عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في الثامن من مايو 2006 ، ندوة تناول موضوعها النقاش حول مدى جدارة مصر بعضوية المجلس الدولي لحقوق الانسان التابع للامم المتحدة ، الذي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشائه بدلا من اللجنة الدولية لحقوق الانسان ، والتي ستعقد انتخابات لاختيار أعضاء أول دورة بالمجلس يوم التاسع من مايو لعام 2006. تحدث في الندوة الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ، والدكتورة عايدة سيف الدولة ممثلة عن الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب ، والدكتور محمد أبو الغار الأستاذ الجامعي والمتحدث باسم حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة ، والدكتور هاني عنان عضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية. بينما اعتذر المستشار هشام البسطاويسي عن الحضور لاعتصامه في نادي القضاة في إطار حركة القضاة للدفاع عن استقلال السلطة القضائية.
استهل بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة حديثه في بداية الندوة بطرح التساؤل الرئيسي لموضوع الندوة: هل الحكومة المصرية جديرة بعضوية مجلس حقوق الانسان ؟ حيث ذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة قد شكل لجنة سميت بلجنة الحكماء لمناقشة المشاكل الهيكلية في الأمم المتحدة ، وقد حدث تطوير هائل خلال الستين سنة الماضية في الأمم المتحدة ومواثيقها وآلياتها ، ولكن بالتوازي مع هذا التطوير كان هناك شعور دائم وخاصة من المنظمات غير الحكومية بأن هناك قصور هائل في لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ، وفي هذا السياق وضعت لجنة الحكماء سيناريوهات مختلفة لاصلاح عمل اللجنة، أحد هذه السيناريوهات انشاء مجلس لحقوق الانسان ، وتبني هذه الفكرة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة ، وصدر قرار فيما يتعلق بانشاء هذا المجلس في بدايات العام الحالي. وفيما يخص المجلس فانه سيجتمع أربع مرات على مدار السنة بجانب مرونة الاجتماع في أي وقت للنظر في أي انتهاك جسيم يحدث لحقوق الانسان وستتضح كثير من التفاصيل في الممارسة.
وسيشكل المجلس الجديد من عضوية 47 دولة ويفترض أن يتشكل من 13 دولة ، من آسيا 13 دولة ، أمريكا اللاتينية والكاريبي 8 دول ومن أوروبا الغربية 7 دول ، وأوروبا الشرقية 6 دول. وهناك ثماني دول عربية رشحت نفسها حتى الآن، وفي حالة ترشيح مصر نفسها ما مدى جدارة الحكومة المصرية في الحصول على عضوية المجلس؟
في كلمته أشار الدكتور محمد ابو الغار أن هناك أربعة دول اعترضت على تشكيل مجلس حقوق الإنسان ، وهم أمريكا ، إسرائيل ، ودولتين لم يسمع عنهما قبل ذلك ، ويبدو أنهما جزر صغيرة ، أما كوبا وفنزويلا فامتنعا عن التصويت وكان مبررهما الخوف من استخدام الولايات المتحدة للمجلس للضغط عليهما ، أما مندوب مصر فقد وافق ولكنه طالب بضرورة تصعيد العقوبات على الدول التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، لأنه في نص بالمجلس: (ثلثي الأصوات من المجلس تكفي لطرد الدولة العضو بالمجلس في حالة انتهاكها لحقوق الإنسان حتى وإن كانت منتخبة) ، كما أن المجلس يمكنه إرسال مندوبين تقوم بزيارات محلية لمختلف الدول وإعداد تقارير عن حالة حقوق الإنسان بها ، وبالطبع فإن هذين الأمرين سيمثلان حرجا للدول التي تنتهك حقوق الإنسان ، ولهذه الأسباب كانت مصر متأرجحة في موقفها ما بين الموافقة والرفض ، وبالنسبة لفرص دخول مصر المجلس فهي مضمونة ولكن يبدو لي أن مصر لا تريد الدخول في عضوية المجلس.
