تعرب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن رفضها المشدد لمشروعي[1]قانوني مكافحة الإرهاب اللذان وافق عليهما مجلس الوزراء وأحالهما لرئاسة الجمهورية؛ تمهيدًا لإصدارهما، وذلك بعدما أرسل قسم التشريع بمجلس الدولة ملاحظاته للحكومة مساء أمس.
كانت المنظمات الموقعة قد تسنى لها الحصول على نسخة من مشروعي القانونين قبل إحالتهما إلى مجلس الدولة وذلك بتاريخ 20 مارس، فضلًا عن نشر المواقع الإخبارية لأحدهما، وهو مشروع قانون بتعديلات بعض أحكام قانون العقوبات وذلك يوم الخميس الموافق 3 أبريل 2014. وتطالب المنظمات رئيس الجمهورية المؤقت بعدم إصدارهما لما يتضمنانه من اعتداءٍ صارخ على الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها الحكومة المصرية، بالإضافة لتقنينهما لحالة طوارئ دائمة، فضلًا عن أنهما سيضاعفان من الفشل في مواجهة الجرائم الإرهابية. فطالما لجأت الحكومة المصرية إلى انتهاك القانون بما في ذلك اللجوء إلى التعذيب، والقتل خالج نطاق القانون والتوسع في أحكام الإعدام، ولم ينتج عن ذلك إيقاف العمليات الإرهابية، بل إنه أدى لامتلاك مصر سجلاً حافلاً من انتهاكات حقوق الإنسان.
إن المنظمات الموقعة ترى أن مواجهة العمليات الإرهابية بقوانين تتعارض مع الدستور وتقنن الممارسات القمعية ليس طريقًا لمكافحة الإرهاب، وتحذر المنظمات الموقعة مجددًا من أن تنحية سيادة القانون جانبًا والاستمرار في تغليب المعالجات الأمنية القمعية التي تشكل انتهاكًا فظًا لحقوق الإنسان والحريات العامة، سوف يسهم في اتساع نطاق ظواهر العنف والإرهاب المسلح؛ لذلك فإنها تدعو رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور لأن يبادر على نحو فوري بسحب مشروعي القانونين اللذان وافقت عليهما الحكومة من حيث المبدأ –مشروع تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، والمشروع الثاني بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة جرائم الإرهاب والتعاون القضائي الدولي– وذلك لما يحملانه من إهانة للدستور، وإهانة لإرادة المواطنين الذين شاركوا في الاستفتاء. وأن يقوم بالتحقيق في أوجه القصور الفادح لأداء الأجهزة الأمنية.
وتنوه المنظمات الموقعة أن المشروعين كان يجمعهما من قبل مشروع واحد أعدته وزارة الداخلية واعتبرته المنظمات الموقعة في نوفمبر 2013 تطورًا خطيرًا من شأنه أن يقنن عودة مرتكزات الدولة البوليسية إلى سابق عهدها قبل 25 يناير، ويفاقم في الوقت نفسه من ظواهر العنف والإرهاب.
من جانبها تتفهم المنظمات مسئولية الدولة في مواجهة الأعمال الإرهابية، تلك الأفعال المؤثمة قانونًا، وبمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومع أن المنظمات الموقعة أدناه تشعر بمخاوف عميقة إزاء ما شهدته الشهور الأخيرة من تصاعد حدة أعمال العنف السياسي واتساع نطاقه الجغرافي وتؤكد دائما إدانتها لتلك الأفعال الإجرامية وتشدد على ضرورة ملاحقة العناصر الضالعة في هذه الأفعال وإحالتهم إلى القضاء لينالوا العقاب المناسب على جرائمهم، عبر محاكمات منصفة، إلا أن المنظمات الموقعة تلاحظ في الوقت نفسه أن السياسات والممارسات المنتهجة تحت مظلة ما يسمى بمكافحة الإرهاب تسهم بدورها بصورة مباشرة في تغذية النشاط الإرهابي، طالما تظل هذه السياسات والممارسات متحللة من الدستور والاحتكام إلى سيادة القانون ومعايير حقوق الإنسان التي يتعين الالتزام بها، حتى ولو كان ذلك بذريعة مكافحة الإرهاب.
