تستنكر المنظمات الحقوقية المستقلة الموقعة أدناه كافة الإجراءات القمعية وغير النزيهة التي اتخذت بحق كل من أعلن نيته الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع أن تبدأ في فبراير القادم. وتؤكد أن الوضع السياسي والتشريعي الحالي في مصر يفتقر للحد الأدنى من الضمانات اللازمة لإجراء عملية انتخابية تتسم بالحدود الدنيا من الحرية والنزاهة، وأن إجراء الانتخابات في ظل الوضع الراهن البائس، ومن دون إجراء حزمة من الضمانات والتغييرات الضرورية لإعادة فتح المجال العام وتوفير مناخ ديمقراطي مناسب لانتخابات تنافسية متكافئة تحترم الدستور، من شأنه أن يحولها لمجرد استفتاء على تجديد البيعة للرئيس الحالي، ويؤدي لمضاعفة اليأس من حدوث تداول سلمي للسلطة، ويشكل دعمًا هائلاً لدوافع العنف السياسي والإرهاب، وركائز عدم الاستقرار السياسي.
في هذا السياق فإن لم تستجب الحكومة المصرية الحالية للضمانات المطلوبة في هذا البيان بشان الانتخابات، فإن مشاركة أية مؤسسات أو منظمات دولية في المراقبة علي هذا التزييف لإرادة الناخبين، قد يحمل شبهة المباركة غير المباشرة له، ذلك التزييف الذي يرتكز علي سنوات من القمع المكثف السياسي والأمني والتشريعي والقضائي للمصريين أفرادًا وجماعات، والتقويض المنهجي اليومي لاستقلالية وكفاءة مؤسسات الدولة المصرية.
قبل أسبوعين شنت وسائل الإعلام الخاضعة للدولة -بشكل مباشر أو مستتر- حملة تشهير وإهانة لرئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق، واتهمته بالعمالة لتركيا وقطر، وبأنه مدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد أن أعلن ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية، و تم ترحيله من دولة الإمارات العربية لمصر، حيث وضع قيد الإقامة الجبرية، وأجبر علي التصريح بالتراجع عن الترشح، على نحو مغاير لما صرح به هو و أسرته ومحاميته قبل ذلك بساعات. واستكمالاً لتلك الضغوط والممارسات غير القانونية، ألقت قوات تابعة لوزارة الداخلية القبض على ثلاثة يعتقد أنهم من أنصاره فجر يوم الأربعاء 13 ديسمبر.
وفي التوقيت نفسه، تم القبض على العقيد مهندس أحمد قنصوة الذي أعلن ترشحه للانتخابات في 29 نوفمبر الماضي فمثّل للتحقيق أمام النيابة العسكرية بتهمة السلوك المضر بمقتضيات النظام العسكري! وصدر الحكم بحقه أمس الثلاثاء 19 ديسمبر بالحبس 6سنوات!
كما ينتظر المحامي خالد علي – الذي كشف بدوره على نية ترشحه لرئاسة الجمهورية نوفمبر الماضي- في 3 يناير المقبل الجلسة الثانية لمحكمة جنح مستأنف الدقي لنظر الحكم الصادر ضده بالحبس 3 أشهر في اتهامات ملفقة بممارسة فعل فاضح خادش للحياء العام، وفي حال تأكيد الحكم فمن المحتمل أن يتم استبعاده من السباق الرئاسي، هذا بالإضافة إلى القبض على بعض أنصاره في سياق حملات اعتقال متعددة بين أبريل ويونيو 2017.
وبينما تحظي حملة “عشان يبنيها” التي أطلقها أنصار رئيس الجمهورية الحالي بتيسير كامل لتحركاتها وتغطية إعلامية مكثفة، صرح النائب البرلماني السابق محمد أنور السادات في بيان له أن السلطات أعاقت حملة مشابهة شرع بها أنصار ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، وقمعتها السلطات الأمنية بعنف بالغ.
في هذا السياق تخشى المنظمات الموقعة أن الوضع السياسي الحالي لا ينم على وجود إرادة سياسية لإجراء انتخابات رئاسية حقيقية وتعددية، وأن الأمر يجرى الترتيب له ليخرج أشبه باستفتاءات مبارك قبل عام 2005 ذات الموافقة بنسبة 98%. وبناء عليه، يتعين على الدولة اتخاذ عدد من التدابير التي تكفل ضمانات أولية سابقة على العملية الانتخابية، حتى يمكن القول أن الرئيس القادم يحظى بشرعية انتخابات حرة ونزيهة ديمقراطية، تحترم إرادة الناخبين، هذه الضمانات هي:-
أولا: رفع الإقامة الجبرية غير المعلنة عن الفريق أحمد شفيق، وضمان حريته في اتخاذ قراره باستئناف حملته الانتخابية داخل مصر وخارجها، وقبل ذلك تمكين المنظمات الحقوقية المستقلة من زيارته والاجتماع به للوقوف على ملابسات إقامته والضغوط التي يتعرض لها، فضلاً على التوقف عن ملاحقة أنصاره وأعضاء حزبه بشتى الطرق.
