تقول 14منظمة حقوقية دولية وإقليمية اليوم أن الحكومة المصرية داست على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة، في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها بين 26 – 28 مارس 2018. إذ دأبت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي على خنق الحريات الأساسية واعتقلت مرشحين محتملين وأوقفت مناصرين لهم.
وتضيف المنظمات: “على حلفاء مصر إعلان موقفهم الآن والتنديد بهذه الانتخابات الهزلية بدل الاستمرار في الدعم غير المشروط لحكومة تقود أسوأ أزمة حقوقية في البلاد منذ عقود.” وتابعت: “وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأطراف -التي تقدم دعمًا كبيرًا للحكومة المصرية– أن تجعل حقوق الإنسان جزءًا أساسيًا في علاقاتها بمصر، وعلى هذه الدول وقف كافة المساعدات الأمنية التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي، وأن تركز المساعدات على ضمان التحسن الملموس في تدابير حماية حقوق الإنسان الأساسية.
يمثل القمع قبيل الانتخابات الرئاسية المصرية تصعيد كبير في المناخ السياسي الذي يحرم الناس من حقوقهم في المشاركة السياسية وفي حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. وفي ذلك تقول المنظمات الموقعة أنه على السلطات المصرية الإفراج فورًا عن جميع المعتقلين جراء الانضمام لحملات سياسية أو لذكرهم نية الترشح للانتخابات.
أطاحت السلطات تباعا بمنافسين رئيسيين أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية؛ إذ اعتقلت المرشحَين المحتملَين الفريق أول متقاعد سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة، فضلاً عن المرشح الرئاسي المحتمل الثالث، أحمد شفيق، الذي كان رئيس الوزراء وقائد للقوات الجوية، ويبدو أنه وُضع قيد الإقامة الجبرية غير المعلنة إلى أن انسحب من السباق الرئاسي. أما المرشحان المحتملان الأساسيان الآخران، المحامي الحقوقي خالد علي ونائب البرلمان السابق محمد أنور السادات، فقد تراجعا عن الترشح الرسمي، بدعوى وجود مناخ قمعي وخوفًا على مناصريهما، وتحسبًا لتدخلات الحكومة في الانتخابات.
المرشح الوحيد حاليًا بمواجهة الرئيس السيسي هو موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، الداعم للحكومة، والذي قدم أوراقه للترشح في 29 يناير الماضي، وهو اليوم الأخير لتقديم الأوراق، بعد جهود من نواب برلمانيين موالين للحكومة لإقناعه بالترشح. وحتى اليوم السابق لتسجيل ترشحه، كان موسى عضوًا في حملة داعمة لترشح السيسي لفترة ثانية.
وفي هذا السياق، لا يبدو أن ثمة معنى فعلي لحق كل مواطن في الترشح والتصويت في انتخابات تمثل تعبيرًا حرًا لإرادة الناخبين.
تخرق هذه التدابير الحكومية الدستور المصري والتزامات مصر الدولية، ومنها التزاماتها بموجب”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب،” وإعلان الاتحاد الأفريقي لعام 2002 بشأن المبادئ الحاكمة للانتخابات الديمقراطية في أفريقيا. إذ تربط المادة 25 من العهد الدولي والمادة 3 من إعلان الاتحاد الأفريقي المشاركة السياسية للمرء – كناخب ومرشح – بحرية التجمع والتعبير وتكوين الجمعيات. كما يستعرض “دليل الاتحاد الأوروبي الإرشادي لمراقبة الانتخابات” معايير تفصيلية للانتخابات النزيهة، ومنها أن هذه الحقوق “دونها لا يمكن ممارسة الانتخابات بشكل حقيقي.”
أدى مناخ الانتقام والتنكيل القائم بحق المعارضين وتصاعد القمع ضد الحقوقيين والمنظمات الحقوقية المستقلة إلى جعل المراقبة الحقيقية للانتخابات صعبة للغاية على المنظمات المحلية والأجنبية. وتقول تقارير إعلامية أن عدد المنظمات التي مُنحت التصريح بمراقبة الانتخابات كان أقل بـ 44% عن الانتخابات الرئاسية في 2014، وإن عدد الطلبات تناقص.
فيما طالبت عدة أحزاب معارضة بمقاطعة الانتخابات. وبعد ذلك بيوم، هدد السيسي باستخدام القوة، بما يشمل الجيش، ضد من يقوضون “استقرار مصر أو أمنها.” وفي 6 فبراير، أمر مكتب النائب العام بفتح تحقيق ضد 13 من قيادات المعارضة دعوا للمقاطعة، واتهمهم بالدعوة إلى “قلب نظام الحكم”.