ومن المؤسف أن هذين المشروعين الجديدين لمكافحة الإرهاب يعاد طرحهما مجددًا بعدما أضفت عليهما وزارة العدل تعديلات أكثر خطورة تكاد تعصف بكل الضمانات الدستورية للحقوق والحريات العامة، وتقدم نموذجًا فجًا في التحايل والتلاعب بالقيود الدستورية على إعلان حالة الطوارئ الاستثنائية التي تضمنها دستور 2014، ومن ثم تفتح بابًا خلفيًا واسعًا لاستعادة الإجراءات الاستثنائية المصاحبة لإعلان حالة الطوارئ وتمديد العمل بها دون الإعلان عنها بصفة رسمية.
فرغم أن دستور 2014 تضمن تقدمًا ملحوظًا في مجال الحقوق والحريات، وخصوصًا تأكيده على حقوق المتهم في مراحل التحقيق، وتأكيده في المادة 237 على التزام الدولة بمواجهة الإرهاب مع ضمان الحقوق والحريات، إلا أن واضعي هذين المشروعين تجاهلوا تلك الضمانات واقترحوا مشروعين يسيران على نفس فلسفة المادة 179 من دستور 1971 المعدل في عام 2007 والتي أطلقت يد الدولة لمواجهة الإرهاب دون الالتزام بعدد من الحقوق والحريات الواردة في الدستور، الأمر الذي كان أحد أسباب نزول المواطنين في الشوارع والميادين في 25 يناير 2011.
هذا بالإضافة إلى تعدي مشروعي القانون على الدستور، فقد سارا في اتجاه معاكس تمامًا للتوصيات القيمة المقدمة للحكومة المصرية من المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب والتي جاءت في تقريره المنشور عقب زيارته الرسمية لمصر في عام 2009، حيث شدد على ضرورة الأخذ بتعريفات منضبطة للفعل الإرهابي، وألا يؤدي أي قانون لمكافحة الإرهاب إلى فرض حالة طوارئ دائمة بشكل غير مباشر.
إن الحكومة بطرحها لمشروعي القانونين، تسعى إلى التغطية على فشلها الفادح في مواجهة هجمات الإرهاب، و التي طالت أحد أهم المقار الأمنية في مصر (مديرية أمن القاهرة)، كما طالت مؤخرًا محيط جامعة القاهرة، وأدت تلك الحوادث إلى سقوط ضحايا مدنيين وقيادات أمنية.
إن أزمة مواجهة الإرهاب –كما ذكرنا مرارًا– ليست في غياب القوانين، بل في انعدام كفاءة الأجهزة الأمنية في حماية أرواح المواطنين بل وحماية مقارها، فنتيجة اللجوء الدائم والسهل إلى الإجراءات القمعية فقد العديد حياتهم، وتم الزج بآخرين أبرياء في السجون وتعرضهم للتعذيب، بينما الجناة الحقيقيين بعيدين عن أعين الأمن ومستمرون في عملياتهم الإجرامية.
تدرك المنظمات الموقعة أن جماعات العنف والإرهاب المحسوبة على بعض فصائل الإسلام السياسي قد اندفعت باتجاه العنف والترويع للخصوم السياسيين لنظام حكم الأخوان المسلمين، غير أنه لا يمكن تجاهل أن التصاعد الهائل لأعمال العنف السياسي والأنشطة الإرهابية الإجرامية قد اقترن وواكب الاستخدام المفرط للقوة المميتة والقتل خارج نطاق القانون، منذ اللإقدام على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، باستخدام القوة المميتة، وفى غيرها من التجمعات الاحتجاجية اللاحقة لمناصري الإخوان المسلمين وغيرهم. فضلًا عن الاتساع الهائل لحملات القبض العشوائي، وتحول الحبس الاحتياطي من أداة قانونية تستلزمها ضرورات التحقيق في بعض القضايا إلى سلاح عقابي، بالمخالفة للقانون، يستهدف تغييب الآلاف داخل السجون بدون توافر أدلة أو قرائن جدية على ارتكابهم أفعالًا مؤثمة قانونًا، وكذا اتساع نطاق إساءة معاملة المحتجزين وحرمانهم من حقوقهم القانونية، وتوظيف القانون لسد منافذ التعبير السلمي ليس فقط بحق مناصري الإخوان المسلمين، بل أيضًا بحق النشطاء والسياسيين المناوئين للإخوان.
