قانون معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة...
في سؤال وجواب
في 25 يوليو 2018، أصدر مجلس النواب القانون رقم 161 لسنة 2018 بشأن معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، والذي منح رئيس الجمهورية السلطة المطلقة في اختيار من يروق له من القادة العسكريين، ومنحهم عدة امتيازات على رأسها الحصانة القضائية ضد إجراءات التحقيق في بعض الجرائم، فضلاً عن معاملتهم معاملة الوزراء في الداخل، ومنحهم الحصانات والامتيازات المقررة لأعضاء البعثات الدبلوماسية أثناء سفرهم للخارج. فما هي دلالات إصدار هذا القانون وأهم نتائج تطبيقه؟
في ذكرى مرور 100 يومًا على إصدار القانون، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يجيب عن 10 أسئلة حول دلالات قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة.
يقصد بمعاملة الوزراء تلك المتعلقة بالأجور والمعاشات، إذ يتقاضى كل من نواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء مرتبًا شهريًا يعادل صافيه الحد الأقصى للأجور.[1] أي اثنين وأربعين ألف جنيه شهرياً،[2] بالإضافة إلى عدم خضوع معاشاتهم لأية ضرائب أو رسوم.[3] على أن يسوى المعاش بواقع جزء من عشرة أجزاء من أجر التسوية عن كل سنة خدمة في المنصب، بحسب آخر راتب حصلوا عليه في الخدمة، على ألا يجاوز صافي الحد الأقصى للأجور في تاريخ انتهاء شغل المنصب. ويكون الحد الأقصى للمعاش بواقع (80%) من أجر التسوية. وإذا قل المعاش عن (25%) من أجر التسوية رفع إلى هذا القدر، وإذا انتهى شغل المنصب بسبب الوفاة الإصابية أو العجز الكلي الإصابي يكون المعاش بواقع (80%) من أجر التسوية. على أن يجبر كسر الشهر إلى شهر في حساب المدد المشار إليها.[4]
وبحسب القانون 161 لسنة 2018 يعامل "فقط" المعاملة المقررة للوزير كل من لم يشغل من كبار القادة المختارين منصب وزير أو منصبًا أعلى، أي أنه إذا تم استدعاء من سبق وكان وزيرًا أو تقلد منصبًا أعلى فلا يعامل هذه المعاملة. فمثلا المشير طنطاوي لو تم اختياره ليشمله هذا القانون بموجب قرار من الرئيس، فإنه لن يحظى بامتيازات الوزراء المقررة بهذا القانون، نظرًا لأنه كان يومًا وزيرًا للدفاع، وهو حاليًا يحظى بامتيازات وزير سابق بالفعل.
[2] المادة 1 من القانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة.
[3] المادة 5 من القانون رقم 28 لسنة 2018.
[4] المادة 31 من القانون رقم 160 لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
يتمتع أعضاء البعثات الدبلوماسية -دون غيرهم- بمجموعة من الامتيازات والحصانات بموجب اتفاقية فيينا 1961، والتي يمنحها بدوره القانون رقم 161 لسنة 2018 للقادة العسكريين المختارين من رئيس الجمهورية، أثناء سفرهم للخارج طوال مدة خدمتهم أو مدة استدعائهم، ملزمًا وزير الخارجية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك. ومن بين هذه الحصانات : عدم اخضاعهم لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال أثناء فترة وجودهم بالخارج؛ عدم جواز تفتيش منزلهم الخاص؛ تمتع الأوراق والمراسلات والأموال الخاصة بهم بالحصانة ضد إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز أو التنفيذ؛ تمتعهم بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المضيفة حال ارتكبوا جرائم بالخارج؛ إعفاءهم من الشهادة أمامه؛ إعفاء الأشياء المعدة لاستعمالهم الخاص أو أفراد أسرته من جميع الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى؛ إعفاء الأمتعة الشخصية من التفتيش إلا إذا كانت تحتوي على مواد يحظر القانون استيرادها أو تصديرها؛ علاوة على تمتع أفراد أسرهم –الذين يعيشون معه في نفس المسكن- بالامتيازات والحصانات نفسها.
