(مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان للوفد:نعيش نكسة في حرية الرأي والتعبير( الحلقة الأولى

In برنامج مصر ..خارطة الطريق by CIHRS

غابت حرية الرأي فعجز المصري عن الحصول علي حقه في العمل والسكن والعلاج والضمان الاجتماعي

حوار أجراه: مجدي سلامة: لو جاز أن نهدي هذا الحوار لأحد، كما يفعل مؤلفو الكتب، لأهديناه إلي أمانة السياسات بالحزب الوطني علي وجه الخصوص وجميع أفراد النخبة الحاكمة علي وجه العموم. فما قاله بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في حواره لـ»الوفد« هو شهادة حق ينبغي علي النخبة الحاكمة أن يقرأوها جيداً ليعلموا حقيقة ما فعلوه بمصر وأهلها، خاصة وأن تلك الشهادة صادرة من رجل اختارته النخبة الحاكمة ذاتها وعينته عضواً بالمجلس القومي لحقوق الإنسان.. صحيح أنه استقال من منصبه هذا، ولكن اختياره لهذا المنصب كان يعني فيما يعني ان النخبة الحاكمة تحمل له مساحة من القبول وتري فيه خبيراً متزناً في مجال حقوق الإنسان.

عن حرية الرأي والتعبير كان محور الحوار ولأن تلك الحرية هي مركز ثقل أي مجتمع والنقطة التي تلتقي عندها كل خيوط السياسة والاقتصاد، تطرق الحوار الي الحكم والحكام والشعب وأحزاب المعارضة.. وتوشكي وأنفلونزا الطيور وغرق الدلتا.. وقال »بهي الدين« كلاماً خطيراً في كل هذه الاتجاهات.. وليس أخطر مما قاله تأكيده علي أن الحرية في عهد الاحتلال الإنجليزي أكبر وأوسع من الحرية الآن.. في عهد الحزب الوطني الديمقراطي!!.

* الوفد: البعض يري أن حرية الرأي والتعبير مجرد حق من حقوق الإنسان وآخرون يرونها ضرورة كالماء والهواء.. فكيف تراها؟

ـ بهي الدين حسن: في رأيي حرية الرأي والتعبير عنصر حاسم ومصيري في تقدم الأمم ورفاهية الشعوب.. وهذه الحرية تشمل حق المواطن في أن يكون ملماً بكل ما يتعلق بشئون حياته ليس فقط ما يخص الشئون السياسية وطريقة إدارة بلده ولكن أيضاً ما يتعلق بالشئون الاقتصادية والاجتماعية.

* إذن حرية التعبير لا ترتبط بالسياسة فقط؟

ـ نعم.. فكل ما يتعلق بمصير المواطن والوطن سواء أكانت شئوناً سياسية أو أموراً اقتصادية واجتماعية.. كل ذلك مرتبط بحرية الرأي والتعبير، وتلك الحرية لا تعني فقط حق الأفراد في معرفة كل ما يدور في بلدهم وإنما تعني أيضاً أن يكون للمواطن القدرة علي التأثير في صنع القرار.

* معني ذلك أن حرية الرأي والتعبير ليست مجرد حق وحيد وإنما مجموعة حقوق مجتمعة.

ـ هي كذلك بالفعل.. فلا يمكن أن نتصور أن يمارس مواطن حقه في إدارة شئون بلاده دون أن يكون متمتعاً بحرية الرأي والتعبير.. فبدون هذه الحرية لن يشارك في الانتخابات، ولن يشارك في أي عمل سياسي، وأيضاً لن يحصل علي حقوقه الاقتصادية والاجتماعية.. كحقه في العمل أو في مسكن صحي وبيئة نظيفة والعلاج والضمان الاجتماعي.. باختصار غياب حرية الرأي والتعبير يجعل المواطن عاجزاً عن الدفاع عن حقه في التمتع بكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وعدم التمتع بحرية الرأي والتعبير يحول جميع الحقوق الأخري الي كلام انشاء علي الورق نقرأ عنه في الدساتير والقوانين وفي وسائل الإعلام الرسمية ولكن لا يمكن التمتع به.

* وكيف تري حال حرية الرأي والتعبير في مصر؟

ـ لا جدال علي أن أفضل فترة لازدهار حرية الرأي والتعبير هي الفترة من 1919 حتي ،1952 والمفارقة أن تمتع مصر بحرية الرأي والتعبير وما يرتبط بها من حريات أخري جري قبل ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر عام 1948.. بل إن مصر ساهمت بشكل إيجابي في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وساهمت أيضاً في ميلاد وبلورة عدد من وثائق حقوق الإنسان الدولية الأخري، والأكثر من ذلك ان مصر قبل اكثر من 60 عاماً قدمت للأمم المتحدة بعض المقترحات الخاصة بحقوق الإنسان والآن تمارس مصر عكس ما اقترحته.. الآن مصر تعيش نكسة في حرية الرأي والتعبير وفي جميع الحقوق والحريات.

