تعرب المنظمات الموقعة أدناه عن بالغ استنكارها لإصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي –باعتباره رأس السلطة التنفيذية والتشريعية– للقرار بقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، الذي أبقى على الكوارث “القانونية” ذاتها الواردة بالمشروع السابق اقتراحه من لجنة الإصلاح التشريعي، مضيفًا العديد من المصطلحات الفضفاضة عند تعريفه الكيانات الإرهابية، الأمر الذي يهدر الضمانات المنصوص عليها في الدستور المصري، والتزامات مصر الدولية. فضلًا عن تقويض حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية وحريات الصحافة والرأي والتعبير، هذا بالإضافة إمكانية تطبيقه على الأفراد وإن كانوا غير منتمين لأي شكلٍ تنظيمي.
كان مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون بشأن الكيانات الإرهابية المقدم من لجنة الإصلاح التشريعي في نوفمبر 2014 وأرسله لرئاسة الجمهورية؛ تمهيدًا لإصداره، وقد طالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان رئيس الجمهورية بعدم إصداره في تعليق قانوني على نسخة مقترحة من القانون، وهو ما تم تجاهله تمامًا من قبل رئاسة الجمهورية وأصدرته يوم 17 فبراير وفقاً للجريدة الرسمية، وبه العيوب نفسها، والتي تتناقض مع الدستور المصري.
وتؤكد المنظمات أن هذا القرار بقانون قد اعتمد على تعريفات واسعة و”الفضفاضة” للأفعال التي تعتبر الكيان –أو الشخص– إرهابيًا، مما سيسهل اعتبار الأحزاب السياسية والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، أو أي أصوات نقدية مستقلة إرهابيين. فقد اشتمل القانون في مادته الأولى على عبارات “مُجهلة” لا تصلح أن تكون ضابطًا لوضع الكيانات والإفراد على القوائم الإرهابية، ومن بينها “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو تعطيل أحكام الدستور والقانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي”. ومثل تلك المصطلحات الفضفاضة تتعارض تمامًا مع ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها عن تعمد وضع نصوص عقابية غامضة،وبالتالي تنفرد السلطات القائمة بفرض تفسيرها الخاص الذي يخدم مصالحها وحدها، وهو ما اعتبرته المحكمة انتهاكًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها الدستور الحالي في مادته 95.
لم يكتف القرار بقانون بالمصطلحات الفضفاضة لوصم الكيان أو الأفراد كإرهابيين فحسب، بل إنه اعتبر الكيان إرهابيًا بأن “يدعو بأي وسيلة “سلمية كانت أم لا بخلاف ما تقتضيه الجرائم الإرهابية من اشتراط العنف أو القوة المسلحة، بل أنها جاءت مجردة وفضفاضة، فهذا التوجه يندرج تحته البيانات أو التقارير أو الوقفات الاحتجاجية أو المقالات الصحفية إن ارتأى أنها تمثل “إخلالًا بالنظام العام أو السلام الاجتماعي” بحسب نص القانون، وهو ما يعد بمثابة ترهيب وتهديد للآراء المعارضة للحكومة بوسائل سلمية. إن استخدام نص قانوني بعبارات فضفاضة “كالدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل القوانين” يعد انتهاكًا لحرية التعبير عن الرأي، فعند سنّ قانون التظاهر،طالب–ولا يزال–العديد من المنظمات الحقوقية والأحزاب والحركات السياسية والإعلاميين بوقف العمل به؛ وهو ما يعد –طبقًا لقانون الكيانات الإرهابية– سببًا كافيًا لوصمهم بالإرهاب.
ومن المثير للدهشة أن تعريف الكيانات الإرهابية و”الإرهابي” وفقًا للقانون جاء أوسع من تعريف الإرهاب نفسه وفقًا للمادة 86 من قانون العقوبات، والتي عابت عليها المنظمات الحقوقية في حينها استخدامها لمصطلحات فضفاضة.
وتؤكد المنظمات على أن عدم إلحاق القرار بقانون بمذكرة تفسيرية أو إيضاحية، يعد إمعانًا ورغبةً في التجهيل بنصوصه وعدم وضوح حدود تطبيقه، حيث تكمن أهميتها في الكشف عن الهدف المراد تحقيقه من النص، فضلًا عن إيضاح معاني ودلالات الألفاظ الواردة فيه وحدود تطبيقه.
