يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء الأمن والسلامة الجسدية للمعتقلين الفلسطينيين الثلاث: مالك القاضي ( 20 عاما) ومح
مود البلبول (21 عاما) ومحمد البلبول (26 عاما)، الذين يخوضون إضراب كلي عن الطعام لمدة تقترب من شهرين، رفضا لاعتقالهم الإداري غير القانوني من قبل القوات الإسرائيلية، من دون توجيه تهم أو إجراء محاكمات. كما يعتبر مركز القاهرة أن القرار الصادر اليوم 9 سبتمبر من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية بشان تجميد (وقف قرار) اعتقال مالك القاضي لحين تحسن حالته الصحية- وكذا القرار الصادر بالأمر نفسه بشان الأخوين بلبول أول أمس – لا يمثل حلا للأزمة ولا وقفا للانتهاك، لأنه لا يضمن إطلاق سراحهم نهائيا أو خضوعهم لمحاكمة عادلة، كما لا يضع حد لسياسة الاعتقال الإداري غير القانوني.
ويشدد مركز القاهرة على الحاجة الماسة لإلغاء صريح غير مشروط لقرارات الاعتقال الإداري بشأنهم، ويطالب بإطلاق سراحهم فورا. كما يحذر من التصعيد في التنكيل بهم سواء بإخضاعهم لعلاج قسري أو لتغذية قسرية، إذ قد يعد ذلك بمثابة جريمة تعذيب جرمها القانون الدولي بشكل مطلق.
كانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلت الأخوين بلبول في 9 يونيو الماضي، بينما اعتقل مالك القاضي في 23 مايو بعد 47 يوم فقط من إطلاق سراحه بعد اعتقال إداري دام أربعة أشهر.
بدأ محمد البلبول إضرابه عن الطعام في 4 يوليو الماضي، وتبعه أخيه محمود بعد يومين، في حين نظرت المحكمة الإسرائيلية العليا التماسا بشأنهما في 7 سبتمبر الجاري، قررت على إثره وقف تنفيذ قرار اعتقالهم لحين تحسن أوضاعهم الصحية، لكن الأخوين أصرا على الاستمرار في الإضراب اعترضا على الوقف المؤقت لقرار الاعتقال، لأنه لا يضمن إطلاق سراحهم نهائيا أو خضوعهم لمحاكمة عادلة. وحاليا يرقد الأخوين في حالة صحية متدهورة كلا في مستشفى مختلف، خارج الأرض الفلسطينية المحتلة، مما يعني صعوبة بالغة لذويهم في زيارتهما، ويمثل انتهاك جسيم للمادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تمنع اعتقال الأفراد تحت حماية القانون الإنساني خارج الأرض المحتلة. وجدير بالذكر أن محمود سبق ودخل في غيبوبة مؤقتة جراء إضرابه، بينما يعاني محمد من ضعف بصري شديد، مما دفع اللجنة الطبية لمستشفى عساف هاروفيه لإقرار تغذيته قسريا، ولكنها امتنعت نظرا لمقاومته ورفضه لذلك.
اللجنة الطبية نفسها، كانت قد أقرت التغذية القسرية لمالك القاضي أيضا، والذي نقل لذات المستشفى في 31 أغسطس الماضي، وهو يعاني حاليا من ضعف شديد وخسارة كبيرة في الوزن، ودخل مساء اليوم 9 سبتمبر في غيبوبة وفقا لمحاميه. كان مالك كان قد شرع في إضرابه في 15 يوليو وتعرض لإصابات طفيفة في الوجه خلال رفضه العلاج القسري. وفي 30 أغسطس نال ضربا من حارس السجن في منطقتي الصدر والبطن، ونقل للمستشفى في اليوم التالي.
منذ عام 2012 يلجأ المعتقلون الإداريون الفلسطينيون للإضراب عن الطعام بشكل فردي أو جماعي كوسيلة وحيدة للاحتجاج على حرمانهم من الحرية بشكل تعسفي. إذ يعتمد نظام الاعتقال الإداري على أدلة سرية، تفيد فقط بأن الفرد يشكل “خطر امني”. هذه الأدلة لا يمكن للمعتقل أو ممثله القانوني الإطلاع عليها، مما يعني استحالة الدفاع أو رد أسباب الاعتقال، فضلا عن أنه يمكن تجديد قرار الاعتقال كل ستة أشهر ولعدد غير محدد من المرات. ويكون الطعن القانوني الوحيد الممكن على أمر الاعتقال أمام المحاكم الإدارية العسكرية، كما يمكن للمحكمة الإسرائيلية العليا النظر في هذه الطعون، ولكنها حتى اللحظة لم تتطرق مطلقا لبحث مسألة قانونية نظام الاعتقال الإداري، وتكتفي بتقييم درجة “خطورة” كل معتقل في قضيته على حدة. هذا النظام غير القانوني يمس حاليا 700 أسير فلسطيني على الأقل.