ومن واقع دراستنا لمشروعي القانونين نلاحظ ما يلي:
أولًا: استمرار تجاهل المشرع للانتقادات العديدة التي تقدمت بها مرارًا المنظمات الحقوقية المصرية والدولية بشأن التعريفات غير المنضبطة للأفعال والجرائم الإرهابية، والتي يسهل توظيفها في قمع الخصوم السياسيين، وفى النيل من حريات الرأي والتعبير والتنكيل بمدافعي حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، فضلًا عن الاعتماد على الإجراءات الاستثنائية وإدخالها في نطاق القانون العادي.
فرغم أن المادة 86 من قانون العقوبات الحالي قد توسعت في تعريف العمل الإرهابي، الأمر الذي كان مصدر قلق المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، كما سبق وأوضح في تقريره عقب زيارته الرسمية لمصر في عام 2009، فقد عمدت التعديلات التي أدخلت على هذه المادة إلى توسيع رقعة الأفعال التي تعتبر من قبيل العمل الإرهابي، كما عمد المشروع إلى توسيع التعريف بصورة تسمح بتطبيق أحكام القانون على نطاق أوسع من الجرائم أو حتى الأفعال المشروعة، مستخدمًا تعبيرات تستعصى على الضبط القانوني من قبيل “الإخلال بالنظام العام”، “والأضرار بالوحدة الوطنية” أو “الإضرار بالاتصالات والنظم المعلوماتية”، كما لم تكتف التعديلات بهذا بل توسعت لتجرم كل “سلوك” –دون تحديد– بقصد تحقيق أحد الأغراض “الإرهابية”. وكذلك “تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح” (تعديلات على المادة 86 من قانون العقوبات) وهذه تعبيرات تسمح باستهداف الجماعات السياسية وحركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني حتى لو كان سلوكها سلميًا، فقد ترى الحكومة تظاهر بعض القوى السياسية ضد قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية من قبيل تعطيل أحكام القانون.
ثانيًا: إن النزوع الأصيل للتنكيل عبر مظلة مكافحة الإرهاب بالمعارضة السياسية السلمية وبمنظمات حقوق الإنسان يتبدى على وجه الخصوص في تعديلات المادة 86 مكرر (أ) من قانون العقوبات والتي تجيز عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لمجرد إنشاء أو إدارة جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة دون أن ترتكب جرائم إرهابية، وبالتالي يقرر المشروع عقوبة الإعدام على النوايا وليس على أساس الجرائم المرتكبة. كما يعاقب بالسجن المؤبد لكل من أنشأ أو أدار أي من الأشكال التنظيمية يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي. وتسمح هذه التعبيرات بمعاقبة الأشخاص أو المنظمات التي تطالب بإصلاحات دستورية أو قانونية حتى لو كان ذلك في إطار سلمى، وكذلك المنظمات التي تعمل بصورة سلمية لمناهضة التمييز الديني أو حماية حقوق الأقليات.
وعلى صلة بذلك فإن الضمانات الدستورية لحماية حرية الرأي والتعبير والإعلام تتحول عمليًا إلى لغو فارغ، حيث تجيز المادة 86 مكرر (أ) من تعديلات قانون العقوبات المعاقبة بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات لكل من روج بالقول أو الكتابة أو بأي وسيلة أخرى للأفعال التي تؤثمها هذه المادة.
وعلاوةً على ذلك فالنص المقترح للمادة 98 ب مكرر من قانون العقوبات يجيز السجن لمدة سبع سنوات على الأقل لكل من “روج بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأي وسيلة من وسائل الإرهاب بأي من وسائل البث أو النشر أو الوسائط أو المواقع الاليكترونية أو بأي وسيلة نشر علانية” بل يمتد الأمر لأن تسري هذه العقوبة المغلظة على الترويج لأفكار أو معتقدات ينظر إليها باعتبارها تدعو لاستخدام العنف. كما تسري أيضًا هذه العقوبة بحق أي شخص حاز محررات أو منشورات أو مطبوعات تتضمن هذا الترويج.
