أثار حكم المحكمة الإدارية العليا في منتصف ديسمبر 2006 بإلغاء الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في شهر إبريل من نفس العام بحق البهائيين في إثبات ديانتهم في الأوراق الرسمية والبطاقات الشخصية، العديد المخاوف بشأن حرية الفكر والاعتقاد في المجتمع المصري ، وهو الأمر الذي انعكس بدوره في مناقشات أدارها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ندوة عقدها في 24 ديسمبر2006، تحت عنوان ( مأزق حرية العقيدة في مصر .. في ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا في قضية البهائيين).
قال معتز الفجيري مدير البرامج بالمركز :أن الحكم تجاوز مناقشة حرية العقيدة إلي المحتوي العقائدي للبهائية ، معتبرا أن ردود الفعل حيال هذه القضية تعطي مؤشرا علي الأزمة في المناخ السياسي والاجتماعي السائد في مصر .
فيما أشار احمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك للقانون إلي أن الحكم وقضية البهائيين بشكل عام يفتحان النقاش حول الموقف من حرية الاعتقاد في مصر ، لافتا إلي أن مواد الدستور المصري تحمي حرية الفكر والاعتقاد والتعبير، وقال سيف الإسلام أن علي الدولة وحدها أن تجد حلا لمشكلة البهائيين لأنها هي التي صنعتها ، بعد أن رفضت إعطاء البهائيين الأوراق والوثائق الرسمية التي تثبت هويتهم ، والتي يحتاجون إليها في تعاملاتهم الحياتية اليومية كالبطاقات الشخصية وجوازات السفر وغيرها.
ورأي أن يكون الحل بإلغاء بند الديانة من البطاقة الشخصية ، أو العودة إلي وضع خانة توضح أن ديانة الشخص ” أخري ” غير الإسلام أو المسيحية أو اليهودية ، مشيرا إلي إن استمرار الوضع الحالي للبهائيين يجعلهم في حالة ” موت مدني ” ، لعدم إثبات وجودهم في السجلات والأوراق الرسمية بالدولة .
ورأي حسام بهجت مدير مركز “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ” أن قرار المحكمة الإدارية العليا بعدم جواز إثبات البهائية في الأوراق الرسمية يضع الحكومة في مأزق إزاء وضع المواطنين البهائيين العاجزين عن استخراج شهادات ميلاد أو بطاقات شخصية أو حتي شهادات وفاة ،معتبرا في نفس الوقت أن منظمات حقوق الإنسان تأخرت في التدخل في هذه القضية .
قال بهجت أن البهائيين تعرضوا في الثمانينات والتسعينات لظروف عصيبة وعمليات قبض واعتقال وحملات إعلامية استهدفت الطعن حتي في أخلاقهم الشخصية ، مؤكدا علي أن الحكم الأخير في القضية لا يعني نهايتها ، وأن منظمات حقوق الإنسان سوف تستمر في تناولها ورفع دعاوي قضائية جديدة بشأنها ، مستفيدة في ذلك من الأخطاء التي حدثت في تناولها للقضية خلال الفترة الماضية.
وأكد بهجت أن الشريعة الإسلامية تنصف البهائيين وكذلك كتب الفقه الإسلامي ، مشيرا إلي أن المدافعين عن البهائيين استفادوا جيدا من هذا الأمر في الدفوع التي تقدموا بها للمحكمة رغم عدم أخذها بها ، لافتا إلي أن حكم المحكمة في هذه القضية يعتبر أن الشريعة الإسلامية هي النظام العام والقيم الأساسية التي يبنى عليها المجتمع ، بما يمثل خطرا مستقبليا علي أي قضية تتناول أمورا خاصة بحرية العقيدة .
وشدد علي أن عدم حصول الأغلبية في المجتمع على كل حقوقها لا يمثل مبررا للقبول بانتهاك حقوق الأقلية ، لافتا إلي أن التيار الإسلامي لم يكن علي أجندته قضية البهائيين، وأن من نقلها للبرلمان كان الحزب الوطني الحاكم ، وليس نواب جماعة الإخوان المسلمين.
وتناول الدكتور أحمد راسم النفيس الأستاذ الجامعي والمفكر الإسلامي الشيعي البعد الثقافي لقضية حرية العقيدة وحقوق الإنسان فأشار إلي أن هناك مجموعة من ” التابوهات ” الفكرية التي يراها البعض مقدسة ،بينما هي في حقيقة الأمر موضع جدل وليست محسومة أو مستقرة كما يتصور البعض.