يعتبر الاستخدام واسع النطاق للاعتقال الإداري ولفترات زمنية غير محددة من قبل السلطات الإسرائيلية، انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فاستنادا للمادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة والملزمة في وضعية الاحتلال العسكري، يسمح باستخدام الاعتقال الإداري فقط في حالات “الضرورة القصوى للأمن”. وقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة في ديسمبر 2012 أن: “الاعتقال الإداري جائز فقط في إطار شروط واضحة وظروف استثنائية جدا، ولأقل مدة ممكنة، دون المساس بالضمانات القانونية للسجناء. مضيفا انه: “لا بد من تمكين المعتقلين من الاعتراض على أسباب اعتقالهم وإذا لم تثبت رسميا اي اتهامات فلا بد من إخلاء سبيلهم فورا”.
من جانبها دعت اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب إسرائيل في ملاحظاتها الختامية الصادرة في 3 يونيو 2016 إلى: “اخذ التدابير اللازمة لوقف ممارسة الاعتقال الإداري، والتأكد من تمتع كل الأفراد المعتقلين إداريا بالضمانات القانونية الأساسية.” وكانت اللجنة قد نظرت لهذه الممارسة تحت بند المادة 2 (تجريم التعذيب) والمادة 16 (تجريم ضروب العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة) ملوحة بأن هذه الممارسة قد ترقى لحد جريمة التعذيب.
وأمام تجدد الإضرابات المتوالية، تبنت إسرائيل عدة تقنيات للهروب من المسئولية، بما في ذلك اقتراح إبعاد المعتقلين المضربين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، الأمر الذي يعتبر انتهاكا أخرا للقانون الإنساني، أو محاولة الوصول لاتفاق مع المضرب، كل حالة على حدة، بعدم تجديد أمر اعتقاله مقابل وقف الإضراب.
كان البرلمان الإسرائيلي قد أصدر في يوليو 2015 قانونا يسمح لإدارة السجن بطلب إذن لتغذية المعتقلين المضربين عن الطعام قسريا من المحكمة، وذلك”لضمان عدم وقوع ضرر دائم على صحة المعتقل”، وفقا لنص القانون. وكانت المؤسسات الطبية والحقوقية الإسرائيلية قد رفضت القانون بشكل قطعي، معتبرة إياه تصريح بالتعذيب، فيما اعتبره المقرر الخاص للأمم المتحدة بخصوص التعذيب من ضروب المعاملة القاسية غير الإنسانية والمهينة.
إن التعامل مع الإضراب عن الطعام لا يمكن أن يكون من خلال انتهاكات أفظع للحقوق الأساسية والمعايير الدولية، وعلى إسرائيل أن تتدارك- في أسرع وقت- عدم قانونية نظامها، وتحترم واجباتها الدولية، وعلى المدى القصير فثمة حاجة ملحة تقتضي إما الإفراج عن المعتقلين المهددة حياتهم بالخطر، أو المثول لحقهم في محاكمة عادلة. وإسرائيل وحدها تتحمل مسئولية أي ضرر دائم على الوضع الصحي لهؤلاء المعتقلين، بما في ذلك وفاة بعضهم.
وفي ذلك السياق يكرر مركز القاهرة مطلبه بإطلاق سراح جميع المعتقلين الإداريين في ظل غياب الأسباب القانونية لإدانتهم، وإلغاء قانون التغذية القسرية والذي يهدف لتقويض نضال الشعب الفلسطيني المشروع من اجل حقوقه. كما يدعو المركز كل الأطراف الدولية لاسيما الأمم المتحدة إلى إنشاء آليات مناسبة وفعالة تضمن وقف تلك الممارسات واسعة النطاق للاعتقال التعسفي، والانتهاكات الجسيمة لضمانات عدالة القضاء، بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
Share this Post