هل نقول وداعاً للوحدة الوطنية ؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

أكد مثقفون ونشطاء سياسيون وحقوقيون أن هناك عدة أسباب تكمن وراء ارتفاع حدة أحداث العنف الطائفي في البلاد في الفترة الأخيرة في تقدمها تراجع مشروع مصر الديمقراطي واكتساب الدولة طابعاً بوليسياً إلى جانب الصعود الواضح للمشروع الإسلامي وما يعانيه المجتمع من هشاشة ثقافية إلى جانب تعاظم التعصب لدى التيار اليميني في الحركة المسيحية.
جاء ذلك في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد في 30 إبريل 2006 تحت عنوان “هل نقول وداعاً للوحدة الوطنية ؟!” أدارها بهي الدين حسن مدير المركز والذي أشار إلى أن الهدف من السؤال المطروح على الندوة هو دق جرس الإنذار والتحذير من الواقع المؤسف الذي تنحدر إليه هذه المسألة والذي كشفت عنه بشكل خاص تداعيات العنف الطائفي بالإسكندرية وقال أن مصر بدأت تشهد بشكل متصاعد وبخاصة منذ أوائل السبعينات الطائفية مشيراً بشكل خاص إلى أحداث الخانكة في نوفمبر 1972.
وقال بهي أن المفارقة في أحداث الإسكندرية الأخيرة أن المتهم في الاعتداء على الكنائس كان يهتف وهو شاهراً سيفه بالهتاف الذي رددته عشرات الألوف في مناسبة الاحتجاج على الرسوم بالصحف الدانماركية مصر شعاره “فداك يا رسول الله” بما يعني أنه هو وغيره ينظرون للمسيحيين على أنهم ليسوا أشقاء في الوطن وإنما على أنهم امتداد لمواطنين في دولة أخرى يجمعهم دين واحد بصرف النظر عن المذهب الذي يتبعه هؤلاء أو أولئك.
وأضاف أن السؤال الذي تثيره هذه الأحداث وغيرها هو ما التطور الذي حدث سلباً أو إيجاباً منذ عام 1972 بصرف النظر عن تعدد أشكال الظاهرة الطائفية وهل نحن أمام تدهور فصل في الإسكندرية إلى حد أن جموع البسطاء تتواجه في الإسكندرية ومجموعة منهم ترفع الصليب والأخرى ترفع المصحف ؟
أم نواجه مشكلة مجتمعية حقيقية، وهل هي مشكلة يجري تضخيمها من خلال وسائل الإعلام أو ما يسمى بالأطراف الأجنبية المتآمرة سواء كانوا موساد أو إمبريالية أو من يسمون بأقباط المهجر ؟! أم أننا أمام مشكلة كبيرة بالفعل دون مبالغات ؟ وقال بهي أن هناك سؤال آخر حول موقف الحكومة المصرية من هذه المشكلة حيث صارت تعترف من 34 عاماً بوجود مشكلة وشكلت لجنة في 1972 برئاسة المرحوم جمال العطيفي لدراستها ولكنها أهملت التقرير الصادر عن هذه اللجنة وتوصياتها ؟ والسؤال – حسب بهي – حول ما إذا كانت الحكومة عاجزة عن تنفيذ هذه التوصيات أم أنها تستفيد سياسياً من استمرار هذه المشكلة ؟ وما الذي يحول دون تقديم الحكومة مشروع قانون يكفل المساواة الحقيقة بين المسلمين وغيرهم في بناء دور العبادة وأن تعلن رفضها لأي شكل من أشكال التمييز ضد المسيحيين وأن تعلن قطيعة كاملة مع ممارسات التمييز؟!
وتحدث يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة “وطني” فأشار إلى أنه دائم التوجس من تعبير “الوحدة الوطنية” مشيراً إلى أنه تعبير سياساتهم صلة لزخرفة واقع فاسد وتم استخدامه في المناسبات الرسمية ولا تهدف التقييم والتغطية على المسلسل البغيض الذي أطلق عليه الفتنة الطائفية لمواراة الواقع الفاسد.