لفت النفيس إلي أن هناك نسبة كبيرة من المسلمين يعيشون كأقليات في بلدان أخري ليست إسلامية وليست مسيحية أو كتابية كدولة الهند ، بما يثير التساؤل حول كيفية تمكن هؤلاء من تطبيق حد كالردة علي سبيل المثال في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها ، وقال إن على المسلمين بحكم الشريعة والقانون بالوفاء بعهودهم والتزاماتهم ، سواء أكانت في شكل قوانين محلية أو مواثيق دولية وقعت عليها حكوماتهم ، كالمواثيق الخاصة بحرية العقيدة وحقوق الإنسان، مشيرا إلي أنه مثلما يتعامل الغرب بمعايير مزدوجة فان الدول الإسلامية لديها أيضا معايير مزدوجة تتعامل بها .
وأكد النفيس عدم وجود عقوبة محددة في القرآن حول الردة ، وأن الآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن تتحدث فقط عن عذاب الله في الآخرة في هذا الأمر ، متسائلا عن أسباب وجود حالة موصفه ” بالتوثب ” لدي العالم الإسلامي والتحفز لمحاولة القصاص والتنكيل بكل من يخرج علي المنظومة القائمة ، وقال إن الحرب علي الشيعة والتشيع أغرت الحكام والمتعاونين معهم علي تأسيس شرعية تقوم علي الحديد والنار ، محذرا من أن البعض يرسخ حاليا لإيجاد طبقة جديدة من الشيوخ هي طبقة ” حماة العقيدة ” .
وشدد علي أن منح أي فئة كانت داخل المجتمع الحق في محاكمة عقائد وأفكار الناس وليس مدي احترامهم للقانون القائم يمثل كارثة يجب التوقف عندها والتصدي لها.
وتناولت الدكتورة بسمة موسي – مصرية بهائية – الأستاذة بطب أسنان القاهرة، جذور المشكلة الحالية للبهائيين، فذكرت أنها ترجع إلي محاولة مهندس بهائي في عام 2004 الحصول علي أوراق رسمية له ولأسرته بعد رفض السجل المدني قيده بهائيا استنادا إلي القرار 49 لسنة 2004 الذي يقضي بكتابة احدي الديانات الثلاث – الإسلام أو المسيحية أو اليهودية – في الأوراق الرسمية ، مشيرة إلي قيام المهندس صاحب المشكلة برفع دعوي قضائية حصل بموجبها علي حكم من المستشار فاروق عبد القادر بإثبات انه بهائي في بطاقته الشخصية.
وأكدت أن الإعلام تناول هذا الحكم بطريقة سلبية وذلك في نحو 400 مادة إعلامية في أكثر من 50 جريدة ومجلة تناولت قضية البهائيين بطريقة غريبة، وكالت لهم السباب والشتائم.
أشارت بسمة إلي أن البهائيين يطالبون بحقهم في المواطنة وليس الاعتراف بديانتهم ، وذكرت أن هناك من أطفال البهائيين من تجاوز الـ 14 عاما وليست لديه شهادة ميلاد ، إلي جانب أنهم لم يحصلوا علي التطعيم المختلفة للأطفال ، وتساءلت كيف سيتم استيعاب ألاف البشر وهم يسيرون في الشارع بدون أوراق رسمية كما تساءلت عما إذا كانت الأمم المتحدة ستضع هذه القضية علي أجندتها بعد أن أعلنت أن عام 2007 سيكون عام الحقوق.
وفي تعقيبات الحضور ربط حمدي عبد العزيز مدير مركز سواسية لمناهضة التمييز بين قضية البهائيين وما وصفه بقضية الاستبداد الذي يفسد الدين والدنيا معا ،وقال أنه يجب المطالبة بحقوق المواطنة للجميع وليس للأقلية فقط ،مشيرا إلي أن الأغلبية تعاني في هذا الأمر مثلها مثل الأقلية ، ودعا أيمن عقيل مدير مركز ناعت للدراسات القانونية إلى تنظيم حملة لتفعيل العمل بالمواثيق الدولية التي صدقت عليها الحكومة المصرية.
وأشار أمين أبو الفتوح بطاح – بهائي – إلي أن البهائية موجودة في مصر منذ عام 1864 ، وأنه كانت هناك مراكز ومحافل لها في حوالي 17 مدينة مصرية ،موضحا أن موضوع البهائية عرض بطريقة خبيثة علي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، فأصدر قراره بحل المحافل البهائية وقال بطاح : نحن نصدق بالإسلام ونبيه وكتب الله ورسله ، ولكننا نؤمن بأن البهائية دين جديد وأن البهائي هو المهدي المنتظر، مشيرًا إلي أن البهائيين لا يطلبون الاعتراف بديانتهم ولكن يطالبون بحقوقهم كمواطنين ،وإعطاءهم الأوراق الرسمية التي تثبت أنهم مواطنين مصريين، وفي هذا السياق تحدثت سيدة بهائية عن عدم حصول ابنها علي بطاقة شخصية رغم وصوله إلي العام الجامعي الثاني وكذلك عدم حصول ابنها الثاني الذي تجاوز الـ 14عاما علي شهادة ميلاد!
Share this Post