وفي ذلك تقول المنظمات: “تستهزئ الحكومة بالحريات الأساسية التي كافح من أجلها المحتجون بعد 7 سنوات على الانتفاضة المصرية في 2011. وتزعم الحكومة المصرية أنها “في مرحلة انتقال ديمقراطي” بينما تبتعد عن الديمقراطية مع كل انتخابات جديدة.”
المنظمات الموقعة:
- هيومن رايتس ووتش
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الخدمة الدولية لحقوق الإنسان
- روبرت ف. كينيدي لحقوق الإنسان
- سوليدار
- الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- لجنة الحقوقيين الدولية
- مراسلون بلا حدود
- مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- منظمة CNCD-11.11.11
- منظمة CIVICUS “World Alliance for Citizen Participation”
- هيومن رايتس فيرست
- يوروميد رايتس
معلومات خلفية عن العملية الانتخابية في مصر:
الاعتقالات والمضايقات بحق المنافسين والمرشحين المحتملين الأساسيين
العقيد أحمد قنصوة
في 19 ديسمبر2017، حكمت محكمة شمال القاهرة العسكرية على العقيد احمد قنصوة بالسجن 6 سنوات بتهمة ارتكاب “سلوك مضر بمقتضيات النظام العسكري،” بعد 3 أسابيع من إعلان نيته الترشح للانتخابات عبر فيديو على “يوتيوب”. قال قنصوة، العقيد بالجيش والمهندس المعماري بوزارة الدفاع، إنه قدم استقالته للوزارة عدة مرات على مدار السنوات الأربع الماضية، قائلا إنه يرغب في الترشح للانتخابات، لكن تم رفض طلبه “تعسفا” في كل مرة دون إبداء أسباب. إذ لا يُسمح لضباط الجيش أثناء الخدمة في مصر بالترشح للرئاسة.
أيدت محكمة الاستئناف العسكرية الحكم عليه في 29 يناير2018. ومازال بإمكانه الطعن أمام محكمة الاستئناف العسكرية العليا. رفع قنصوة عدة قضايا ضد وزارة الدفاع أمام محاكم إدارية فيما يخص استقالته، وهناك قضية منها قائمة حاليا، وتُراجع المحكمة الدستورية العليا قضية أخرى.
تقول هيومن رايتس ووتش: “إنه يبدو أن الحُكم بسجن قنصوة، إلى حد بعيد، غير متناسب، وعلى السلطات السماح له بتقديم كافة الوثائق القانونية الخاصة بقضيته وتتيح له فرصة مناسبة للطعن بهذه الادعاءات.”
الفريق أول سامي عنان
أعلن الفريق أول المتقاعد سامي عنان في 19 يناير الماضي نيته الترشح للانتخابات الرئاسية في بيان مسجل بالفيديو، وكان عنان رئيس أركان القوات المسلحة قد أحيل للتقاعد بناء على أمر من الرئيس السابق محمد مرسي في أغسطس 2012.
أدلى الرئيس السيسي – بعد ساعات من إعلان عنان اعتزامه الترشح للرئاسة – بتصريحات حول الانتخابات الرئاسية أثناء مؤتمر استعرض فيه “إنجازاته” على مدار السنوات الأربع الأخيرة، قائلا: “أنا عارف الفاسدين، عارفهم كويس… أنا مش هابقى حكم عليكم، اختاروا اللي أنتو عايزينه، لكن فيه ناس أنا عارفهم فاسدين، لن أسمح لهم بالاقتراب من الكرسي ده [الرئاسة]”. وبعدها قام عناصر أمن – ويُرجح أنهم من المخابرات الحربية التابعة لوزارة الدفاع – باعتقال عنان بناء على أسباب غير واضحة في 23 يناير، فيما كان بسيارته في أحد شوارع القاهرة. واحتُجز عنان بمعزل عن العالم الخارجي عدة أيام، حسبما أفادت منظمة العفو الدولية، لم يتمكن محاميه ناصر أمين ونجله سمير عنان من مقابلته في سجن عسكري حتى 27 يناير. قبل اعتقال عنان بساعات أصدرت وزارة الدفاع بيانا تتهمه فيه بتزوير وثائق رسمية و”التحريض على القوات المسلحة”، مدعية أنه يحتاج إلى موافقة القوات المسلحة قبل الترشح للرئاسة. وقالت الوزارة إنها سوف “تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة معه.”