ثانيا: التوقف عن توظيف القضاء في تعقب المرشحين المحتملين الحاليين والجدد للرئاسة، وإسقاط التهم المسيسة المنسوبة لهم- بما في ذلك التهم المنسوبة لخالد علي- وضمان حقهم الكامل في التواصل الآمن مع المواطنين في كافة مراحل العملية الانتخابية بشكل متكافئ أسوة برئيس الجمهورية الحالي، بما في ذلك المرحلة التمهيدية في جمع التوكيلات. والتوقف عن تعقب أعضاء حملاتهم الانتخابية، وأعضاء أحزابهم وأنصارهم، بما في ذلك الإفراج عن أنصار المرشح المحتمل خالد علي و إسقاط الاتهامات والعقوبات التي صدرت بحق أعضاء حزبه العيش والحرية.
ثالثا: إعلان التزام كافة مؤسسات الدولة- بما فيها المؤسسة العسكرية التي ينتمي لها رئيس الجمهورية الحالي- بالوقوف على الحياد بين جميع المرشحين دون تفضيل أو عداوات مسبقة.
رابعا: الإفراج الفوري وإسقاط كافة الاتهامات ذات الطابع السياسي عن جميع المعتقلين السياسيين السلميين من الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية والحركات الشبابية.
خامسا: الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين والمصورين المحتجزين لأسباب تتعلق بممارسة عملهم، والتوقف عن تعقب الصحفيين والكتاب، والتوقف عن سياسات تكميم الأفواه، وعن التعامل مع الإعلام الحر المستقل باعتباره جريمة.
سادسا: رفع الحجب عن كافة المواقع الإخبارية في مصر، وضمان تكافؤ الفرص وفقًا للمعايير الدولية أمام وسائل الإعلام بين المرشحين، وخاصة مع رئيس الجمهورية الحالي، وبما يضمن عدم توظيف وسائل الإعلام – الخاضعة في أغلبها لوصاية الرئيس الحالي بشكل مباشر أو غير مباشر- في الاغتيال المعنوي للمرشحين المنافسين.
سابعا: تمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها الرقابي علي الانتخابات الرئاسية بكافة مراحلها، وذلك من خلال:
- وقف العمل بقانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة ٢٠١7 الذي يقوض فاعلية منظمات المجتمع المدني ويضمن تبعيتها للحكومة.
- إغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد المنظمات الحقوقية الدولية والمصرية المستقلة، وإلغاء كل ما ترتب عليها من إجراءات وقرارات مسيسة، بما يسمح للمنظمات الدولية والمصرية من ممارسة دورها في مراقبة كافة مراحل العملية الانتخابية، وفي رفع قدرات طواقم العاملين فيها لهذا الغرض.
ثامنا: تعطيل العمل بقانون التظاهر ونشر قانون إلغاء قانون التجمهر الملغي منذ نحو 90 عاما. إذ بمقتضي هذين القانونين يمكن حبس المرشحين وأنصارهم – باستثناء أنصار رئيس الجمهورية الحالي -لمجرد تجمع خمس أفراد منهم أو أكثر، فضلاً عن إخضاع المواكب الانتخابية للموافقات المسبقة من الحكومة التي يهيمن عليها أنصار رئيس الجمهورية الحالي.
تاسعا: الإلغاء الفوري لحالة الطوارئ المفروضة على البلاد، والتي تقيد في كل المراحل السابقة ليوم الاقتراع حرية تحرك أنصار كل المرشحين المنافسين لرئيس الجمهورية الحالي. جدير بالذكر أن حالة الطوارئ المطبقة في سيناء من 2014 لم تنجح سوي في متفاقمة معاناة المواطنين هناك.
عاشرا: تجميد العمل بكافة القوانين المكافحة للإرهاب لحين تعديلها أو إلغائها، بعد أن ثبت فشلها، وتبين أن توظيفها قاصرًا على الانتقام من المعارضين والمخالفين في الرأي وأنصار المرشحين المنافسين، إلى حد سجن مواطن مسيحي -اندرو ناصف- 5 سنوات، وهو عضو في حزب العيش والحرية الذي يعد خالد علي وكيل مؤسسيه بتهمة التحريض على الإرهاب!
ختاماً تذّكر المنظمات الموقعة أن الانتخابات التنافسية بين مرشحين متعددين هي أحدى أهم مكتسبات الحركة الديمقراطية في مصر، بينما يحاول النظام الحالي تقويضها وتحويلها لما يشبه الاستفتاء.
لقد عادت الدولة للتلاعب بالفعل بالعملية الانتخابية خلال انتخابات مجلس النواب، التي أسفرت عن انتخاب مجلس نيابي يمثل أجهزة الدولة ولا يمثل الشعب، أشبه بمجلس 2010 الذي كان بمثابة “المسمار الأخير في نعش نظام مبارك.”
المنظمات الموقعة :
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
Share this Post