أضاف سيدهم أن تعبير الوحدة الوطنية بقى للأسف محصوراً في دائرة الاستخدام السياسي له، بينما ترك الداء يستشري، وتركت الفجوة بين المسلمين والمسيحيين تتسع وأكد أن المواطنة وليس الوحدة الوطنية هي المدخل لإنقاذ البلد وأضاف أنه يجب الاجتهاد في توصيف المواطنة ووضع المعايير له مشيراً إلى أنه عقب المأساة أحداث زوجة الكاهن والاعتصام الثاني في فناء الكاتدرائية اجتمع بعض العقلاء في نقابة الصحفيين وتمت المناداة بإنشاء المجلس المصري لحقوق المواطنة على غرار المجلس القومي لحقوق الإنسان لأن الأخير كان في وقتها موضع علامات استفهام كثيرة.
أضاف سيدهم أن من الأسباب التي أدت إلى استمرار وتردي هذا المسلسل اللعين هو تعبير “الفتن الطائفية” لأنه كان هناك نوع من الرغبة السياسية في أحداث توازن في الخطيئة بين المسيحيين والمسلمين وأطلق على هذا “الفتن الطائفية” وقال أنه لديه قناعة بأنه قد تم إلصاق مزاج ويعني الفتن الطائفية على كل ضربة من الضربات اللعينة التي كانت توجه للأقباط في دور عبادتهم أو في كيانهم وحقوقهم خصوصاً في الريف والتجمعات الصغيرة التي للأسف بالفعل لا تحكمها الدولة المدنية وإنما تحكمها الأصولية الدينية والدولة البوليسية.
وأكد أن ما يحدث ليس فتنة طائفية كما حدث في أيرلندا ولبنان ويوغسلافيا لأن من ضمن مقومات هذه الفتنة التوازن بين قوتين أو كتلتين متساويتين في العدد وفي القوة على حين أن المسيحيون في مصر يتلقون الضربات ويبشر بكراهيتهم وتكفيرهم وعدم التعامل معهم.
ورأي سيدهم أن هذا الواقع أبعد ما يكون عن وضع شارع مسيحي في مواجهة شارع مسلم مؤكداً على أهمية حشد شارع مصري يعزل الفئة الضالة الدخيلة على مجتمعاتنا مشيراً إلى أن هناك مشكلة مجتمعية تمثل هموم المصريين جميعاً وأن الملف القبطي يجب أن ينزع من داخل الملف الأمني المصري وأن يتم وضعه داخل ملف الهموم المجتمعية المصرية كجزء من هموم المصريين مقبراً أن هذا يمثل الخطوة الأولى الصحيحة في اتجاه المواطنة.
أضاف قائلاً أنه لحل هذه المشكلة نتطلع إلى دور للدولة ودور للمؤسسة الدينية ودور للمجتمع المدني مشيراً إلى أن الدولة يجب أن تتصرف بشكل يثبت أنها راعية لجميع مواطنيها وليست منحازة لجزء منهم على حساب الآخر، وقال إن مصر بها نظام لا يعدل بين مواطنيه المسلمين والمسيحيين وأن هناك ملف بغيض للتشريعات الحاكمة لموضوع بناء وصيانة دور العبادة مهما تم التشدق بسلسلة من القرارات الجمهورية والتي كان آخر ما في ديسمبر الماضي، مؤكداً أن هذه القرارات جميعها ترسخ فكر الفرز حيث لن يتم تأطير المساواة الحقيقية بين المصريين فيما يخص ملف دور العبادة إلا بالقانون الموحد لبناء دور العبادة.