لم يأخذ القانون بتوصيات المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والتي من بينها “تقييد جميع الأحكام التي تُنشئ جرائم إرهابية تقييدًا صارمًا بمبدأ المشروعية القانونية”، مشترطًا أن “تصاغ النصوص في عبارات واضحة ودقيقة”، ومشددًا على “قصر تعريف الجريمة الإرهابية على الأنشطة التي تنطوي على استخدام العنف القاتل أو الخطير ضد المدنيين أو تتصل اتصالا مباشرًا باستخدامه. هذا بالإضافة إلى استناد حظر المنظمات الإرهابية على أدلة واقعية على ضلوعها في أنشطة ذات طبيعة إرهابية، وإلى المشاركة الفعلية للأفراد في هذه الأنشطة”، محذرًا من “التجريم استنادًا إلى الأهداف والغايات، مما يهدد كل الكيانات المشروعة بما فيها منظمات حقوق الإنسان وجماعات المعارضة”.
تود المنظمات أن تلفت الانتباه إلى أن القرار الصادر –من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة–بالإدراج أو عدم الإدراج لا يعدو أن يكون قرارًا وقتيًا ولا يعتبر بأي حال حكم قضائي مكتمل الخصائص، فالقرار الوقتي لا يُلزم المحكمة بفحص أوراق القضية والنظر في أدلة الثبوت أو مناقشة الشهود بل تصدر القرارات الوقتية من ظاهر الأوراق دون تحقيق في الادعاءات، على خلاف الحكم القضائي الذي يلزم–من الناحية القانونية– المحكمة بالتدقيق في أوراق القضية وسماع دفاع المتهمين وتفنيد الأدلة. مما يجعل القرارات التي تصدرها تلك الدوائر تشبه إلى حد بعيد قرارات محاكم القضاء المستعجل.
وتشدد المنظمات على أن خطورة تلك القرارات الصادرة من دوائر الجنايات تكمن في الأثار المترتبة على قرارات الإدراج في قوائم الإرهاب بالمادة 7 من القانون، والتي تعتبرها المنظمات “أثارًا متعسفة في غياب تحقيقات جادة أو فحص دقيق من قبل المحكمة أو توافر ضمانة الدفاع ومعايير المحاكمة العادلة”.
وفي تعارض واضح مع قانون مباشرة الحقوق السياسية رتب القانون في المادة 7 من ضمن الآثار المترتبة على قرار الإدراج على القوائم الإرهابية “فقدان شرط حسن السمعة والسلوك اللازم لتولي الوظائف العامة أو النيابية”. فوفقًا للمادة 2 من قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي عددت أسباب الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية –ومنها الترشح للمجالس النيابية– اشترطت صدور حكم نهائي في عدد من الجرائم أوردها على سبيل الحصر. بينما قانون الكيانات الإرهابية اكتفى فقط بقرار وقتي وليس نهائي ليتم منع الأفراد من تولي وظيفة نيابية، مما يجعل مثل تلك المادة بمثابة “سيف” مسلط على رقاب الأحزاب قد يُستخدم لحرمانهم من المشاركة في الانتخابات.
إن المنظمات الموقعة على هذا البيان تؤكد على أن مصر لا تعاني من أي فراغ تشريعي لمواجهة جرائم العنف المسلح الذي تقوم به جماعات وتنظيمات متطرفة، وتبدي تشككها في أن يساهم هذا القانون في القضاء على تلك الجرائم.وتؤكد في الوقت ذاته على أن ما تحتاجه مصر الآن هو مراجعة شاملة لترسانة القوانين المعمول بها وتنقيتها مما يخالف الدستور والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر . إن هذا القانون وغيره من القوانين ذات الطبيعة “الاستثنائية” ستنجح فقط في خنق المجال العام والسياسي في مصر، وتبقى كسيف مسلط على رقاب الفاعلين السياسيين وكافة الأصوات المستقلة بمجرد توجيههم انتقادات لأداء الحكومة أو تعبيرهم عن آراءهم بشكل سلمي.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز الأرض لحقوق الإنسان
- مركز الحقانية للمحاماة والقانون
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- مركز هشام مبارك للقانون
- مركز وسائل الاتصال من أجل التنمية – أكت
- مصريون ضد التمييز الديني
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مؤسسة المرأة الجديدة
- المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
- نظرة للدراسات النسوية
Share this Post