* نكسة!

ـ نعم نكسة.. والنكسة بدأت منذ عام 1952 التي ألغت الدستور الأكثر ديمقراطية وهو دستور 1923 وألغت أيضاً النظام البرلماني القائم وأحلت محله نظاماً مشوهاً.. وبقيام ثورة يوليو 1952 انتهي العهد الذهبي للحقوق والحريات الذي كان يمثل أيضاً العهد الذهبي لحزب الوفد الذي جمع في سبيكة واحدة بين الدفاع عن استقلال الوطن في مواجهة الاحتلال الأجنبي والدفاع عن الحقوق والحريات العامة، وحزب الوفد في ذلك الوقت كان المدافع الأول عن الحقوق والحريات وكان لا يصطنع ـ كما يحدث الآن بالنسبة لبعض أطراف المعارضة ـ تناقضاً بين الدفاع عن استقلال الوطن وحماية الحقوق والحريات..

وبعد 1952 عرفت مصر اللجوء للقضاء الاستثنائي سواء أكان عسكرياً أو غيره وتم حل الأحزاب السياسية وإلغاء التمتع بحرية تكوين الأحزاب السياسية، وعرفت مصر ايضاً تقويض تكوين النقابات العمالية وتأميم هذه الأشكال من التنظيمات لصالح نظام الحكم.. وعرفت أيضاً تقييد حرية العمل الأهلي والجمعيات الأهلية بعدد من القوانين، وتلك الجمعيات شهدت عصرها الذهبي خلال عشرينات القرن الماضي وأقامت أهم المنشآت المدنية في مصر والتي مازلنا نفتخر بها مثل جامعة القاهرة ومستشفي قصر العيني وغيره من المستشفيات الكبري.

* هذا كله حدث في الفترة الناصرية فماذا عن الفترة الساداتية؟ والفترة الحالية؟

ـ في تصوري أنه لا خلاف بين الفترات الثلاث فجميعه تنتمي لأصل واحد ولهذا لم تحدث اختلافات جوهرية بينها الا في بعض الأمور الهامشية.. فالسياسة الخارجية في عهد السادات اختلفت عنها في عهد عبدالناصر عنها في عهد مبارك ولكن الركائز الأساسية للأنظمة الثلاثة هي ركائز واحدة.

* ولكن الرئيس السادات أعاد الحياة الحزبية وبدأ في انتهاج سياسة الانفتاح التي اختلفت جملة وتفصيلاً عن السياسة الاقتصادية للعهد الناصري؟

ـ السادات أعاد الحياة الحزبية ولكنه قيد الأحزاب لدرجة أنك لا تستطيع إلا أن تقول اننا مازلنا نعيش عصر حكم الحزب الواحد.

* رغم وجود 24 حزباً سياسياً في مصر حالياً؟

ـ نعم.. مازلنا نعيش عصر حكم الحزب الواحد.. فلدينا حزب واحد مسيطر علي السلطة والأحزاب الأخري لا تملك سوي أن تعارض فلا يمكن انتقال السلطة من الحزب الحاكم الي أي حزب.. والمعني أن كل التعديلات التي شهدتها الساحة السياسية في عهد الرئيس السادات ومبارك هي مجرد تعديلات شكلية ولكن فلسفة الحكم لم تتغير عن عهد عبدالناصر.. و لهذا عندما تسأل أي رجل سياسة أو فقيه قانوني وتقول لو أردنا ان نغير وضعنا المأساوي الحالي فإجاباتهم جميعاً ستكون واحدة وسيقولون لابد من الرجوع إلي دستور عام 1923.. أنا لا أقصد أن ما كان يحدث في مصر قبل 1952 هو النموذج ولكني أعني أنه كان أفضل كثيراً مما هو الحال لأني أري أن مصر تسير للخلف.

* وبشكل محدد كيف تري حرية الرأي والتعبير حالياً؟

ـ لو قارناها بالفترة الأولي لنظام يوليو والتي استمرت من عام 1952 حتي منتصف السبعينات فسنجد نقلة كمية في حرية الرأي والتعبير ولكن الحال لم يتغير عما كان عليه في الفترة الناصرية.. فلا توجد حرية لتداول معلومات وتوجد قيود هائلة علي حرية الرأي والتعبير وتجريم يصل للسجن في قضايا حرية الرأي والتعبير.