أضاف سيدهم أن هناك خطابات إسلامية تفيض سماحة وأخرى تفيض أصولية وأن مصر على مدى قرون استطاعت أن تفرز إسلاماً سمحاً عاش الأقباط في ظله طوال هذه القرون وأننا نستطيع العودة لهذا الإسلام السمح وأنه تحت ميزان المواطنة نستطيع التصرف بإعطاء الحقوق لأصحابها.
وأكد أن الدولة لا تتصرف بحياد تجاه مواطنيها في حقوقهم في تقلد المناصب العليا والوظائف القيادية وتعلي الهوية الدينية فوق الاستحقاق وأشار كذلك إلى استمرار معاً بأن الأقباط من تهميش إعلامي وتعليمي وزرع أخطار تخلق طفل مصري تمت اغتيال براءته في علاقته بزميله أو زميلته المسيحي أو المسيحية وقال نحن نحتاج إلى ثورة على المؤسسة التعليمية في مدرسيها ومدرساتها الذين يغتالون براءة تلاميذهم ويزرعوا الفساد في عقولهم مشيراً إلى وجود 30 عاماً من تراكم الغبن على الأقباط بما جعل الكنيسة تستقطب الأقباط واحتفظت بهم في كنفها بما أدى إلى ظاهرة بغيضة جداً لابد من تغييرها وتمثل تحدياً لا يقل تحدي دور الدولة في الفترة المقبلة حيث قامت الكنيسة بدور “معزية” لرعايتها و ربتت على أكتافهم وكان عليها أن تعيد إرسالهم للمجتمع ولكنها إما خوفاً على أبنائها أو رغبة في السيطرة عليهم احتفظت بهم في أحضانها.
وأشار كذلك إلى انكماش مؤسسات المجتمع المدني في ظل الشمولية وأن على هذه المؤسسات دور مهم جداً في أن تعيد تعريف المصريين ببعضهم البعض في أنشطة حياتية حقيقية ويومية وليس على الموائد الرمضانية وليس بتبادل كروت المعايدة في المناسبات المختلفة حيث يحتاج الشارع المصري لسد الفجوة بين مسلميه ومسيحييه خاصة بين الشباب.
ثم تناول ممدوح نخلة مدير مركز “الكلمة” لحقوق الإنسان أطراف الحديث فأشار إلى أنه لم يكن مطروحاً من 40 سنة سؤال مثل المطروح اليوم مؤكداً في نفس الوقت أن إجابة السؤال بلا تحفظ هي نعم وداعاً للوحدة الوطنية وحذر من أن مصر قد تكون مقبلة على حرب أهلية عميقة مشير إلى أنه إذا استمر الوضع على ما هو فلابد أن يدافع المسيحيون عن أنفسهم راصداً من عام 1995 منذ مذبحة دير المحرق وجود 14 حالة انتهاك ضد الأقباط منها مذابح ومنها معارك بسيطة وأخرى اعتداء على كنائس وأجاب أن هناك عدة أسباب تقف وراء الاعتداءات على الأقباط في مقدمتها التعليم المتطرف وتلقين الطفل المسلم عدم قبول الآخر وعدم وجود نصوص دينية مسيحية في مناهج التعليم والتركيز على آيات وأحاديث تقول : “هذا إسلامي” “وهذا قرآني” أضاف نخلة أن هناك صحف تقوم بالإساءة للمسيحيين إلى جانب كتب تتعرض لهم ولديانتهم وفيها “رائحة الأمن” وأصابعه مدللاً على أنه شخصياً تعرض للاتهام بالتطرف وإثارة الفتنة الطائفية لأنه قام برفع دعاوى قضائية ضد الخط الهمايوني ولحذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية.