تعني الحصانة القضائية أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء قضائي، بما في ذلك الاستدعاء للتحقيق، لهؤلاء القادة العسكريين إلا بإذن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي يمكنه بالطبع الرفض، لأن مضمون الإذن يتلخص في عدم ممانعة الجهة (المجلس العسكري) التي تًطلب القانون استئذانها قبل مباشرة التحقيق.
وبحسب القانون تسري هذه الحصانة ضد إجراءات التحقيق في الجرائم المرتكبة خلال فترات تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه، أي أنه لا يجوز مساءلة أيًا من القادة العسكريين الذين يشملهم قرار رئيس الجمهورية عن الضلوع في أية جرائم محل تحقيق وقعت بين 19/2/2011 (تاريخ تعطيل دستور 1971) و 23/1/2012 (تاريخ انعقاد البرلمان)، وفي الفترة من 3/7/2013 (تاريخ تعطيل دستور 2012) إلى 10/1/2016 (تاريخ انعقاد البرلمان الحالي). كما أنهم يحظوا بحصانة مستقبلية ضد إجراءات المحاكمة عن أية جرائم قد تقع في حالة تعطيل الدستور الحالي وغياب البرلمان. فإذا حدث وتعطل العمل بالدستور الحالي وتوقفت الحياة النيابية فإن لهم هذه الحصانة إلى حين انعقاد مجلس نواب جديد.
يصعب حصر كافة الوقائع والجرائم والقضايا محل التحقيق خلال فترتين كانا من أكثر الفترات عنف ودموية في مصر، ولا يمكن حصر أعداد القتلى والمصابين من المواطنين خلالهما من مختلف الانتماءات والتوجهات، ولكن تجدر الإشارة أن الفترة الأولى – والتي كانت مصر فيها تحت حكم المجلس العسكري- قد شهدت وقائع مفصلية ومذابح خطيرة منها اعتصام 8 أبريل 2011، أحداث ماسبيرو 9 اكتوبر 2011، وأحداث محمد محمود نوفمبر 2011 والفض المتكرر لميدان التحرير، وأحداث فض اعتصام مجلس الوزراء ديسمبر 2011، بينما بدأت الفترة الثانية بإعلان وزير الدفاع وقتها( الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي) عزل الرئيس المنتخب معلنًا ما يسمى" الحرب ضد الإرهاب" بعد تفويض شعبي طلبه بذلك، وقد شهدت هذه الفترة أحداث دموية مريعة منها أحداث الحرس الجمهوري يوليو 2013، أحداث طريق النصر يوليو 2013، وأهمها أحداث فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة أغسطس 2013. كل هذه الجرائم وغيرها، لا يجوز مساءلة القادة المشمولين بالحصانة عنها بموجب هذا القانون، لأنها وقعت ما بين تعطيل الدستور وانعقاد مجلس النواب، وفقًا للآجال المحددة سابقًا.
تعني الحصانة ضد إجراءات التحقيق والمحاكمة داخليًا خلال هذه الفترات، التستر الكامل على جرائم الماضي وإفلات العسكريين المتورطين فيها من العقاب، بما في جرائم خطيرة شهدتها مصر خلال فترة الحكم العسكري 2011 وفي أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، بداية من كشوف العذرية، مرورا بدهس المتظاهرين في أحداث ماسبيرو، وسحل وقتل المحتجين في محيط مجلس الوزراء وشارع محمد محمود، وصولاً إلى قتل ما يقرب من 1000 شخص خلال ساعات في مذبحة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة. ففي كل هذه الجرائم يحظر على النيابة العامة والعسكرية اتخاذ أي من إجراءات التحقيق بحق القادة العسكريين- حال شملهم رئيس الجمهورية بالحصانة- إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي له حق رفض الاستدعاء والتحقيق، وبالتالي عدم محاسبة الجناة منهم.
