طالب حقوقيون مصريون السلطات بالسماح لأتباع الديانات غير الإسلام والمسيحية واليهودية، بإثبات هويتهم الدينية في أوراقهم الرسمية، بعد صدور حكمين قضائيين تاريخيين يسمح أحدهما لـ 12 قبطياً عادوا إلى دينهم بعدما أشهروا إسلامهم بإثبات عودتهم في أوراق الهوية، فيما يجيز الآخر للبهائيين الحصول على بطاقات ليس مدوناً فيها أي دين.
غير أن حقوقيين اعتبروا الحكمين «حلاً جزئياً»، مطالبين بتوسيع خانة الديانة في بطاقات الهوية لتتجاوز الديانات الثلاث الرئيسية وتسمح لكل فرد باختيار هويته. لكن وزارة الداخلية تصر على إثبات الديانة لأن قانون الأحوال الشخصية يلزمها بذلك، وتؤكد أن دورها «يقتصر على التنفيذ فقط بعيداً من التشريع».
وشدد رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» حافظ أبو سعدة على أن «حرية المعتقد تضمن أن يكتب كل شخص معتقده في بطاقته الشخصية، أما إلغاء خانة الديانة فأمر يحتاج إلى الأخذ برأي الغالبية». واتفق معه رئيس «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» حسام بهجت الذي يرى خطوة إلغاء خانة الديانة «إيجابية، لكنها لا تفي بالغرض، فالأمر يتعلق بمعاملات يومية وأوراق ثبوتية أخرى تتعلق بالمواريث وغير ذلك، ومن ثم يجب على الدولة عدم إجبار الأفراد على اعتناق معتقدات لا يؤمنون بها».
لكن سكرتير عام حزب «الوفد» منير فخري عبدالنور شدد على التمسك بتوصية «المجلس القومي لحقوق الإنسان» إلغاء الديانة. وقال لـ «الحياة»: «تناقشت مع مسؤولي المجلس في هذا الشأن، لأن تركها فارغة أو كتابة عبارة قبطي سبق له اعتناق الإسلام هي بمثابة ذبح لهؤلاء، ومن ثم يجب إلغاء خانة الديانة للقضاء على هذا الارتباك». وأوضح أن «المواريث أو معاملات الأشخاص مع الدولة يمكن أن تتم من دون الإشارة إلى الديانة صراحة في البطاقة، والاكتفاء بها في الرقم الكودي في أسفلها».
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأميركية رحبت في بيان أول من أمس بحكم المحكمة الادارية العليا الصادر لمصلحة الأقباط، معتبرة أنه «يمثل رفضاً إيجابياً لسياسة الحكومة القائمة على التمييز الديني». وطالبت باتخاذ «خطوات فورية لتصحيح سياستها المنهجية المتمثلة في إجبار المتحولين عن الإسلام على القبول بهوية دينية تخالف معتقدهم في سبيل الحصول على الأوراق الضرورية لإثبات شخصيتهم».
وحذرت من أن تدوين عبارة «قبطي سبق له اعتناق الإسلام» في بطاقة الهوية «تجعل العائدين إلى المسيحية عرضة للتمييز والوصم المجتمعي». وأشارت إلى «ما لا يقل عن 211 حالة مشابهة لجأ أصحابها إلى القضاء الإداري في القاهرة وحدها منذ نيسان (أبريل) 2004. وفي هذه القضايا كلها، كان المدعون يطعنون على سياسة وزارة الداخلية التي تصر على اعتبارهم مسلمين في السجلات الرسمية بالمخالفة للحقيقة، وهو ما يخضعهم خطأ لقانون الاحوال الشخصية الخاص بالمسلمين ويحدد مسبقاً ديانة أطفالهم والتعليم الديني الذي سيتلقونه في المدارس الحكومية».
ويرى رئيس «منظمة أقباط الولايات المتحدة» مايكل منير أن الحكم «يمثل تقدماً للأقباط على المستوى القضائي، ولكنه تأخر على مستوى الحريات». غير أنه عاد ووصفه بأنه «مصالحة مع الشعب المصري كله».
لكن رئيس «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» بهي الدين حسن اعتبر أن الحكمين «في ظاهرهما الرحمة وباطنهما العذاب، لأنهما يكادان يقدمان لائحة اغتيال بأسماء من يحملون هذه الهويات». ويرى أن إلغاء خانة الديانة «سيوفر علينا هذا الصداع، لكنها خطوة محدودة جداً جداً، ولا تحل المشكلة الأصلية المتمثلة في تعميق الكراهية الطائفية».
وأكد أن «هذه المشكلة في حاجة إلى إرادة سياسية غير متوافرة الآن، فالمتحدي الأساسي للنظام في مصر هو جماعة الإخوان المسلمين التي تقيم شرعيتها على الدين، والنظام لا يقيم شرعيته على الديموقراطية ويعتمد هو الآخر على الحس الديني، خصوصاً دين الغالبية، ومن ثم لن يقدم على مثل هذه الخطوة».
ودخل بعض الأحزاب على خط الجدل، فعبّر حزب «مصر العربي الاشتراكي» عن» أسفه الشديد لما آل إليه حال الاسلام في ظل النظام العالمي المعاصر الذي لا هم له سوى الإساءة إليه (…) في وقت يرضخ حكام المسلمين لرغبات القوى الصليبية المعادية لعقيدة شعوبهم الاسلامية». وقال في بيان: «الحق أننا لم نكن نسمع في الماضي مثل هذه الأفعال الاستفزازية لمشاعر المسلمين. واليوم يتباهى المرتد بردته لأن القيّمين على رعاية شؤون الاسلام والمسلمين فرطوا في الأمانة حرصاً على مصالحهم الشخصية».
*نقلاً عن صحيفة الحياة
Share this Post