ورأى أنه لا يوجد في بناء الكنائس ما يثير أو يستفز مشاعر المسلمين متهماً الإعلام الرسمي بأنه عنصري ويستضيف بعض شيوخ التطرف ويلقي دائماً باللوم على الكنيسة وأكد أن الحكوميين الرسميين يتهمون المسيحيين بالتطرف ويشعلون الفتنة مشيراً إلى أن المعالجة الأمنية الخاطئة من تسهم بدورها في إذكاء الفتنة وأكد أهمية إصدار قانون التمييز الإيجابي على غرار ما طبقته الولايات المتحدة الأمريكية على السود وكان من نتائجه أنهم حصلوا على مناصب قيادية في أمريكا وعلى حقوقهم في مختلف المواقع ووسائل الإعلام.

احتقان

وتحدث الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين فأشار إلى أن ثمة احتقان موجود في المجتمع المصري للأسباب التي سبق وأن ذكرها سيدهم ونخلة وهي أسباب متعلقة بالثقافة والتعليم.
وأكد أبو الفتوح أن الدولة هي المسئول الأول عن أحداث العنف الطائفي بين المسلمين والأقباط لممارستها الظلم ضد الجميع وعدم احترامها لمواطنيها لافتاً إلى أن اضطهاد الدولة لا يقع على الأقباط وحدهم وإنما يمارس أيضاً ضد عدد كبير من المسلمين مشيراً إلى ما وصفه بالظلم الذي يتعرض له أفراد جماعة الإخوان المسلمين الذين يحرمون من الالتحاق بعدد كبير من الوظائف بسبب انتمائهم للجماعة ولفت إلى أن الدولة لا ترعى مواطنيها بالشكل المطلوب.
قال أبو الفتوح أن البلطجية الذين ضربوا مرشحي الجماعة وأنصارها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة هم أنفسهم الذين اعتدوا على الأقباط في أحداث الإسكندرية رافضاً اعتبار الأقباط أقلية وقال أنهم جزء من نسيج الأمة ومن الصعب التفرقة بينهم وبين المسلمين إلا أن أبو الفتوح لم ينكر وجود دعاة للتطرف في الجانبين يقومون بالترويج للخلافات الموجودة بين عنصري الأمة معتبراً أن محاربة الدولة للإخوان من أهم أسباب ازدياد التطرف.
ولفت إلى أضعاف المؤسسة الدينية الرسمية متمثلة في الأزهر مؤكداً على أهمية توافر الإرادة السياسية لمواجهة الفتنة بين الأقباط والمسلمين لمنع التدخل الأجنبي الذي تسعى بعض الجهات إلى اللجوء إليه مشدداً على خطورة ذلك الأمر على مصر بعنصريها.
وأكد أبو الفتوح أنه لا يجوز أن يتعرض أي مصري للاضطهاد بسبب دينه أو لونه أو جنسه أو أفكاره السياسية وأن الحقوق والواجبات يجب أن تقوم على مبدأ المواطنة دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى واصفاً الدور الشعبي في مواجهة الأزمة بأنه مازال ضعيفاً ولفت إلى أهمية مجموعة اللقاءات التي عقدها الإخوان والأقباط لتبادل الآراء عقب فوز الجماعة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة معبراً عن أماله بأنه يتم تنفيذ التوصيات التي تم التوصل إليها خلال تلك الاجتماعات مطالباً في نفس الوقت بعدم الانسياق وراء من يستفيدون من إشعال الفتنة لتحقيق مصالح معينة.
وأشار أبو الفتوح إلى أن جانباً من تعقيد القضية يرجع إلى أن بعض الأطراف من الأقباط يتحدثون عن الاستقواء بالخارج بما يستفز قطاعات من المسلمين مشيراً إلى أن غياب دور الدولة وضعفها جعلها تترك أطرافاً لمواجهة هذه الاستفزازات دون أن تقوم بواجبها في ردع ورد الظلم الذي يقع على هذا الجانب أو ذاك، وأكد أن تغييب الجانب المعتدل من الإسلاميين أدى إلى وفود أفكار غريبة على المجتمع من الخارج وهي أفكار مرفوضة وقال أن التطرف في المسلمين والمسيحيين ظاهرة بشرية لكن الخطورة هي في تحولها إلى ظاهرة مزعجة ومضرة بالمجتمع.