وعلاوة على ذلك فان التعديل المقترح بموجب المادة 92 مكرر (أ) من قانون العقوبات يقضى بعقوبة السجن المشدد لخمس سنوات على الأقل لكل من أنشأ موقعًا الكترونيًا بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات التي يمكن تصنيفها باعتبارها تدعو للإرهاب بل وتشمل هذه العقوبة كل من يبث مواد من شأنها “التأثير على سير العدالة في جرائم الإرهاب”. وتجيز هذه المادة لسلطات التحقيق وقف هذه المواقع الإلكترونية أو حجب محتواها.
ثالثًا: إن نزوع المشرع لتبنى تعريفات غير منضبطة للعمل الإرهابي والنزوع لتوسيع نطاق التجريم على أفعال لا تشكل بالضرورة جريمة إرهابية، يضع نصوص القانون بشقيه العقابي والإجرائي خارج إطار قواعد المشروعية الجنائية، ويزيد من خطر ذلك عدم تناسب العقوبات مع الأفعال المجرمة. ويتبدى ذلك على وجه الخصوص في المادة 88 مكرر (ج) التي تعاقب على مجرد الشروع في أي من الجنايات والجنح في جرائم الإرهاب بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة.
ففي الوقت الذي يتجه فيه المجتمع الدولي لإبطال عقوبة الإعدام أو على الأقل الحد من الجرائم التي تقضى التشريعات الوطنية بتطبيق عقوبة الإعدام فيها، أجاز المشرع عقوبة الإعدام في عشر حالات تضمنتها التعديلات المقترحة لقانون العقوبات، ومن الملفت للانتباه أن عقوبة الإعدام في العديد من الحالات تسرى حتى وإن لم يترتب على الفعل وفاة أشخاص، وذلك دون تفرقة في العقوبة بين الأفعال التي تستهدف القتل العمد أو إلحاق أكبر ضرر بالأرواح، وتلك الأفعال التي قد يترتب عليها بصورة غير متعمدة أو مخطط لها سقوط الضحايا.
رابعًا: جاءت المادة الخامسة عشر من مشروع القانون الثاني “بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة جرائم الإرهاب والتعاون القضائي الدولي” والمتعلق بالجوانب الإجرائية في مكافحة الإرهاب لتمنح لرئيس الجمهورية أو من يفوضه رخصة استثنائية في مواجهة مخاطر الإرهاب أو حتى الكوارث الطبيعية أو البيئية تجيز له “اتخاذ التدابير المناسبة” للحفاظ على الأمن والنظام والسكينة بما في ذلك إجراءات القبض والتفتيش والاحتجاز وإخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها على أن يعرض الأمر على مجلس النواب خلال 15 يوما من اتخاذ هذه التدابير. ويُلاحظ أن نص هذه المادة يسمح بفرض هذه التدابير الاستثنائية بقيود أقل من تلك التي يتطلبها دستور 2014 بشأن إعلان حالة الطوارئ الاستثنائية. حيث يستوجب إعلان حالة الطوارئ بموجب المادة 154 من دستور 2014 اخذ رأى مجلس الوزراء، وعرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال أسبوع ليقرر ما يراه بأغلبية عدد أعضاء المجلس، في حين تجيز المادة 15 من مشروع القانون سالف الذكر تمرير هذه التدابير الاستثنائية بأغلبية الحضور من أعضاء مجلس النواب.
وبينما تنص المادة 154 من الدستور على أن إعلان حالة الطوارئ يكون لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ولا تمدد إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، فإن المادة 15 من مشروع القانون سالف الذكر لا تقيد رئيس الجمهورية بمدة محددة تسرى فيها التدابير الاستثنائية، إذ اكتفت في حالة تمديدها إلى مدد أخرى بالحصول على موافقة الأغلبية البسيطة للحضور من أعضاء مجلس النواب، بل والأخطر من ذلك أن المادة نفسها أعطت الحق لرئيس الجمهورية في الحالات العاجلة أن يتخذ أي من تلك التدابير بقرارات شفهية، ويتم إثباتها بالكتابة لاحقًا خلال ثمانية أيام، وهو ما يعني صعوبة الطعن على تلك القرارات نظرًا لعدم إعلانها وصعوبة تحديد تاريخ اتخاذها شفهيًا.
