وفاء سلاوي
صدر مؤخرًا عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، كتاب بعنوان “فقه المحاكمات الأدبية والفكرية: دراسة في الخطاب والتأويل”، من تأليف الباحثة المغربية وفاء سلاوي، ويتناول الكتاب عدة إشكاليات وهي: آليات الخطاب القانوني ومرجعيات قانون الحريات العامة، عناصر المحاكمة الفكرية (البلاغ، التحقيق، المرافعة، الحكم)، قراءة النص والمرجعيات التي تؤثر على التأويل، ويتعرَّض الكتاب في هذا السياق إلى عدة نماذج هي: في الشعر الجاهلي لطه حسين، فقه اللغة العربية للويس عوض، ألف ليلة وليلة. كما يضم الكتاب لائحة ببعض الأعمال الفنية والفكرية التي تعرّضت للمحاكمات وللمصادرات.
مقدمة بقلم المؤلفة:
يدخل البحث العلمي، مع تقدم العلوم والمناهج والوعي النقدي، مرحلة جديدة من التعامل مع النصوص برؤية تتغيا تقديم قراءات مغايرة بنتائج تساهم في تطوير الأدوات النقدية ، وفهم النسيج المكون للتفكير والمعرفة.
وقد دأبت الدراسات الأكاديمية والنقدية في مجال العلوم الإنسانية، البحث عن تشكلات الخطاب بمختلف بنياته وأنساقه التداولية والمعرفية، في ما ظلت خطابات أخرى داخل النسق الثقافي بعيدة عن التناول الأكاديمي والنقدي، من منظور أدبي منهجي يستثمر حداثة المنهج النقدي بكافة عناصره لاختباره داخل نصوص مغايرة عما وجدت له، وامتحان تلك النصوص أيضا.
ويندرج النص القانوني، من المنظور الذي سيرومه هذا المؤلف والمتصل بالنص الأدبي، كقراءة ثانية وخطاب معقد ضمن شبكة متقاطعة في ما بينها وبين خطابات نصوص اجتماعية وسياسية وأدبية، من حيث بنيته ودلالاته وأيضا الخلفيات الثقافية وغير الثقافية المشكلة له. كما ينساق ضمن أفق تفكيك بنية الخطاب في النص القانوني، وتحديدا النص القانوني الناتج عن محاكمات نصوص أدبية يتم اعتمادها، اشتهرت بتعرضها للمحاكمة والتأويل الذي ولد قراءة للمتخيل والفكر باعتبارهما معرفة معلقة ومشوشة على النسق الثقافي ” المألوف”، وبذلك فإن الحكم الصادر في حق النص الأدبي، هو نص قانوني متضمن لـ” قراءة ” ذات رؤية وبناء وخلفية وعناصر مرجعية صريحة وأخرى ضمنية.
من هذه الزاوية ، يتأطر هذا المؤلف ضمن دراسة لغوية تأويلية متعلقة بالخطاب حول التأليف العربي وحول تأويل بنياته ونسقه التداولي ومدى تجذر معرفته في ما هو مجتمعي، ثم التعامل مع النص القانوني باعتباره حكما وقراءة على نص إبداعي متخيل أو نص نقدي وفكري يطرح أسئلة وافتراضات نسبية تؤسس لمتخيل ووجهة نظر ووعي محقق من جهة أخرى، وبالتالي فإن النص القانوني هو قراءة معيارية، الأمر الذي يحتاج معه إلى مزاوجة قراءة نقدية أخرى للنصين وشروط إنتاجهما.
إن البحث في الموضوع يتجه نحو دراسة بنية الخطاب في هذه القراءة ” القانونية ” المغايرة للكتابة الفكرية الإبداعية العربية من زوايا متعددة وعبر نصوص تنتمي إلى حقول مختلفة وأزمنة متباعدة، فيما النص القانوني واحد ينتمي إلى معرفة ثقافية وإيديولوجية خاصة نظرت إلى تلك النصوص بنظرة متقاربة.