* ماذا تعني بالنقلة الكمية؟

ـ النقلة الكمية تعني أنه صارت هناك امكانية لصدور صحف معارضة بدءاً من منتصف السبعينات وصار ممكناً في العهد الحالي صدور صحف مستقلة .. وصار ممكناً أيضاً إنشاء قنوات تليفزيونية مستقلة ولكن غير اخبارية وغير أرضية أي لا تصل للمواطن الذي ليس لديه دش أو كارت قنوات فضائية أو ما شابه ذلك..

ورغم هذه التغيرات فإن فلسفة التعامل مع حرية الرأي والتعبير مازالت في جوهرها هي نفس الفلسفة التي وُضعت منذ نحو نصف قرن.. فحتي الآن مازال هناك ما يسمي الإعلام القومي وهو في جوهره إعلام حكومي يتبع ويروج لحزب واحد وهو الحزب الحاكم، وهذا الإعلام يُنظر اليه علي انه اعلام قومي يعبر عن المصالح المشتركة للشعب المصري ولكل المصريين وهذا طبعاً مناف للواقع الحالي.. وهذا الإعلام القومي يتم تمويله وتمويل خسائره من عرق المصريين جميعاً بمن فيهم الذين لا يتفقون مع الحزب الحاكم ولا يرضون عن أداء الحكومة الحالية، ويفترض إذا كان هذا الإعلام، قومياً حقيقة، أن يعبر عن التعددية السياسية والثقافية والدينية ولكن للأسف الشديد هو يعبر في معظمه عن وجهة نظر واحدة وهي وجهة نظر الحكومة سواء في السياسة أو حتي الدين.. أما الإعلام الآخر فانه يدور في الهوامش خاصة وأنه لا ينفق عليه من أموال المصريين وإنما تموله الأحزاب أو مجموعات رجال الأعمال.

* إذن الوضع العام مازال يتشابه مع ما كان عليه منذ نصف قرن؟

ـ وربما أكثر فالوضع بائس جداً سواء في الصحافة والإعلام أو غيرها من وسائل التعبير عن الرأي.. وبدا الأمر وكأن كل صاحب فكر أو رأي عليه أن ينمي داخله رقيباً ذاتياً حتي لا يسقط في المحظور خاصة بعد توالي أحكام الحبس الأخيرة التي طالت »5« رؤساء تحرير و»6« صحفيين.

* كل صاحب فكر أو رأي سواء أكان صحفياً أو لا؟

ـ نعم.. فهناك أحكام بحبس مسئول في احدي منظمات حقوق الإنسان وهو كمال عباس بسبب نشرة أصدرها.. ونذكر جميعاً أن قراء بعثوا برسائل لبعض الصحف وتم نشرها في بريد القراء وصدرت ضدهم أحكام بالحبس بسبب ما كتبوه فالموضوع علي عكس ما يجري تصويره علي أنه موضوع خاص بالصحفيين فقط.. لا.. أولاً يعاقب بالحبس علي الرأي غير الصحفيين، وأيضاً الصحفي لا يمثل نفسه عندما يتناول قضايا الرأي العام.. طبعاً كل صحفي لديه انحيازات سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية ولكن هو بشكل أو بآخر يعبر عن وجهة نظر مجتمعيه وجهة النظر تلك يجب ان تحترم حتي ولو كانت تعبر عن أقلية، وأحياناً بعض وجهات النظر التي لا تحظي بتأييد واسع يثبت الزمن أنها كانت وجهات نظر صائبة ودقيقة وأساتذة التاريخ يؤكدون أن نظماً كثيرة لم تكن لتنهار اذا استمعت لوجهات نظر طُرحت عليها ولم تكن تحظي سوي بتأييد قلة.. فعلي سبيل المثال لو استمع الرئيس عبدالناصر لمنتقديه ومعارضيه وسمح بوجود مجتمع ديمقراطي ـ ربما لم نكن أصبنا بنكسة 1967..

* ولكن المعروف أن رأي الأقلية يتم تجاهله استناداً الي أن رأي الأغلبية هو الذي يجب أن يسود.

ـ أنا لا أقول ان وجهة نظر الأقلية يجب ان تسود ولكن احتمال ان يكون رأي الأقلية هو الصائب، واحتمال أن يسود أمر وارد جداً اذا أتيح له فرصة بأن تعرضه بشكل معقول أمام الرأي العام.

