يُعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن رفضه المطلق لمشروع قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أعدته وزارة العدل، والذي كان محل نقاش يشارك فيه مركز القاهرة اليوم بوزارة العدل مع مسئولي وزارات العدل والخارجية والشئون الاجتماعية.
يؤكد مركز القاهرة على أن هذا المشروع يُمثّل خطوة جديدة لقمع العمل الأهلي بالقانون، إلى جانب مشروع القانون المطروح للنقاش أمام لجنة تنمية القوى البشرية والإدارة المحلية بمجلس الشورى والذي تقدم به حزب الحرية والعدالة. وفي هذا الصدد يؤكد مركز القاهرة على أن المشروع المقترح من وزارة العدل يقنن الممارسات الاستبدادية والبوليسية للدولة في مواجهة المجتمع المدني وبخاصة منظمات حقوق الإنسان، باعتبارها خصمًا ينبغي القضاء عليه بسبب نشاط المنظمات الحقوقية في فضح الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان.
لقد توافرت لوزارة العدل كافة سبل الدعم الفني التي تؤهلها لإصدار قانون يتوافق مع المعايير الدولية لحرية التنظيم وتكوين الجمعيات –حيث أنها استمعت إلى ممثلي منظمات حقوق الإنسان المصرية ومن بينها مركز القاهرة، بالإضافة إلى مجموعة من الخبراء الدوليين بالاتحاد الأوربي والأمم المتحدة– إلا أنه تبين أن اهتمام الحكومة وحزبها هو الإيهام بأنها حريصة علي استطلاع كل الآراء. فقد خرج مشروع القانون الذي قدمته الوزارة ليضرب بعرض الحائط كافة المقترحات والتوصيات التي قُدّمت لها، إذ تبنت الوزارة رؤية معادية لمبدأ حرية التنظيم، وأقرت المزيد من القيود التعسفية بهدف قمع المجتمع المدني وإرهاب المدافعين عن حقوق الإنسان.
يعد مشروع قانون وزارة العدل امتدادًا للفلسفة ذاتها التي بلورتها وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والتي تقوم على تشديد الحصار على منظمات المجتمع المدني بشكل عام، وخنق منظماته الحقوقية بشكل خاص، ولكن بشكل يفوق استبداد نظام مبارك.
فيما يلي أبرز المخالفات الواردة بمشروع القانون للمعايير الدولية للحق في التنظيم:
أولاً: يكرس مشروع القانون عداءً مطلقًا تجاه أية مؤسسات تمارس أنشطة تندرج في إطار النشاط الأهلي، ويُصادِر حقها في اختيار الشكل القانوني لعملها، إذ يحظر عليها تنظيم نفسها وفقًا لأي شكل قانوني –في إطار القانون المدني أو قانون المحاماة، أو أي قانون آخر– باستثناء الجمعية أو المؤسسة الأهلية.
ثانيًا: لم يكتف القانون بوزارة الشئون الاجتماعية كممثل للحكومة في التعامل مع المجتمع المدني، بل أقحم المشروع جهتين أمنيتين هما وزارة الداخلية وهيئة الأمن القومي لمراقبة عملية تمويل المنظمات المحلية ومنح التراخيص للمنظمات الدولية العاملة في مصر، وذلك من خلال تمثيلهما في كيان يسمى بـ “اللجنة التنسيقية”، مما يعني أن تلك الجهات الأمنية ستتدخل في نشاط المنظمات المحلية عن طريق رفض التمويل الممنوح لها إذا كان بغرض تدعيم أنشطة الدفاع عن حقوق الإنسان أو كشف الانتهاكات التي ترتكبها الجهات الأمنية مثل التعذيب على سبيل المثال.
ثالثًا: نص مشروع القانون على أن تتلقى الجمعيات الأهلية تمويلاتها الدولية عن طريق حساب خاص بوزارة التأمينات والشئون الاجتماعية وليس حساب الجمعية، ولا تحول تلك المبالغ إلى حساب الجمعية إلا بعد موافقة اللجنة التنسيقية أو مرور 60 يومًا دون اعتراض منها، وهو ما يشكل وصاية حكومية غير مسبوقة وتدخلاً سافرًا في النشاط الأهلي. حيث يتيح لوزارة الشئون الاجتماعية –حتى وإن وافقت اللجنة التنسيقية– فرصة تعطيل التمويل القادم للجمعية عن طريق التباطؤ في إجراءات تحويله. كما أجبر مشروع القانون المنظمات على تقديم إذن كتابي لتمكين اللجنة التنسيقية من الإطلاع على الحسابات البنكية للجمعية في أي وقت، مما يخل بالحق في سرية المحاسبات التي كفلتها القوانين المصرية والتي تقضي بأن يكون كشف سرية المحاسبات بموجب حكم قضائي.