وتحذر المنظمات الموقعة في هذا السياق أنه من شأن الإبقاء على تلك المادة إعادة البلاد مجددا للعيش في حالة الاستثناء التي تحمل المصريون نتائجها الكارثية على مدى ثلاثين عامًا من حكم مبارك، وإن كانت هذه المرة تتم بصورة مستترة، من غير إعلان رسمي، يستوجبه الدستور وأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تعد مصر طرفًا فيه.
وتشدد المنظمات الموقعة على أن الإجراءات الحازمة والواجبة لمكافحة شرور الإرهاب يفترض أنها تستهدف بالدرجة الأولى حماية حقوق الإنسان والحريات العامة لجميع المواطنين، غير أن مشروع القانون الأول المتصل بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات وكذا مشروع القانون الثاني المتعلق بالإجراءات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب ينطويا على اعتداءات واسعة على تلك الحقوق والحريات، بما يشكل انتهاكًا صارخًا ليس فقط لالتزامات مصر الدولية –بموجب تصديقها على عدد واسع من الاتفاقيات الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان– بل أيضًا لنصوص دستور 2014 الذي حملت صياغاته في مجملها انحيازًا لضمان الحقوق والحريات العامة.
خامسًا: تنطوي النصوص المقترحة في مشروعي القانونين على إهدار معايير المساواة أمام القانون وضمانات الحرية والأمان الشخصي وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة. حيث تسلب العديد من النصوص من المتهمين في قضايا الإرهاب تلك الضمانات القانونية والإجرائية التي يكفلها القانون الطبيعي لغيرهم من المتهمين. ويرد ذلك على وجه الخصوص فيما يلي:
- بالمخالفة لأحكام دستور 2014 التي تلزم السلطات في المادة 54 بإحالة أي محتجز إلى سلطة التحقيق خلال أربعة وعشرين ساعة من احتجازه، فإن المادة الثانية من مشروع القانون بشأن “الأحكام الإجرائية لمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي الإجرائي، تجيز لأجهزة الأمن القبض على المتهمين في قضايا الإرهاب واحتجازهم لمدة 72 ساعة، بل وتضيف لذلك جواز مد هذه الفترة لأسبوع أخر من دون العرض على سلطات التحقيق اكتفاء باستئذانها، ومن ثم فالمتهم يمكن أن يبقى في حوزة الشرطة لمدة عشرة أيام على الأقل، الأمر الذي يسمح بإخضاعه لضغوط شتى بما في ذلك التعذيب لاستنطاقه قبل إحالته إلى سلطة التحقيق.
- تستحوذ النيابة المختصة بالتحقيق في جرائم الإرهاب بموجب المادة (5) من مشروع القانون، بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي، على سلطات وصلاحيات قاضى التحقيق وكذا السلطات المقررة لمحكمة الجنح المستأنفة المنعقدة بغرفة المشورة، ويجوز لها في قضايا الإرهاب تمديد الحبس الاحتياطي للمتهمين مددًا متتالية، بما لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطي في مراحل التحقيق الابتدائي، وسائر مراحل الدعوى الجنائية المعمول بها بحق المتهمين في قضايا أخرى. وهو ما يعنى أن المشتبه بهم أو المتهمين في قضايا الإرهاب يخضعون لقواعد إجرائية استثنائية منذ احتجازهم، بالمخالفة لقواعد المساواة أمام القانون المكفولة دستوريًا، ولضمانات الحرية الشخصية المكفولة دستوريًا وبالمخالفة أيضًا للقواعد الإجرائية العادية التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية بشأن أي محتجز أو متهم.
- تقضى المادة 10 من مشروع القانون “بشأن الأحكام الإجرائية لمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي” في شقه الإجرائي بتخصيص دوائر بعينها في محاكم الجنايات والمحاكم الجزئية والمحاكم الابتدائية للنظر في قضايا الإرهاب والجرائم المرتبطة بها والطعون الاستئنافية في أحكامها. وهو ما يفتح الباب لتدخل السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل في تسيير شئون العدالة. ويزيد ذلك من الشكوك في حياد القضاة ونزاهة المحاكمات، ويفاقم تلك الشكوك أن غياب تحديد واضح ودقيق للأفعال والجرائم الإرهابية قد يترتب عليه إعمال السلطة التقديرية للقاضي بدرجة كبيرة بما يؤدى إلى تضارب الأحكام من قاض لأخر بشأن أفعال بعينها، الأمر الذي يضر أيضًا بمصداقية أحكام القضاء.