عقب نهاية كلمة المتحدث الأول ، بدأت الدكتورة عايدة سيف الدولة حديثها حيث استندت إلى تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، وقد طرحت تساؤل حول مدى قدرة وفعالية آليات الأمم المتحدة وقراراتها التي تتخذها في العديد من المشكلات والأزمات في العالم ، مثل القرارات التي أصدرتها الامم المتحدة في القضية الفلسطينية وعدم اتخاذ اجراءات لتنفيذ هذه القرارات حتى الآن ، وأرجعت المتحدثة ضعف الأمم المتحدة إلى كون الدول القائمة على هذه المؤسسة ذات مصالح سياسية متضاربة مع الكثير من القرارات. كذلك أشارت إلى اعتراض مصر على انشاء المجلس الدولي لحقوق الانسان ولكن في النهاية وافقت نتيجة للضغوط السياسية الخارجية ، مبرزة موقف مصر الرسمي من رفضها لمجلس حقوق الانسان الذي تمثل في تصريح وزارة الخارجية ، حيث بررت بأن تحويل لجنة حقوق الانسان الدولية الى مجلس لحقوق الانسان سيزيد من تسييس حركة حقوق الانسان ، في حين صوتت مصر في دورة لجنة حقوق الانسان 2005 ضد قرار اللجنة الدولية لحقوق الانسان بفتح معتقل جوانتنامو أمام لجنة التحقيق الدولية التابعة للامم المتحدة رغم وجود مصريين بالمعتقل ، ولما سئل مدير ادارة حقوق الانسان بالخارجية المصرية عن سبب هذا الرفض رد قائلا ” اعتبارات سياسية “. وفي استكمال عايدة سيف الدولة لحديثها ذكرت أن مقرر الامم المتحدة لحقوق الانسان لا يستطيع دخول مصر من تسع سنوات للتفتيش على أوضاح حقوق الانسان في مصر بسبب عدم تصريح الخارجية المصرية له بالقيام بعمله.
ورأت أن مصر غير جديرة بعضوية المجلس الدولي لحقوق الانسان في ظل اجراءاتها القمعية لحرية الرأي والتعبير وانتشار التعذيب ، والحكم بالطوارئ ولو عقدنا مقارنة بين المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر وبين المجلس القومي لحقوق الانسان في الهند سنجد أن المجلس في الهند له صلاحية التفتيش على أوضاع حقوق الانسان ، على عكس المجلس المصري الذي لا يملك كل هذه الصلاحيات ويكتفي بكتابة التقارير.
أما الدكتور هاني عنان فقد أشار إلى الجدل المثار حول السيادة الوطنية وعلاقتها بمناقشة قضايا حقوق الانسان على المستوى الدولي ، وذكر أن ثورة الاتصالات قد أدت إلى تغير أمور كثيرة وان العالم يتطور من مفهوم السيادة الداخلية للدولة إلى أن انتهاك حقوق الانسان أصبح شأنا غير داخلي ، بمعنى آخر فإن الأمور الداخلية للدول لا يجب أن تظل هكذا – أمورًا داخلية – لأن كل دولة من الدول لها من القوانين والتراث القادر على القمع والاستبداد أو سوء توزيع الثروة وغيره ، فأصبحت شئون الشعوب الداخلية مطروحة للنقاش ، وقال الدكتور عنان أنه يتمنى أن تدخل مصر مرة عضو بالمجلس الدولي لحقوق الانسان ثم يحدث شئ أو انتهاك من قبل الحكومة المصرية وتطرد مصر وتفضح على المستوى العالمي لأن مصر بمجرد دخولها المجلس ستقوم بعمل طنطنة اعلامية ، ولكن بمجرد طردها سيكون من الصعب تبرير موقفها.
كذلك تطرق عنان إلى تقييم أداء الأمم المتحدة بشكل عام ، وأوضح أن الأمم المتحدة خاصة بعد حرب العراق أصبحت مثل عصبة الأمم سابقا عاجزة تماما بسبب الضغوط الامريكية ، والظروف المالية الصعبة خاصة بعد رفض أمريكا دفع نصيبها من في الأمام المتحدة لأكثر من سنتين ، وبالتالي هناك ضرورة لتغيير الكيان الخاص بالأمم المتحدة. وأشار عنان إلى أن دخول مصر المجلس الدولي لحقوق الانسان سيضع عليها العديد من القيود في ممارساتها الداخلية ومدى التزامها بالاتفاقيات والمواثيق الدولية ، كما أن التغيير في مصر قد بدأ هي والعديد من الشعوب وإن كان يحدث ببطء ، ونتيجة لهذا التغيير والحراك، ولأن الأنظمة القديمة بدأت تتصدع ، بدأ خوفها من السقوط ، والذي تمثل في ظهور العنف الأمني الشديد والغير مبرر ضد المجموعات القليلة المتضاهرة ، بالاضافة إلى موقف القضاة ومطالبتهم بحقوقهم ،وإن هذه المطالب تمثل مطالب فئوية وإن انتشرت هذه المطالب بين الفئات سيحدث تغيير وحراك واسع يمثل جزءا من الحراك الذي يحدث في العالم.