في ديسمبر 2000، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا هامًا بخصوص مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن قاضي تحقيق بلجيكي باحتجاز وزير خارجية الكونغو- ندومباسي– الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم أثناء تداول القضية، لحين تسليمه لبلجيكا على خلفية اتهامات بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الانساني، إذ أقرت محكمة العدل سقوط "الحصانة القضائية" عن وزير الخارجية بمجرد انتهاء خدمته معتبرة أن الحصانة الدبلوماسية من الملاحقات القانونية أمام المحاكم الأجنبية ذات الولاية القضائية المتعلقة بالاختصاص العالمي تنحصر فقط على رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، ووزراء الخارجية ووزراء الدفاع طالما انهم مازالوا بالخدمة، وتسقط بمجرد خروجهم من الخدمة.
الأمر الذي يعكس من حيث المبدأ إجماع المجتمع الدولي على أن الجرائم الأساسية في القانون الجنائي الدولي يجب ألا تمر دون عقاب، إذ تسقط القيود التقليدية التي تخضع لها المحاكمة الجنائية (الولاية الإقليمية، الحصانات) على الجرائم الأساسية الدولية. وتعد هذه أول دعوى حديثة بشأن جرائم دولية تواجه دولتين في مسألتي الاختصاص خارج الإقليم والحصانة، الناشئتين عن تطبيق قانون وطني. هذه الفكرة تلقى تأييدًا متزايدًا، لا في المبدأ القانوني فحسب، وإنما في قرارات المحاكم الوطنية أيضًا.
من ثم، فإن الحصانة المقررة بموجب القانون 161 لا تعفي من مقاضاة كبار القادة العسكريين أمام المحاكم الأجنبية أو الدولية ذات الاختصاص العالمي، كونهم غير مشمولين بالحصانة المقررة في ضوء حكم العدل الدولية، لأنهم ليسوا وزراء للخارجية أو الدفاع، وبالتالي، فإن الحصانة المقررة لكبار القادة العسكريين – في حالة مقاضاتهم أمام محاكم دولية أو أجنبية- مجرد حبر على ورق.
يعتبر القانون رقم 161 لسنة 2018 العسكريين المشمولين بقرار رئيس الجمهورية بمثابة مستدعيين لخدمة القوات المسلحة مدى الحياة، مما سيؤدي بالتبعية إلى حرمانهم من مباشرة الحقوق السياسية -كالترشح والانتخاب- إذ أنه بموجب قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014 يعفى ضباط وأفراد القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية طوال مدة خدمتهم أو استدعائهم من مباشرة حق الترشح والانتخاب وإبداء الرأي في كل استفتاء ينص عليه الدستور. وبذلك يضمن الرئيس السيسي عدم منافسته من قبل قادة الجيش سواء الذين مازالوا في الخدمة أو غيرهم من الذين انتهت خدمتهم- بمجرد أن يشملهم قراره بموجب هذا القانون. ففي مقابل الحصانة القضائية وبعض الامتيازات يضمن رئيس الجمهورية ألا يتطلع أيًا من هؤلاء القادة لمنصب رئيس الجمهورية.
فالرئيس عبد الفتاح السيسي- الذي أقر هذا القانون- لا يريد أن يفكر في منافسته "عنان" آخر. علمًا بأن هذا القانون الجديد يختلف عن القانون 133 لسنة 2011[1] الذي تمت محاسبة الفريق سامي عنان بموجبه إبان الانتخابات الرئاسية الماضية، فالقانون رقم 133 خاص فقط بأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين خلال عام 2011 ممن بلغوا السن القانونية لإنهاء استبعادهم،[2] بينما القانون الجديد 161 لسنة 2018 يوسع من دائرة العسكريين المستدعيين للخدمة دون ضوابط، تاركا الأمر برمته لهوى رئيس الجمهورية بما يخدم مصالح استبعاد جميع منافسيه المحتملين.