رابعًا: يُحسب لمشروع القانون أنه ألغى العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في قانون 84 لسنة 2002، إلا أنه أفرط في تقدير الغرامات المالية التي تقع على الجمعية، حيث وصلت الغرامات في المشروع إلى مبلغ 5 مليون جنيه مصري! والتي تعد أكبر الغرامات المنصوص عليها بنص صريح في القانون المصري. والمثير للدهشة أن غرامة بهذا القدر الهائل يسعى مشروع القانون لفرضها على نشاط طوعي، في انعكاس واضح لفلسفة القانون التي تناصب العداء للمجتمع المدني، وتتعامل معه كخصم غير مرغوب فيه.
خامسًا: وضع مشروع القانون قيودًا على عملية إشهار الجمعيات والمؤسسات الأهلية، رغم إقرار القانون للإخطار كطريقة لتسجيل –لكي يتماشى مع نص المادة 51 من الدستور المصري– إلا أن مشروع القانون ألزم الجهة الإدارية بقيد الجمعية خلال مدة 30 يومًا دون أن يرتب الإخطار أي أثر إلا إذا كان مصحوبًا ببعض المستندات التي تطلبها المشروع، وإذا تبين للجهة الإدارية خلال المدة المشار إليها أن من بين أغراضها ما يعد مخالفًا لقانون العقوبات أو أي قانون عقابي أخر أو عدم انطباق شروط العضوية على أي من أعضائها أو عدم استيفاء بيانات النظام الأساسي يحق للجهة الإدارية أن ترفض تسجيل الجمعية.
سادسًا: انطلاقًا من الطبيعة التسلطية لمشروع القانون –إذ يعتبر المشروع الجهة الإدارية الوصي الشرعي على عمل المجتمع المدني– فقد أتاح مشروع القانون الحق للجهة الإدارية في الاعتراض أو تعطيل القرارات الصادرة عن مجلس إدارة الجمعية أو الاعتراض على أحد المرشحين لعضوية مجلس الإدارة، ملقيًا على عاتق الجمعية عبء الطعن على قرارات الجهة الإدارية في هذا الصدد.
ينطلق مشروع القانون من فلسفتين محوريتين، الأولى قائمة على العداء المستحكم لأهداف ومكتسبات ثورة 25 يناير، التي أفرزت مساحات جديدة من الحريات التنظيمية والاجتماعية والسياسية، وهي المساحات التي يرغب النظام الحالي في الهيمنة عليها وإعادة تشكيلها وفقًا لمصالحه وأهدافه الحزبية الضيقة. أما الفلسفة الثانية قائمة على التعامل مع المواطنين المنخرطين في المجتمع المدني، باعتبارهم مجموعة من المنحرفين المحتملين أو المشتبه بهم، إلى أن يثبت عكس ذلك، وهو ما عبر عنه السيد مساعد وزير العدل لشئون التشريع صراحةً في جلسة عامة بمجلس الشورى بتاريخ 24 مارس بأن الهدف الأساسي وراء تعديل مشروع قانون الجمعيات الأهلية الحالي هو سد الثغرات التي سمحت بوجود قضية التمويل الأجنبي والمنظمات الأجنبية. جدير بالذكر هنا أن السيد المستشار أشار في معرض حديثه إلى أن التحقيقات في هذا القضية لازالت جارية بحق المنظمات المصرية، وهو ما قد يعني تجدد الاستهداف الأمني لمقار منظمات حقوق الإنسان كأنها أوكار إجرامية.
إن مركز القاهرة يؤكد رفضه المطلق لمشروع القانون، ويؤكد أن مبدأ حرية التنظيم –وفقًا للمعايير الدولية–لا يقبل التنازل أو التجزئة، كما يحث مركز القاهرة الحكومة على إعادة النظر في استراتيجيتها القائمة على تضييق المجال العام للحريات، خاصةً وأن القانون المقترح من وزارة العدل يتعارض مع التزامات مصر بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها، وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
لمزيد من المعلومات حول مشروع القانون الذي تناقشه وزارة العدل:
5. أنظر مشروع قانون لتنظيم العمل الأهلي بمصر كانت قد تقدمت به 39 منظمة غير حكومية مصرية.
Share this Post