وفي ختام كلمته أعرب هاني عنان عن رغبته في انضمام مصر لعضوية مجلس حقوق الانسان الدولي ، كي يلاحقها النشطاء الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني بهدف الضغط على الحكومة وفضح انتهاكاتها لحقوق الانسان.
تناول الدكتور أسامة الغزالي حرب في نقاط سريعة رأيا مغايرا ، حيث استهل حديثه بالحديث عن حركة حقوق الانسان في مصر تمثل حركة لم تكن ممثلة منذ سنين مما يعد أحد مظاهر التغيير ، وأن تلك الحركة بدات في التغيير وهي أصعب مرحلة والتي تمثل الدفعة الاساسية للانطلاق من السكون للحركة ، خاصة , وأن السكون طال لفترة طويلة.
ويجب أن تشارك في تشكيل هذا المجلس الدولي دول وحكومات عرف عنها احترام حقوق الانسان ، انما قطعا مصر لا تدخل في هذا السياق حتى الآن. مؤكدا على هذا الأمر بنقطتين أولهما تقرير المجلس القومي لحقوق الانسان ، والذي يثبت فيه الاعتقال ونظام الحبس الاحتياطي والتعذيب وتقييد حرية اطلاق وتكوين الاحزاب والجمعيات ، كذلك ذكر التقرير الشكاوى العديدة التي وصلت الى 6500 شكوى ، هذا بالاضافة الى انتهاك حرية التجمع والتظاهر السلمي ، ويعد هذا التقرير شديد الاعتدال.
أما النقطة الثانية وهي تقارير المنظمات الدولية عن انتهاكات حقوق الانسان في مصر ، وهي التقاير الصادرة عن هيومان رايتس ووتش ، ومنظمة العفو الدولية. يعدان تأكيدًا على أن مصر في اللحظة الراهنة ليست مهيئة لأن تكون عضو في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان ، كما أضاف اسامة الغزالي أن السياسات العامة في مصر والتي تتسبب في الفشل العام في مصر وتمثل انتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي تمثل الحقوق الاساسية والاولية لحياة الانسان والآخذة في الانهيار وتدني مستوى الخدمات الاقتصادية والاجتماعية.
فيما يخص تشكيل المجلس الدولي لحقوق الانسان أضاف أسامة الغزالي عدم ارتياحه لانشاء المجلس الدولي لحقوق الانسان ، لأن هذا المجلس بالضرورة يجب أن يعبر عن المجتمع المدني العالمي وتكوينه بناء على مشاركة حكومات مسالة غير منطقية وغير فاعلة ، أما في حالة انشائه بمشاركة منظمات المجتمع المدني والتي تمتلك قيمة معنوية وأخلاقية لا يمكن انكارها ، وتمثل أيضا أحد عوامل التغيير ، ولو كثفت هذه المنظمات وتم اجراء نوع من تجميع قواها في منظمة دولية تعكس قوة المجتمع المدني كان لهذا أثر أكبر من من المجلس المقترح ومدى فاعليته.
اختتم اسامة الغزالي حديثه بملاحظة ، حيث ذكر أننا في مرحلة تحولات مختلفة تمثل عملية انتقال حقيقية من نظام إلى نظام ، النظام السلطوي القديم في مصر له خمسين سنة وصل إلى نهايته والآن هو عاجز عن أن يستمر بالطريقة القديمة ، ومصر في مرحلة مخاض نظام جديد ، وتمثل أحد ملامح هذا المخاض ظهور الكثير من الحركات والمبادرات التي تمثل علامات التحول إلى الجمهورية الثانية (الجمهورية الديمقراطية التي تحل محل الجمهورية السلطوية التي استمرت أكثر من خمسين سنة في مصر).
Share this Post