وهكذا فإن الاشتغال في الموضوع سينصب على الخطاب في النص وتحليله انطلاقا من المكونات الثلاث لهذا الخطاب وهي النص الأدبي: موضوع الحكم – القراءة ، ثم الحكم القانوني كونه قراءة ذات بناء وأسس ثم النص القانوني الذي هو المرجعية الأداتية والوظيفية المعتمدة في تشييد القراءة.
يقوم التحليل في تفكيك البنيات الخطابية على مقاربة المكونات الثلاث انطلاقا من أحكام صدرت في حق نصوص أدبية سأعتمدها، أساسا، وهي ألف ليلة وليلة ، في الشعر الجاهلي لطه حسين ، ومقدمة في فقه اللغة العربية للويس عوض، هذا وسيتم الرجوع إلى أحكام أخرى لتعزيز التحليل وتأكيد النتائج والاستخلاص ، وذلك باعتماد مقاربة تقوم على معطيات ومفاهيم في قراءة التأويل والتأويل النصي واختبار بعض المفاهيم القانونية، ومساءلة النص والحكم تجاه المتخيل والفكر، بقصد إبراز نوعية القراءة والتشكل الخطابي للقراءة القانونية ، من أجل التوصل إلى الكشف عن بنيات هذا الخطاب، ومحاورة النصوص المؤولة ، موضوع الخطاب، للخلوص إلى مجموعة من الخلاصات.
وأعترف بأن المناقشات التي انصبت حول هذا الكتاب في صيغته الأولى[1] كان لها فضل كبير في إغنائه ومده بوضوح الرؤية ، وأمل الاستمرار في مباحث أخرى حيث يرى عبد الحميد عقار في خلاصتين أساسيتين أنه لا يمكن عزل النص عن العوامل المختلفة والعديدة المحيطة به ، وما تنتجه من تآويل من جهة أولى، ثم الآثار التي تخلفها المحاكمة أو المصادرة في الحد من حرية الإبداع والرقابة الذاتية من جهة ثانية، كما يرى بضرورة الاقتصار على نص واحد للوصول إلى خلاصات واضحة والوقوف على التطور الداخلي من حيث مادة التأليف ثم التطور الشكلي للنص المدروس.
أما عبد الفتاح الحجمري فإنه يربط المحاكمات بالدلالات التي يفجرها النص سواء كان أدبيا أو فكريا باعتباره يشكل خطابا يحمل عدة خطابات، بينما ينظر عبد الرحيم مؤدن من رؤية عمودية إلى أهمية الاشتغال على خطاب وظيفي تأويلي يقرأ النص المتهم والنص المحاكم في إطار صراع الخطابات.
ويقف أحمد بوحسن على التلقي والتأويل بين خطابين من حقلين مختلفين، وكيفيات تمظهرهما وإنتاجهما لتأويل مدلولي.
ومن دون شك، فإن كثيرا من آراء وملاحظات أساتذتي الأجلاء وخصوصا أستاذي أحمد اليبوري تؤسس لهذا الكتاب أفقه الواضح، وهو ما أعتبره مقدمة كبرى لما يمكن أن نفكر فيه في مجال الخطاب القانوني والنص الأدبي في ملتقى حقول مختلفة وقراءات متباينة داخل سياق ثقافي وسياسي عربي واحد وفي نفس الآن متعدد.
[1] الإشارة هنا إلى الجلسة العلمية التي ناقش فيها الأساتذة الأفاضل: عبد الحميد عقار، عبد الفتاح الحجمري، أحمد بو حسن، عبد الرحيم مؤذن، هذا المؤلف في صيغته الأولى التي قدم بها لنيل الدكتوراه بكلية الآداب جامعة محمد الخامس، الرباط. 20 نوفمبر 2003.Share this Post