفزيونية (التي يسيطر عليها الحوثيون) مؤخرًا، مقاطع مسجلة لاعترافات مزعومة لبعضهم. علمًا بأن إذاعة هذه «الاعترافات» يعد انتهاكًا واضحًا لضمانات المحاكمة العادلة، وتحديدًا حق الأفراد في عدم إجبارهم على الإدلاء بشهاداتهم ضد أنفسهم. كما أن ثمة مخاوف جدية من أن تكون هذه الاعترافات قد تم انتزعها بالإكراه وتحت التعذيب، الأمر الذي يضاعف من الخطر على مصير المجموعة الجديدة التي تم اعتقالهم مؤخرًا في يونيو الماضي، فربما ينتظرها المصير نفسه.
وكان رؤساء هيئات أممية مختلفة قد أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء إحالة بعض المعتقلين في السنوات الماضية إلى المحاكمة الجنائية: «بينما كنا نأمل إطلاق سراح زملائنا، يعترينا الحزن والأسى العميق لهذا التطور الخطير، واحتمالية إدانة زملائنا بمثل هذه الاتهامات، كعقوبة إضافية بعد الاحتجاز المطول بمعزل عن العالم الخارجي الذي عانوا منه على مدى سنوات».
وتضيف القلالي: «على الجهات الدولية الفاعلة التي تحظى بنفوذ على الحوثيين التحرك بجدية وسرعة أكبر، من أجل حماية المجتمع المدني في اليمن، ووضع حد للانتهاكات الجسيمة بحق العاملين فيه. إن الاحتجاز غير العادل لأعضاء المجتمع المدني لا يلحق الضرر بهؤلاء الأفراد وأسرهم فحسب، بل يقوض مساعي المجتمع المدني كله من أجل إعادة البناء والعمل من أجل السلام، ودعم الشعب اليمني».
Share this Post