خلال الدورة الحادية والعشرين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي امتدت من 10 إلى 28 سبتمبر الماضي، خضع عدد غير مسبوق من حكومات المنطقة العربية إلى المراقبة والنقد الدولي، لارتكاب هذه الحكومات لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بلادها. فما كان من تلك الحكومات العربية سوى أن تعاطت مع هذا النقد بعاصفة من الهجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، انتقامًا منهم لتعاونهم مع الأمم المتحدة، بالإضافة إلى مزيد من المحاولات لتقويض معايير حقوق الإنسان الدولية.
شهدت هذه الجلسة تمرير واعتماد كل القرارات المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في السودان وسوريا واليمن، وكذلك تلك المتعلقة بجنوب السودان. كما تم استعراض أوضاع حقوق الإنسان في كل من الجزائر والبحرين والمغرب وتونس في إطار عملية “الاستعراض الدوري الشامل”. وعلاوةً على ذلك، أثار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان –وغيره من مجموعات المجتمع المدني الدولية وعدد من المدافعين الحقوقيين من منطقة الخليج– أمام المجلس قضية القمع المستمر للمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين في المملكة العربية السعودية وعمان والإمارات العربية المتحدة.
يقول زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “هناك العديد من محاولات قمع وإخماد الثورات تمارسها كثير من الدول العربية ضد النشطاء الحقوقيين على مدى العام ونصف العام الماضي”، مضيفًا أن هذه الدورة شهدت تعرض العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان من السودان والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى هجوم حاد من جانب حكوماتهم أو من جانب جهات فاعلة مرتبطة بحكوماتهم، وذلك بسبب تعاونهم مع الأمم المتحدة.
ويضيف عبد التواب “إننا ندعو الأمم المتحدة والدول الأعضاء إلى تكثيف جهودها بصورة عاجلة لتوفير الحماية لهؤلاء الحقوقيين، وغيرهم ممن يحذون بشجاعة حذوهم”، مؤكدًا أن هذه الأعمال الانتقامية ضد المتعاونين مع الأمم المتحدة لا تمثل فقط انتهاكًا لحقوقهم، لكنها تمثل أيضًا هجومًا على الأمم المتحدة نفسها وعلى قدرتها في العمل بالصورة الملائمة”.
بدأت هذه الدورة من المجلس بنقاش خاص حول “العمليات الانتقامية” أو الهجمات ضد المتعاونين مع الأمم المتحدة، وعلى الرغم من هذه المبادرة الإيجابية من قبل دولة المجر، إلا أن حكومات عدة مازالت مترددة في مواجهة تلك الحالات الملموسة.
يقول جيرمي سميث، من مركز القاهرة “إذا كانت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة جادة بشأن هذه القضية، فيجب عليها أن تتحرك لما هو أبعد من مجرد مناقشات نظرية، وأن تدين بشدة عمليات هجوم بعينها”.
شهدت هذه الدورة استعراضًا لحالة حقوق الإنسان في كل من المغرب والجزائر وتونس والبحرين. ومن جانبها قبلت حكومة المغرب بـ 128 توصية من أصل 140 توصية قدمتها الحكومات المختلفة بالمجلس، إلا أن المثير للقلق، هو عدم تطرق المملكة إلى العديد من الإشارات المتعلقة بانتهاكات حقوق الشعب الصحراوي في الصحراء الغربية، والتي أشارت إليها الدول خلال الاستعراض الشفهي ولكنها لم تنعكس في التقرير النهائي. ففي حين تم الاكتفاء بعرض مجموعة من تلك الإشارات تم حذف مجموعة أخري وجُردت أخرى من معناها وأهميتها. لذلك فمن المهم ألا يقتصر دور الدول الأعضاء بالمجلس على إدانة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية وحسب، وإنما يمتد إلى خلق آليات تضمن بقاء المجلس على علم تام بحالة حقوق الانسان فى المنطقة.