- إمعانًا في الاستخفاف بقواعد المساواة أمام القانون، فمشروع القانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات للمحاكمين في قضايا الإرهاب يتضمن حرمانًا من فرص تخفيف العقوبة أو النزول بها لدرجة أدنى وفقًا لتقدير القاضي، حيث تقضى المادة 88 مكرر (ب) بأن قواعد تنزيل العقوبة في جرائم الإرهاب لا تسرى إلا في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام حيث يجوز النزول بها إلى السجن المؤبد. علاوةً على ذلك فقد اختص القانون المدانين في قضايا الإرهاب بعقوبات تكميلية في صورة تدابير احترازية يمكن أن تشمل حظر الإقامة في أماكن أو مناطق بعينها، وحظر التردد على أماكن بعينها، وحظر العمل في أماكن معينة أو أنشطة محددة، ويمكن أن يمتد سريان التدبير بحق المدان لمدة خمس سنوات، وإذا ما وقعت مخالفته فإنه يتعرض مجددًا لعقوبات بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر.
- قد يكون مفهومًا في إطار تعقب مصادر تمويل الجماعات والمنظمات الضالعة في الإرهاب أن تتضمن المادة 88 مكرر (ب) من مشروع القانون في شقه العقابي نصًا يجيز للمحكمة أن تقضى بمصادرة الأموال أو متحصلات الجريمة أو بمصادرة ممتلكات تعادل قيمة تلك الأموال والمتحصلات، إذا كان قد تم تحويلها أو إبدالها جزئيًا أو كليًا، أو اختلطت بممتلكات أخرى اكتسبت من مصادر مشروعة. لكن المدهش أن هذه المادة تعود بالبلاد قرونًا للوراء، وتجافى مفاهيم وقواعد الدولة الحديثة؛ وذلك بإقرارها مبدأ توزيع الغنائم والعطايا بالنص على أنه “يجوز بقرار من الوزير المختص الذي تتبعه الجهة التي قامت بالضبط، تخصيص الأشياء المحكوم عليها، بمصادرتها لتلك الجهة متى رأى أنها لازمة لمباشرة نشاطها في مكافحة جرائم الإرهاب والجرائم المرتبطة بها”.
أخيرًا فإن المنظمات الحقوقية الموقعة إذ تعلن رفضها المطلق لمشروعي القانونين بشأن مكافحة الإرهاب تحذر من أن إقرارهما لن يسهم إلا في حرث التربة وتهيئتها بصورة أكبر لإشاعة خطابات التطرف والتحريض على العنف وتفشى دعاوى الثأر والأعمال الانتقامية.
وتعيد المنظمات الموقعة التأكيد على أن فرص انحسار أعمال العنف والإرهاب لن تتأتى إلا في ظل التشبث باحترام قواعد الدولة القانونية ومعايير حقوق الإنسان وتأمين الضمانات الدستورية للحريات العامة لا العصف بها كلية، ووضع نهاية عادلة لمنع الإفلات من العقاب عن الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعاظمت خلال الشهور التسعة الماضية.
[1] كانت المنظمات الموقعة قد أطلعت على مشروعي القانونين عقب موافقة مجلس الوزراء عليهما من حيث المبدأ، وإحالتهما إلى مجلس الدولة للرأي القانوني في 20 مارس 2014، ثم أطلعت بعد ذلك على التعديلات التي تم إدخالها على مشروع القانون الخاص بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، والذي تم نشره في عدد من الصحف. وبسبب عدم الشفافية التي شابت عملية الإعداد إلى قانون بهذه الخطورة، لم يتثنى لها الإطلاع على النسخة الأخيرة من مشروع القانون بشأن أحكام إجراءات مكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي.
المنظمات الموقعة:
1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
2. الائتلاف المصري لحقوق الطفل
3. الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
4. جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
5. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
6. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
7. مركز هشام مبارك للقانون
8. مصريون ضد التميز الديني
9. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
10. مؤسسة المرأة الجديدة
11. المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
12. مؤسسة حرية الفكر والتعبير
13. مؤسسة قضايا المرأة المصرية
14. نظرة للدراسات النسوية
15. مركز الأرض لحقوق الإنسان
Share this Post