وقد صرح مصدر قريب من عنان، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ هيومن رايتس ووتش أن النيابة العسكرية استجوبت عنان في 23 يناير وأمرت بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق، لكن اتهمته فقط بمخالفة القواعد العسكرية والعمل السياسي. وفي 6 فبراير جددت النيابة حبسه 7 أيام، بحسب المصدر.
في 27 يناير 2018، هاجم 3 رجال مسلحون بالسكاكين القاضي هشام جنينة، عضو حملة عنان الرئاسية والرئيس السابق لـ “الجهاز المركزي للمحاسبات،” فيما كان يستقل سيارته مع زوجته وابنته وسائق قرب مسكنه بالقاهرة. وقالت وزارة الداخلية في بيان إنه أصيب جراء مشاجرة دخل فيها جنينة وأسرته مع 3 رجال في سيارة أخرى إثر خلاف على حادث سيارة صغير. بينما قال محامو جنينة للصحفيين أن الهجوم كان محاولة لاختطافه، وإن جنينة صاح طالبا النجدة وسرعان ما أنقذه المارة.
أمرت النيابة في اليوم التالي باحتجاز الرجال الثلاثة الذين هاجموا جنينة على ذمة التحقيقات، واتهمتهم بالسرقة المسلحة. وبعد أيام، قال جنينة للصحفيين أن الهجوم كان سياسي الدوافع وأنه حدث فيما كان في طريقه لتقديم طعن ضد إخراج عنان من سباق الرئاسة. كما ادعى جمال عبد الرحيم – عضو مجلس “نقابة الصحفيين” – أن أحد المعتدين الثلاثة شوهد ضمن مجموعة رجال بثياب مدنية رافقوا قوات الأمن التي داهمت النقابة في مايو 2016 وهاجمت الصحفيين.
أحمد شفيق
في 8 يناير2018، تراجع الفريق أحمد شفيق – الذي كان رئيسا للوزراء في 2011 وقائدا للقوات الجوية (1996 – 2002) – عن الترشح للرئاسة بعد أسابيع بدا خلالها أنه رهن الإقامة الجبرية دون أوامر قضائية. كان شفيق قد أعلن نيته الترشح في 29 نوفمبر2017 في بيان مصور بثته وكالة رويتر، وبعد ساعات قال في بيان آخر أذاعته قناة الجزيرة أن السلطات الإماراتية منعته من مغادرة البلاد، حيث كان يقيم منذ 2012.
في 3 ديسمبر2017، قالت محامية شفيق دينا عدلي– عبر صفحتها على موقع “فيسبوك” – إن شفيق اعتُقل وجاري ترحيله من الإمارات للقاهرة. وبعد وصول شفيق لمطار القاهرة، تناقلت وسائل الإعلام قول أسرته والمحامية إنهم لا يعرفون مكانه. واكتشفوا فيما بعد أنه نُقل قسرا إلى فندق بإحدى ضواحي القاهرة. حيث يبدو أن شفيق قضى أسابيع قيد الإقامة الجبرية في الفندق، محاطا بعناصر أمن منعوه من التواصل مع الصحفيين، في محاولة يبدو أنها – على حد قول الأسرة والمحامية – للضغط عليه كي لا يترشح للرئاسة.
في 3 ديسمبر أيضا، تم اعتقال3 على الأقل من مناصري شفيق، هم أحمد الدهشوري وهاني فؤاد ومحمد إمام. ونقلت “رويترز” عن مصدرين أمنيين لم تسميهما أن الثلاثة اتهموا بنشر أخبار “تضر بالأمن القومي،”فيما أصدر شفيق بيانًا في 16 ديسمبر”يعتذر” فيه للذين اعتقلوا بسبب الصلة بحملته.
وعن خلفية الموضوع، قال قريب أحد الموقوفين، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لـ هيومن رايتس ووتش أن قريبة قد أخلي سبيله فيما بعد. وقال قريب الموقوف: “تبنا إلى الله. لن نتورط في السياسة مرة أخرى.” ولم نتمكن من معرفة إن كان الآخران ما زالا رهن الاحتجاز.
خالد علي وأنور السادات
أنهى خالد علي، المحامي الحقوقي، وأنور السادات، النائب البرلماني السابق، حملتيهما الرئاسية بدعوى وجود مناخ قمعي في البلاد. في 27 ديسمبر الماضي، وقال السادات إنه أرسل شكوى إلى “الهيئة الوطنية للانتخابات”، بشأن منع “قطاع الأمن الوطني” لحملته من عقد مؤتمرات صحفية.