قبلت تونس بـ110 توصية ورفضت ثلاث توصيات، إلا أن أوضاع الصحفيين وحرية التعبير في تونس لا تزال تثير القلق، بما يحتاج لمراقبة خاصة عن كثب، لاسيما أن على تونس وضع ضمانات في دستورها الجديد تحمي حرية التعبير من كافة الانتهاكات.
البحرين والجزائر، قبلتا معظم توصيات عملية الاستعراض الدوري الشامل، ولكن يبقى توافر الإرادة السياسية والعزم على تنفيذ تلك التوصيات، لاسيما في ظل استمرار تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان بالبلدين لمضايقات عنيفة. فخلال عملية الاستعراض الدوري الشامل للبحرين، ورغم وجود تقارير موثقة تُفيد بوجود عدد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين في السجون البحرينية، إلا أن وزير الشئون الخارجية البحريني مازال مصّرًا على إنكار وجود سجناء سياسيين في البحرين. هذا بالإضافة إلى استمرار انتهاكات حرية الرأي والتظاهر، ناهيك عن تجاهل حكومة البحرين تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصى الحقائق، مما لا يعطي مؤشرًا إيجابيًا بشأن مستقبل تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري.
كان من أبرز فعاليات هذه الدورة استعراض التقرير الأول للمقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة، والعدالة، والجبر، وضمانات عدم التكرار، وهو التقرير وثيق الصلة بالأوضاع في بلدان عربية مختلفة، مازالت في طور الانتقال من ديكتاتوريات عتيدة مثل ليبيا ومصر. دارت العديد من المناقشات حول التقرير، والتي أعرب خلالها المقرر الخاص باولو دى جريف عن خوفه من الاستخدام الخاطىء للعدالة الانتقالية في بعض البلدان، وتفريغ المصطلح من معناه حتى يؤدي إلى الإفلات من العقاب.
ناقشت الجلسة انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة فى حق الشعب الفلسطينى من قبل المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تشمل الإيذاء الجسدي والمضايقات ومصادرة الممتلكات، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات الحقوقية الخطيرة في قطاع غزة وتردي الحالة الإنسانية تحت الحصار المفروض على القطاع في الأسبوع الأخير من هذه الدورة.
وفى هذا الإطار قام مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وعدة منظمات دولية غير حكومية أخرى، بإلقاء الضوء على السابقة الخطيرة التي أقدمت عليها حكومة إسرائيل، والخاصة بتجميد التعامل مع مجلس حقوق الإنسان منذ بداية هذا العام. طالبت المنظمات المجلس بمخاطبة الأمين العام من أجل تعيين مبعوث خاص له، للتحقيق في الرفض الممنهج من قبل اسرائيل في التعاون مع آليات الأمم المتحدة، فضلاً عن اقتراح سبل للتغلب على هذا العزوف عن المشاركة والتعاون.
دعمت الكويت وليبيا وعمان والمملكة العربية السعودية –الأعضاء حاليًا بالمجلس– النص الخطير الذي قدمه الوفد الرسمي الروسي بشأن ما يعرف بـ “القيم التقليدية”. ووفقًا لبيان مشترك قدمته منظمات المجتمع المدني أمام المجلس، اعتبرت أن “القيم التقليدية” هي مدخل لتقديم أفكار نمطية عن دور المرأة وتجريم من تعتبرهم الدولة “منحلين أخلاقيًا” وفرض قيود على أنشطة منظمات المجتمع المدني التي تعمل في قضايا قد تعتبرها بعض الدول بطريقة تعسفية “غير تقليدية”. كما اعتبرت المنظمات أن هذا النص هو بمثابة استمرار لتقويض عالمية حقوق الإنسان ومحاولة لفرض أخلاقيات الدول على حساب حقوق الإنسان، مطالبةً بمزيد من الجرأة السياسية.
وفي هذا السياق، اعترضت المملكة العربية السعودية على قرار لمكافحة زيادة معدلات وفيات الأمهات أثناء فترتي الحمل والولادة، في تحدٍ فج لعالمية حقوق الإنسان. إذ صرحت المملكة العربية السعودية أمام المجلس أن القوانين المحلية والتقاليد والقيم لها أولوية على القانون الدولي، ومن ثم، أعلنت أنها لن تقبل المجموعة الكاملة من إرشادات التوجيه الفني المتعلقة بالحد من وفيات الأمهات والحفاظ على صحتهن الإنجابية والتي أوصى بها قرار المجلس.