دولة بوليسية

وبدأ الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام حديثه بالتأكيد على أن الوطنية المصرية تمر بحالة تراجع خطيرة وأن بعض الدراسات أشارت إلى أن 90% من المصريين يرون أن العامل الديني هو المرجعية الأولى لهم وقال أن هناك عدة سياقات وأسباب لتزايد العنف الطائفي وأن السبب الأول منها هو تراجع مشروع مصر الديمقراطي واكتساب الدولة طابعاً بوليسياً متزايداً وذلك ربما مع بداية السبعينات وقبلها بقليل مع تخلي الرئيس عبد الناصر عن مشروع بيان 30 مارس وسحق الحركة الطلابية في نوفمبر 1968 مؤكداً أن الدولة بدأت تكتسب الطابع البوليسي في عهد السادات واكتملت أركان هذا الطابع منذ الثمانينات فأصبحت دولة بوليسية من جميع النواحي وتتآمر بالفعل على الوحدة الوطنية.
أضاف سعيد أن هناك شكوك تحتاج لدراسات جادة عن مدى تلاعب أجهزة الأمن بملف الوحدة الوطنية مشيراً إلى أن الدولة تحكم شعبها الآن بعقلية استعمارية وتصطدم معه مثلما فعلت مع القضاة وأكد على أهمية الوصول لمصالحة مثلما جرى الحال في جنوب أفريقيا مشيراً إلى أن هذه المصالحة لن تتحقق إلا بالتحرر أولاً من شبح الطغيان.
وأوضح سعيد أن السياق الثاني لبروز العنف الطائفي تمثل في الصعود الخطير لديناميكية محددة للمشروع الإسلامي وما صاحب ذلك الصعود من سعي إلى أن يحل هذا المشروع محل الوطنية المصرية ويحتل المكانة التي أفرغت بانهيار أو تراجع الناصرية وقال أن طريقة بلورة هذا المشروع انطوت على إقصاء للمسيحيين من الساحة بل وممارسة عنف منظم عليهم موضحاً أن المسلمين على وجه التحديد ورثوا حقداً دفيناً وعميقاً وغير قابل للفهم ضد الأقباط وكان موقفهم بالغ التطرف ضدهم مشيراً إلى نصوص وفقه القرون الوسطي بها ما قد يبرر المعاملة العنيفة للمسيحيين خاصة في صعيد مصر وفي الثمانينات تحديداً حين فرضت نظم معقدة للإمارة وألزم بعضهم المسيحيين بدفع الجزية مؤكداً أن جماعة الإخوان المسلمين لم تشارك كثيراً في هذا الموضوع.
وأكد أن وعي الإخوان بهذه القضية لم يتبلور إلا منذ بداية التسعينات معبراً عن اطمئنانه إلى حد كبير إزاء ما وصفه بتحولات المشروع الإسلامي والذي بدأ يتطهر من هذا الدرن في كراهية الأقباط مشيراً في نفس الوقت إلى عدم وجود ضمانة بأن الفكر الذي يمثله معتدلون كالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو الذي سينتصر في النهاية داخل الإخوان أم لا.