بينما قال خالد علي في مؤتمر صحفي في 24 يناير 2018 معلنًا انسحابه، أن العديد من مناصريه اعتقلوا منذ الصيف. وقالت هالة فودة مديرة حملته لـ هيومن رايتس ووتش أن السلطات اعتقلت بعض أعضاء “حزب العيش والحرية” تحت التأسيس، وهو حزب خالد علي، فضلا عن نشطاء من أحزاب أخرى دعموه منذ إعلان ترشحه. اعتقلت السلطات 190 ناشطا سياسيا على الأقل خلال موجتين كبيرتين من الاعتقالات، في أبريل ويونيو2017، وغالبية الاعتقالات كانت أثناء مظاهرات معارضة للحكومة.
قالت فودة إنه فيما لم يُعتقل أحد أثناء حملة جمع التوكيلات لترشح خالد علي، فقد وقعت “تدخلات أمنية” أخرى، منها الترهيب والتهديد من عناصر الأمن بحق الذين قدموا توكيلات لخالد علي ليتأهل كمرشح، وأضافت أن أفرادًا لا صلة لهم بحملته كانوا يجمعون بدورهم التوكيلات من مواطنين، لكن رفضوا تقديمها. إذ ذكرت على سبيل المثال سيدة من تلا بالمنوفية لم تكن معروفة للحملة وجمعت مئات التوكيلات ثم رفضت تسليمها للحملة. قالت فودة إن الحملة تقدمت بشكاوى للهيئة الوطنية للانتخابات حول هذه الوقائع، لكن لم تصلها ردود.
يطالب قانون الانتخابات المرشحين الرئاسيين بتحصيل 20 ترشيحا من نواب برلمانيين أو 25 ألف توكيل من المواطنين، بما يشمل ألف توكيل على الأقل من 15 محافظة مختلفة. وقد منحت الهيئة الوطنية للانتخابات المرشحين 20 يوما فقط لجمع هذه التوكيلات. ومن بين 596 نائبا برلمانيا، قدم 549 (نحو 92 %) بينهم رئيس البرلمان، توكيلات لدعم ترشح السيسي للرئاسة. أما موسى، المرشح المسجل الآخر الوحيد، فجمع 20 توكيلاً من النواب البرلمانيين بعد أن طالبه -على ما يبدو- نواب موالون للحكومة بالترشح للرئاسة.
المتطلبات الأساسية للانتخابات الحرة والنزيهة
فرضت السلطات المحلية في مصر والقوانين القائمة قيودا إضافية بلا حصر، من شأنها تقويض إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة. فقانون التظاهر المصري رقم 107 لسنة 2013، الذي يفرض قيودًا شديدة، يطالب منظمي المظاهرات والتجمعات العامة بالحصول مسبقًا على تصريح من وزارة الداخلية، ما يزيد من إضعاف فرص مرشحي المعارضة.
هذا القانون، وقانون التجمهر، رقم 10 لسنة 1914، يجرمان مجرد التجمهر في مجموعات من 5 أشخاص أو أكثر، وينصان على عقوبات بالسجن لفترات مطولة.
عمليا، أظهرت الشرطة تسامحًا أكبر بكثير مع المسيرات واللقاءات الداعمة للسيسي، مقارنة بتلك الخاصة بشخصيات المعارضة. كما أعلن السيسي عن حالة طوارئ في عموم البلاد في أبريل 2017 ومددها 3 مرات. في حالة الطوارئ يُحاكم المتهمون بمخالفة قوانين التظاهر أمام محاكم أمن الدولة طوارئ سيئة السمعة، التي عادت للعمل في أكتوبر الماضي، ولا يمكن الطعن بأحكامها.
كما ضيق السيسي كثيرًا على حرية التعبير وحرية الصحافة، مما أدى عمليا للقضاء تقريبا على أية مساحة للانتقاد العلني للحكومة، لاسيما انتقاد الرئيس. وتوصلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير – وهي منظمة حقوقية محلية – إلى أنه خلال الفترة من مايو إلى ديسمبر2017، تم حجب ما لا يقل عن 496 موقعًا إلكترونيًا في مصر، ومنها مواقع إخبارية وإعلامية، فضلا عن مواقع لحركات حقوقية وسياسية.