خلال هذه الدورة أيضًا، دفعت مصر، بدعم من عدد من الحكومات العربية، وباستخدام لغة مقيدة لحرية التعبير، من أجل تعديل قرار لمكافحة العنصرية مقدم من جنوب أفريقيا والتي رفضت بدورها هذا التعديل. وفي هذا الإطار يقول جيرمي سميت من مركز القاهرة “لقد شهدت هذه الدورة زيادة تُنذر بالخطر في قوة وتكرار محاولات بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية تقويض عالمية حقوق الإنسان ومبدأ المساواة الذي يمثل أساس تلك الحقوق”.
من جانبه قال عبد التواب من مركز القاهرة “أن النضال من أجل احترام حقيقي لحقوق الإنسان من قبل حكومات المنطقة العربية قد بدأ لتوه، بما يتطلب دعمًا من المجتمع الدولي، وإدراك واضح أن هذا ليس وقت الانشغال أو الإعراض عن المطالبين بالإصلاح والديمقراطية في المنطقة العربية”. وفي هذا الإطار رحب عبد التواب بتجديد القرارات الخاصة بالسودان وسوريا واليمن في دورة المجلس الحالية.
خلال هذه الدورة تم تجديد القرار الصادر بشأن سوريا، والذي قدمته المغرب وقطر والمملكة العربية السعودية، ولم تصوت ضده غير روسيا والصين وكوبا، والخاص بتكليف لجنة لتقصى الحقائق في سوريا، يمتد عملها حتى مارس 2013.
القرار طالب اللجنة بالاستمرار في توثيق وجمع الأدلة حول انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الجرائم المحتملة ضد الإنسانية، وذلك لتقديمها إلى المجلس في دورته التالية. ولكن من المؤسف أن القرار لم ينجح مرة أخرى في أن يتضمن توصية واضحة بإحالة الوضع في سوريا إلى “المحكمة الجنائية الدولية”.
وفي سياق متصل، صدر قرار أخر بشأن اليمن، وتم إقراره بالإجماع. القرار يرحب بموافقة حكومة اليمن مؤخرًا بافتتاح مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في اليمن، كما طالب القرار المفوضية السامية برفع تقارير إلى المجلس بشأن “وضع حقوق الإنسان في اليمن” بعد عام واحد. وعلى الرغم من أن القرار يفتح المجال أمام متابعة حالة حقوق الإنسان باليمن، إلا أنه لم يقدم خطوات فعالة للتعامل مع الإفلات المستمر من العقاب على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها اليمن على مدى التسع عشرة شهرًا الماضية، كما لم يضمن القرار وجود آلية ملموسة للمتابعة وإعداد التقارير بشأن الوضع الحالى لحقوق الإنسان في اليمن.
وعن السودان أيضًا تم اعتماد قرار بالإجماع بشأن تجديد تكليف الخبير المستقل المعني بالسودان لمدة عام واحد جديد. وحث القرار حكومة السودان على منح الخبير المستقل تصريح بالدخول إلى “جميع أنحاء البلد”، وبخاصة دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، كما طالب القرار الخبير برفع تقارير إلى المجلس في دورته الرابعة والعشرين.
عن تلك القرارات تقول باولا داهر، من مركز القاهرة “خاب أملنا بسبب تجاهل القرارين المعنيين باليمن والسودان للفشل المستمر في إيقاف الانتهاكات الخطيرة المستمرة لحقوق الإنسان من جانب هاتين الحكومتين، بل وبدلاً من ذلك، أعاد المجلس تقريبًا إنتاج واعتماد قرارات سابقة مع إشارة ضعيفة للوضع الحالي على الأرض” وتضيف باولا “الاستعراض الدوري الشامل لهذه الدول في المستقبل لابد أن يأتي بناءً على استجابة المجلس للوضع الفعلي على الأرض، وليس استجابة للملائمات السياسية”.
Share this Post