* ولكن أليست مفارقة ان تكون حرية الرأي والتعبير في زمن الاحتلال الانجليزي أفضل منها في زمن الاستقلال؟

ـ هذه مفارقة محزنة جداً.. ولكن المؤرخين لا ينكرون هذا الواقع.. وأنا لا أقصد بكلامي أن أقول ان الاحتلال أفضل ولكن ما أقصده هو ان المنطق يقول انه من المفترض ان يكون القادة الوطنيون اكثر حرصاً علي نهضة شعوبهم وبلادهم وآلا يكرسوا استخدام بعض القوانين والتشريعات ووسائل الإدارة والحكم التي كان يتبعها الاحتلال.

* وهل قادة مصر يكرسون استخدام هذه الوسائل وتلك القوانين؟

ـ خذ مثلاً قانون منع التظاهر والتعامل مع المتظاهرين تم وضعه عام 1914 وكان هدفه ضرب المظاهرات المعادية والاحتلال.. والسؤال كيف يستمر هذا القانون حتي الآن؟.. وكيف يدافع عنه حاكم وطني؟.. والغريب ان هذا القانون بالذات مازال سارياً حتي الآن.

* وبماذا تفسر عجز نظام الحكم الوطني عن نقل مصر لحرية أفضل مما كانت موجودة عليه في زمن الاحتلال؟

ـ لكل نظام نخبته الحاكمة.. وهذا للأسف هو أفق النخبة الحاكمة الموجودة.. فلا يمكن تلخيص ما يحدث في مصر الآن برؤية فرد وحتي أيام عبدالناصر لم تكن مصر تدار بفكر فرد وانما بفكر نخبة حاكمة.. والمعني أن ما يحدث في مصر الآن هو حدود فكر النخبة المصرية الحاكمة وهذا لا يعني أن كل عناصر النخبة الحاكمة هي موافقة علي كل ما يجري تطبيقه من سياسات.

* تعني أنه يوجد داخل النخبة الحاكمة معارضون لسياسات الحكم؟

ـ من خلال متابعاتي أعرف أن هناك اشخاصاً عقلاء جداً وديمقراطيين الي حدكبير داخل النخبة الحاكمة الحالية.. ومن أمثال هؤلاء الدكتور عبد المنعم سعيد عضو أمانة السياسات بالحزب الحاكم وكثير من أرائه التي تتعلق بطبيعة إدارة هذا البلد هي في تقديري نقيض كامل لما يجري.

* ولكن لماذا لا يؤخذ برأي الدكتور عبد المنعم سعيد عضو أمانة السياسات؟

ـ لأنه للأسف يمثل أقلية محدودة جداً داخل أمانة السياسات بالحزب الوطني وهذا ليس في صالح الديمقراطيين في هذا البلد.. وأعرف ان الدكتور حسام بدراوي عضو أمانة السياسات أيضاً ـ له آراء انتقادية في عدد من الأمور ولكن للأسف أمثال الدكتور بدراوي والدكتور سعيد لا يمثلون أغلبية داخل النخبة الحاكمة.

* الدكتور عبد المنعم سعيد وحسام بدراوي يتم توصيفهما علي أنهما ضمن فريق الحرس الجديد داخل الحزب الحاكم.. فهل الحرس القديم لم يكن به أمثالهما من حيث معارضة بعض السياسات.

ـ الحرس الجديد فيه ألوان وأشكال.. وأنا لا أتصور أن مفكرين من نوع الدكتور عبد المنعم سعيد أو نشطاء مثل الدكتور حسام بدراوي تحديداً ـ يمكن ان ينطبق عليهما تعبير حرس، فهما شخصان لهما مساهماتهما المستقلة التي تعبر عن استقلالية تتفاوت من شخص لآخر فيما يتعلق بتناول ما يجري في مصر وعموماً عبدالمنعم سعيد وحسام بدراوي يمثلان أقلية قليلة جداً جداً داخل النخبة وهما يمثلان وردة علي جاكت قبيح ومترب ويتم من خلال هذا الجاكت تمرير أسوأ السياسات والتشريعات والممارسات وأكثرها قبحاً وإساءة لمستقبل هذا البلد.

* هل تقصد بالنخبة الحاكمة مجموعة الوزراء أم لجنة السياسات أم هما معاً؟

ـ النخبة أوسع من مجموعة مسئولين أو مجموعة أعضاء في حزب وانما هي فئة اجتماعية تري بدرجات مختلفة أن طريقة إدارة البلد علي النحو الذي هي عليه الآن هي أفضل المتاح

Share this Post