تُحكم الحكومة سيطرتها على الإعلام الحكومي، وهناك شركات تربطها صلات مباشرة وغير مباشرة بالمخابرات استحوذت على عدة قنوات تلفزيونية وصحف ذات ملكية خاصة، بحسب “مراسلين بلا حدود” وتقارير إعلامية أخرى. وثقت “لجنة حماية الصحفيين” اعتقال عشرات الصحفيين، وما زال 20 منهم على الأقل وراء القضبان، ما يجعل مصر من أبرز دول العالم التي تسجن الإعلاميين.
أصدرت الحكومة في مايو2017 قانونًا جديدًا يضيق بشدة على حرية تكوين الجمعيات وعلى المنظمات غير الحكومية في مصر. كما ضايقت الحكومة نشطاء حقوقيين من خلال القضية رقم 173 لسنة 2011 المصحوبة بتحقيقات مطولة، والتي تستند لاتهامات بتلقي منظمات غير حكومية تمويل أجنبي. وصادرت السلطات أصول هذه المنظمات، ووضعت النشطاء على قوائم الممنوعين من السفر واستدعتهم عدة مرات للاستجواب. وقد أدت المضايقات عمليًا إلى منع المنظمات غير الحكومية المصرية والدولية المستقلة من مراقبة الانتخابات.
كما قوضت حكومة الرئيس السيسي بشدة استقلال القضاء، إذ فصلت عن العمل العديد من القضاة الذين أدلوا بآراء نقدية، فضلا عن الموافقة على تعديلات تشريعية تقوض سلامة الإجراءات القضائية.
إثر بيان وزارة الداخلية الخاص بعنان، هرعت عشرات المنشآت التجارية الخاصة والعامة، مثل “سكك حديد مصر” و“شبكة قنوات العاصمة” ومجموعات مثل نقابة الصحفيين، بإصدار بيانات داعمة للسيسي، أو لبيان وزارة الدفاع ضد عنان، أو للاثنين. كما أصدرت بعض الهيئات الحكومية بيانات داعمة للسيسي، ومنها “اللجنة الأولمبية المصرية” و”الاتحاد المصري لكرة القدم”، الذي عقد مؤتمرا في 21 يناير الماضي بمقر الاتحاد بالقاهرة لدعم السيسي.
عقدت أحزاب مصرية معارضة مؤتمرات صحفية وطالبت بمقاطعة الانتخابات. وبعد يوم، في 31 يناير، أدلى السيسي بتصريحات يحذر فيها من اعتزامه استخدام القوة ضد من يريدون تقويض “أمن مصر أو استقرارها”. وقال: “لا مؤاخذة أنا شايف كده كلام… احذروا! [ضحكة ساخرة]… ده أنتو باين عليكم متعرفونيش صحيح… لأن أنا مش سياسي”.
وحاليًا يخضع ما لا يقل عن 13 سياسيا بارزا لتحقيقات النيابة العامة. وفي 8 فبراير الجاري، داهمت قوات الأمن منزل محمد القصاص، نائب رئيس “حزب مصر القوية” الذي انضم إلى دعوات المقاطعة. وقال صديق للقصاص لـ هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن فتشت منزل القصاص ودمرت أمتعته. وقالت العفو الدولية إنه “ربما أُخفي قسريا” على يد قوات الأمن منذ 8 فبراير.” وبعد أن أخفي القصاص، قيل للمحامين أنه قد عرض على نيابة أمن الدولة التي أمرت باعتقاله 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة “الانضمام لجماعة محظورة”. بينما قالت زوجة القصاص أنها عندما حاولت تقديم شكوى لدى الشرطة بسبب الضرر الذي سببه الأمن لممتلكاتهم، رفضت الشرطة. وبحسب هيومن رايتس ووتش التهم الموجهة ضد القصاص تنتهك الحقوق الأساسية بما فيها حرية تكوين الجمعيات وعلى السلطات الإفراج عنه فورًا.
