“أنت لا تفعل أي شئ إلا بعد الحصول على إذني، فأنا من أنشأ لك الجمعية وأنا الذي بيدي حلها”
لم نجد أبلغ من هذه الكلمات لوصف جوهر القانون المقترح من وزارة الشئون الاجتماعية لتنظيم العمل الأهلي -والذي يعتبر نسخة أشد قمعًا من القانون الحالي رقم 84 لسنة 2002- تلك الكلمات التي أنهى بها موظف بإحدى الإدارات التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية حواره مع أحد باحثي هذا التقرير، وذلك حينما اعترض الباحث على الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها وزارة الشئون الاجتماعية في مواجهة واحدة من الجمعيات الأهلية عام 2010.
دأبت الحكومات المصرية المتعاقبة على سن تشريعات من شأنها أن تجعل ممارسة حرية التنظيم والحق في تكوين الجمعيات أمرًا مستحيلاً، فقد حرصت تلك القوانين بدءً من القانون 32 لسنة 1964 وانتهاءً بالقانون الحالي رقم 84 لسنة 2002، على إعطاء جهة الإدارة الحق في التدخل في كافة تفاصيل عمل الجمعية الأهلية. ويعتبر مشروع القانون المقترح من وزارة الشئون الاجتماعية مؤخرًا بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمثابة حلقة جديدة في مسلسل التضييق على عمل المنظمات الأهلية، فالقانون يعيد العمل الأهلي نحو خمسين عامًا للخلف، ويتعامل مع الجمعيات والمؤسسات الأهلية بشكل تسلطي فج يجعلها تتلقى الأوامر فقط من الجهة الإدارية والسلطات الامنية وما عليها سوى التنفيذ.
يحمل مشروع القانون مجموعة من المساوئ القانونية التي اعتقدنا أنها ستنتهي للأبد بعد سقوط حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أن السلطات الحاكمة فاجئتنا بأن الممارسات والقوانين القمعية لازال لها مكان بعد الثورة، ولم تكتف بذلك فحسب، بل إنها أعادت تقديم مشروع القانون الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية الذى سبق وتم طرحه في مارس 2010 ووصفته عشرات منظمات حقوق الانسان المصرية آنذاك بأنه استهداف لعسكرة العمل الأهلي بواسطة قانون فاشي[1].
القيود الواردة في هذا القانون أخلت بالمعايير الدولية والممارسات الجيدة في الدول الديمقراطية، فقد حصر القانون عمل الجمعيات في ميادين محددة، بل وألزم الجمعية بعدم الجمع بين أكثر من ميدان عمل إلا بموافقة الجهة الإدارية. كما استبعد القانون مجال العمل الحقوقي من أنشطة الجمعيات، و قصر عملها على (الرعاية الاجتماعية، التنمية، تنوير المجتمع) بما يحول دون الدفاع عن حقوق المصابين والمعذبين والشهداء الذين سقطوا طيلة حكم مبارك وأثناء الثورة المصرية.
مشروع القانون أيضًا يعطي لوزير الشئون الاجتماعية الحق في إصدار قرار بحل أي كيان اعتبارى –حتى وإن كان قانوني– إذا تبين له أنه يمارس نشاط يندرج ضمن أنشطة الجمعيات، بما يضاعف من سلطة الوزير القمعية ويعطيه الرخصة لمزيد من الإجراءات التعسفية.
انفرد مشروع القانون المقترح بوضع عراقيل إضافية على عملية منح التراخيص للجمعيات، حيث خول للاتحاد الإقليمي وحده الحق في إرسال أوراق الجمعية للجهة الإدارية بعد أن يتبين استيفاء وصحة الأوراق والإجراءات، الأمر الذي ضاعف من بيروقراطية عملية الإشهار وأفسح المجال أمام الاتحاد الإقليمي لعرقلة إشهار الجمعية وعدم وصول أوراقها للجهة الإدارية.
أجبر مشروع القانون أيضًا الجمعيات الأهلية على العضوية في الاتحاد الإقليمي وبالتبعية عضوية الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية بما يعد تدخلاً سافرًا في استقلالية هذه الجمعيات وحريتها في الانضمام لمثل هذه الاتحادات، وفي المقابل لم يعط القانون الحق للجمعيات بإنشاء اتحادات مستقلة أو الانتساب لمنظمة أو اتحاد أوهيئة مقرها خارج مصر.
هذه القيود القانونية التعسفية والمقترحة من أجل تكتيف المجتمع المدني جاءت ردًا على مساعي متكررة للمنظمات والمؤسسات الأهلية من أجل مناخ عمل ديمقراطي حر، هذه المحاولات التى كان أبرزها مشروع قانون تقدمت به الجمعيات الأهلية من أجل تحرير العمل الأهلي[2] أرسلته لحكومة عصام شرف ومن بعدها حكومة الجنزورى وكذا للمجلس الاستشارى وأعضاءه، فما كان من رد سوى مضاعفة القيود وزيادة القمع في مشروع قانون جديد يغل أيدي الناشطين ويكمم أفواه المنظمات الحقوقية.
تتضمن هذه الورقة تحليل لمشروع القانون المطروح من الحكومة، مقارنته بالمعايير الدولية لحرية التنظيم، وأحكام المحكمة الدستورية العليا المصرية، وذلك بالتوازي مع إلقاء الضوء على كل من مشروع قانون تحرير العمل الأهلي الذي قدمته عدد من المنظمات الحقوقية والتنموية، وقانون الجمعيات التونسي.
نحن نطرح هذه الورقة على الرأي العام وعلى مجلس الشعب الذي انتخبه المواطنون؛ من أجل تحقيق أهداف الثورة في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي، على أمل أن تعود الثورة إلى مسارها الصحيح.
[1] إحياء مشروع قديم للجمعيات الأهلية يعيد السيطرة لجهاز أمن الدولة على المجتمع المدني – بيان مشترك بين عدد من المنظمات الحقوقية: https://cihrs.org/?p=1009
[2] تسع وثلاثون منظمة حقوقية وتنموية تطرح مشروع قانون بديل للجمعيات والمؤساسات الأهلية https://cihrs.org/?p=236
Share this Post