استطرد الدكتور سعيد مشيراً إلى أن السياق الثالث لتصاعد العنف الطائفي هو الهشاشة الثقافية للمجتمع المصري الذي يعيش بعض قشور الحداثة ويرث ثقافة العصور الوسطي خاصة في مناطق كالصعيد وسيناء بما تحمل هذه الثقافة من مخزون طائفي معتبراً أن السياق الرابع يتمثل في التعاظم في الجانب التعصبي لدى التيار اليميني في الحركة المسيحية مشيراً إلى أنه ومن خلال الكنيسة تبلورت مواقف بعضها إنساني وراقي جداً والبعض الآخر يميني متطرف ويستقوى بالخارج وله خرافاته الخاصة وعنفه الرمزي الخاص وفكره العنصري وشدد على أهمية الدراسة العميقة لتطور الثقافة التحتية للجماعة القبطية حيث يوجد من يتشبع بالمبدأ المسيحي ” الله محبة ” وفي المقابل هناك من يحمل مخزوناً يقوم على مستوى عال من العنف الرمزي وذلك نتيجة لافتقاره لمهارة الفعل السياسي وأعرب سعيد عن تطلعه لتجمع جديد لحركة الوطنية يعمل على إحياء الوطنية المصرية واستعادة الديمقراطية وإنهاض المجتمع وتخليعه من سخافات تنتمي للقرون الوسطي.

تنازلات

وبدأ نجاد البرعي مدير جماعة تنمية الديمقراطية حديثه بالاتفاق تشخيص الدكتور محمد السيد سعيد للقضية مؤكداً في نفس الوقت أن عبارات الوحدة الوطنية عبارات إنشائية وأن الاستدلال بما جرى في ثورة 1919 خاطئ وقال أن فكرة الوحدة الوطنية والمساواة لم تكن أبداً موجودة في مصر مؤكداً أنه ليس صحيحاً أن هناك من يؤمن بحرية الدين والمعتقد وقال البرعي نحن ودعنا الوحدة الوطنية منذ سنوات وسنوات لافتاً إلى ما حدث من ثورة عند الإعلان عما سمي بوثيقة التبشير رغم كونها وثيقة للحرية الدينية تتيح لكل طرف الدعوة لدينه دون أن يتعرض للدين الآخر وقال أن المسلمين يريدون دولة دينية على طريقتهم وكذلك المسيحيون مؤكداً أن المسيحيين بدأوا طريق النهاية عندما لجأوا إلى طريق العنف وانجروا إلى ذلك بخطة شيطانية مفسرًا ذلك بالمسيحيين حصلوا على فوائد كثيرة من العنف الذي تعرضوا له من قبل عن طريق الحصول على امتيازات أهمها تأشيرات الهجرة للخارج وأنه عندما بدأت السفارات تغلق أبوابها بدأوا يستدرجون للعنف بما أدى لإحداث صراع طائفي.
أكد البرعي أن هناك عدة إجراءات لمواجهة هذه القضية في مقدمتها الاعتراف بوجود المشكلة وأن مواجهتها بتبويس اللحي وتبادل الإفطارات في رمضان غير صحيح فيما يحتاج علاجها إلى تنازلات من الجانبين في مقدمتها تنازل الجانب المسلم عن التشدد فيما بتعلق بموضوع بناء الكنائس قائلاً : “إذا تركت الحرية في بناء الكنائس سوف تتحول –إذا تم التوسع فيها– إلى مستشفيات أو مراكز تعليمية لأنه لن يكون هناك حاجة إلى هذا العدد إذا تم بناء أعداد أكبر من حاجة الأقباط”.
أضاف البرعي أن الحل الآخر يتمثل في توقف التليفزيون الحكومي عن بث برامج دينية ذات طابع إسلامي حيث يستطيع الناس الوصول إلى ما يريدون عن طريق القنوات القضائية المنتشرة والمتعددة وليسوا في حاجة للبرامج الدينية في التليفزيون الرسمي مشيراً إلى أن هناك تنازلات مطلوبة من الجانب المسيحي في مقدمتها أنه مهما قبل عن المواطنة فإن على المسيحيين الإدراك بأنهم يعيشون في دولة إسلامية والتوقف عن فكرة الاستقواد بالخارج في هذا الشأن لأنه عندما “يجد الجد” لن يكون موجوداً هذا الخارج ودعا البرعي إلى دفع الأقباط إلى الاندماج في المجتمع وعدم التقوقع داخل الكنائس مع العمل على فصل الدين عن الدولة.

Share this Post