غياب الانتقاد الدولي للحملة القمعية في مصر
تقول المنظمات الموقعة على هذا البيان أن على كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية إعمال مبادئها، والتي بموجبها “لا يُتاح الحق الفعلي لمشاركة المرء كممثل سياسي إذا لم يتسن تسجيل حزبه ولم يتمكن مناصروه من حضور مسيرة، ولم يُسمح للناس بنشر آرائهم” كما ورد في الدليل الإرشادي لمراقبة الانتخابات الصادر عن الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك يستمر حلفاء مصر الدوليون في دعم حكومتها، ونادرًا ما ينتقدونها علنا. ففي أبريل2017، أثناء زيارة السيسي لواشنطن، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “لقد أبلى بلاء حسنا في ظرف بالغ الصعوبة.” وقال نائب الرئيس مايك بينس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون أقل القليل عن سجل مصر الحقوقي السيئ عندما زارا البلاد بشكل منفصل في يناير وفبراير2018، ولم يعلقا على الانتخابات. وعندما أجاب تيلرسون عن أسئلة الصحفيين بالقاهرة حول الموقف الأمريكي من الانتهاكات قبل الانتخابات الرئاسية، أجاب جوابا عام قال فيه أن الولايات المتحدة تدعم انتخابات حرة، ولكنه لم يعبر عن أي تخوف من أداء الحكومة المصرية.
في أغسطس الماضي، خصمت الولايات المتحدة 100 مليون دولار وحجبت 195 مليونا إضافية من مساعدتها لمصر، بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما قانون الجمعيات. فوي 22 من الشهر نفسه، وجه الكونغرس مذكرة لوزارة الخارجية، وهي شرط قانوني لحماية الأمن القومي أثناء تقديم المساعدات، تقول أن “مناخ حقوق الإنسان العام في مصر مستمر في التدهور”حسبما نقلت وكالة أسوشيتد برس”.
وفي سبتمبر2017، استأنفت الولايات المتحدة مناورات “النجم الساطع”العسكرية مع الجيش المصري، بعد تعليقها 8 سنوات. ووافقت لجنة الاعتمادات المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي على قانون يحجب 25% من مليار دولار مساعدات عسكرية للسنة المالية 2018، إلى أن تكفل وزارة الخارجية أن مصر اتخذت “خطوات فعالة نحو إحراز تقدم على مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان،”مع تحديد مؤشرات إخلاء سبيل المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسئولين الأمنيين. في حين وافقت اللجنة على مشروع القانون، فهو لم يصدر بعد. كما يحجب مشروع القانون 75 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية إلى أن تُلغى إدانات العاملين بالمنظمات غير الحكومية في قضية “التمويل الأجنبي” أو تُحفظ القضية.
الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء
انعقد “مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر” للمرة الأولى منذ 7 سنوات في بروكسل، في يوليو2017، واعتمد وثيقة جديدة لأولويات الشراكة، وهي وثيقة مرجعية تشكل السياسات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ومصر. إذ تم التقليل من شأن حقوق الإنسان أثناء انعقاد المجلس. ولم يذكر تقرير الاتحاد الأوروبي عن العلاقات بينه وبين مصر إلا عيوبًا قليلة تحت عنوان فرعي هو “تحسين الاستقرار”. فيما ظهرت في وثيقة “موقف الاتحاد الأوروبي” الخاص بالدول الأعضاء تغطية أكثر تفصيلا للقضايا الحقوقية، ومنها القيود على المنظمات الحقوقية المستقلة.
اعتمد البرلمان الأوروبي في 8 فبراير الجاري قرارا ينتقد الانتهاكات الحقوقية في مصر، منها الإعدامات وحملة قمع المنظمات غير الحكومية والحقوقيين. وطالب القرار “الرئيس السيسي وحكومته بتفعيل التزامهم بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية واحترام حقوق الإنسان” وذكر الحاجة إلى “انتخابات شفافة وحقيقية”. كما طالب القرار الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء باتخاذ “موقف قوي وموحد بشأن مصر خلال الجلسات المقبلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.”
دأبت عدة دول بالاتحاد الأوروبي، منها إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، على دعم الحكومة المصرية علنًا ودعم جهودها بمجال مكافحة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، والتزمت الصمت إلى حد بعيد بشأن الأزمة الحقوقية الأكبر في مصر.
زارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل القاهرة في مارس2017، وفي أبريل وافق البرلمان الألماني على اتفاق أمني مع وزارة الداخلية المصرية يشمل بنودًا ضعيفة بشأن حقوق الإنسان. ويؤدي الاتفاق إلى خطر تواطؤ السلطات الألمانية في أعمال التعذيب في مصر. وفي أكتوبر2017، قالت الحكومة الألمانية إنها ألغت برنامجا تدريبيا للشرطة المصرية حول مكافحة الجرائم المعلوماتية، قائلة إن هذه المهارات يمكن “أن تُستخدم في مطاردة جماعات أخرى.”
Share this Post